- ThePlus Audio
قيمة الإنسان عند أمير المؤمنين (عليه السلام)
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
وأفضل الصلاة وأتم السلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين محمد المصطفى وآله الطيبين الطاهرين.
يعتقد البعض أن الإحسان والاحترام وإبداء بعض صور التقدير لا يكون إلا للمسلمين، والحال أن المطلوب في الحالات الكثيرة أن يحسن المسلمون إلى غير المسلمين وأن يبدو لهم الاحترام وأن يعاملوهم بالأخلاق الحسنة في حدود الشريعة الإسلامية، وقد تغرس هذه الأخلاق في قلوبهم بذرة من بذور الهدى؛ فالإنسان بطبعه الفطري عندما يرى إحسان المسلم إليه – الإحسان الذي لا يراد منه غير وجه الله سبحانه، ولا يريد منه جزاءاً ولا شكوراً – يتأثر بذلك، وهذا ما نستفيده من سيرة أئمتنا (ع)، ونحن في طرح مثل هذه المثل الأخلاقية نسعى أن نأتي بشاهد من حياتهم (ع).
عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (أَنَّ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ صَاحَبَ ذِمِّيّاً – والكلام في إنسان ذمي يلتزم بقوانين المسلمين وليس الكافر الحربي، ويرى البعض أن التزامهم بقوانين الإسلام هو نوع من أنواع الاحترام لنظم المجتمع ومقرراته – فَقَالَ لَهُ اَلذِّمِّيُّ: أَيْنَ تُرِيدُ يَا عَبْدَ اَللَّهِ؟ – وهو لا يعرف الإمام وعلى أقل التقادير يعلم أنه عبد من عباد الله عز وجل – فَقَالَ أُرِيدُ اَلْكُوفَةَ، فَلَمَّا عَدَلَ اَلطَّرِيقُ بِالذِّمِّيِّ عَدَلَ مَعَهُ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ)[١]
وبينما ذلك الذمي يحظى بصحبة من لا يعرفه؛ نتحسر نحن عندما نرى هذه الرواية ونتمنى أن نمشي مع علي (ع) للحظات ونغترف من بحر علمه، ولكن هكذا شاءت الأقادر، (قَالَ لَهُ اَلذِّمِّيُّ أَ لَسْتَ زَعَمْتَ أَنَّكَ تُرِيدُ اَلْكُوفَةَ؟ – وانظروا إلى هذه التعبير الذي ينم عن قلة احترام – قَالَ لَهُ: بَلَى، فَقَالَ لَهُ اَلذِّمِّيُّ: فَقَدْ تَرَكْتَ اَلطَّرِيقَ؟ فَقَالَ لَهُ: قَدْ عَلِمْتُ، قَالَ فَلِمَ عَدَلْتَ مَعِي وَ قَدْ عَلِمْتَ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ هَذَا: – ولو كانت هذه رأفته (ع) بغير المسلمين وبأعدائه فكيف هي رأفته بالمسلمين والموالين؟ – مِنْ تَمَامِ حُسْنِ اَلصُّحْبَةِ أَنْ يُشَيِّعَ اَلرَّجُلُ صَاحِبَهُ هُنَيْئَةً إِذَا فَارَقَهُ – من الأدب أن يشيع الرجل خطوات ثم يرجع إلى طريقه وليلاحظ كيف علل أمير المؤمنين (ع) فعله هذا، وفي ذلك كفاية لمن يتهم الموالين بأن لهم طريقا غير طريق النبي (ص) وما رسمه لهم وقد ظلم التاريخ من اعتقد بذلك، وقد قال (ع) بعد هذا الفعل البسيط – وَكَذَلِكَ أَمَرَنَا نَبِيُّنَا صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ – أي أنَّ ما فعلته هو من بركات النبي (ص) وحسن أدبه، وأراد (ع) أن يغرس في قلب الرجل مقدمات الشهادة بنبوته (ص))[٢]
(فَقَالَ لَهُ اَلذِّمِّيُّ هَكَذَا قَالَ: قَالَ: نَعَمْ، قَالَ اَلذِّمِّيُّ. لاَ جَرَمَ أَنَّمَا تَبِعَهُ مَنْ تَبِعَهُ لِأَفْعَالِهِ اَلْكَرِيمَةِ – أي هذا هو أدب نبيكم متعجباً من ذلك، ورأى أن هذا النبي (ص) لجدير أن يقتدى به ويتبع، فلما تنور قلبه بنور الإسلام قال للإمام (ع): – فَأَنَا أُشْهِدُكَ أَنِّي عَلَى دِينِكَ – وأنا أرغب بهذه الدين ويا له من دين أخذ عن علي (ع) – وَرَجَعَ اَلذِّمِّيُّ مَعَ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ – إلى الكوفة وقطع سفره ولما علم أنه أمير المؤمنين (ع) وخليفة رسول الله (ص) أسلم معه بعدما كان قد أسلم إجمالاً)[٣] وهذا مثال لقولهم: (كُونُوا دُعَاةً لِلنَّاسِ بِغَيْرِ أَلْسِنَتِكُمْ)[٤].