- ThePlus Audio
في رحاب السيدة زينب الكبرى (ع)
بسم الله الرحمن الرحيم
السيدة زينب (سلام الله عليها) الملقبة بفاطمة الصغرى
حديثنا هو حول سيدة من سيدات أهل البيت (ع) والتي تلقب بفاطمة الصغرى، وهي أقرب النساء إلى الزهراء (ع). إنها ابنتها زينب (ع). ولا بأس في مستهل الحديث أن نأخذ جولة سريعة في ألقابها وصفاتها. لقد كانت هذه السيدة زوجة لعبدالله بن جعفر، وقد ولدت عبدالله بن جعفر، وكانوا يسمون أبناءها ببني العقيلة. وهذه كلمة العقيلة وهذا الوصف عندما يذكر؛ تنصرف الأذهان إلى زينب (ع).
وجدت من ألقابها؛ عابدة آل علي (ع). فكما كان أبو الفضل العباس (ع) زين بني هاشم وكما كان إمامنا موسى بن جعفر (ع) راهب آل البيت؛ كانت هذه السيدة عابدة آل علي. إن هذه المرأة كانت مأنوسة بالعبادة طوال عمرها؛ ولكن تجلت هذه العبادة في ليلة العاشر. تقول فاطمة بنت الحسين (ع) عن عمتها: (وأمّا عمّتي زينب فإنّها لم تزل قائمة في تلك الليلة (أي العاشرة من المحرّم) في محرابها تستغيث إلى ربّها، فما هدأت لنا عين، ولا سكنت لنا رنّة)[١].
ويقال: أنها عندما وُلدت اقترن بولادتها أمران. أولا: إن النبي (ص) هو الذي سماها بهذا الاسم؛ فزينب (ع) هي الحفيدة الثالثة للنبي (ص) بعد الحسن والحسين (ع). إن أحدكم عندما يرزق بحفيدة يفرح كثيرا ولكن النبي (ص) بكى عند ولادتها، وعندما سألته فاطمة (س) عن سبب البكاء؛ أشار (ص) إلى بعض مصائبها. وقد ورد أن الثواب ثواب البكاء عليها كثواب البكاء على أخويهما. إن أحفاد النبي الثلاثة قد وقع عليهم من المصائب ما وقع؛ فالحسن (ع) قتل مسموماً، والحسين (ع) قتل مذبوحاً، وزينب (س) أخذت أسيرةً. وهذه السيدة هي في الحقيقة من النساء المتميزات، وحق أن نسميها فاطمة الصغرى.
علمها اللدني
تخيل أن تسألك ابنتك الصغيرة وتقول: أتحبنا يا أبتاه؟ ومن الطبيعي أن يكون الجواب: نعم. وهكذا أجاب علي (ع) عندما سئل هذا السؤال من قبلها (س). فأجابت: (أَبَتَاهْ حُبَّانِ لاَ يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ اَلْمُؤْمِنِ حُبُّ اَللَّهِ وَحُبُّ اَلْأَوْلاَدِ وَإِنْ كَانَ لاَ بُدَّ لَنَا فَالشَّفَقَةُ لَنَا وَاَلْحُبُّ لِلَّهِ خَالِصاً)[٢]. إن هذه البنت رغم صغرها لا أقول أنها تشكل على أبيها؛ فأبوها معصوم ولكن انظروا إلى لطافة المعنى. ثم هي حلت المشكلة بنفسها فقالت: الحب الخالص لله عز وجل والشفقة لنا.
لقد أشار إمامنا زين العابدين (ع) إلى مقام عظيم من مقاماتها فضلا عن عبادتها ليلة العاشر، وعبادتها ليلة الحادي عشر، وخطبتها الشامية، وخطبتها في الكوفة؛ فكل هذه مزايا ولكن كل هذه المزايا هي من منبع واحد. ما هو هذا المنبع؟ عندما قال لها إمام زمانها: (أَنْتِ بِحَمْدِ اَللَّهِ عَالِمَةٌ غَيْرُ مُعَلَّمَةٍ فَهِمَةٌ غَيْرُ مُفَهَّمَةٍ)[٣]، وهذا هو العلم اللدني أو العلم الإلهي الذي لا يحتاج إلى كتاب وغيره. وبالطبع إن هذا العلم اللدني مقتبس من جدها ومن أبيها ومن أمها ومن أخويها. لقد مسح خمسة من المعصومين على رأس هذه السيدة، ولهذا من الطبيعي أن تصل إلى هذه المرحلة المتميزة.
الناطقة باسم السجاد (عليه السلام) ونائبته الخاصة
وهنالك مقام لهذه السيدة قلما يذكر كصبرها وعبادتها وحالها عند جسد أخيها. لقد رأيت نصاً يدل على أن هذه السيدة كانت لها موقع عظيم بعد استشهاد أخيها؛ فينقل أن النيابة الخاصة للإمامة انتقلت إليها في زمان علة بن أخيها زين العابدين (ع). حيث أنه كان يُرجع إليها في الحلال والحرام؛ إلى أن برأ إمامنا زين العابدين (ع) من مرضه. إن هذه الفترة الانتقالية – كما يقال – كان مرجع الحلال والحرام فيها هذه السيدة.
ومن النصوص الطريفة التي قلما قرعت الأسماع، نص متعلق بحكيمة بنت الإمام الجواد (ع) عمة إمام زماننا المدفونة بجوار العسكريين (ع). والرواية مفصلة نأخذ منها موضع الحاجة، فقد سألها أحدم عن الحجة (عج) فقال: (فَأَيْنَ اَلْمَوْلُودُ فَقَالَتْ مَسْتُورٌ فَقُلْتُ فَإِلَى مَنْ تَفْزَعُ اَلشِّيعَةُ فَقَالَتْ إِلَى اَلْجَدَّةِ أُمِّ أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقُلْتُ لَهَا أَقْتَدِي بِمَنْ وَصِيَّتُهُ إِلَى اَلْمَرْأَةِ فَقَالَتْ اِقْتِدَاءً بِالْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِنَّ اَلْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَوْصَى إِلَى أُخْتِهِ زَيْنَبَ بِنْتِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي اَلظَّاهِرِ وَكَانَ مَا يَخْرُجُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ مِنْ عِلْمٍ يُنْسَبُ إِلَى زَيْنَبَ بِنْتِ عَلِيٍّ تَسَتُّراً عَلَى عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ)[٤].
إن الإمام هو السجاد (ع) ولكن الناطقة باسمه كانت زينب (ع)؛ كما أن جدة الإمام (عج) كانت هي الناطقة باسمه. رحم الله ذلك الشاعر من شعراء أهل البيت (ع) الذي نظم هذا المعنى في أبيات فريدة حيث قال:
وهو أوصى إلى العقيلة جهرا
ولزين العباد تحت الخفاء
فهي تعطي الاحكام للناس فتوى
بعد أخذ من زينة الأولياء
كل هذا سترا عليه وحفظا
لعلي من أعين الرقباء
صبرها على مصرع ولديها
لقد رأينا في سيرة زينب (ع) من التفجع على الحسين (ع)، وعلى أخيها العباس (ع) و على علي الأكبر (ع) ما سارت به الركبان. والله العالم كم تفجعت على بن أخيها القاسم؛ ولكنني اسألكم بالله: هل رأيتم في التاريخ والمقاتل تفجعاً على ولديها محمد وعون؟ لقد قدمت شهيدين بين يدي الله عز وجل ولكنني ما رأيت في التاريخ أنها ذكرت ولديها. لقد قدمت الإخوة وأبناء الإخوة وولد بطلا كعون؛ هذا البطل الهمام حفيد جعفر الطيار (ع). إنني عندما راجعت رجزه في الميدان توجه قلبي إليه، يقول وهو يفتخر بجده جعفر الطيار وما له من المقام:
إن تنكروني فأنا ابن جعفر
شهيد صدق في الجنان أزهر
يطير فيها بجناح أخضر
كفى بهذا شرفا في المحشر
التوسل بها إلى الله عز وجل
وأقول:إن من أحيا ذكرها في ميلادها أو في استشهادها وبكى عليها فهو كمن بكى على أخويها. وهذه السيدة وأم البنين (ع) هما من أبواب الحوائج إلى الله عز وجل؛ فمن له إلى الله حاجة فليقسم على الله بهذه السيدة وصبرها فإ، رب العالمين لا يخيب أحداً في ذلك، وهذا من المجربات.
خلاصة المحاضرة
- إن من أحيا ذكر العقيلة في ميلادها أو في استشهادها وبكى عليها فهو كمن بكى على أخويها. وهذه السيدة وأم البنين (ع) هما من أبواب الحوائج إلى الله عز وجل؛ فمن له إلى الله حاجة فليقسم على الله بهذه السيدة وصبرها فإ، رب العالمين لا يخيب أحداً في ذلك، وهذا من المجربات.
- إن الإمام هو السجاد (ع) ولكن الناطقة باسمه كانت زينب (ع)؛ كما أن جدة الإمام (عج) كانت هي الناطقة باسمه. رحم الله ذلك الشاعر من شعراء أهل البيت (ع) الذي نظم هذا المعنى في أبيات فريدة حيث قال: وهو أوصى إلى العقيلة جهرا *** ولزين العباد تحت الخفاء.
- لقد رأيت نصاً يدل على أن هذه السيدة كانت لها موقع عظيم بعد استشهاد أخيها؛ فينقل أن النيابة الخاصة للإمامة انتقلت إليها في زمان علة بن أخيها زين العابدين (ع). حيث أنه كان يُرجع إليها في الحلال والحرام؛ إلى أن برأ إمامنا زين العابدين (ع) من مرضه.
- كما كان أبو الفضل العباس (ع) زين بني هاشم كانت زينب (س) عابدة آل علي. إن هذه المرأة كانت مأنوسة بالعبادة طوال عمرها. تقول فاطمة بنت الحسين (ع) عن عمتها: (وأمّا عمّتي زينب فإنّها لم تزل قائمة في تلك الليلة (أي العاشرة من المحرّم) في محرابها تستغيث إلى ربّها).