- ThePlus Audio
قواعد تربية الذات
بسم الله الرحمن الرحيم
ما هو المراد في القرآن الكريم من عبادة الأصنام؟
حديثنا هو حول كيفية استثمار موسم العزاء. إننا نقرأ في كتب الأخلاق كثيرا عن الأصنام التي تعبد من دون الله عز وجل. إن إبراهيم (ع) كان يقول: (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ)[١]، ونحن نعلم أن الجاهليون هم الذين كانوا يعبدون الأصنام، فهل كان إبراهيم (ع) وولده الذين منهم نبي الله إسماعيل ذبيح الله معرضين لعبادة الأصنام؟ أم أن القضية كنائية؛ فكما أن الطاغوت كناية عن كل شيء ما سوى الله عز وجل، فكذلك الأصنام في القرآن الكريم قد يراد بها الأصنام الحجرية أو يراد بها نفسك التي بين جنبيك التي هي من أعتى الأصنام وأشدها.
إشارات القرآن الكريم العميقة
لقد انتهت عبادة هذه الأصنام منذ زمن طويل إلا ما شذ وندر. إنك عندما تذهب إلى بلاد الشرق وترى تمثالا عملاقا لبوذا تقول في نفسك: أين نحن وأين هؤلاء؟ أين الحج الإبراهيمي من الوقوف أمام جبل أو أمام ذهب أو ما شابه ذلك. ولذلك هناك بعض الآيات التي فيها إشارة لذوي الألباب، وروي: (إِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ عَلِمَ أَنَّهُ يَكُونُ فِي آخِرِ اَلزَّمَانِ أَقْوَامٌ مُتَعَمِّقُونَ فَأَنْزَلَ الله تَعَالَى: «قُلْ هُوَ اللٰهُ أَحَدٌ»)[٢]؛ فالبعض ينطلق من سورة التوحيد إلى معاني راقية جداً.
من إشارات القرآن الكريم قوله تعالى: (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ)[٣]، وهذه الآية تكفي لكي نعلم أن البعض منا ومن دون أن يشعر قد يتخذ إلهه هواه. ولا يمكن الجمع بين الهوى والهدى. ولذلك يمكن القول أن مبدأ السفر هو الخروج من الأنا والخروج من دائرة الذات وهو من أصعب الأمور على الإنسان. قد لا تعجبك الزوجة فتطلقها، وقد لا يعجبك ولدك وترى منهم عقوقا فتطرده من المنزل وقد لا يعجبك شريكك فتفسخ الشراكة معه، وكل شيء قابل للانفكاك إلا نفسك التي بين جنبيك. قد تقول انتحر وانتهى الأمر والحال أنك لو انتحرت لحقتك هذه الذات وستخلد في نار جهنم لأنك قتلت نفسك.
المبدأ والمقصد في السلوك
إن الحل يكمن في السيطرة عليها. لقد روي عن النبي (ص) أنه قال لأصحابه عند رجوعهم من إحدى السريات: (مَرْحَباً بِقَوْمٍ قَضَوُا اَلْجِهَادَ اَلْأَصْغَرَ وَبَقِيَ عَلَيْهِمُ اَلْجِهَادُ اَلْأَكْبَرُ)[٤]. إننا لدينا سفينة شراعية متواضعة ننتظر بها الرياح الدافعة، وسنخرج من الميناء، وهذا الميناء نسميه ميناء الذات، ولكن أين المقصد، وما هو الهدف؟ إن الهدف هو قوله تعالى: (إِلَيْهِ الْمَصِيرُ)[٥]، وقوله عز من قائل: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا)[٦].
إنني عندما أصل إلى هذه المضامين أتألم كثيرا وأقول: أين أهل الدنيا من هذه المقامات؟ إن بعض الناس في الستين والسبعين ينظر إلى ملفاته، وإلى عمره الذي مضى فيرى أن الخلاصة من حياته؛ زيجة وولد ومنزل ودابة. إن هذا هو ما كسبه في ستين سنة. إن بعض المقتاعدين يذهب إلى الدائرة التي عمل فيها ثلاثين سنة فيتحسر كثيرا ويقول: كم أمضيت من العمر هنا فما الذي حصلت عليه؟
حال الذين لا يؤمنون بالآخرة عند الموت
فأما الراتب فقد تحول إلى منزل وهو بعد فترة قصيرة سيسلمه لورثته وانتهت القصة. عمل فتقاعد فانتظار لملك الموت وأخيرا إنا لله وإنا إليه راجعون. أليست الحياة مملة بهذا المعنى وكئيبة؟ إن الذين لا يؤمنون بالآخرة قد لا يكترثون عند الموت لأنهم لا يتوقعون حياة بعد هذه الحياة. لقد سألت بعض الأطباء عن حال غير المؤمنين عندما يبتلون بمرض قاتل كيف يكون حاله قبل الموت وساعة الاحتضار؟ فقال لي: إن هؤلاء يظنون أنهم سيموتون وينتهي كل شيء فهو لا يخاف من الموت وقد يستمع أحدهم في ساعة الاحتضار إلى الغناء مثلا، فيقول: دعني أمت أنا أغني. وإنما الكلام في من يعتقد بالحياة الأبدية، ومن يعتقد بقوله تعالى: (وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)[٧]؛ فلسنا ندري كم سيطول برزخنا فلعلها يطول مئات السنين إن لم يكن آلاف السنين.
من صعوبات يوم القيامة
هب أن القيامة ستقوم في أواخر القرن حيث يظهر الإمام مثلا ويحكم، ثم يرجع الأئمة (ع) فماذا ستفعل في عرصات القيامة؟ فقد يقال لك: أنت من أهل الجنة قطعا، وخذ كتابك بيمينك، فعندها كم ستفرح؟ ولكن يقال لك: قف في الطابور وفي صف أهل الجنة وانتظر يوماً واحداً، وبعد يوم ستدخل الجنة. ولكن أي يوم؟ (كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ)[٨]؛ فانتظر ألف سنة إلى أن يأتيك الدور. فالقضية واقعا مخيفة.
قد تقول أهكذا سندخل الجنة؟ ما هذه الجنة التي قبلها هذا التعذيب الباطني؟ بالطبع ليس هذا هو حال الجميع. هب أنك من أهل الجنة ولكن لبعض الهفوات يقال لك: انتظر يوماً واحداً، ولكن هنالك من المؤمنين من يخرجون من القبور إلى الجنة بغير حساب؛ فلا يرون ملكاً ولا حساباً ولا انتظاراً إلى درجة أن خزنة الجنة يتعجبون منهم.
تغيير الكثير من الناس بعد مواسم العزاء
إننا بعد الأربعين أو بعد شهري محرم وصفر تأتينا رسائل عبر مواقع التواصل أو شفهياً يقولون فيها: أننا وجدنا أنفسنا. ويقول البعض: لقد تبت إلى الله عز وجل أو الآن علمت أين الطريق؟ والبعض يأتي ويندب حظه ويقول: كم كنت في ضلالة فلقد مضى من عمري ما مضى وأنالا أعلم الطريق الذي ينبغي أن أسلكه.
إن كلامنا هذا ليس كلاماً أخلاقيا عرفانياً اصطلاحياً، وإنما نريد من خلاله أن نهاجر. إنني أبتعد عن المصطلحات ما أمكنني وأستند إلى القرآن والروايات في حديثي وقد استشهد برواية من العامة ولا أرى في ذلك بأسا مادام الحديث هو حديث عام.
مبدأ الهجرة
المبدأ الذي نريد أن نهاجر منه هي الحالة التي نتخذ فيها النفس إلها وهو قوله سبحانه الذي ذكرناه آنفا، حتى نصل إلى بر الأمان وهو قوله سبحانه (إِلَيْهِ الْمَصِيرُ)، وقوله تعالى: (إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى)[٩]. لقد جمعني بأحد كبار العلماء مجلس تناولنا فيه أطراف الحديث وكان رجلا حسينيا إلى أبعد الحدود. فذكرت له قوله تعالى: (مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا)[١٠] فانتفض وكأنه يسمع هذه الآية أول مرة، وقال لي في حالة من الصدمة: أ هي آية من القرآن؟
حفظ الوقار الإلهي
أين نحن وحفظ الوقار الإلهي. هل عندما تعصي الله ترجو له وقارا؟ إن الإنسان قد يستحي من نفسه عندما ينظر إلى باطنه، ولهذا إن البعض عندما يدخل بيت الخلاء يستحي من ربه بمعنى فيغطي رأسه. ولعل موسى (ع) أشار إلى هذا الموضع بقوله: (يَا رَبِّ إِنِّي أَكُونُ فِي حَالٍ أُجِلُّكَ أَنْ أَذْكُرَكَ فِيهَا فَقَالَ يَا مُوسَى اُذْكُرْنِي عَلَى كُلِّ حَالٍ)[١١]. ولذلك نلاحظ أن آداب أوراد الدخول إلى بيت الخلاء أكثر من آداب الدخول إلى المسجد لأنه مكان الغفلة.
التأني وعدم الاستعجال في السير إلى الله
من قواعد تربية الذات التأني وعدم الاستعجال. إن البعض منكم يدخل في ناد أو في معهد رياضي معين ليربي عضلاته، وتصبح بعد سنة أو سنتين مفتولة مثلا. إنك إن كنت لإنماء العضلات الفانية بحاجة إلى برمجة، وإلى مربي وإلى أن تدفع الأموال، وترفع الأثقال، وتتبع حمية غذائية معينة فأنت في تربية الذات أحوج إلى ما ذكرنا. إن الرياضيين العالميين الذين يحققون الأهداف الكبرى في هذا المجال قد يمضون عشرين سنة في هذا الطريق.
إن المستعجل يعفي نفسه من اكتساب المقامات. إنه كان في عشرة محرم نزيهاً وحسينياً ومن البكائين وكذلك كانت حاله في شهري محرم وصفر، فيتوقع بعد هذين الشهرين أن يطير في الأجواء العليا. هب أنك في شهر رمضان تميزت في صومك؛ فصمت نهاراً وقمت ليلاً، وذهبت للحج والعمرة، ومشيت الأربعين، أفتظن أن الأمر انتهى. إن الأمر أعظم مما تتصور. إنك بحاجة إلى متابعة ومواصلة. إن الله سبحانه أيد النبي (ص) بالأنصار، فمن هم الأنصار؟ إن الأنصار هم الذين تربوا على يد النبي (ع) في مكة ثلاثة عشر سنة حتى تهيئوا لنصرة النبي (ص) والرسالة.
قد يأتينا شاب مراهق أو فتاة بالغة وتقول: لقد التزمت بصلاة الليل أربعين ليلة فما رأيت شيئا. أولا ينبغي أن يطيل المؤمن باله. إن الله سبحانه لم يبعث النبي (ص) إلا في سن الأربعين. إن حياة النبي (ص) في الحقيقة حياة ملفتة. لقد قضى ثلثي عمره في مكة وفي الغار وفي تربية الذات حيث لم يكن للنبي (ص) ذلك النشاط المميز ولهذا عاش محترماً أمينا بين أهله، ولكن متى بدأت المشاكل؟ عندما قال: قولوا لا إله إلا الله تفلحوا. ثم إن ثلث حياة النبي (ص) جهاد ودعوة ويعني ذلك أن ثلثي حياته الشريفة كانت في تهيئة المقدمات. فينبغي أن توطن نفسك على الصبر وعلى سلوك طريق قل سالكوه.
اتباع المنهج والتدرج في السير إلى الله عز وجل
ثانيا: ينبغي المعرفة بالاستراتيجية والتدرج في هذا السير. فلا يكلف أحدا نفسه شططاً. إن بعض المؤمنين ممن يبحث عن التكامل ويعمل على التهذيب أول ما يفعله محاربة المعدة. فلا يأكل الطعام الهنيئ ويترك اللحوم بمختلف أنواعها ويقاوم نفسه من خلال الطعام البسيط وحتى غير الصحي أحيانا فإذا به بعد فترة من الزمن يبتلى بالوهن والمرض. من قال لك أن هذا هو الطريق؟
أليس سبحانه يقول: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا)[١٢]؟ وإننا نشاهد اليوم موضة دارجة وهي ترك اللحوم والاكتفاء من الطعام بالنباتيات. إنني لم أرى في روايات أهل البيت (ع) دعوة إلى مقاطعة اللحم. بلى، لقد روي عنهم: (لا تجعلوا بطونكم مقابر الحيوان)[١٣] ولكن إذا أردت أن تتكامل، فإن الأمر أعظم من هذه الحمية الغذائية. إنما عليك أن تتبع حمية من نوع آخر. فأول شيء تفعله أن تترك المعاصي والذنوب ولكن بقيود. إننا عندما نقول ترك المعاصي والذنوب نعني بنحو الاسغراق. فقد يأتينا الرجل فيقول: إنني بحمد الله منضبط في سلوكي وأخمس وأصلي وإلى آخره، ولكن عيني تزيغ. فما الفائدة؟ إن قربتك مثقوبة، فحتى لو كان هذا الثقب صغيراً فإن هذه القربة ستفرغ ببطئ وإن كان الثقب كبيرا فستفرغ فوراً. وأنت شئت أم أبيت ستفقد كل المكاسب.
إننا نحفظ المعاصي جميعا فلا يتذرع أحد بالجهل. إن هذا الرأس فيه أذنين وعينين وفم، وإذا رسمت خطاً مستقيماً على مستوى العينين والأذن وجعلت الفم رأس المثلث ثم تحكمت فيه، فقد تحكمت في جنة عرضها السماوات والأرض. إن معاصي النظر معروفة، وكذلك معاصي الأذن من الغيبة والغناء وما شابه ذلك، ومعاصي الفم معروفة؛ فلا تغتب، ولا تهتك، ولا تشتم، ولا تأكل الحرام. وتحت هذه الجوارح الفرج وانتهى الأمر. فهذه هي المحرمات.
اكتساب العدالة
لماذا نحن نصلي خلف أئمة المساجد؟ أليس لأننا أحرزنا عدالتهم بالظواهر؟ إن بعض أئمة المساجد كان زميلا لك في العمل، أو زميلا لك في الدراسة، وصديقا في أيام الصبى؛ فلماذا هو صار عادلاً يصلى خلفه وأنت تشمئز من نفسك؟ فيمكنك إذا أن تكون مثله في العدالة واجتناب المعاصي.
طوبى لمن يستيقظ صباحا ليصلي في البيت فيسمع خلفه تكبيراً لزوجته التي تأتم به. ومن باب المزاح والجد يقال: إذا أردت أن تعلم عدالة أحد سل عنه زوجته؛ فإن توثيق الزوجة فوق كل توثيق لأنها مطلعة على كل أسراره. فما المانع من أن يقيم هؤلاء صلاة الجماعة في منازلهم؟
إنني أقول للبعض: لماذا تستنكف من أن تقيم الجماعة في منزلك وأنت ترى في نفسك العدالة. يقول لي بعض هؤلاء: أنه منذ سنوات ولم ينظر ولم يستمع إلى الحرام. لا أقول أن تكون إماما في المسجد فتلك قضية بحاجة إلى أمور أخرى، ولكنك عندما تذهب في سفر أو في مخيم أو في متنزه؛ فما المانع من أن تكون إماماً لأهل بيتك؟
الاشمئزاز من النفس
إنك قد ترى المرأة عندما ترى صرصرا في المنزل تصرخ صرخة تظن أن نفسها فيها؛ فكيف إذا رأت فأرة مثلا فإنها قد يغمى عليها في مكانها؟ إن المنظر الذي يشمئز منه الإنسان يجعله يشمئز من ذلك المكان. ولو كشف للبعض الغطاء ونظر إلى باطنه لاشمئز من نفسه لأنه يرى ما لا يراه الغير، والله سبحانه يقول: (بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ)[١٤].
لقد رأيت رجلا على باب العباس (ع) بين الحرمين فآلمني كلامه. قال لي: إنني رجل معروف بالتقوى، ولكنني لي كذا وكذا من الهفوات فماذا أصنع؟ إنني لا أعلم لماذا اعترف أمامي؟ ولكنني رققت لحاله. إن الإنسان يصل إلى درجة تكون سمعته الخارجية حسنة ولكنه إذا خلى في جوف الليل يعمل ما يعمل، وعندما يصبح الصباح فلو جاز له ذلك لطعن قلبه بخنجر بغضا لنفسه.
يتبين من بعض الروايات أن الإنسان تخرج منه رائحة عند العصيان تشمئز منها الملائكة، يقول ملك اليمين وملك الشمال ما أنتن هذه الرائحة..! فقد روي عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: (تَعَطَّرُوا بِالاِسْتِغْفَارِ لاَ تَفْضَحْكُمْ رَوَائِحُ اَلذُّنُوبِ)[١٥]
ولذلك حاول بين فترة وأخرة أن تعمل مسحاً ضوئيا لنفسك. إنك عندما تدخل مطار أي بلد فهناك جهاز يمسح على متاعك لكشف الممنوعات. فافعل الأمر نفسه مع باطنك فإذا لم تجد هفوة اشكر الله على النعمة وإن وجدت شيئا سل الله عز وجل أن يعينك على نفسك.
الاشمئزاز من الحرام
وأما الجملة الأخيرة هي أن تعلم أن ترك الحرام وإن كان أمرا جيدا ولكن الأجود منه أن تصل إلى مرحلة لا تفكر بالحرام أبدا، ويصبح مزاجك مزاجا نافرا من الحرام. فإنك في أول الطريق ترى منظر امرأة فاتنة في السوق فيزيغ قلبك نحوها ولكن بعد فترة من التكامل ترى أمامك نفس المنظر ولكنك تراه موحشا. أو تمر في بلاد الغرب على مطعم تفوح منه رائحة الطعام الشهي فتغريك الرائحة وتريد أن تأكل فتقدم رجلاً وتؤخر أخرى ثم تقول: يا رب حرام أتجاوزه، ولكن البعض يصل إلى درجة يشم رائحة الجيفة من هذه المطاعم لا رائحة طيبة. فهل رأيتم من يميل إلى الجيفة؟
لقد رأيت بعض المؤمنين يمسك أنفه إذا مرت أمامه امرأة متطيبة، وكأنه شم رائحة كريهة. إن الرائحة ذاتها زكية من زوجته ولكنها من الأجنبية قبيحة. وهكذا تنقلب الموازين عند المؤمن. فإذا وصلت إلى هذه الدرجة من انقلاب الموازين فقد وصلت إلى العدالة العالية أو العصمة النازلة؛ ما شئت فعبر.
[٢] تفسير نور الثقلين ج٥ ص٢٣١.
[٣] سورة الفرقان: ٤٣.
[٤] الأمالی (للصدوق) ج١ ص٤٦٦.
[٥] سورة غافر: ٣.
[٦] سورة الكهف: ١١٠.
[٧] سورة المؤمنون: ١٠٠.
[٨] سورة الحج: ٤٧.
[٩] سورة العلق: ٨.
[١٠] سورة نوح: ١٣.
[١١] كشف الغمة ج٢ ص٢٨٥.
[١٢] سورة الأعراف: ٣١.
[١٣] موسوعة الإمام علي بن أبي طالب (ع) في الكتاب والسنة والتاريخ ج ٩ ص ١٧٢.
[١٤] سورة القيامة: ١٤-١٥.
[١٥] الأمالي (للطوسی) ج١ ص٣٧٢.
خلاصة المحاضرة
- إن إبراهيم (ع) كان يقول: (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ)، ونحن نعلم أن الجاهليون هم الذين كانوا يعبدون الأصنام، فهل كان إبراهيم (ع) وولده الذين منهم نبي الله إسماعيل ذبيح الله معرضين لعبادة الأصنام؟ إن نفسك التي بين جنبيك هي من أعتى الأصنام وأشدها.
- لماذا نحن نصلي خلف أئمة المساجد؟ أليس لأننا أحرزنا عدالتهم بالظواهر؟ إن بعض أئمة المساجد كان زميلا لك في العمل، أو زميلا لك في الدراسة، وصديقا في أيام الصبى؛ فلماذا هو صار عادلاً يصلى خلفه وأنت تشمئز من نفسك؟ إنك بكل يسر وسهولة يمكنك أن تصبح مثله إن أردت ذلك.
- إن بعض المؤمنين ممن يبحث عن التكامل ويعمل على التهذيب أول ما يفعله محاربة المعدة. فلا يأكل الطعام الهنيئ ويترك اللحوم بمختلف أنواعها ويقاوم نفسه من خلال الطعام البسيط وحتى غير الصحي أحيانا فإذا به بعد فترة من الزمن يبتلى بالوهن والمرض. من قال لك أن هذا هو الطريق؟