- ThePlus Audio
قصة النبي هود (عليه السلام) في القرآن الكريم
بسم الله الرحمن الرحيم
النبي هود (عليه السلام) من صميم القوم
ذكر النبي هود (ع) في القرآن الكريم في غير آية. وهناك سورة من القرآن الكريم تعرف بسورة هود. ولم يكن نصيب هود (ع) من أمته إلا كنصيب الأنبياء السابقين من أممهم وهو التكذيب له ولدعوته. وابتلي هود (ع) بقومه عاد كما ابتلي النبي صالح (ع) من بعده بقومه ثمود. ويلاحظ من قوله تعالى: (وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا)[١]؛ أن الله سبحانه يبعث الأنبياء من صميم الأمة حتى لا تغلب عليهم الحمية فيما لو كان النبي من عشيرة أخرى أو بلد آخر. وكان بإمكان الرب سبحانه أن يبعث النبي من بلد آخر ولكنه سبحانه ذو فضل على عباده وهو القائل: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ)[٢]، وهكذا كان النبي الخاتم (ص).
الأولوية في التبليغ والإنذار
وهذا درس من دروس القرآن الكريم وهو: أن كون الرجل من العشيرة نفسها أو من البلد نفسه عامل مساعد في التأثير على تلك العشيرة أو أصحاب ذلك البلد. وإذا ما أراد الإنسان أن يؤثر على من حوله من الناس فليبدأ بأسرته وعشيرته الأقربين امتثالا لقوله سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا)[٣]، وقوله تعالى: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ)[٤].
شعار الأنبياء على مر الزمان
ولقد دعا هود (ع) قومه إلى ما دعت الأنبياء السابقون أممهم إليه وهو شعار الأنبياء جميعا حيث قال: (يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ)[٥]. وهي الدعوة إلى التوحيد. إن فروع الدين جميعها مبتنية على هذه الكلمة. فإذا آمن الإنسان بوجود إله يستحق العبادة والطاعة؛ يبحث عند ذلك عن كيفية هذه الطاعة. وهنا تأتي الشريعة من كتاب وسنة وقول المجتهدين لتبين حدود هذه الطاعة وأحكامها.
العبودية لله عز وجل ودور العقل في ذلك
وكان بعض علمائنا الماضين رحمه الله تعالى: يؤكدون على إيجاد حالة العبودية في النفس. وإذا رأى الإنسان نفسه عبدا يقلل كثيرا من طموحه ويطأمن من نفسه ولا يطلب الزيادة عما رزقه الله عز وجل، ولا يسترسل في الشهوات؛ ومثله في الوجود مثل السماء والأرض اللتان قال عنهما سبحانه: (فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ)[٦]. والمؤمن إنسان عاقل يتحكم فيه العقل لا الهوى. والعقل كما عبرت عنه الروايات أنه الوجود الذي يعبد به الرحمان ويكتسب به الجنان وقد روي عن الباقر (ع) أنه قال: (لَمَّا خَلَقَ اَللَّهُ اَلْعَقْلَ قَالَ لَهُ أَقْبِلْ فَأَقْبَلَ ثُمَّ قَالَ لَهُ أَدْبِرْ فَأَدْبَرَ)[٧]. وهكذا هو المؤمن من دون منة على الله ورسوله يقبل ويدبر بحسب ما يأمره الشرع.
ولا زال شعار التوحيد هو شعار المؤمنين في جميع العالم، وهو شعار الإمام المهدي (ع) حين ظهوره وليس له شعار إلا شعار صالح، وشعار هود، وشعار جده المصطفى (ص).
الإخلاص في الدعوة
وكان الأنبياء (ع) في غنى عن الخلق، وقال هود (ع) لقومه: (يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ)[٨]. والمؤمن المصلح لا يرجو إلا الله عز وجل في نصحه وتبليغه إن أراد أن يكون مؤثرا في أسرته أو عشيرته أو في بلده. ويلاحظ أن البعض قد يشركون غير الله عز وجل في دعوتهم وإصلاحهم؛ كأن يدعو زوجته على سبيل المثال بالالتزام ببعض القيم والأخلاق ليس لوجه الله سبحانه وإنما ليعود صلاحها بالنفع عليه.
وهل يطلب الإنسان الأجر من مخلوق فان مثله؟ ألا يتهم بالحمق والجنون من يستجدي من مستجد مثله؟ أليس كل ما في هذا الوجود مفتقر إلى الله عز وجل في وجوده وبقائه وفي كل شأن من شئونه؟ ولكننا نرى في سيرة الأنبياء أنهم لم يطلبوا أجرا على رسالتهم إلا النبي الخاتم (ص) وكأنه خالف بحسب الظاهر هذه القاعدة التي كانت جارية في الأنبياء الذين سبقوه فيقول سبحانه في كتابه: (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)[٩]. ولم يطلب النبي (ص) الأجر لنفسه وإنما كانت المودة من متممات الرسالة؛ فهي ناقصة من دونها.
وليست المودة هو ذلك الشعور القلبي الذي يعيشه الإنسان وإنما هو اتباع للشريعة التي نزلت من العرش على قلب النبي (ص) للتجلى بالقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة. ثم لا بد لهذه الشريعة من تطبيق عملي لكل جزء من أجزائها. فما فائدة الشريعة إذا بقيت مجرد نظريات لا يمكن تطبيقها؟ ولذلك كان الأئمة (ع) هم الذين جسدوا هذه الشريعة بكل حذافيرها ومودتهم هو الاتباع لهم والاعتقاد بولايتهم وإمامتهم. ولكن الأمر لم يجر كما أراد النبي (ص) فاختلف المسلمون فيهم من بعده فأصابهم ما أصابهم.
أمر النبي هود (عليه السلام) قومه بالاستغفار
ثم يوصي النبي هود (ع) قومه بالاستغفار حيث قال: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ)[١٠]. وهنا إشارة قرآنية إلى أن الاستغفار يكون قبل التوبة. والاستغفار حالة الندامة التي يعيشها الإنسان بعد المعصية فيعزم على عدم العود. ثم تأتي التوبة وهي الحركة إلى الله عز وجل والعودة إليه؛ إذ لا قيمة لتلك الندامة ما تتحول إلى عمل لإصلاح ما فات.
بركات الاستغفار المادية وثمرات الالتزام بالشريعة
ثم يبن لهم النبي هود (ع) ثمرات هذه التوبة. فيضيف إلى ما نعلمه من ثمراتها من قبيل الخلاص من النار والدخول إلى الجنة ورضى الرب سبحانه؛ ثمرة مادية وهي قوله: (يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ)[١١]. فإذا كنتم تريدون المطر وكثرة المحاصيل الزراعية ثم تبعا لذلك تحسن الأوضاع المعيشية ونماء الاقتصاد وما شابه ذلك؛ فإن الاستغفار طريقه. وفي الحقيقة أمر عجيب أن يرتبط المطر بالاستغفار.
وقد ذكر سبحانه في آية أخرى مزايا الالتزام بالشريعة وإقامة الأحكام والحدود بغض النظر عن أنها أمور ترفع من مقامات الإنسان في الآخرة فقال: (وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا)[١٢]. ولذلك يعتبر الاستغفار من الأوراد المهمة لطلب الذرية لمن حرم منها؛ إذ أنه سبحانه ذكر في كتابه ذلك باعتباره مزية من مزايا الاستغفار. وبحسب الرويات الشريفة أن كثيرا من الكوارث الطبيعة والابتلاءات هي نتيجة الذنوب فقد روي عن الرضا (ع) أنه قال: (كُلَّمَا أَحْدَثَ اَلْعِبَادُ مِنَ اَلذُّنُوبِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ أَحْدَثَ لَهُمْ مِنَ اَلْبَلاَءِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَعْرِفُونَ)[١٣].
ثم يبين لهم أن الاستغفار والرجوع إلى الله سبحانه عامل قوة وهو قوله: (وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ)؛ فإذا أردتم قوة عسكرية أو اقتصادية أو ما شابه ذلك من موازين القوى فارجعوا إليه سبحانه ليمدكم بهذه القوة التي لا يمكن لأحد في هذا الوجود أن يسلبها منكم أو يلحق بكم هزيمة وقد قال عز من قائل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ)[١٤]. وهذه المفاهيم التي دعا إليها الأنبياء (ع) وهي بحق مفاهيم راقية في الدعوة إلى التوحيد وإلى السعادة الدنيوية والأخروية على السواء.
كيف واجه قوم هود (عليه السلام) دعوة السماء؟
ولكن هل استجاب له قومه أم كانوا كمن قبلهم من الأمم التي واجهوا الأنبياء بالإجابات السخيفة والتمسك بالعقائد الباطلة التي ورثوها عن آبائهم من غير علم ولا هدى؟ لقد قالوا له: (قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ * إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ)[١٥].
ما كان جواب هود (عليه السلام) لهم؟
ثم انظر إلى العزة الإيمانية والاطمئنان القلبي التي كان يحظى بها الأنبياء (ع) حيث قال لهم هود (ع) بعد هذه المعارضة: (قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)[١٦]؛ أي أن وكيلي الله الذي لا يضر ولا ينفع في الوجود غيره. ولا تستطيعون أنتم ومن في الأرض جميعا أن تلحقوا بي ضررا أو تصلوا إلي بسوء ما دام سبحانه لا يريد ذلك.
ثم بين لهم أن ما يهمه هو إيصال الرسالة إليهم واضحة وتبليغ ما عليه تبليغه من رسالات الله عز وجل وما عليهم إلا الامتثال ولذلك قال لهم: (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ)[١٧]. وهذه قاعدة جميلة لكل مصلح ومبلغ؛ إذ ما عليه التبليغ وتأدية ما عليه تجاه الأسرة والمجتمع ثم يفوض الأمر والنتيجة إليه سبحانه.
كيف كانت نهاية قوم هود (عليه السلام)؟
فأما المؤمنون فشملتهم العناية الإلهية كما تأتي هذه العناية في أحلك الظروف وأكثرها ثقلا على المؤمن لتنتشله من واقعه الأليم ذلك، وتخلصه من الأزمات التي تحدق به في نفسه وبدنه وقومه، قال تعالى: (وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ)[١٨]. وأما عاقبة الكافرين برسالات الأنبياء والذين استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة كان كما قال سبحانه: (وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ)[١٩].
[٢] سورة آل عمران: ١٦٤.
[٣] سورة التحريم: ٦.
[٤] سورة الشعراء: ٢١٤.
[٥] سورة الأعراف: ٦٦.
[٦] سورة فصلت: ١١.
[٧] الکافي ج١ ص٢٦.
[٨] سورة هود: ٥١.
[٩] سورة الشورى: ٢٣.
[١٠] سورة هود: ٥٢.
[١١] سورة هود: ٥٢.
[١٢] سورة الجن: ١٦.
[١٣] الأمالي (للطوسي) ج١ ص٢٢٨.
[١٤] سورة محمد: ٧- ٨.
[١٥] سورة هود: ٥٣.
[١٦] سورة هود: ٥٤-٥٦.
[١٧] سورة هود: ٥٧.
[١٨] سورة هود: ٥٨.
[١٩] سورة هود: ٦٠.
خلاصة المحاضرة
- إن قصة هود (ع) تشبه قصص جميع الأنبياء الذين دعوا إلى التوحيد وإلى القيم التي تضمن للجميع السعادة في الدنيا والآخرة وجوبهوا بالرفض من المترفين والجهلة الذين اتبعوا القيم والعقائد التي ورثوها عن آبائهم ورفضوا قبول دعوة الأنبياء، فشملتهم اللعنة في الدارين؛ فخسروا الدنيا والآخرة.