Search
Close this search box.
  • كيف أسيطر على غضبي؟
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

كيف أسيطر على غضبي؟

بسم الله الرحمن الرحيم

اجتنب هذا الفعل عند الغضب

من الأمور التي ينبغي اجتنابها في ساعة الغضب، هي المعاقبة. لماذا يُضرب المثل بقابيل؟ لقد قتل قابيل أخاه هابيل وأصبح من النادمين وذلك قبل آلاف السنين إلا أن القرآن الكريم فضحه. لقد غضب من أخيه لأن الله سبحانه لم يقبل منه القربان. ولو أن قابيل لم يقم بهذه الجريمة ويقتل هابيل؛ لكان بإمكانه أن يُصبح نبياً، أو كانت من ذريته أنبياء على وجه الأرض. لم يكن على وجه الأرض غير هؤلاء الأربعة؛ آدم وحواء وولديه؛ فهو قد قتل ربع البشرية بفعله هذا. لو أن الكرة الأرضية وزعت عليهما كإرث؛ كان نصيب كل واحد منهما قارة كالأميركيتن مثلا. أو كانت أوروبا لهابيل ولقابيل أفريقيا. ولكن انظروا إلى هذا الشقي الذي لم يتحمل أخاه هابيل وقام بما قام في ساعة غضب.

فاجتنب عند الغضب أن تؤدب أو تعاقب. بل لا تأخذ قراراً في تلك الحالة حتى. فبعض الناس قد لا يتكلم ولا يعاقب؛ ولكنه يأخذ قراراً يُكلفه كثيرا. ابتلع هذا الغضب، واكظم هذا الغيظ، وخلاك ذم. ولكظم الغيظ حلاوة يشعر بها أهلها. كلما كان الغيظ أعظم؛ كان الكظم أعظم، ووكلما كان الكظم أعظم؛ رأيت في قلبك إشراقة وحلاوة الإيمان. وهذا من آيات الله عز وجل العجيبة. قد لا تُعطى ذلك فوراً؛ ولكنك بعد فترة تقول: الحمدلله الذي وفقني لكظم غيظي. وهل يكفي أن نكظم الغيظ؟ كلا، بل المطلوب منك أعظم من ذلك، وهو قوله سبحانه: (ٱدۡفَعۡ بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِي بَيۡنَكَ وَبَيۡنَهُۥ عَدَٰوَةٞ كَأَنَّهُۥ وَلِيٌّ حَمِيم)[١].

ليتني غضبت عليه ولم أكتم…!

يُقال: أن أحد كبار الصالحين، والذي كان من المراجع والعلماء في الأزمنة القديمة ذهب إلى الحمام ذات يوم. فقد كانوا يذهبون إلى الحمامات العامة؛ حيث يوجد مغطس للماء الحار يغتسلون فيه. ومن الطبيعي أن لا تميز العالم من غيره في هذا المكان؛ فالكل على هيئة واحدة. إن هذا العالم الكبير تعرض إلى الاستهزاء من ضابط متكبر متسلط؛ فسكت هذا العالم وكظم غيظه. ثم خرج من الحمام ليستمع إلى أصوات البكاء ترتفع من داخله؛ فتفاجأ الجميع بأن الله قد بتر عمر ذلك الرجل فسقط ميتاً. ولكن لم يفرح هذا العالم الكبير بما جرى وإنما تأسف وقال: ليتني غضبت عليه؛ فإن سكوتي هذا هو الذي قتله. لقد فوضت أمره إلى الله عز وجل، ولو انتصرت لنفسي أو غضبت عليه؛ ما بتر الله عمره. حاول ألا توكل أمر أحد إلى الله عز وجل إن كان فيه خير؛ فقد تكون عاقبته وخيمة.

لماذا ظلم الضعيف؛ أخطر أنواعه؟

ثم إياك وإياك أن تظلم أحداً؛ لا يجد ناصرا إلا أن يوكل أمرك إلى الله عز وجل. ولهذا بعض المؤمنين عندما يظلم أحدا يفرح إذا رفع المظلوم أمره للمحاكم لا إلى الله عز وجل. فهو يخشى من أن يدعو عليه في جوف الليل. فالمحكمة أهون عليه من الغضب الإلهي الذي لا تقوم له السماوات والأرض.

من آثار كظم الغيظ

واعلم أن لكظم الغيظ أثران. الأثر الأول: أن تجد حلاوة الإيمان في قلبك. الأثر الثاني: أن الله سبحانه هو الذي يتولى الدفاع عنك، لقوله سبحانه: (إِنَّ ٱللَّهَ يُدَٰفِعُ عَنِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْۗ)[٢]، ولما ورد في الحديث القدسي: (اِنْتِصَارِي لَكَ خَيْرٌ مِنِ اِنْتِصَارِكَ لِنَفْسِكَ)[٣]. لماذا تبحث يميناً وشمالا عمن يدافع عنك وينتصرلك؟ أليس الله هو الناصر؟

ثم إن كظم الغيظ صفة من صفات إمامك موسى بن جعفر (ع). فإذا زرته يوما قل له: يا مولاي، بيني وبينك صفة مشتركة؛ فمن علي بنظرتك. وإن كنت صاحب جود، تحول إلى قبر إمامك محمد بن علي الجواد (ع)، وقل: يا مولاي أنا أتشبه بك في جودك فلا تحرمني رفدك.

هل من السهل السيطرة على الغضب؟

قد تقول: وهل من السهل الوصول إلى هذه الحالة من التحكم والسيطرة على الغضب وكظم الغيظ؟ أقول: ستصل بالتمرين إلى درجة تصبح هذه الحالات ملكةً من الملكات. بعض المؤمنين أوذي كثيرا بغير حق؛ فقيل له: هلا دافعت عن نفسك أو اشتكيت إلى الآخرين، فبالتأكيد ستجد من يأخذ لك بحقك. فقال لهم: بث الشكوى يحتاج إلى مزاج، وليس عندي مزاج ولا أريد أن أبذل من فكري وجهدي؛ وهذه درجة عالية من كظم الغيظ.

موقف الإمام الباقر (عليه السلام) من نصراني سب والدته

لقد واجه إمامنا الباقر (ع) إنسانا تجاسر عليه، وقال له والعياذ بالله: أنت بقر. فقال له الإمام (ع): لم تغير اسمي؟ إن اسمي باقر. فقال له: إن أمك طباخة – فإما أن تطبخ الطعام للإمام أو لغيره – فقال له (ع): (ذَاكَ حِرْفَتُهَا)[٤]. والأمر هين لو وقف هذا المتجاسر عند هذا الحد؛ بل أخذ يتسافل في الإهانة فقال: (أَنْتَ اِبْنُ اَلسَّوْدَاءِ اَلزِّنْجِيَّةِ اَلْبَذِيَّةِ)[٥]. تخيل أنك مكان الإمام (ع) وعندك الاسم الأعظم؛ ماذا كنت صانع؟ ألا تقول: اللهم امسخه خنزيراً؟ قال إمامك (ع): (إِنْ كُنْتَ صَدَقْتَ غَفَرَ اَللَّهُ لَهَا وَإِنْ كُنْتَ كَذَبْتَ غَفَرَ اَللَّهُ لَكَ)[٦]. هل يتعقل أحدما هذا الحلم؟

أين نحن من هذا الحلم؟ إن أحدنا قد تتجاسر عليه زوجته بشطر كلمة فلا يُمهلها حتى الصباح وإذا به يطلقها ويُشرد من في المنزل من العيال؟ ثم هي تعتذر إليه؛ فيأبى القبول ويقول: لقد أخذت قراري؛ لأنها أهانتني بشطر كلمة…! أين أهانته؟ في غرفة النوم المغلقة. من الذي سمع؟ وما الذي جرى؟ أين الصبر؟ وأين كظم الغيظ؟ لا عجب أن نفعل ذلك إذا لم نتبع منهج أئمتنا (ع).

كن كالمجمدة بل أبرد…!

حاول أن تكون عند الغضب كالمجمدة في برود من الأعصاب، ولا تنبس ببنت شفة وقل: يا رب، أفرغ علي صبراً. لم يتمرن البعض على هذا المقام الباقري أو على المقام الكاظمي؛ فإذا وجدت نفسك في جو غاضب؛ اخرج من المكان أو استحم أو اذهب إلى حديقة المنزل، وإياك أن تبقى في مكان يكون فيه من أغضبك أمامك. وما أجدر بك وأولى أن تتوضأ وتقوم بما قام به مالك الأشتر. إنه حينما كان يمشي في الطريق تجاسر أحدهم عليه، ولم يكن يحمل النياشين العسكرية كهذه الأيام. فقيل للمتجاسر: أتدري من أهنت؟ إنه قائد الجيش، ورئيس عسكر أمير المؤمنين (ع). فجن جنون صاحبنا وفكر في ما سيصنعه به مالك. فتبعه للاغتذار، وإذا بمالك في مسجد يصلي ويستغفر له. وهذه هي تربية أمير المؤمنين (ع) التي ينبغي أن نتأسى بها في حياتنا. إن استبد بك الغضب؛ خذ زاوية وصل ركعتين وقل: يا رب، اغفر لي وللمؤمنين.

[١] سورة فصلت: ٣٤.
[٢] سورة الحج: ٣٨.
[٣] بحار الأنوار ج٧٢ ص٣٢١.
[٤] بحار الأنوار ج٤٦ ص٢٨٩.
[٥] بحار الأنوار ج٤٦ ص٢٨٩.
[٦] بحار الأنوار ج٤٦ ص٢٨٩.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • أحد المؤمنين أوذي كثيرا بغير حق؛ فقيل له: هلا دافعت عن نفسك أو اشتكيت إلى الآخرين، فبالتأكيد ستجد من يأخذ لك بحقك. فقال لهم: بث الشكوى يحتاج إلى مزاج، وليس عندي مزاج ولا أريد أن أبذل من فكري وجهدي؛ وهذه درجة عالية من كظم الغيظ.
  • لا تؤدب ولا تعاقب، ولا تأخذ قراراً عند الغضب. بعض الناس قد لا يتكلم ولا يعاقب؛ ولكنه يأخذ قراراً يُكلفه كثيرا. ابتلع هذا الغضب، واكظم هذا الغيظ، وخلاك ذم. ولكظم الغيظ حلاوة يشعر بها أهلها. كلما كان الغيظ أعظم؛ كان الكظم أعظم، وكلما كان الكظم أعظم؛ شعرت بحلاوة الإيمان أكثر.
Layer-5.png