• ThePlus Audio
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

كيف أكون من حداث الحسين (عليه السلام) يوم القيامة؟

بسم الله الرحمن الرحيم

من هم حداث الحسين (عليه السلام)؟

من الأحاديث التي لو سمع بها كل مؤمن، فتحت شهيته وطمع في أن يكون مصداقا للحديث وحائزا لهذه المنزلة، ما روي عن الإمام الصادق (ع) عن البعض من المؤمنين الذين يكونون حداث الحسين (ع) يوم القيامة. لو تأمل المؤمن أمثال هذه الروايات؛ لتبينت له بعض المقامات التي قد لا يُفكر في نيلها طوال عمره. نعم، قد نكون من أهل الفلاح والنجاح ولكن ذلك شيء والقرب المتميز شيء آخر وقد قال عز من قائل عن صنف خاص من المؤمنين: (أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ)[١].

ومن المقامات المتميزة، مقام الأنس بأهل البيت (ع) عموما وبالحسين (ع) خصوصا. وهذا الأنس بالحسين (ع) نعيم آخر إلى جانب نعيم النظر إلى وجه الله عز وجل وذلك قوله سبحانه: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إلى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ)[٢]. والنظر إلى وجه الله عز وجل لا يعني النظر المادي، فكما روي عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: (لَمْ تَرَهُ اَلْعُيُونُ بِمُشَاهَدَةِ اَلْأَبْصَارِ وَلَكِنْ رَأَتْهُ اَلْقُلُوبُ بِحَقَائِقِ اَلْإِيمَانِ)[٣]. ليس المهم انطباع صورة في الشبكية؛ بل المهم أن يكون القلب محلا لذلك الجمال الذي يترشح منه كل جمال.

ما الذي كان يوجب الغشية لأمير المؤمنين (ع)؟

لماذا أصبح أمير المؤمنين (ع) على رأس العاشقين لله عز وجل وأصبح دعائه المعروف بدعاء كميل، طافحا بكلمات الحب كقوله (ع): (اِجْعَلْ لِسَانِي بِذِكْرِكَ لَهِجاً، وَ قَلْبِي بِحُبِّكَ مُتَيَّماً)[٤]. اليتيم هو الذي فقد الصلة بأحد أبويه؛ فاليتم يعني الانقطاع. فكما أن اليتيم منقطع، فالمحب العاشق منقطع أيضا. وهذا المقام هو من المقامات التي يُمكنك اكتسابها في هذه الحياة الدنيا. بالطبع لا سنخية بين التراب ورب الأرباب؛ فالإنسان متثاقل بطبعه إلى الأرض، والحجر على رأس الجبل لا يطير ولا يتزعزع من مكانه إلا بفعل فاعل.

موتوا قبل أن تموتوا

اكتسب هذه القابلية في دار الدنيا قبل الانتقال إلى تلك الدار التي ينكشف فيها كل شيء للجميع ويُصبح الجميع من الأولياء لانكشاف الغيب لهم، لقوله عز وجل: (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ)[٥]. إن عدو الله مثلا يرى الملك في القبر يحمل بيده سياط من النار؛ والحال أن الملك مثال الشفقة والرحمة حتى يوصف حامل هذه الصفات بالملائكي. وكذلك يرى الجميع في ذلك العالم الملائكة والجن وكل ما ستعلق بما وراء الطبيعة. بل يطمع حتى الكافر في الحديث مع الله عز وجل ولكن يأتي النداء: (اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ)[٦]. لقد كان يتلطف سبحانه لعباده في دار الدنيا ويقول لهم: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)[٧] وكان يدعوهم إلى السجود ويدعوهم للمغفرة ويقول: (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ)[٨] ولكنهم لم يستجيبوا له، فلا ينفعهم إيمانهم وإقبالهم بعد أن انكشف لهم كل شيء وقامت قيامتهم.

إن المؤمن يمتلك أساسا قويا يُمكنه من الطيران بخلاف غير المسلم الذي يكون كالحجر لا قابلية للطيران لديه. وهذا الأساس المتين هو صلة المؤمن واتباعه منهج أهل البيت (ع). أما الذي لا صلة له بعلي وفاطمة والحسن والحسين والتسعة المعصومين من ذرية الحسين (ع) فقد ترك عدل الكتاب والثقل الآخر؛ فهو برجل واحدة ولا يصل إلى منزله مهما جد في السير.

شعار الخضر والحسين (عليهما السلام)

أما المؤمن الذي يحمل عقيدة الإسلام ويتبع منهج أهل البيت (ع) ويزور الحسين (ع) ويقف بين يدي إمام يعلم أن الله عز وجل لا يرد له دعوة وهو مظهر الاستجابة؛ فهو قد قطع شوطا كبيرا للوصول إلى المقامات العليا وللتميز. بل إن مقام الإمام أعلى من مجرد كونه مظهرا للاستجابة. فمن خصوصيات الإمام أن مراده هو مراد رب العالمين. لا يتهمنا أحد بالغلو، فهذا الخضر يبرر قتله للغلام بقوله: (فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا)[٩]؛ أي أن إرادتي يا موسى هي إرادة رب العالمين. لم يدع الخضر ولم يطلب شيئا، ولذا كانت إرادته متحدة مع إرادة رب العالمين؛ ولو كانت خرقاً للسفينة أو قتلاً للغلام. إن شعار الحسين (ع) هو هذا الشعار الذي نطق به الخضر من قبل: (أردنا). فإذا أراد (ع) شيئا فقد تمت الصفقة.

أحسن الاستجداء…!

فإذا أردت الطيران والعيش في تلك الأجواء التي وصفتها لك؛ ما عليك إلا أن تتقن وقوفك بين يدي الله عز وجل. إذا خرج السلطان من القصر، فأحسن الاستجداء بين يديه. قد يكون غيرك موظفا في الدولة ولا يأخذ من ميزانية الملك إلا مبلغاً معيناً كل شهر، ولكن المستجدي يقع على قدمي الأمير أو الملك فيعطيه منزلاً أو دابة أو مالاً لا يجتمع عند غيره إلا بجهد العمر وكد السنين. نعم، إن السلطان يعطي المستجدي هبةً في لحظة من اللحظات ولكن لمن؟ لمن وصل إلى باب القصر وصادف دخوله خروج السلطان وأذن له السلطان بالعطاء. إن أئمتنا (ع) هم سلاطين عالم الوجود ومظاهر أسماء الله الحسنى، وكما ورد عنهم (ع): (نَحْنُ الشَّعائرُ)[١٠]. فكلمة الشعائر لا تعني فقط؛ المنابر والمجالس، بل هم (ع) من أعظم الدالين على الله عز وجل. كيف يكون الصفا والمروة من شعائر الله ولا يكون الحسين (ع) من شعائره؟ الشعيرة هي الدالة على الله عز وجل والحسين (ع) فوق كل دلالة.

تأمل في صلاة الحسين (ع) يوم عاشوراء وصلاة علي (ع) ليلة الهرير؛ الواجبة منها والمستحبة. فكما روي عنه (ع) أنه لم يترك صلاة الليل منذ أن أوصاه رسول الله (ص) بها حتى ليلة الهرير. أتقن الوقفة أو بعبارة عرفية: الاستجداء بين يدي الله عز وجل. وكن مستجدياً لبقاً، لا في يوم ولا في يومين ولا في فريضة ولا في فريضتين؛ بل ليكن هذا حالك وديدنك في جميع مواقفك بين يديه.

هدية المشاية للحسين (عليه السلام)

إنني كثيرا ما أوصي مشاية الأربعين وأقول لهم: بعد أن قطعت الأميال ووصلت إلى حرم الحسين (ع)، قدم بين يدي نجواك هدية لإمامك (ع). صل لله ركعتين وقل: اللهم هاتان الركعتان هدية مني لمولاي. وإن كنت من أهل الصلاة الخاشعة، فإن الثمرة ستظهر ها هنا، فستصليهما من دون أن تحدث نفسك بشيء. قد تصلي صلاة واجبة لنفسك لا تخشع فيها، وتصلي الركعتين تقبل فيهما، فقل: يا مولاي، هاتان الركعتان أتقنتهما وقدمتهما هدية لك. ألا تخاطب الإمام (ع) قائلا: أشهد أنك قد أقمت الصلاة؟ فلماذا لا تقيمها كما أقامها؟

شاب ليس كغيره من الشباب…!

لقد رأيت ذات يوم شاباً فقال: لقد فتح الله لي باب الأنس معه. إن للشباب سكرا كما للخمر والرئاسة سكر ولكن كان لهذا الشاب سكر من نوع آخر. يقول: إنني لجأت إلى أئمة أهل البيت (ع) واعتكفت أربعين يوما في الحرم، ولعله كان يصوم نهاره ويقوم ليله، ولم يكن له مطلب سوى الوصال. كان يبكي في الحرم بكاء الثكلى إلى درجة يلتفت إليه الزائرون ويسئلونه عن حاجته فيظنونه كسائر الشباب قد عشق فتاة مثلا فهو يبكي من أجلها، فيقول لهم: لا حاجتي لي سوى وصال مولاي. انظروا إلى ما يطمح إليه هذا الشاب وكيف افتحت شهيته على هذه المقامات؟ من الطبيعي أن تنفتح شهيتك على منصب أو على فتاة، ولكن أن تبكي أربعين يوم وليلة في الحرم تريد وصال إمامك؟

لقد فُتحت لي الأبواب أخيرا…!

يقول هذا الشاب: لقد فُتحت لي الأبواب، فقلت له: ماذا ترى؟ ماذا يقول لك قلبك؟ قال لي: لقد وصلت إلى درجة أنظر يميناً وشمالاً وأمامي وخلفي فأرى الله معي، وأنتظر من طلوع الشمس منتصف الليل لكي أقف بين يدي ربي وأحلق في ذلك العالم. لا تيأس من الوصول إلى هذه المقامات وأنت ترى من هم على شاكلتك قد نالوها، واعلم أن طريق الألف ميل يبدأ بخطوة. وبإمكانك استثمار أيام الزيارة الأربعينية. فقد تكون على حال غير جيدة قبل الزيارة، وإذا بك تجد في قلبك نور الولاية وشيئاً من جذبة عالم المعنى وحب الحسين (ع) وحب زيارته.

ابدأ المشي الثاني بعد مشيك إلى الحسين (عليه السلام)

واعلم أنه لا ينبغي أن ينتهي سيرك بنهاية الزيارة الأربعينية. لا تكن ممن يعود من الزيارة ويظن أن المهمة قد انتهت ويودع الإمام (ع) وداعا إلى قابل. اعلم أنك برجعوك قد بدأت سفراً جديداً، وتذكر قول الله عز وجل: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ)[١١]. فإن هذا المشي على عظمته سفرة في الآفاق من منزل إلى منزل ومن موكب إلى موكب وهناك بموازاة هذا السفر حاول أن تمتلك سفراً أنفسياً. خاطب ربك وقل: يا رب، مشيت في الآفاق وأنا الآن أريد مشياً في عالم الأنفس. لا تتوقف بحال من الأحوال؛ فالقمر الصناعي توقفه سقوطه…!

ماذا لو أصبح قمرك الصناعي في مداره؟

مادمت سائراً في طريق القرب، فأنت متعال والشياطين يائسة منك. قد تنال الصواريخ الطائرة ولكنها لا تصل إلى القمر الصناعي الذي هو على بعد مئات الأميال يسبح في الفضاء بلا مزاحم من جائبية الأرض. وأنت بإمكانك أن ترتفع إلى درجة لا تزاحمك هذه الجاذبية وتثقلك إلى الأرض؛ عندها تكون قد خرجت من مرمى الشياطين وأصبحت في عباد الله الذين لا خوف عليهم. سل الله أنسا في دار الدنيا فهو خير من خلا به وحيد. وما المانع من أن تكون سببا لفرحه؟ فقد روي عن الباقر (ع) أنه قال: (إِنَّ اَللَّهَ تَعَالَى أَشَدُّ فَرَحاً بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ رَجُلٍ أَضَلَّ رَاحِلَتَهُ وَ زَادَهُ فِي لَيْلَةٍ ظَلْمَاءَ فَوَجَدَهَا فَاللَّهُ أَشَدُّ فَرَحاً بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ ذَلِكَ اَلرَّجُلِ بِرَاحِلَتِهِ حِينَ وَجَدَهَا)[١٢].

الأرزاق تجري على يد مولانا الحجة (عجل الله فرجه)

وما ذكرته آنفا كان يتعلق بالجانب التوحيدي؛ أما الجانب الولائي منه، فهو أن تكون من حداث الحسين (ع) يوم القيامة. إنه يُعجبني الزائر الذي يخاطب الإمام (ع) وكأنه يراه ماثلا أمامه. لقد أعجبني من هؤلاء من كان يخاطب الإمام (ع) ويطلب منه حاجته ويقول: إنني أريد الحاجة الكذائية ولكن لا ضير إن منعتنيها، فأنا لا أعاتبك ولن تتغير علاقتي معك. أين هذا ممن يهدد الإمام (ع) بترك زيارته؟ ليست علاقتنا بالإمام (ع) علاقة تجارية أعطني وآتيك؛ بل علاقتنا به (ع) علاقة حب وشوق. لقد قال لي أحدهم: زرت كربلاء وكلي حوائج، فما إن وصلت إلى الحرم الشريف وأصبحت تحت القبة حتى تذكرت مصائب الإمام (ع) واستحييت من طلب الحوائج وقلت: أين مصيبتي من مصائبه؟

فقد تكون لك مشكلة مع ولدك أو في ولدك علة أو عاهة أو تبحث له عن زوجة، فتقف أمام علي الأكبر (ع) فتنسى حوائجك حياء وهذا هو الأدب الذي ينبغي أن يتأدب به كل مؤمن. إن الصلاة هي كلام العبد مع ربه والقرآن كلام الرب مع العبد. فسل الله عز وجل ما يشبه ذلك في عالم الولاية. واعلم أن البركات في زمان الغيبة تجري على يد ولده المهدي (عج). يُقال: أن الأئمة (ع) احتراماً لمقام ولدهم المهدي (عج) في زمان الغيبة إنما يعطوك الحاجة من خلاله؛ فهو الإمام الذي نحشر تحت رايته يوم القيامة. فتمتم في طريق زيارتك إلى الحسين (ع) قائلا: يا مولاي، لا شك أنك ستزور جدك الحسين (ع) فاذكرني عنده.

[١] سورة الواقعة: ١١.
[٢] سورة القيامة: ٢٢-٢٣.
[٣] سورة التوحيد  ج١ ص٣٠٨.
[٤] مصباح الزائر  ج١ ص٣١٧.
[٥] سورة ق: ٢٢.
[٦] سورة المؤمنون: ١٠٨.
[٧] سورة غافر: ٦٠.
[٨] سورة الزمر: ٥٣.
[٩] سورة الکهف: ٨١.
[١٠] مكيال المكارم ج ٢ ص ٢٩٠.
[١١] سورة فصلت: ٥٣.
[١٢] الکافي  ج٢ ص٤٣٥.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • المؤمن الذي يحمل عقيدة الإسلام ويتبع منهج أهل البيت (ع) ويزور الحسين (ع) ويقف بين يدي إمام يعلم أن الله عز وجل لا يرد له دعوة وهو مظهر الاستجابة؛ فهو قد قطع شوطا كبيرا للوصول إلى المقامات العليا وللتميز.
  • فقد تكون لك مشكلة مع ولدك أو في ولدك علة أو عاهة أو تبحث له عن زوجة، فتقف أمام علي الأكبر (ع) فتنسى حوائجك حياء وهذا هو الأدب الذي ينبغي أن يتأدب به كل مؤمن.
  • إن المؤمن يمتلك أساسا قويا يُمكنه من التميز وهو صلته واتباعه منهج أهل البيت (ع). أما الذي لا صلة له بعلي وفاطمة والحسن والحسين والتسعة المعصومين من ذرية الحسين (ع) فقد ترك عدل الكتاب والثقل الآخر؛ فهو برجل واحدة ولا يصل إلى منزله مهما جد في السير.
Layer-5.png