بالنسبة إلى قضاء حوائج المؤمنين لابد أن نلتفت إلى ثلاث نقاط:
النقطة الأولى: أن هذا المؤمن منتسب إلى الإسلام، وبالتالي منتسب إلى رسول الله (ص).. نحن من أمة النبي المصطفى (ص)، ويوم القيامة يباهي بنا الأمم، عن النبي الأكرم (ص): (تناكحوا تكثروا، فإني أباهي بكم الأمم يوم القيامة ولو بالسقط).
إن الإنسان إذا قضى حاجة مؤمن، يكون قد أدخل السرور على النبي (ص).. عن أبي عبد الله (ع) أنه قال: (من أدخل السرور على مؤمن، فقد أدخله على رسول الله (ص).. ومن أدخل على رسول الله (ص) فقد وصل ذلك إلى الله -عز وجل- وكذلك من أدخل عليه كربا).. وقال أيضا: (تنافسوا في المعروف لإخوانكم وكونوا من أهله، فإن للجنة بابا يقال له: المعروف، لا يدخله إلا من اصطنع المعروف في الحياة الدنيا، فإن العبد ليمشي في حاجة أخيه المؤمن فيوكل الله -عز وجل- به ملكين: واحدا عن يمينه وآخر عن شماله، يستغفران له ربه، ويدعوان بقضاء حاجته.. ثم قال: والله!.. لرسول الله -صلى الله عليه وآله- أسر بقضاء حاجة المؤمن إذا وصلت إليه من صاحب الحاجة).
النقطة الثانية: البعض يظن أن قضاء الحاجة، هو في إنقاذه من ميتة، أو من ورطة عظيمة.. ليس الأمر كذلك، بل قد يكون قضاء الحاجة بأمر بسيط جدا.. يوم القيامة تتعادل الحسنات مع السيئات وفي بعض الأوقات -مع الأسف- يأتي وله من الحسنات كجبال تهامة، ولكن يعطي هذا من حسناته وهذا من حسناته إلى أن يصبح مفلسا، عن النبي الأكرم (ص): (يأتي يوم القيامة أناس من جلدتكم، أعمالهم كجبال تهامة، سيجعلها الله -تعالى- هباء منثورا).. وسأل رسول الله (ص) مرة أصحابه: (أتدرون ما المفلس)؟.. قالوا: المفلسُ فينا؛ من لا درهم له ولا متاع.. فقال: (إنّ المفلس من أمّتي، يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام.. ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا.. فيعطي هذا من حسناته، وهذا من حسناته.. فإن فنيت حسناتُه قبل أن يقضي ما عليه؛ أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثمّ طرح في النار).
هنا لو أن الله -عز وجل- وجد في ديوان عمل العبد حسنة واحدة، -تساوت الحسنات مع السيئات، أو لا سيئات له ولا حسنات-.. هذه الحسنة كافية؛ لأن يدخل بها الجنة.. قال الصادق (ع): (يُؤتى بعبدٍ يوم القيامة ليست له حسنة، فيُقال له: اذكر وتذكّر هل لك حسنةٌ؟.. فيذكر فيقول: يا ربّ!.. ما لي من حسنة، إلا أنّ عبدك فلاناً المؤمن مرّ بي، فطلب مني ماءً يتوضأ به فيصلّي به؛ فأعطيته.. فيقول الله -تبارك وتعالى-: أدخلوا عبدي الجنة)!..
وهناك شاهدان في القرآن الكريم، على أن العمل القليل قد يكتب له الخلود والعظمة:
الشاهد الأول: في بدء الخليفة، {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ}.. هذا قربان قبله الله -عز وجل- فذكره في كتابه.
الشاهد الثاني: في سورة الدهر {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا}.. أقراص من الخبز قدمها علي وفاطمة: لليتيم، والأسير، والمسكين؛ ولكن سر الخلود يكمن في {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلا شُكُورًا}.. رب العالمين تقبل منهم، وأنزل سورة في القرآن الكريم، محورها هذا العمل.
النقطة الثالثة: البعض يعمل لوجه الله تعالى، ولكن إذا جاءه شكر أو ثناء؛ يفرح.. والحال أن المؤمن لا ينتظر مكافأة ممن أحسن إليه، ولا يأبه بالنتائج؛ لأن غايته شيء واحد، وهو طلب الأجر والثواب من الله -عز وجل- وحده {لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلا شُكُورًا}.
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.