- ThePlus Audio
قواعد الجهاد الأکبر
بسم الله الرحمن الرحيم
قواعد الجهاد الأكبر
إن للجهاد الأكبر قواعد لا بد من تعلمها، وهي المعركة المصيرية التي يخوضها الإنسان وتكون نتيجتها إما سعادة أبدية أو شقاء أبدي. إن تربية الأطفال لها قواعدها، وللزراعة قواعدها؛ بل بناء العضلات المفتولة لها قواعد أيضا؛ فأنت بحاجة إلى تغذية خاصة وإلى مدرب وما شابه ذلك. فكيف بتقوية العناصر الباطنية في الوجود؟
آثار الجهاد الأكبر في الحياة الدنيا
إن أثر النجاح في هذه المعركة التي يخوضها الإنسان مع النفس لا يقتصر على القضايا الأخروية، كأن يحصل الإنسان على درجة في الجنة فحسب. إن هناك آثار تظهر في دار الدنيا. وهناك أثران مهمان لهذا الجهاد الباطني. الأثر الأول؛ زوال الألم الباطني. إن أهل الدنيا المنغمسون في اللذائذ؛ إنما هم يخدرون أنفسهم بالأكل الحرام وبالشرب الحرام وبالسياحة اللاهادفة؛ تسكينا لباطنهم وإنما الداء لم يرتفع ولن يرتفع بهذه الأمور. تماما كالمريض الذي يستعمل بعض المسكنات وهو له آلام باطنية وهو قلق مكتئب. إنما يريد بهذه الحركات الخارجية أن يخدر باطنه ويسكن آلامه بدل القضاء على العلة. ولكن الذي نجح في جهاد النفس لا ألم له ولا مرض؛ فهو لا يحتاج إلى هذه المسكنات المادية، كسفر إلى هنا وهناك. إن المؤمن أنسه بعالم الغيب وقرة عينه في الصلاة تأسيا بالنبي الأكرم (ص).
الأثر الثاني للفوز في الجهاد الأكبر؛ القدرة على التأثير. تكثر هذه الأيام الشكاوى من الأزواج على زوجاتهم أو من الآباء على أولادهم لم؛ لئن كلامهم أصبح لا يؤثر؛ بل هو مجرد لقلقة في اللسان أو صراخ أو ما شابه ذلك. لقد رأينا بعض كبار الأولياء يربي بنظرته، وهذه سنة نبوية. إن النبي (ص) إذا لم يعجبه شيء كان يعرض بوجهه. فهو يبدي انزعاجه من خلال إعراضه.
التوازن والاتزان في الحركة
من قواعد الجهاد الأكبر التوازن والاتزان في الحركة. إن البعض عندما يتوجه إلى الدين والتدين والالتزام ويستذوق بعض البركات من رب العالمين؛ فهو الكريم الذي إن أقبلت عليه شبراً قربك ذراعاً، وإن تقربت ذراعاً قربك باعاً، وهذا ما ينقل في الحديث القدسي. إلا أنه يسيء الاستفادة من هذا الإقبال المعنوي ومن هذه اللذائذ الباطنية؛ فيتقوقع وينكمش على نفسه. فيهمل بدعوى تربية الباطن من حوله ويقاطع المجتمع. إن الذي لا يعيش بين الناس كيف يقضي حوائجهم ويطلع عليها؟
وهناك فقرة في مناجاة أمير المؤمنين (ع) الشعبانية – التي هي مناجاة في ظاهرها ودرس في باطنها – لا يستطيع أن يبينها غيره، إنه يذكر فيها: (فَنَاجَيْتَهُ سِرّاً وَعَمِلَ لَكَ جَهْراً)[١]؛ إن قلبه متصل بالغيب وجوارحه منشغلة مع البشر. أو كما قال أمير المؤمنين (ع) في مكان آخر: (صَحِبُوا اَلدُّنْيَا بِأَبْدَانٍ أَرْوَاحُهَا مُعَلَّقَةٌ بِالْمَحَلِّ اَلْأَعْلَى)[٢].
المؤمن يعمل بتكليفه
إن في بعض الحالات قد يسقط الجنين لتشوه في خلقته؛ فترى له رأساً كبيراً ويداً قصيرة، وترى منظرا لا يطاق؛ لعدم التناسق بين أعضائه. إن المؤمن أعضائه الروحية متزنة في كل شيء. وهو في الناس وليس معهم. يعاشرهم ولكنه لا يتأثر بسلبياتهم. إن بعض كبار الأولياء سمعت عنه؛ أنه عندما كان البعض يبالغ في تقديسه والإعجاب به؛ كان يمزح بصورة تجنبه هذه النظرة من الخلق إليه. إن المزاح مذموم ولكن إذا دفع عنك الشبهة لا بأس به. لقد نقل لي أحد المؤمنين: أن فلان الذي دقائق عمره محسوبة وعمره مبارك قد زارني في ليلة من الليالي التي كنت فيها مكتئباً مريضا وكنت قلقاً وبقي عندي إلى الصباح وهو يضاحكني ليخرج الحزن من قلبي. إن المؤمن هذا دأبه يكون حيثما يمليه عليه تكليفه.
إبعاد النفس عن المشوشات
من قواعد الجهاد الأكبر إبعاد النفس عن المشوشات. إن الشيطان معك منذ أن ولدت أو وكلائه؛ أعني بهم صغار الشياطين. فما المانع من أن تقترن الشياطين بالصبي؟ ففي بعض الأوقات يفزع الصبي لمنام يراه لأن بعض الأبالسة تزعجه؛ فكيف إذا أصبح بالغاً كبيرا؟
إن الشياطين خبيرة بأسرارك قبل البلوغ وحين البلوغ وبعد البلوغ، وهي تعلم ما كنت تعمله في الخلوات. فإن رأت فيك تميزاً تحاول أن تنقض عليك وأن تثور عليك، وتكثف الجهود لإغوائك. يذكر لي بعض المؤمنين أنهم لم يشعروا بوساوس الشياطين إلا بعد التوبة من معاصيهم. فإذا بهذه الشياطين توسوس لهم في عقيدتهم وهم كانوا على الفطرة وعلى الإيمان في أيام العصيان. ولكن بعد أن التزموا بدأت الشياطين تشككهم في المبدأ والمعاد. وهذه المحاولات – كما يقال – محاولات بائسة أخيرة للشيطان في صدك عن الطريق.
إن الشيطان إذا يأس منك بحث عن أضعف الحلقات حولك؛ من زوجة ليست على ما يرام أو ولد ليس على ما يرام. إن شبابنا هذه الأيام أصبحوا أسراء للهوى وللشبكة العنكبوتية وللمفاسد في الجامعات والمعاهد. فالشيطان يصطاد ولدك ليشوش بالك. ولهذا بعض المؤمنين يقول اطفالنا بلاء. إنهم في الصغر لهم مشاكلهم، وفي الكبر لهم مشاكلهم وحتى عندما يتزوج أحدهم تبقى له مشاكله، فمتى نرتاح من هؤلاء؟
فتنة الأبناء والأزواج
وقد يقول البعض من هؤلاء: لو كنت أعلم لما أنجبت أو أنجبت عددا قليلا لئلا أنشغل بهم. وبالطبع ليس الحل بالفرار وإنما بالمقاومة. حاول ألا تجعل للشيطان سبيلاً على ذريتك وعلى زوجتك. سل الله عز وجل أن لا يبتليك بابتلاء من هذا القبيل.فإن رأيت انحرافاً في من يهمك أمره؛ لا تنفعل، فإنما هو مبتلى وهو كالمريض. إنك لو رأيت أحدا على رأسه عقرب هل ينفع معه الصياح؟ إنما عليك أن تغافله وتلقي العقرب من رأسه أو من رقبته.
إن المؤمن الفطن هو الذي ينقي الأجواء من حوله. إن الله سبحانه قد أمر النبي الأكرم (ص) بأن ينذر عشيرته الأقربين. ويقول القرآن الكريم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا)[٣]؛ فهؤلاء هم خط الدفاع الأول الذي لو فتحه إبليس سينتقل بعدهم إليك. إن آخر طلب لعباد الرحمن في سورة الفرقان هو قولهم: (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا)[٤]؛ لا في الآخرة فحسب وإنما في الدنيا. والذي يقر عينك في الدنيا سوف يقر عينك في الآخرة أيضا وفي القبر كذلك. ثم يقولون: (وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا)؛ فهم لا يريدون أن يكونوا مؤمنين عاديين وإنما يريدون أن يكونوا من الدعاة إلى الله؛ لا هم فحسب بل وأولادهم وأزواجهم. إنني أعرف أحد العلماء له زوجة داعية وهو من الدعاة إلى الله عز وجل وكذلك ذريته. بل يتفق أن يصبح أحفاده من الدعاة إلى الله.
الافتقار إلى الله عز وجل
من القواعد المهمة الإحساس بالفقر إلى الله عز وجل. إياك وإياك أن تركن إلى نفسك. تذكر بعض الروايات؛ أن رب العالمين أوكل يونس بن متى (ع) إلى نفسه فعمل ما عمل، وانتهى به المطاف في بطن الحوت. فإياك أن تغتر بنفسك، وبقدراتك وتوفيقاتك. لقد رأينا بعض الناس فقد في ليلة واحدة كل شيء. فاستشعر الافتقار.
إن في بعض الموانئ يستخدم المغناطيس لتفريغ الحديد الصلب. فهناك مغناطيس عملاق يوضع على الباخرة فليتصق الحديد الثقيل به ويرفع في الجو ثم يوضع في الشاحنة. تخيل ماذا يحدث بهذا الحديد إن انقطع التيار الكهربائي للحظات؟ إن هذا الجهاز يفقد مغناطيسيته وإذا بهذا الحديد يسقط على الأرض أو على رأس العمال فيقتلهم. إن حالتك مثل هذا الحديد المعلق في الجو؛ فلو قطع الله عنك المدد لحظة من اللحظات لانقلب حالك رأسا على عقب.
إن بعض المؤمنين يعترفون لنا: أنهم يذهبون إلى بلاد الغرب للدراسة أو للسياحة أو العلاج فتزل أقدامهم في ليلة من الليالي؛ فيذهب إلى أماكن الحرام ويشرب حراماً ويأكل حراما ويرتكب الفاحشة. لأن الله قد أوكل أمره إلى نفسه. ومعنى الحوقلة هو الإحساس بالافتقار. إن البعض يسألنا أن ننصحه ببعض الأذكار يلتزمون بها؛ فأذكر لهم التهليل والحوقلة والصلاة على محمد وآل محمد. ويلحق بالتهليل الذكر اليونسي؛ فلا إله إلا أنت في حكم التهليل أيضا.
ما هو نتيجة الإحساس بالافتقار؟
إن الذي يعيش هذه الحالة من الافتقار يكثر من الالتجاء والمسكنة؛ تارة بين يدي الله عز وجل وتارة بين يدي أوليائه وهو قوله تعالى: (وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ)[٥]. إن المؤمن له موقف مع ربه في جوف الليل، وإذا لم يصلي صلاة الليل فبعد الصلوات الواجبة يسأل الله عز وجل بدعاء الغريق أن يثبت قلبه على دينه. وقد يصل الإنسان إلى مرحلة تخلق النوب وجهه، وتسوده فلا يقبل رب العالمين بعد ذلك منه شيئا. فلو حبست الذنوب الدعاء؛ عليك بالتوسل بالأولياء.
لماذا أمرنا بزيارة الحسين (ع) والدعاء تحت قبته؟ إن الحسين (ع) هو من أوجه الوجهاء عند الله. فهو الذي بذل مهجته وبذل رضيعه وبذل ابنه وبذل أخاه وعرض عائلته للسبي وغير ذلك الكثير. إن هذا الوجيه عند الله لا ترد له طلبة. فإن رأيت في قلبك إدباراً في المناجات؛ عالج نفسك سريعا بالذهاب إلى هذه المستشفيات الباطنية الروحية، وتوسل بهم وقل: يا رب بجهاهم عندك، أو سل المعصوم؛ أن يسأل الله عز وجل أن يخلصك مما أنت فيه.
إن في ليلة القدر نزلت مقدراتك على ولي الأمر (عج). فحاول أن تكون لك علاقة دائمة معه وتوسل إليه. وزره بزيارة آل ياسين بتوجه صبيحة الجمعة، وقل: إلى متى أحار فيك يا مولاي وإلى متى؟ عزيز علي أن أرى الخلق ولا ترى. ثم اختمها بهذه الجملة: أين الطالب بدم المقتول بكربلاء؛ فإن ذرفت عينك على الحسين (ع) وأنت تقولها؛ فاعلم أن لك رصيدا عند إمام زمانك.
خلاصة المحاضرة
- إن للجهاد الأكبر قواعد لا بد من تعلمها، وهي المعركة المصيرية التي يخوضها الإنسان وتكون نتيجتها إما سعادة أبدية أو شقاء أبدي. إن لتربية الأطفال والزراعة قواعدهما؛ بل بناء العضلات المفتولة لها قواعد؛ فأنت بحاجة إلى تغذية خاصة ومدرب وما شابه ذلك. فكيف بتقوية العناصر الباطنية لديك؟
- من قواعد الجهاد الأكبر التوازن في الحركة. إن البعض عندما يتوجه إلى الدين ويستذوق البركات من رب العالمين؛ يسيء الاستفادة من هذا الإقبال ومن هذه اللذائذ المعنوية فيتقوقع ويهمل بدعوى تربية الباطن من حوله ويقاطع المجتمع. إن الذي لا يعيش بين الناس كيف يقضي حوائجهم ويطلع عليها؟
- لماذا أمرنا بزيارة الحسين (ع) والدعاء تحت قبته؟ لأنه من أوجه الوجهاء عند الله. فهو الذي بذل مهجته وبذل رضيعه وابنه وأخاه وعرض عائلته للسبي وغير ذلك الكثير فلا ترد له طلبة. فإن رأيت في قلبك إدباراً في المناجاة؛ عالج نفسك سريعا بالذهاب إلى هذه المستشفيات الروحية.
- من قواعد الجهاد الأكبر الإحساس بالفقر إلى الله عز وجل. إياك وإياك أن تركن إلى نفسك. تذكر بعض الروايات؛ أن رب العالمين أوكل يونس بن متى (ع) إلى نفسه فعمل ما عمل، وانتهى به المطاف في بطن الحوت. فإياك أن تغتر بنفسك، وقدراتك وتوفيقاتك. لقد رأينا بعض الناس فقد في ليلة واحدة كل شيء.