قبسات قرآنية من سورة الكهف – الجزء 1

بسم الله الرحمن الرحیم
والصلاة والسلام علی محمد وآله الطیبین الطاهرین
السلام علیکم ورحمة الله وبرکاته
سیداتي سادتي مشاهدة قناة المعارف الفضائیة مرحبا بکم إلی لقاء آخر في رحاب تفسیر الآیات القرآنیة المبارکة مع ضیفنا شیخ حبیب الکاظمي
في تواصل في تفسیر القرآن کنا في في رحاب الحلقتین السابقتین نتکلم عن أصحاب الکهف هناك بعض الآیات القرآنیة تحتاج إلی تفسیر وتدبر أکثر ان شاءالله.
سئوال: الآیة ثلاثة وعشرین من سورة الکهف بسم الله الرحمن الرحیم ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غداً الا أن يشاءالله، شیخ ما المراد بهذه الآیة القرآنیة المبارکة وبالتالي هل هو منحصر بقول ان شاءالله؟
جواب: أعوذ بالله من الشیطان الرجیم
بسم الله الرحمن الرحیم
وصلی الله علی سیدنا ونبینا محمد وآله الطیبین الطاهرین
طبعاً الغرض من هذه الحلقات بإذن الله عزوجل فهو فتح باب التدبر في کتاب الله عزوجل أن نتلوا کتاب الله عزوجل هذا أمر مطلوب أن نجوده أن نرتله أن نحفظه هذا شيء جید ولکن من خلال الحلقات الماضیة حول قصة اهل الکهف انا عندما بحثت في هذه القصة وراجعت التفاسیر المختلفة بالنسبة لي اکتشفت المزید في هذا المجال، انا لما اقرأ سورة اهل الکهف هنالك له طعم آخر متمیز فیها فقرات حقیقتاً معبرة جداً ولهذا أرجوا عدم الاکتفاء بهذه الحلقات بمثابة عرض عینات أو نماذج من التدبر في کتاب الله عزوجل وهو المطلوب التدبر الآیات المبهمة المجملة لا تتحول إلی منطلق للعمل، ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غداً الا أن یشاءالله، البعض هکذا قل إن شاءالله غدا سأقوم بهذا العمل إن شاءالله هل المراد هذا الجانب اللفظي فقط مثل أن نقول کلما أذنبت ذنباً قل أستغفرالله الذي یستغفر ولم یندم ولم یعزم علی عدم العود ولم یعوض ولم یقضي ما علیه اقول استغفرالله یعني اعمل بالمضمون یعني حقق هذا المعنی لا أن تجریه علی لسانك، فالبعض من المفرسین یصر علی أن یقول قُل إن شاءالله اذا قال أحدنا إن شاءالله وهو لا یعتقد أو لا یستحضر حقیقة الارتباط مشیئة العبد مشیئة الله عزوجل الا أن یشاءالله یعني هذا المعنی اجعله في بالك أنت اذا صممت شیئاً هذا الذي صممته قررته لا یتنفذ الا بأمرین؛ تهیئة الاسباب ورفع الموانع أنت زارع انتم الزارعون أم نحن الزارعون؟ الزارع یزرع ویبذر البذر ولکن اذا لم یُرسل رب العالمین علیها مطراً أو ماء من الأنهار هو الذي يهیئ الأسباب أنت عزمت علی الزراعة وعلی تحصیل المحصول والحصاد ولکن یقولون تهیئة الاسباب ورفع الموانع؛ من الموانع مثلا الصواعق النار الهواء المحرق الدیدان إلی آخره؛ رب العالمین لابد أن یتدخل في امضاء ما یریده العبد یعني بمجرد أن یعزم علی شيء هذه العزیمة لا تکفي، الانسان یتزوج علی أمل أن یحصل علی ذریة هکذا الاهداف العظمی للزواج ولکن کل من یتزوج یُنجب لاحقا؟ أين الاسباب أين التهیئه؟ ونقر في الأرحام ما نشاء فرب العالمین هو مشیئتهُ مشیئة قاهره، طبعا هنا اسمحوا لي بکلمة البعض فهم منها الجبر انا لما اُرید شیئاً رب العالمین یعني یُمشي أو یجري مشیئته هو لا مشیئتي انا اذاً انا مجبور! هو الذي شاء انا ما شئت انا مثلا شئت الولد ولکن الله عزوجل هو صاحب القرار الاول والأخیر لابد أن نعلم أن المشیئة الالهیة مرتبطة بمشیئة العبد یعني الزارع اذا لم یبذر البذر ولم یسقي الزرع لا زرع في البین، علی الزارع أن یعمل ما علیه ولکن لیس فعله علة تامة الا أن یشاءالله عزوجل ولهذا لامیرالمؤمنین کلمة جمیلة في هذا المجال وکل کلماته جمیلة عرفت الله بنقض العزائم وفسخ الهمم انسان یعزم علی أمر في اللحظات الاخیرة من أخذ القرار یتراجع ما الذي جعله یتراجع هو أخذ القرار بالتراجع ولکن هنالك مقدمات خفیة هو لا یحس بها ولکن الله عزوجل ألقی في روعه وهو عمل به الالقاء في الروع لیس اجبار القاء في الروع ولکن أنت الذي مشیت علی طبق ذلك آیة من الآیات المشکلة عقائدیاً لابد أن نقول الانسان مخیر لیس بمسیر ولو کان محبوراً الفعل فعل الله عزوجل لما صحت المؤاخذة والثواب علی الفعل هنالك ترابط بین مشیئة العبد وبین مشیئة الله عزوجل ولهذا یقول ولا تقولن شيء إني فاعل ذلك غداً بأن تهیئة الاسباب ورفع الموانع بید رب العزة والجلال.
سئوال: ننتقل للآیة الذي بعدها آیة أربعة وعشرین من سورة الکهف المباركة بسم الله الرحمن الرحیم وأذکر ربك اذا نسیت وقل عسی أن یهدیني ربي لأقرب من هذا رشدا یعني یمکن أن تعلق علی هذه الآیة المبارکة لنأخذ درس منها؟
جواب: حقیقتا هذه الآیة هناك تعبیر من السید الطباطبائي في تفسیر المیزان عندما یصل إلی آیة ملفتة فيها بُعد عملي قوي جداً یقول هذه من غرر الآیات القرآن کله غرر ولکن یقول هذه الآیة غرة یعني دُرة ما شئت فعبر هذه الآیة في طریق السیر والسلوك إلی الله عزوجل من غرر الآیات وأذكر ربك اذا نسیت لو أن الانسان عمل بهذه القاعدة يعني نام في اللیل أکید الانسان النائم ینسی أو یغفل هو نائم یستیقظ لا زال هو في عالم النوم والنعاس لیس عالم عالم الذکر یقول اُذکر ربك اذا نسیت ولهذا عندما تقوم من النوم قل الحمدلله الذي رد علي روحي ولو شاء لجعله مثلا دائما سرمدا الحمدلله الذي رد علي روحي لأحمده وأعبده یعني نمت الآن استیقضت اُذکر الله عزوجل، بیت الخلاء بیت الغفلة اسمه بیت الخلاء ولکن کم من المستحبات انا رأيت المستحبات في بیت الخلاء کالذکر أکثر من دخول المسجد؛ المسجد الآن مذکر بیت الخلاء بیت فیه غفلة وأذکر ربك اذا نسیت دائما رب العالمین ذکرك بین الغافلین والمقاتل بین الفارین کیف قوم هجموا في ساحة القتال فر من فر وبقي من بقي أن تکون ذاکراً بین الغافلین هذا امتیاز عظیم وأذکر ربك اذا نسیت اذاً نسیان یتعقبه ذکر طبعاً أن المؤمن مع الایام مساحة النسیان تقل عندهم ومساحة الذکر تزداد رأيتم بعض الواحات متابعدة في الاصل ولکن عندما تتسع الواحة وتتقرب من الواحة السابقة یصبح الیبس قلیل أو الاماکن الجافة قلیلة لئن الواحات تمتلئ، ذکر الله واحة في حیاة العبد وعلی رأسها الصلوات الخمس؛ الصلوات خمس ذکر ولکن بینهما ایضاً لابد من وجود ذکر في البین، الآیة الملفتة نختمها بهذه الفقرة لأقرب من هذا رشدا ما معنی أقرب من الذکر؟ هو الذکر مقرب قریب البعض هکذا یعتقد انا أمیل لهذا الرأي أقول لأکون أقرب من الذکر عند النسیان هناك نسیان معه ذکر یقول اُرید أن أکون أقرب من هذا یعني یکون ذکر بلا نسیان الذي هو أقرب من الذکر بعد النسیان وأن لا تکون من الغافلین أذکر ربك في نفسك تضرعاً ولا تکن من الغافلین هذه مرحلة أرقی انا اُرید أن أقول للاخوة هذه الآیات آیات القرآن الکریم القرآن للجمیع لیست هذه آیة في کتاب موجه لخصوص العارفین والاخلاقیین واهل السیر والسلوك کما یقال هذا کتاب الله عزوجل یقول لا تکن من الغافلین اولا اُذکر ربك اذا نسیت جید ولکن حاول أن تقرب من هذا رشدا تقترب من عامل الذکر الذي لا غفلة فيه ولا نسیان فیه.
سئوال: آیة اثنین وثلاثین من سورة الکهف وأضرب لهم مثلا رجلین جعلنا لأحدهما جنتین من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بینهما زرعا، هنا ننتقل من قصة اصحاب الکهف إلی قصة الرجلین ونطرح سئوال هل هذه القصة حقیقیة أم مجرد تمثیل هنا؟
جواب: بالواقع سورة الکهف جمیلة فیها قصص قصة الکهف والرجلین ورجل صاحب الجنتین ثم قصة موسی مع الخضر ثم ذي القرنین یعني کلها قصص جمیلة وهذه القصص حقیقتا من دون تفسیر وتدبر یبقی فیها ابهام رأیتم قصة الکهف کم کان فیها من الابهامات، الرجلین قیل أنه رجلام من بني مخزوم ولعله کان في الطائف باعتبار المکان الوحید في منطقة مکة وحوالیها الذي فیه اخضرار وینابیع هي الطائف فقالوا رجلان من بني مخزوم وقیل بني اسرائیل قصة قدیمة والبعض قال اصلا لا واقع له وأضرب لهم مثلا رجلین یعني قصة وهمیة خیالیة ولکن حقیقتاً یصعب أنه بالقول الثالث الآن من بني مخزوم ومن بني اسرائیل قصة واقعية یقال یعني ولکن أن نقول أن هذا مثال تخیلي تخیل جنتین فیها اعناب وفیها نخیل وفجرنا خلالهما نهرا بعید عن الذوق أن نقول هذه قصة خیالیه، نعم نقول نحن لا نعلم هذه القصة متی وقعت من زمان خلقة آدم إلی نزول الوحي هنالك بساتین وقصص ومشرکین ومؤمنین الأفضل أن نقول أنها قصة واقعیة ولکن المراد منه بني اسرائیل أو بني مخزوم عدم الجزم بذلك هو الاولی.
سئوال: حتی نکمل حدیثنا ونأخذ تفصیل أکثر، جنتین من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بینهما زرعا برأيكم ما هو وجه البلاغة في بیان تفصیل هذا البستان؟
جواب: یعني الآن مع فارغ التشبیه رب العالمین یطرح الآیة مهندس زراعي یرید أن یعمر بستاناً یقول هذا البستان من بستان العنب وتعرفون العنب شجر الکرم المراد هنا من العنب لیس الثمر یعني شجرة العنب ویقول عادة العنب یُعلق علی عریش له سقف ولهذا یقول وهي خاویة علی عروشها في الآیات اللاحقة، یعني منظر العنب فاکهة متدلیة وهناك عروش والانسان یمشي تحت هذه العروش تحت ظلال هذه الأعناب وهذه الاشجار حوالیها أشجار مرتفعة وهو حففناهما بنخل النخل هو في الواقع سور لهذا البستان یعطیه جمالیة ولذلك يحمي اشجار العنب من الآفات، وجعلنا بینهما زرعا هو جنتان بستانان وبین البستانین حائل وهذا الحائل هو الزرع یقال الزرع هنا المراد به مطلق الزرع حتی ینطبق علی القمح مثلا یعني هذا البستان فیه نخل فیه عنب فیه قمح فیه محاصیل أخری فواکه أخری وفجرنا خلالهما نهرا یعني ایضا الانهار الآن خلالهما یقال بین الجنتین أو لا خلالهما کشيء متشعب یعني بستان بأفضل ما یمکن أن یتصور البستان في الحیاة الدنیا شجر عنب محفوف بالنخیل الشاهد في البلاغة القرآنیة القرآن یرید أن یبین نعمته علی هذا الرجل یصور هذا البستان بهذه الصورة الجمیله.
سئوال: الآیة الذي بعدها آیة أربعة وثلاثین الآیة قصة لطیفة وتکملة لقصة الرجلین بسم الله الرحمن الرحیم وکان له ثمر فقال لصاحبه وهو یحاوره أنا أکثر منك مالاً وأعز نفرا هنا ما المراد بهذا الثمر رغم أن الله سبحانه وتعالی ذکر قبلهما العنب والنخیل وبالتالي ما السر في التعبیر بالصاحب هنا؟
جواب: حقیقتا کما قلنا رب العالمین یرید أن یصور أعلی درجات التنعیم أو النعمة علی هذا الانسان الذي کان مشرکا لأنه یقول أکفرت صاحب المؤمن یقول أکفرت بالذي خلقك من تراب؟ یعني یقولون غیر أنه عنده بستان عنده اموال منقولة ایضا الثمر یقال للمال الآن له ذهب له فضة له اموال أو حتی له ثمار من خارج البستان کبعض اصحاب البساتین یستورد ثمار من بساتین أخری یعني هذا الانسان بلغ القمة في التمتع والترف المادي وکان له ثمر أي له مال ایضا غیر هذا البستان، وقال لصاحبه وهو یحاوره اولا کلمة الصاحب اطلاق الصاحب علی انسان لا یُعد مزیة انسان صاحب فلان صاحبه رافقه في الطریق لیکون هذا کافر وهذا مؤمن اذاً کلمة الصاحب أو الصحبة لا تعني دائما المعنی المقدس أو الایجابي یطلق الصاحب هنا علی الکافر وهو یحاوره الآن کلمة الحواریة متعارف بیننا یقولون الحوار أن تأخذ وتعطي وتراجع وتکرر فیه شيء من الجدلیة الآن الحوار لیس فیه معنی الجدلیة ولکن قال في الاصطلاح القرآني یحاوره الکافر یحاور المؤمن أي یلقي علیه الکلام بتکرار وبمحاججة انا أکثر منك مالا وأعز نفرا یعني یتبجح بأمرین؛ بهذا المال أي البستان أي بالثمر وکذلك بالنفر یقولون الانسان اذا أراد أن ینفر لقتال أحد کعادة الجاهلیین یجمع معه العشریة والاولاد وکذا لئن هؤلاء یعینونه عند النفر ولهذا یقال له أنفار له نفر اذاً هذا الانسان عینه علی البستان عینه علی المال وعینه علی عشیرته واولاده وهو لا یعلم أن هذا کله یئول إلی الفناء والزوال.
سئوال: کلاهما لدیهما جنة ألیس کذلك؟ یعني هل من توضیح لماذا هذا التفاخر بینهما؟
جواب: لا طبعا ذاك المؤمن لیس له جنة ذاك انسان عادي لا جنة له هذا صاحب البستان لاحدهما جنتین والآخر لا جنة له ولعله حتی لم یکن له ذریة یرید أن یتفاخر علیه کونه مؤمن موحد طبعا في آخر المطاف سنذکر کیف استهزئ به عندما احترق البستان وأصبح صعیدا زلقا سيأتي أنه هذا التفاخر لم یکن له دوام إلی الأخیر.

شکرا لکم إلی اللقاء.