- ThePlus Audio
كيف أكون خليل الله كما كان إبراهيم (عليه السلام)؟
بسم الله الرحمن الرحيم
هل تشتكي قلة الأصدقاء؟
يشتكي الكثير من الناس لعدم وجود الأصدقاء في حياتهم، وهناك من يفتخر على أقرانه بكثرة أصدقائه فيقول مثلا: في هاتفي رقم ألق صديق مثلا، وفيهم الوزير والتاجر والطبيب وما شابه ذلك. ولكن هل ينبغي أن يشتكي الأول من قلة الأصدقاء ويفتخر الثاني بكثرتهم؟ ما فائدة هذه الصداقات؟ إننا لو تأملنا الآيات االقرآنية لوجدنا أن العلاقات الاجتماعية هنا؛ لا تنفعنا في عالم الآخرة. يقول عز وجل: (فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَلَآ أَنسَابَ بَيۡنَهُمۡ يَوۡمَئِذٖ وَلَا يَتَسَآءَلُونَ)[١]. فإذا كان أبوك وزوجتك وأولادك يفرون منك؛ فكيف بغيرهم من الأبعدين؟ نعم، قد يُسعفك الوزير أو النائب في الدنيا ولكنه لا يملك لك شيئا في ذلك اليوم. فابحث عن الخليل الملازم الذي لا يفارقك لا في الدنيا ولا في الأخرى، وهو الله سبحانه وتعالى.
كيف يتخذني ربي خليلا له؟
ولكن كيف يكون الرب عز وجل خليل أحدنا؟ لقد سُئل الإمام الصادق (ع): (لِمَ اِتَّخَذَ اَللّٰهُ عَزَّ وَجَلَّ إِبْرٰاهِيمَ خَلِيلاً؟ قَالَ: لِكَثْرَةِ سُجُودِهِ عَلَى اَلْأَرْضِ)[٢] فمن أراد أن يكون لله خليلاً؛ عليه بكثرة السجود. إن العقل ليتحير في مقام إبراهيم (ع). لقد كلم الله موسى (ع) تكليما، وهذا حدث عظيم؛ ولكنني أعتقد أن مقام الخلة، أعظم من مقام التكليم. وقد صرح رب العالمين في الكتاب الكريم فقال: (وَٱتَّخَذَ ٱللَّهُ إِبۡرَٰهِيمَ خَلِيلٗا)[٣]. ولو سمعت السلطان يقول: إن خليلي فلان، أما كنت تتسائل وتقول: من هذا الرجل الذي اتخذه السلطان خليلا؟ ومن هو السلطان أو الأمير وما هو وزنهم أمام الله سبحانه؟ أليس كلهم يُصبحون جيفة بعد الموت؟
كيف أكون مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الجنة؟
ومن آثار السجود؛ مرافقة النبي (ص) في الجنة. لقد سأل أحدهم النبي (ص) ذات يوم عن الأمور التي إن فعلها أحبه الناس وأحبه الله وكان فيما قال له: (إِذَا أَرَدْتَ أَنْ يَحْشُرَكَ اَللَّهُ مَعِي فَأَطِلِ اَلسُّجُودَ بَيْنَ يَدَيِ اَللَّهِ اَلْوَاحِدِ اَلْقَهَّارِ)[٤]. وهي رواية بديعة قرن فيها النبي (ص) بين الأفعال وآثارها. فمثلا في استجلاب الحب الإلهي ذكر له ضرورة الخوف من الله والتقوى، وفي استجلاب محبة المخلوقين ذكر له ضرورة الإحسان إليهم والاستغناء عما في أيديهم، وذكر له أن الزكاة هي سر الثراء، وكثرة الصدقة سر الصحة وصلة الأرحام سر طول العمر. فإن أردت أن تكون في زمرة النبي محمد وآله (ص)؛ فأطل السجود بين يدي الله عز وجل كما ذكرت ذلك الرواية الشريفة. إن السجود حركة ظاهرية؛ يوجد بموازاتها حركة في الباطن.
السجود النفساني هو الذي تُحرز به مرافقة النبي (صلى الله عليه وآله)
إن من آثار السجدة الطويلة؛ الانقطاع إلى الله عز وجل. ولكن ينبغي أن تكون هذه السجدة بشرطها وشروطها. لقد فتحت لنا هذه الرواية العلوية البديعة من أمير المؤمنين (ع) باباً من العلم حول السجود وحقيقته، فقد روي عنه (ع) أنه قال: (اَلسُّجُودُ اَلْجِسْمَانِيُّ وَضْعُ عَتَائِقِ اَلْوُجُوهِ عَلَى اَلتُّرَابِ وَاِسْتِقْبَالُ اَلْأَرْضِ بِالرَّاحَتَيْنِ وَاَلرُّكْبَتَيْنِ وَأَطْرَافِ اَلْقَدَمَيْنِ مَعَ خُشُوعِ اَلْقَلْبِ وَإِخْلاَصِ اَلنِّيَّةِ اَلسُّجُودُ اَلنَّفْسَانِيُّ فَرَاغُ اَلْقَلْبِ مِنَ اَلْفَانِيَاتِ وَاَلْإِقْبَالُ بِكُنْهِ اَلْهِمَّةِ عَلَى اَلْبَاقِيَاتِ وَخَلْعُ اَلْكِبْرِ وَاَلْحَمِيَّةِ وَقَطْعُ اَلْعَلاَئِقِ اَلدُّنْيَوِيَّةِ وَاَلتَّحَلِّي بِالْأَخْلاَقِ اَلنَّبَوِيَّةِ)[٥]. إننا لو سمعنا هذه الكلمة من أحد العلماء المعروفين في هذا المجال؛ لاستغربناه لأنه غير متعارف في لسان أهل البيت (ع)؛ ولكن صاحب هذه الكلمة أمير المؤمنين (ع).
وهذا السجود الجسماني هو كالطواف والسعي والصوم الجسماني الذي يستطيع أن يقوم به حتى الأطفال. ولكن الحديث هو عن السجود النفساني الذي يجعلك من رفقاء النبي (ص). ومن سجد بهذه الحالة استجيبت له الدعوة، وإلى آخر ذلك.
لا تنظر إلى ظاهر الصلاة وأنت تُهمل باطنها
لا تنظر إلى ظاهر هذه الصلاة. إن صلاة البعض شبيهة بالرياضة البدنية، وسجوده نقر كنقر الغراب. وهذه الصلاة لا تقرب إلى الله عز وجل. كم من المؤسف أن يأتي عليك ستون سنة وما سجدت لله سجدة نفسانية. أنت من شيعة أمير المؤمنين (ع) فينبغي أن تتأسى به في جميع أحواله. إن أمير المؤمنين (ع) يقول لك: أريد منك السجدة النفسانية التي هي فراغ القلب من الفانيات. ولا أطلب منك أن تزهد في الدنيا؛ بل استمتع واعلم أنك مهما بالغت في الدنيا لا تصل إلى مقام سليمان. مهما بنيت القصور لا تصل إلى ملك سليمان (ع)، ولكن هل كان قلب سليمان (ع) متعلقاً بالفانيات؟ أبدا، وإلا ما صار نبيا.
إن مقام سليمان (ع) هو كمقام أيوب (ع). إن أيوب وصل إلى الدرجات العلى بالصبر، وسليمان (ع) بالشكر. فامتلك ما تشاء وتخصص في ما تشاء وأكثر من الذرية والنسل، ثم وسّع من التجارة بالحلال، وقل: (مَنۡ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ)[٦]. ولكن عليك أن تعي هذه الحقيقة والتي هي: أن القلب حرم الله؛ فلا تدخل حرم الله غير الله . اجعله وقفاً لله. إن المسجد حرم الله؛ فلا يُنجس المسجد، ولا يدخل فيه حيوان نجس العين، ولا كافراً، ولا تمكن فيه مجنوناً. حول قلبك إلى بيت الله عز وجل ليكون سليما؛ فلا نجاة في تلك الدار (إِلَّا مَنۡ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلۡبٖ سَلِيمٖ)[٧]. وقيل في القلب السليم؛ أنه ذلك القلب الذي يلقى الله وليس فيه لأحد سواه.
خلاصة المحاضرة
- ومن آثار السجود؛ مرافقة النبي (ص) في الجنة. لقد سأل أحدهم النبي (ص) ذات يوم عن الأمور التي إن فعلها أحبه الناس وأحبه الله وكان فيما قال له: (إِذَا أَرَدْتَ أَنْ يَحْشُرَكَ اَللَّهُ مَعِي فَأَطِلِ اَلسُّجُودَ بَيْنَ يَدَيِ اَللَّهِ اَلْوَاحِدِ اَلْقَهَّارِ).
- كيف يكون الرب عز وجل خليل أحدنا؟ لقد سُئل الإمام الصادق (ع): (لِمَ اِتَّخَذَ اَللّٰهُ عَزَّ وَجَلَّ إِبْرٰاهِيمَ خَلِيلاً؟ قَالَ: لِكَثْرَةِ سُجُودِهِ عَلَى اَلْأَرْضِ) فمن أراد أن يكون لله خليلاً؛ عليه بكثرة السجود.