- ThePlus Audio
كيف أتوكل على الله سبحانه وتعالى؟
بسم الله الرحمن الرحيم
التوكل في اللغة
التوكيل أو الوكالة؛ هي عملية يقوم الإنسان من خلالها بتسليط آخر على بعض الأمور وتفويضه، ليقوم مقامه في تلك الأمور؛ أي يعطيه كل الصلاحيات مع تفويض الأمر إليه. ووظيفة المحاماة – مثلا – قائمة على هذا المبدأ، وهو التوكيل في الدفاع عن الموَكِّل. ويتضمن التوكل أمرا إضافيا، هو الاعتماد والاطمئنان إلى الموَكَّل. فعلى سبيل المثال عندما أقول: توكلت على المحامي، فهذا يعني أني مطمئن إلى ما يقوم به في الدفاع عني.
ويكون التوكيل يكون في حالات معينة منها: أولا : عند الغياب وعدم الحضور. كأن يكون غائبا في سفر أو ما شابه ذلك يوكل من يقوم بأمره. ثانيا: العجز كأن لا يكون الإنسان قادرا على الذب عن نفسه والإدلاء بحجته لعي[١] أو لجهل بالقوانين، ثالثا: أن لا يرغب في مباشرة الأعمال بنفسه، فيُوكِّل السائق مثلا لشراء الحوائج .
التوكل على الله سبحانه
وهذه العناصر الثلاثة نجدها في رب العزة والجلال، فنحن نتوكل على الله سبحانه وهو القائل في محكم الكتاب: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ)[٢]، فهو الحي الحاضر في كل زمان ومكان. ولأنه قدير وعزيز، وهو قوله تعالى: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ)[٣]؛ فهو الذي لا يعجزه شيء سبحانه وهو الذي وعد الدفاع عن المؤمنين، وهو الرحيم بعباده يفعل ما يشاء.
التوكل أم التواكل؟
وقد يخطأ البعض الفهم الصحيح لمعنى التوكل، فينتهي بهم الأمر إما إلى الإفراط وإما إلى التفريط. فقد يعتقد البعض أن التوكل على الله سبحانه يعني: تفويض الأمور كلها إليه من دون العمل وتهيئة الأسباب والمقدمات، وقد يعتمد على عالم الأسباب بصورة مطلقة وعلى ذكائه وأهله وعشيرته وعلى علاقاته الاجتماعية وما شابه ذلك، وإنما ينبغي الجمع بين الأمرين.
هكذا هي معيشة الكلاب..!
ومن الشواهد الروائية التي تعكس لنا ضرورة الأخذ بالأسباب والسعي لتحصيل المعاش وتهيئة الأسباب ما روي عن أمير المؤمنين (ع): (أَنَّهُ مَرَّ يَوْماً عَلَى قَوْمٍ فَرَآهُمْ أَصِحَّاءَ جَالِسِينَ فِي زَاوِيَةِ اَلْمَسْجِدِ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ مَنْ أَنْتُمْ قَالُوا نَحْنُ اَلْمُتَوَكِّلُونَ قَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لاَ بَلْ أَنْتُمُ اَلْمُتَأَكِّلَةُ فَإِنْ كُنْتُمْ مُتَوَكِّلِينَ فَمَا بَلَغَ بِكُمْ تَوَكُّلُكُمْ قَالُوا إِذَا وَجَدْنَا أَكَلْنَا وَإِذَا فَقَدْنَا صَبَرْنَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ هَكَذَا تَفْعَلُ اَلْكِلاَبُ عِنْدَنَا قَالُوا فَمَا نَفْعَلُ قَالَ كَمَا نَفْعَلُ قَالُوا كَيْفَ تَفْعَلُ قَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِذَا وَجَدْنَا بَذَلْنَا وَإِذَا فَقَدْنَا شَكَرْنَا)[٤]، فلا بد أ، يسخر الإنسان سعيه وكده في طاعة الله وفي خدمة المجتمع.
التوكل في بيان العلامة الطباطبائي
وقد ورد بيان جميل للتوكل في كتاب تفسير الميزان للعلامة الطباطبائي، يقول: (فليس التوكل هو قطع الإنسان أو نفيه نسبة الأمور إلى نفسه أو إلى الأسباب بل هو نفيه دعوى الاستقلال عن نفسه وعن الأسباب وإرجاع الاستقلال والأصالة إليه تعالى مع إبقاء أصل النسبة غير المستقلة التي إلى نفسه وإلى الأسباب)[٥]. والتوكل كالشفاعة إنما يكون بإذن الله عز وجل ولا يكون أمرا مستقلا، وهو تبع لمشيئة الله عز وجل وإرادته.
وللعلامة الطباطبائي لفتة جميلة حول قوله تعالى: (قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ)[٦] حيث يقول: إن النبي يعقوب (ع) لم يتخذ الله عز وجل وكيلا إلا بعدما أخذ من أبناءه المواثيق المغلظة التي يطمئن إليها قلبه.
مثال٣ : يُورد العلامة الطبطبائي في قصة يوسف (ع) لفتة جميلة فيما يتعلق بقوله تعالى : ﴿ قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّىٰ تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِّنَ ٱللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّآ آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ ٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ – يوسف ٦٦ ﴾ فنبي الله يعقوب (ع) اتخذ الله وكيلا بينه وبين أولاده ،بعد أن طلب منهم ما يُطمئنه في عالم الأسباب من الوثائق .
وقد أكد سبحانه في آية الدين على كتابة الديون بين المؤمنين، فقد قال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ)[٧]؛ حتى يكون ذلك ضمانا لاسترداده وهو أمر لا يتنافى مع عدالة المؤمن ووثاقته، فقد يعتري الإنسان حالات من النسيان والغفلة أو يعترضه الموت فيحول بينه وبين بينه. وقد رود في الروايات الشريفة أن لا يلوم المؤمن إلا نفسه إذا ضاع دينه غير المدون.
ومثال آخر من حياة النبي يعقوب (ع) عندما أوصى أبناءه أن يدخلوا على يوسف (ع) من أبواب متفرقة لكيلا لا تصيبهم العين أو يحسدوا بسبب كثرتهم ولكن رغم تنبيهه لهم قال: (وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ)[٨].
عناصر النجاح في أي مشروع
وإذا أردنا أن نستوعب مفهوم التوكل بصورة دقيقة ينبغي أن نتعرف على عناصر النجاح في أي مشروع في الحياة: العنصر الأول هو العنصر المادي وهو تهيئة الأسباب. فالزارع يأتي بالبذور ثم يحرث الأرض ويهيئها ثم يزرعها والطالب الجامعي يشتري الكتب التي تلزمه مدة أيام الدراسة. والعنصر الثاني هو الهمة؛ وهو من الأسباب المعنوية حيث لا يمكن للهمة أن تشترى أو تباع، وإذا فاقد طالب الجامعة الهمة فلا يمكنه تحقيق النجاح في مسيرته العلمية حتى وإن كان في أرقى جامعة ولديه من الكتب النفيسة ما لديه. والعنصر الثالث: مباركة الله عز وجل للأسباب؛ فإذا هيئ الزارع جميع الأسباب، ثم منع الله سبحانه قطر السماء هل كان يتم له ما يريد.
إن أم موسى (ع) أرادت إنقاذء وليدها من القتل، فهيأت الأسباب المادية حيث صنعت له صندوقا خشبيا وكان لديها إرادة وعزيمة في إلقاءه في البحر كما أمر الله عز وجل ثم جاء المدد الإلهي وهو العنصر الثالث ليضيف اللمسات الأخيرة والمهمة، وليعيد الوليد إلى أحضان والدته. ومن المدد الإلهي قوله تعالى عن اليهود الذين ناصبوا رسول الله (ص) العداء حتى أجلاهم النبي (ص) من المدينة: (وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ)[٩]؛ فاقترن المدد الإلهي وهو السبب المعنوي بالسبب المادي وهو حصار المسلمين لقلاعهم وحصونهم وصياصيهم، وقد حصل ذلك في معركة بدر حيث أنزل الله عز وجل الملائكة لنصر المؤمنين الذين كانوا يقاتلون جنبا إلى جنب النبي (ص). وقد يكون المدد الإلهي ماديا فقط كما حصل ذلك في هجرة الرسول (ص) من مكة حيث سخر الله عز وجل العنكبوت والحمامة لإضلال المشركين، ودفع غائلة القتل عن نبيه (ص).
دوافع التوكل على الله عز وجل
أولا: وجود بناء عقائدي محكم. فمما يقوي توكل الإنسان الاعتقاد بربوية الله عز وجل، ووجود منظومة فكرية وعقائدية متكاملة عند الإنسان؛ فلو لا ذلك يتخبط الإنسان في سيره فتارة يشعر برقابة الله عز وجل من دافع الخوف منه؛ ولو قل الخوف وضعف اليقين عنده لفعل الأعاجيب. ولذلك نرى أن المد الشيوعي بسبب بنائه الأيديولوجي حكم العالم قرابة سبعين سنة – بغض الطرف عن موقفنا تجاهه – حيث قام ماركس وغيره من أقطاب هذا الفكر بإعداد البناء الثقافي والفكري القائم على الإلحاد وقد انتشرت أفكارهم بصورة كبيرة وكان المتوقع بقائهم لفترة أطول إلا أن الله سبحانه شاء شيئا آخر.
وكذلك الفهم الصحيح للشريعة هو بمثابة مغناطيس تتمحور حوله جميع تصرفاته وأفعاله كما تتناسق برادة الحديد حول قُطبي المغناطيس السالب منها والموجب. ولذلك ترى المؤمن على حالة واحدة ونسق واحد لا تحركه العواصف الفكرية ولا تزعزع إيمانه ويقينه الروافد الدخيلة على اعتقاداته. ولذلك ترى أمير المؤمنين (ع) لا يترك حتى صلاة الليل في ليلة الهرير[١٠]؛ فهو لا ينظر إليها باعتبارها صلاة مستحبة؛ بل هو ينظر إليها كحاجة ملحة لا بد أن يقوم لها وهو في تلك الليلة قد يكون أحوج إليها من سائر الليالي.
الاعتقاد بربوية الله عز وجل، ومالكيته، فقد ذكر في القرآن الكريم: (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ)[١١]. والاعتقاد بربوية الله عز وجل ومالكيته لهذا العالم له أثران: الأثر الأول؛ هو الأثر التكويني، ويعني أن الأسباب بيده سبحانه وهذا ما يجعل الإنسان يطمئن في توكله على الله عز وجل. والأثر الآخر؛ هو الأثر التشريعي، وهو أن الله سبحانه قد فرض على العباد أحكاما وأمرهم ونهاهم، والإنابة الرجوع إليه والالتزام بأوامره ونواهيه وهذا ما عنته الآية الشريفة. وقد ورد عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: (أَقْوَى اَلنَّاسِ إِيمَاناً أَكْثَرُهُمْ تَوَكُّلاً عَلَى اَللَّهِ سُبْحَانَهُ)[١٢].
ثانيا: القيام بوظائف العبودية. فالمؤمن يبذل قصارى جهده في أداء وظائفه من طلب علم أو زراعة أو صناعة ويقوم بواجباته تجاه ذوي الحقوق عليه ثم يتوكل بعد ذلك على الله عز وجل، وذلك قوله سبحانه: (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)[١٣]؛ فللعزيمة آثار على سلوك الإنسان، وليس التوكل لفظ يتلفظه؛ بل عمل يستدر به التوفيق من الله عز وجل. وكذلك الأمر في سائر مناحي الحياة، وقد ورد عن النبي (ص) حول التجارة أنه قال: (اَلْفِقْهُ ثُمَّ اَلْمَتْجَرُ فَمَنِ اِتَّجَرَ بِغَيْرِ فِقْهٍ فَقَدِ اِرْتَطَمَ فِي اَلرِّبَا ثُمَّ اِرْتَطَمَ)[١٤]، (ودَخَلَ اَلْأَعْرَابِيُّ إِلَى مَسْجِدِ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فَقَالَ أَ عَقَلْتَ نَاقَتَكَ قَالَ لاَ قَدْ تَوَكَّلْتُ عَلَى اَللَّهِ فَقَالَ اِعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اَللَّهِ)[١٥].
دائرة التوكل وسعته
وليس التوكل محصور في الحياة الفردية للإنسان؛ بل إن أمير المؤمنين (ع) من خلال كلمته لمحمد ابن الحنفية يضرب لنا مثالا من أروع الأمثلة عن التوكل في الساحة الحربية والعسكرية، وهي تثير الحماسة والعزم بشكل كبير حيث يقول له بعد أن أعطاه الراية: (تَزُولُ اَلْجِبَالُ وَلاَ تَزُلْ عَضَّ عَلَى نَاجِذِكَ أَعِرِ اَللَّهَ جُمْجُمَتَكَ تِدْ فِي اَلْأَرْضِ قَدَمَكَ اِرْمِ بِبَصَرِكَ أَقْصَى اَلْقَوْمِ وَغُضَّ بَصَرَكَ وَاِعْلَمْ أَنَّ اَلنَّصْرَ مِنْ عِنْدِ اَللَّهِ سُبْحَانَهُ)[١٦]؛ فبعد أن يبين له الإمام ما ينبغي له من تدابير في مواجهة العدو من قبيل الثبات وعدم التقهقر وعدم النظر إلى مقدمة الجيش خوفا من أن يدخل عليه شيء من الخوف من هيبتهم يوصيه بالتوكل على الله سبحانه بقوله: (وَاِعْلَمْ أَنَّ اَلنَّصْرَ مِنْ عِنْدِ اَللَّهِ سُبْحَانَهُ).
ابراهيم (ع) : بما له من منزلة عظيمة عند الله وهو خليله لو بقي حيا لخدم الشريعة ، للدعوة ، للتوحيد ، عندما وُضِع في المنجنيق التقى معه جبرئيل في الهواء ، فسأله : هل لك من حاجة ؟.. فقال (ع) : أما إليك فلا ، وورد في عبارة أخرى: علمه بحالي يغني عن سؤالي ، فإبراهيم (ع) حتى في هذه الحالة لم يتوتر من جهة ، وأخذ بالأسباب فتوسل بالنبي الخاتم (ص) الذي هو من نسله وصلبه من جهة أخرى .
آثار التوكل على الله سبحانه
أولا: الطمأنينة وسكون البال. فالمتوتر والقلق والحاد في المزاج والخائف على مستقبل عائلته أو مستقبل الإسلام أكثر من اللازم؛ فلا ريب أن لديه خلل أو نقص في توكله، وهو بحاجة إلى توازن يعيد إليه طمأنينته. وكان النبي إبراهيم (ع) من أنبياء الله العظام ومن أعظم النماذج على حسن التوكل على الله عز وجل حيث روي في بيان التنزيل لابن شهر آشوب: (أَمَرَ نُمْرُودُ بِجَمْعِ اَلْحَطَبِ فِي سَوَادِ اَلْكُوفَةِ عِنْدَ نَهْرِ كُوثَى مِنْ قَرْيَةِ قُطْنَانَا وَأَوْقَدَ اَلنَّارَ فَعَجَزُوا عَنْ رَمْيِ إِبْرَاهِيمَ فَعَمِلَ لَهُمْ إِبْلِيسُ اَلْمَنْجَنِيقَ فَرُمِيَ بِهِ فَتَلَقَّاهُ جَبْرَئِيلُ فِي اَلْهَوَاءِ فَقَالَ هَلْ لَكَ مِنْ حَاجَةٍ فَقَالَ أَمَّا إِلَيْكَ فَلاَ حَسْبِيَ اَللَّهُ وَنِعْمَ اَلْوَكِيلُ فَاسْتَقْبَلَهُ مِيكَائِيلُ فَقَالَ إِنْ أَرَدْتَ أَخْمَدْتُ اَلنَّارَ فَإِنَّ خَزَائِنَ اَلْأَمْطَارِ وَاَلْمِيَاهِ بِيَدِي فَقَالَ لاَ أُرِيدُ وَأَتَاهُ مَلَكُ اَلرِّيحِ فَقَالَ لَوْ شِئْتَ طَيَّرْتُ اَلنَّارَ قَالَ لاَ أُرِيدُ فَقَالَ جَبْرَئِيلُ فَاسْأَلِ اَللَّهَ فَقَالَ حَسْبِي مِنْ سُؤَالِي عِلْمُهُ بِحَالِي)[١٧]
ثانيا: الثقة بالله عز وجل والعزم الراسخ. فالبعض عندما يريد أن يبدأ عملا ما يعيش حالة من التردد وعدم الثبات، بينما المؤمن المرتبط بالله عزوجل، يعلم أن رب العزة والجلال يمده ويعينه في مجال الرزق أو سائر أموره فيكون سببا لثقته بنفسه وعزمه على تنفيذ ما يريد.
ثالثا: عدم الاكتراث للأوهام والخرافات. فهناك الكثير ممن يراجعون السحرة في أمورهم المختلفة والحال أن القرآن الكريم قد ١كر بصراحة عن السحر أنه لا يضر أحد إلا بإذنه وهو قوله: (وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ)[١٨]، ولهذا تؤكد الروايات على التمسك والرجوع إلى قوارع القرآن، والتي منها آية الكرسي، والمعوذات، والسُّخرة[١٩]، وهي تحصن الإنسان من كل شر، وتمنعه من التأثر بالأوهام. وقد قال أمير المؤمنين (ع) لمنجم أشار عليه بعد الخروج من الكوفة للقتال في تلك الساعة وقال له: أنها ساعة نحس: (أَمَا إِنَّهُ مَا كَانَ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ مُنَجِّمٌ وَلاَ لَنَا مِنْ بَعْدِهِ حَتَّى فَتَحَ اَللَّهُ عَلَيْنَا بِلاَدَ كِسْرَى وَقَيْصَرَ أَيُّهَا اَلنَّاسُ تَوَكَّلُوا عَلَى اَللَّهِ وَثِقُوا بِهِ فَإِنَّهُ يَكْفِي مِمَّنْ سِوَاهُ)[٢٠]
وفي مقابل التوكل حالة ينبغي للمؤمن أن يستعيذ الله عز وجل منها وهي: أن يكل الله عز وجل أمر العبد إلى نفسه، وهذا ما كان يحذر منه النبي (ص) في سجوده، حيث كان يقول: (اَللَّهُمَّ لاَ تَكِلْنَا إِلَى أَنْفُسِنَا طَرْفَةَ عَيْنٍ وَلاَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ)[٢١]. وكان يقول أمير المؤمنين (ع): (إِنَّ أَبْغَضَ اَلْخَلاَئِقِ إِلَى اَللَّهِ تَعَالَى رَجُلاَنِ رَجُلٌ وَكَلَهُ اَللَّهُ إِلَى نَفْسِهِ فَهُوَ جَائِرٌ عَنْ قَصْدِ اَلسَّبِيلِ سَائِرٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ دَلِيلٍ)[٢٢].
التوكل على الله عز وجل لا غيره
وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلاَنَ قَالَ: (أَصَابَتْنِي فَاقَةٌ شَدِيدَةٌ وَإِضَاقَةٌ وَلاَ صَدِيقَ لِمُضِيقٍ وَلَزِمَنِي دَيْنٌ ثَقِيلٌ وَعَظِيمٌ يُلِحُّ فِي اَلْمُطَالَبَةِ فَتَوَجَّهْتُ نَحْوَ دَارِ اَلْحَسَنِ بْنِ زَيْدٍ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ أَمِيرُ اَلْمَدِينَةِ لِمَعْرِفَةٍ كَانَتْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ وَشَعَرَ بِذَلِكَ مِنْ حَالِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ وَكَانَتْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ قَدِيمُ مَعْرِفَةٍ فَلَقِيَنِي فِي اَلطَّرِيقِ فَأَخَذَ وَقَالَ قَدْ بَلَغَنِي مَا أَنْتَ بِسَبِيلِهِ فَمَنْ تُؤَمِّلُ لِكَشْفِ مَا نَزَلَ بِكَ قُلْتُ اَلْحَسَنَ بْنَ زَيْدٍ فَقَالَ إِذَنْ لاَ يُقْضَى حَاجَتُكَ وَلاَ تُسْعَفُ بِطَلِبَتِكَ فَعَلَيْكَ بِمَنْ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ أَجْوَدُ اَلْأَجْوَدِينَ فَالْتَمِسْ مَا تُؤَمِّلُهُ مِنْ قِبَلِهِ فَإِنِّي سَمِعْتُ اِبْنَ عَمِّي جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِيهِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنِ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ قَالَ أَوْحَى اَللَّهُ إِلَى بَعْضِ أَنْبِيَائِهِ فِي بَعْضِ وَحْيِهِ وَعِزَّتِي وَجَلاَلِي لَأُقَطِّعَنَّ أَمَلَ كُلِّ آمِلٍ أَمَّلَ غَيْرِي بِالْإِيَاسِ وَلَأَكْسُوَنَّهُ ذُلَّ ثَوْبِ اَلْمَذَلَّةِ فِي اَلنَّاسِ وَلَأُبْعِدَنَّهُ مِنْ فَرَجِي وَفَضْلِي أَ يَأْمُلُ عَبْدِي فِي اَلشَّدَائِدِ غَيْرِي وَاَلشَّدَائِدُ بِيَدِي وَيَرْجُو سِوَايَ وَأَنَا اَلْغَنِيُّ اَلْجَوَادُ بِيَدِي مَفَاتِيحُ اَلْأَبْوَابِ وَهِيَ مُغْلَقَةٌ وَبَابِي مَفْتُوحٌ لِمَنْ دَعَانِي أَ لَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ مَنْ دَهَاهُ نَائِبَةٌ لَمْ يَمْلِكْ كَشْفَهَا عَنْهُ غَيْرِي فَمَا لِي أَرَاهُ يَأْمُلُهُ مُعْرِضاً عَنِّي وَقَدْ أَعْطَيْتُهُ بِجُودِي وَكَرَمِي مَا لَمْ يَسْأَلْنِي فَأَعْرَضَ عَنِّي وَلَمْ يَسْأَلْنِي وَسَأَلَ فِي نَائِبَتِهِ غَيْرِي وَأَنَا اَللَّهُ أَبْتَدِئُ بِالْعَطِيَّةِ قَبْلَ اَلْمَسْأَلَةِ أَ فَأُسْأَلُ فَلاَ أَجُودُ كَلاَّ أَ لَيْسَ اَلْجُودُ وَاَلْكَرَمُ لِي أَ لَيْسَ اَلدُّنْيَا وَاَلْآخِرَةُ بِيَدِي فَلَوْ أَنَّ أَهْلَ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ وَأَرَضِينَ سَأَلُونِي جَمِيعاً وَأَعْطَيْتُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي مِثْلَ جَنَاحِ اَلْبَعُوضَةِ وَكَيْفَ يَنْقُصُ مُلْكٌ أَنَا قَيِّمُهُ فَيَا بُؤْساً لِمَنْ عَصَانِي وَلَمْ يُرَاقِبْنِي)[٢٣].
[٢] سورة الفرقان: ٥٨.
[٣] سورة الشعراء: ٢١٧.
[٤] مستدرك الوسائل ج١١ ص٢٢٠.
[٥] الميزان في تفسير القرآن ج١١ ص٢١٧.
[٦] سورة يوسف: ٦٦.
[٧] سورة البقرة: ٢٨٢.
[٨] سورة يوسف: ٦٧.
[٩] سورة الحشر: ٢.
[١٠] ليلة دامية من ليالي معركة صفين؛ سميت بذلك – أي الهرير- لكثرة الأصوات فيها.
[١١] سورة الشورى: ١٠.
[١٢] غرر الحکم ج۱ ص۲۰۲.
[١٣] سورة آل عمران: ١٥٩.
[١٤] إرشاد القلوب ج١ ص١٢١.
[١٥] عوالي اللئالي ج٣ ص٢٠١.
[١٦] بحار الأنوار ج٣٢ ص١٩٥.
[١٧] بحار الأنوار ج٦٨ ص١٥٥.
[١٨] سورة البقرة: ١٠٢.
[١٩] تُعرف الآيات : ٥٤ و ٥٥ و ٥٦ من سورة الأعراف بآية السُّخْرَةِ.
[٢٠] بحار الأنوار ج٥٥ ص٢٦٤.
[٢١] المصباح (للکفعمی) ج١ ص٢٦٦.
[٢٢] الاحتجاج ج١ ص٢٦٢
[٢٣] عدة الداعي ج١ ص١٣٤.
هاشتاغ
خلاصة المحاضرة
- إننا نتوكل على الله سبحانه وهو القائل: (وتَوكَّل عَلى الحي الذِي لَا يَموتُ)، فهو الحي الحاضر في كل زمان ومكان. ولأنه قدير وعزيز، وهو قوله تعالى: (وَتوكّل عَلَى الْعَزيز الرَّحِيمِ)؛ فهو الذي لا يعجزه شيء سبحانه وهو الذي وعد الدفاع عن المؤمنين، وهو الرحيم بعباده يفعل ما يشاء.
- قد يخطأ البعض الفهم الصحيح للتوكل، فينتهي بهم الأمر إلى الإفراط والتفريط. فقد يعتقد البعض أن التوكل على الله سبحانه يعني: تفويض الأمور كلها إليه من دون العمل وتهيئة الأسباب، أو قد يعتمد على عالم الأسباب بصورة مطلقة وعلى ذكائه وعلى علاقاته الاجتماعية بل لابد من الجمع بينهما.