- ThePlus Audio
كيف أبدأ شهر رمضان المبارك فيكون لي حافظا لسنة كاملة؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الليلة الأولى من شهر رمضان وسرور المؤمن بها
عند الحديث عن شهر رمضان المبارك لابد وأن نلتفت إلى المحطات المتميزة في هذا الشهر. إن الليلة الأولى من ليالي هذا الشهر المبارك واليوم الأول منه من هذه المحطات. فالمؤمن مشتاق لهذا الشهر ودخوله في الشهر دخوله في الشهر المحبوب الذي كان ينتظر حلوله بفارق الصبر. ولذا نرى المؤمنين يباركون لأنفسهم هذا الشهر ويقولون: شهر مبارك عليكم، ويُكثرون الفرح بدخولهم الضيافة الكبرى كما يفرحون بالعيد. وهم في العيد ولكنهم لا يشعرون…!
وإن كل صاحب منزل وصاحب ديوان يضيف ضيفه بأفضل ما عنده، فما هي ضيافة أكرم الأكرمين؟ سل الله في بداية الشهر أن يُحقق لك هذه الضيافة وأن تخرج منه كيوم ولدتك أمك، قد حزت المغفرة الجامعة. ومن أجل ذلك، لابد وأن تدعو في الليلة الأولى وتتضرع إلى ربك بأن يكون هذا الشهر، خير شهر رمضان مر عليك منذ أن بلغت الحلم. قد يكون المؤمن ممن أقام الليل سنته كلها وتميز في العبادة وفي ليالي القدر ولكن لا يمنع ذلك أن يطلب المزيد في كل عام والارتقاء درجة عما كان عليه في السنة الماضية. فينبغي أن يرتقي في تلاوة القرآن الكريم وفي قيام الليل وفي الصيام وسائر الأعمال والعبادات في هذا الشهر.
هل تبحث عن العافية؟
من الأدعية التي لا يفغل عنها المؤمن في الليلة الأولى من شهر رمضان المبارك ما روي عن الإمام موسى بن جعفر (ع). ثم يذكر الإمام موسى بن جعفر (ع) آثار هذا الدعاء في مستهل الدعاء فيقول: (اُدْعُ بِهَذَا اَلدُّعَاءِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ مُسْتَقْبَلَ دُخُولِ اَلسَّنَةِ فَإِنَّ مَنْ دَعَا بِهِ مُحْتَسِباً مُخْلِصاً لَمْ تُصِبْهُ فِي تِلْكَ اَلسَّنَةِ فِتْنَةٌ وَلاَ آفَةٌ يُضَرُّ بِهَا دِينُهُ وَبَدَنُهُ وَوَقَاهُ اَللَّهُ شَرَّ مَا يَأْتِي بِهِ فِي تِلْكَ اَلسَّنَةِ)[١]. ماذا تريد أعظم من هذه الجوائز؟ وزماننا زمان الفتن والبلاء والزلازل والأمراض. ألا تريد السلامة في البدن والعافية في الدين والدنيا؟ فعليك بهذا الدعاء.
ومما ورد في هذا الدعاء قوله (ع): (عَافِنِي مِنْ شَرِّ مَا أُحَاذِرُ بِاللَّيْلِ وَاَلنَّهَارِ فِي مُسْتَقْبَلِ سَنَتِي هَذِهِ)[٢]. فهو يعتبر شهر رمضان المبارك أول شهر من السنة الروحية. فإذا كان محرم الحرام أول سنة المعاملات، فإن شهر رمضان المبارك بداية السنة الروحية. ولابد أن تقيم نفسك لترى ما اكتسب لنفسك في هذه السنة وما اكتسبت عليها؟
مقطع من الدعاء يُبين لك أهميته وأهمية التوسل به
ومما ورد في هذا الدعاء الشريف: (اَللَّهُمَّ اِجْعَلْنِي فِي مُسْتَقْبَلِ سَنَتِي هَذِهِ فِي حِفْظِكَ وَفِي جِوَارِكَ وَفِي كَنَفِكَ وَجَلِّلْنِي سِتْرَ عَافِيَتِكَ وَهَبْ لِي كَرَامَتَكَ عَزَّ جَارُكَ وَجَلَّ ثَنَاؤُكَ وَلاَ إِلَهَ غَيْرُكَ…، مَّ كَمَا كَفَيْتَ نَبِيَّكَ مُحَمَّداً صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ هَوْلَ عَدُوِّهِ وَفَرَّجْتَ هَمَّهُ وَكَشَفْتَ غَمَّهُ وَصَدَقْتَهُ وَعْدَكَ وَأَنْجَزْتَ لَهُ عَهْدَكَ اَللَّهُمَّ فَبِذَلِكَ فَاكْفِنِي هَوْلَ هَذِهِ اَلسَّنَةِ وَآفَاتِهَا وَأَسْقَامَهَا وَفِتْنَتَهَا وَشُرُورَهَا وَأَحْزَانَهَا وَضِيقَ اَلْمَعَاشِ فِيهَا)[٣].
دعاء المعذب في قعر السجون
إن هذا دعاء، هو دعاء ذلك المعذب في قعر سجون الظالمين لسنوات طويلة من عمره الشريف وهو ذو الساق المرضوض بحلق القيود الذي حرص على أن يصلنا هذا الدعاء. فلماذا نلجأ إلى الأدعية غير المأثورة وعندنا البليغ من الأدعية المروية عن أئمة أهل البيت (ع)؟ إن سائر الأدعية التي أنشأها من أنشأها؛ قد يستجيب الله عز وجل لمن دعا بها وقد لا يستجيب لهم، ولكن الله عز وجل يستجيب لمن دعا بدعاء الإمام الكاظم (ع) ببركة انتساب هذا الدعاء إليه. والأمر ذاته في دعاء كميل المروي عن أمير المؤمنين (ع) وفي دعاء أبي حمزة المروي عن الإمام زين العابدين (ع).
والمؤمن يغتنم هذه الأدعية الشريفة والعبادات والأذكار التي هي قليلة المئونة كثيرة المعونة. ولا ينبغي أن نستغرب من كثرة ثوابها مع قلة عنائها؛ فإن الله عز وجل في ليلة القدر التي قد لا تتجاوز ثلاث ساعات في بعض البلدان يضاعف ثواب الأعمال حتى تكون الركعة خير من الركعة في أكثر من ألف شهر.
لا تستغرب من قلة العمل وكثرة الأجر عليه
فلا تستغرب أن تصل إلى هذه المقامات بركعتين أو تُحفظ من الآفات بدعاء في عشر دقائق؛ فالله سبحانه لطيف بعباده. من منا من لم يصب ببلية من مرض أو أفلاس أو عناد ولد أو طلاق زوجةٍ أو ما شابه ذلك؟ لا يخلو أحدنا من محنة في سنته الماضية. ولكن الذي يُكثر من الدعاء تحت القبة الشريفة أو في ليالي القدر المباركة، فإن الله عز وجل يدفع عنه الكثير من البلاء وقد قال عز وجل: (يَمۡحُواْ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثۡبِتُۖ وَعِندَهُۥٓ أُمُّ ٱلۡكِتَٰبِ)[٤].
وقد روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (اَلدُّعَاءُ يَرُدُّ اَلْقَضَاءَ بَعْدَ مَا أُبْرِمَ إِبْرَاماً فَأَكْثِرْ مِنَ اَلدُّعَاءِ فَإِنَّهُ مِفْتَاحُ كُلِّ رَحْمَةٍ وَنَجَاحُ كُلِّ حَاجَةٍ وَلاَ يُنَالُ مَا عِنْدَ اَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلاَّ بِالدُّعَاءِ وَإِنَّهُ لَيْسَ بَابٌ يُكْثَرُ قَرْعُهُ إِلاَّ يُوشِكُ أَنْ يُفْتَحَ لِصَاحِبِهِ)[٥]. والأمر إليك في الإكثار من الدعاء أو الرضا بالقليل منه. وإذا ذهبت إلى مسجد السهلة ستجد على باب المسجد رواية عن الإمام الصادق (ع) يقول فيها: (لَوِ اِسْتَجَارَ عَمِّي زَيْدٌ بِهِ لَأَجَارَهُ اَللَّهُ سَنَةً)[٦]. فلا تستهن بالدعاء وبما يفعله.
ما هي أفضل الأعمال في هذا الشهر؟
عند الحديث عن أفضل الأعمال، يخطر ببال الكثير الأدعية والأذكار والمختصرة؛ فهي وإن كانت جزء من العمل إلا أنه لا ينبغي الاكتفاء بها عن السعي، فقد قال عز وجل: (وَأَن لَّيۡسَ لِلۡإِنسَٰنِ إِلَّا مَا سَعَىٰ)[٧]. لابد وأن تسعى في هذا الشهر وتبذل جهدا؛ فالدعاء العابر وركعتين تصليهما في اليوم لا تُسمى سعيا. وأفضل أيام السعي على الإطلاق شهر رمضان المبارك. بإمكان المؤمن أن يضم إليها عشرة من شعبان أو من شوال فيُكمل أربعينية يُزكي فيها نفسه. إن المدخنين يُحاولون الإقلاع عن التدخين فترة من الزمن، فإذا نجحوا في ذلك ونقيت الرئة وصلوا إلى درجة يشمئز فيها أحدهم من رائحة الدخان.
فإذا صرت نقياً في أربعين يوم وليلة، فإن الشيطان ييأس منك. إنها مغلولة في شهر رمضان المبارك ومع أذان المغرب من اليوم الأخير من الشهر، تُفك من أغلالها وهي كالثعبان المجروح الذي وضعته في قفص، ينتظر الفرصة لينهش لحمك. فاحذر من انتقام الشياطين بعد هذا الشهر. فكلما تميز المؤمن في هذا الشهر، كان معرضا أكثر من غيره لانتقام الشياطين بعد العيد المبارك.
خلاصة المحاضرة
- إن لإمامنا الكاظم (ع) دعاء عظيم في مستهل رمضان. فلماذا نلجأ إلى الأدعية غير المأثورة وعندنا البليغ من الأدعية المروية عن أهل البيت (ع)؟ إن سائر الأدعية قد يستجيب الله لمن دعا بها وقد لا يستجيب لهم، ولكنه سبحانه يستجيب لمن دعا بدعاء الإمام الكاظم (ع) ببركة انتساب هذا الدعاء إليه