س١/ من منطلق قوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ}.. نريد أن نقف حول معنى قيمومية الرجل؟..
إن هذه الآية من الآيات التي قد لا يرتاح إليها كثير من النساء لولا التعبد الشرعي؛ لأن بعض الرجال يسيؤون الاستفادة من هذه الآية الكريمة، وهم سبب في تنفير النساء من تشريع قيمومية الرجل للمرأة.
إن قيمومية الرجل للمرأة، ليست كقيمومية الله تعالى، أي ليست بمعنى التحكم المطلق، إنما هي قيمومية تنظيمية ومحددة بحدود.. ومن المعلوم أن الواجب على المرأة فقهيا، هما أمران: التمكين، والاستئذان؛ وفيما عدا ذلك من الأمور، لم يقل أحد بلزوم تبعية الرجل تعبدا، في الجزئيات الأخرى الحياتية.
والملاحظ أن الآية ذكرت تعليلا لذلك، وهما أمران: التفضيل الإلهي، والإنفاق.. فالرجل هو مصدر قوت للعائلة، وما دام هو الذي يتعب من الصباح إلى الليل ليكد لعياله؛ فإن له الحق في إدارة شؤون الأسرة.. وكون الرجل له حالة من حالات الجدية في الحياة، والتحكم في العاطفة، والخبرة في مقام مواجهة المشاكل وإدارة الأزمات؛ فإنه أقرب إلى حل المشاكل من المرأة.
ولكن هذا كله لا ينافي أن يجعل الرجل زوجته مستشارة له، في شؤونه الحياتية.. فهذا النبي (ص) رغم اتصاله بالسماء، وأنه عقل الكل، ولكن الله تعالى يأمره بالمشاورة، إذ يقول تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ}.. لا مانع أن يكون الرجل أيضا له هذا الدور، فالرجل يحتاج إلى تقييم المرأة لبعض الأمور، وخاصة أن دقة ملاحظة المرأة أكثر من الرجل، فهو في الكليات أدرى وأفهم، بينما المرأة في الجزئيات أدق وأكثر ملاحظة.. أضف إلى أنها الأكثر خبرة والأعلم بقضايا الأولاد، لكونها هي التي معهم من الصباح إلى الليل، فلها القدرة على تقييم مزاج كل واحد منهم، وطبعه، وما ينفعه من القسوة أو اللين.
فإذن، إن معنى قيمومية الرجل، هي قيمومية إدارية وتنظيمية، لا قيمومية مطلقة والامتثال المطلق للأوامر والنواهي.. حتى أنه من ناحية فقهية-وهذه مسألة معروفة ولكن مع ذلك ترى الرجال يتجاوزون على هذه المسألة- إن المرأة لها الحق في التصرف بأموالها كما تشاء، وليس من حق الرجل أن يتصرف في مالها لشؤون الأسرة والإنفاق على الأسرة.. ولو كانت المرأة مستغنية وغنية، فعليه أن ينفق عليها على ما هي عليه من الغنى.
إن هذا التمييز من الله تعالى للرجل، له حكمة لقطع الخلافات، والقضية عقلية، ولهذا نلاحظ أن هذا المعنى موجود في روايات أهل البيت (ع)، كما ورد أنه لو سافرت جماعة إلى مكان ما، فليؤمروا عليهم أحدهم.. فاتخاذ أمير في السفر أمر منطقي، لأن طبيعة السفر أن يكون فيه خلاف، مثلا حول المنزل الذي ينزلون فيه وغيره، وإذا لم يحسم الخلاف، فلا شك أن هذه الرفقة ستتنازع فيما بينهم.
فالزوجان كذلك هما في سفر، وسفرهما طويل قد يستمر ستون سنة، ولابد عند الخلاف أن يكون هناك من يحسم، فإذا الرجل لا حق له في الحسم، والمرأة لا حق لها في الحسم، فإنه تبقى الملفات عالقة، ويتحول الخلاف مع الزمن إلى اختلاف وفرقة وعداوة.
وينبغي أن نلتفت أن القيمومية للرجل هي حق شرعي، كبقية الحقوق الأخرى كالتمكين وغيره، ولا ينبغي أن نفرط في الأحكام الشرعية، ولا يشترط في ذلك أن يكون الزوج مؤمنا، أو متربيا في مدرسة الدين..
ولكن هذه القيمومية ليست مطلقة، ففي إدارة شؤون العائلة الزوجة ليست ملزمة بأن تسمع كلام الزوج، في كل صغيرة وكبيرة.. وخاصة إذا كان الرجل متحكما ظالما غشوما، ولا يعرف المنطق، ولا يعرف الدين.. ولكن الرجل إذا كان متربيا في المدرسة الإسلامية الكبرى، يعرف الآداب كما يعرف الأحكام، ويعرف المستحبات كما يعرف الواجبات، فلا شك أن مثل هذا الرجل لا يخاف منه، ويتحول تلقائيا إلى مدير مطاع في العائلة.. ولهذا نحن نقول بتزويج البنت للمؤمن؛ لأنه مأمون من شره، فإن أحب الزوجة أحبها، وإن لم يحبها لم يظلمها.
فإذن، إن هذه القيمومية للرجل، قيمومية في ضمن إطار شرعي محدد.
س٢/ ما هو تعليقكم على هذا الحديث: (شاوروهن وخالفوهن في الرأي)؟..
لا يمكن القول بأن المراد بهذه الرواية مطلق المخالفة، فكلما شاورتها خالفها، وإلا فمعنى ذلك أن المرأة لا عقل لها، وأن كل ما تراه مجانب للصواب.. ومن المعلوم أنه قبل القبول بمضمون أي رواية، لابد من النظر إلى الصدر والذيل وظرف صدور الرواية.. ولعل هذه الرواية-والله العالم- صدرت في مورد معين كالحرب مثلا، فالمرأة عند الحرب من الطبيعي أنها لا ترضى بأن يذهب زوجها للمعركة.
وإلا فإن مخالفة المرأة في كل شيء، قطعا ليس من مزاج الشارع، فلابد من تقييد هذه الرواية بمورد، بأن يكون رأي المرأة من منطلق العاطفة، لا منطلق العقل والدين.. فإذا كان رأي المرأة من منطلقات غير شرعية، وغير مستندة إلى أساس شرعي، فلا شك أن المخالفة هنا تكون راجحة.. وأما القول بمطلق المخالفة، فهذا لا ينبغي القول به.
س٣/ لو تورطت المرأة بزوج غير صالح، ليست عنده مؤهلات الإدارة للعائلة، ويسيء تطبيق القيمومية.. فهل في هذه الحالة، يمكن للمرأة أن تعين الرجل في مسألة إدارة شؤون المنزل؟..
الرضا بالموجود:
هناك مقولة من روايات أهل البيت (ع)، كثيرا ما أستعملها لحل المشاكل، وهي: (إن لم يكن ما تريد، فأرد ما يكون)..
إن المرأة إن لم تجد الزوج الذي كانت تحلم به، أو كما يعبر عنه بفارس أحلامها، فعليها أن تقبل بهذا الموجود، مع عدم وجود خط التراجع، فبعد العقد وبعد إنجاب الأولاد، تقريبا فإن طريق العودة طريق مسدود، ولا يمكن التفكير في هذا المجال إلا لفاحشة بينة.. وكذلك العكس، فالرجل قد يتورط بامرأة، ثم يكتشف عدم صلاحها بعد سنوات من المعاشرة.
ثم إن المرأة من الممكن أن تغير في الرجل إلى الأحسن، إذا استعملت الأساليب العاطفية الاحتوائية، وعندما لا تقف أمام الرجل بعنوان المواجهة والمصادمة، وتمتص غضبه، وتتحبب إليه.. فالمرأة بها زخم عاطفي قوي، ولها قدرة عاطفية قوية.. كما أن الرجل من الممكن أن يحتوي زوجته من خلال عقله؛ كذلك المرأة من الممكن أن تحتوي زوجها من خلال عاطفتها.. فسلاح الرجل عقله، وسلاح المرأة عاطفتها.
الاستمداد الغيبي:
إن علماء التربية في مثل هذه المسائل ينظرون إلى القواعد التربوية المحضة المجردة، ونحن دائما نضيف عنصر الغيب.. فمثلا إذا كان إنسان متورط بولد غير صالح، لماذا لا يداوم على صلاة الأولاد، بنية صلاح ولده.. أو امرأة متورطة بزوج غير صالح، فلتكثر من الدعاء له في ظهر الغيب.. تلك المرأة في زمن رسول الله (ص)، اشتكت إلى رسول الله (ص) زوجها شكوى بليغة، فالنبي (ص) جمعهما، ودعا لهما بألفة القلوب، وتفرقا على أعلى درجات المحبة.
فإن طريق التدخل الإلهي مفتوح دائما، وقلب العبد بين إصبعين من أصابع الرحمن، ومن هنا أمرنا أن ندعو: (يا مقلب القلوب والأبصار).. ما قال (قلوب المؤمنين)، بل (القلوب)، أي كل القلوب، حتى قلب الفاسق يمكن أن يقلب، كما قلب رب العالمين قلب فرعون لموسى (ع).
فإذن، إن المرأة الصالحة المؤمنة اعتمادا على الأساليب التربوية الناجحة والتوسل، بإمكانها أن تعيد الرجل إلى رشده.
س٤/ متى يحسن مراجعة الزوجين للغير، لحل المشاكل الأسرية بينهما؟..
نحن في الدرجة الأولى عادة نؤكد بأن حفظ أسرار البيت، وعدم إخراجها للخارج، يوفر كثيرا من المشاكل بين الزوجين، وكما قيل: (كل سر جاوز الاثنين شاع).. هناك بعض الناس عن قصد أو غير قصد، لا يحسنون كتم أسرار الحياة الزوجية.. فالزوجة مثلا تشكو أمرها إلى مؤمن، بأن الزوج ضربها، وإذا بهذا المؤمن لغرض أو بغير قصد، أشاع هذا الأمر، فيراق ماء وجههما، ويعلم في المجتمع بأن فلان ضرب زوجته، فلا يمكنه حتى أن يأتي إلى بيوت العبادة أمام الناس، لشدة خجله مما أشيع عنه.
فإذن، إن الأفضل للزوجين في المرحلة الأولى، أن ينزعا شوكهما بأيديهما.. وإن كان ولابد من الذكر للغير، فلابد من الحكمية الشرعية، من الرجوع لإنسان يجمع بين التشرع والحكمة، لحل خلافهما، كما ذكر القرآن الكريم: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا}.. وما المانع أن يكون هذا الحكم حكما واحدا، بأن يبحثا عن إنسان يقبل أن يكون حكما بين الطرفين.. على أن يكون هذا الحكم في منتهى العدالة؛ لأن هناك أمرا شرعيا بأنه إذا دخل إنسان في حل نزاع بين اثنين، فلابد أن يكون في منتهى الدقة في الحكم، لئلا يميل إلى أحدهما على حساب الآخر.
س٥/ إذا كان الزوجان متخالفين، وكان أحدهما يُغلّب كفته على الآخر، ويرمي الاتهامات عليه.. فكيف يكون الحل في مثل هذه الحالة؟..
إن الحل هو عقد جلسة مصارحة، في جو التقوى؛ فإن التقوى نعم الضمان، لعدم التعدي على حقوق الغير.
والنصيحة لمن يريد أن يتكلم في قضية استراتيجية، مثلا: يريد أن ينصح ابنته في موضوع حجابها، بأن رأى فيها بوادر الانحراف، أو يريد أن ينصح ولده أو زوجته، ويخشى أن لا يكون الكلام بليغا مؤثرا؛ إن من المناسب قبل الحديث مع الغير في قضايا استراتيجية، الالتجاء إلى الله تعالى بركعتين، من باب التسديد.. فهذا موسى (ع)-وهو الكليم- التجأ إلى الله تعالى، لنجاح مهمته، وطلب طلبا مضاعفا تأكيديا: {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي}.. والمؤمن أيضا يحتاج إلى هذه التسديدات؛ ليكون كلامه مؤثرا، في نفوس الغير.
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.