- ThePlus Audio
في رحاب السيدة زينب الكبرى (ع)
بسم الله الرحمن الرحيم
جولة في مناقب السيدة زينب (سلام الله عليها)
حديثنا هوحول علم من أعلام أهل البيت (ع)؛ ألا وهي الصديقة الصغرى عابدة آل علي (ع)؛ التي لو يقال في حقها: أنها معصومة لما قلنا كلاماً يجانب الحق والحقيقة. إننا لم نعرف عن هذه السيدة إلا البعد الرثائي والعزائي وهذا الأمر لا منكر له؛ ولكن لا بأس أن نأخذ جولة سريعة في كمالاتها ومناقبها منذ أول نشأتها.
إن الله سبحانه هوالذي اختار لها اسمها
إن هذه السيدة سميت من السماء، ولم يأت هذا الاسم اعتباطاً. لقد كرمها رب العالمين بهذه التسمية. إنها عندما وُلدت انتظر النبي (ص) خبراً من السماء وإذا بجبرائيل يقول له: سم هذه المولودة زينب؛ فقد اختار الله لها هذا الاسم. والذي جرى بعد ذلك أمر ملفت؛ فعادة عندما يولد المولود ينتاب الفرح ذلك المنزل، ولكن عندما وُلدت هذه السيدة (س) انتاب البكاء النبي (ص) وعليا (ع) كما كتب التاريخ. وكأنه عند ولادتها يرى أمير المؤمنين (ع) أن هذه الطفلة البريئة من نسل فاطمة (ع) سيجري ما يجري عليها من المحن وكذلك النبي (ع) الذي يعلم الغيب بإذن الله عز وجل. وكذلك فعلا عند ولادة الإمام الحسين (ع).
قول المامقاني عنها
إن علمائنا عندما يكتبون عن هذه الذوات الطاهرة؛ فإنما هم يكتبون عن فهم وعلم. هنالك كتاب قيم باسم تنقيح المقال، وصاحب الكتاب من علمائنا المتأخرين. لقد أعجبني كلامه في حق هذه السيدة، وليس كلاماً إنشائياً. إن المؤلفات عن هذه السيدة كثيرة ولكن البعض منها يغلب عليها الطابع الأدبي؛ ولكن عالم بوزن هذا العالم الجليل عندما يتحدث عن هذه السيدة يختلف الأمر. إنه يبدأ كلامه قائلا: (زينب، وما زينب! وما أدراك ما زينب ؟! هي عقيلة بني هاشم، وقد حازت من الصفات الحميدة ما لم يَحُزها بعد أُمّها أحد، حتّى حُقّ أن يقال: هي الصدّيقة الصغرى. هي في الحجاب والعفاف فريدة، لم يَرَ شخصَها أحدٌ من الرجال في زمان أبيها وأخَوَيها عليهم السلام إلى يوم الطفّ،وهي في الصبر والثبات وقوّة الإيمان والتقوى وحيدة، وهي في الفصاحة والبلاغة كأنّها تُفرِغ عن لسان عليٍّ عليه السلام، كما لا يخفى على مَن أنعم النظر في خطبتها.
ولوقلنا بعصمتها لم يكن لأحدٍ أن ينكر ـ إن كان عارفاً بأحوالها في الطفّ وما بعده ـ كيف ؟! ولولا ذلك لَما حمّلها الإمام الحسين عليه السلام مقداراً مِن ثقل الإمامة أيّامَ مرض الإمام السجّاد عليه السلام، وما أوصى إليها بجملة مِن وصاياه، ولَما أنابها السجّاد عليه السلام نيابةً خاصّةً في بيان الأحكام، وجملة أخرى من آثار الولاية). فقد وصلت هذه السيدة (ع) إلى المراحل العالية من الفضل والكمال؛ لأنها كانت تمثل البعد العلمي لأهل البيت (ع).
نيابتها عن إمام زمانها
عثرت على رواية طريفة فيها مجموعة من الفوائد. أولا هذه الرواية ينقلها الشيخ الصدوق عن أحمد بن إبراهيم، يقول: (دَخَلْتُ عَلَى حَكِيمَةَ بِنْتِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ اَلرِّضَا أُخْتِ أَبِي اَلْحَسَنِ صَاحِبِ اَلْعَسْكَرِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ)[١]؛ إنها هي التي دفنت بجوار العسكريين (ع). يقول الرواي: (فَكَلَّمْتُهَا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ وسَأَلْتُهَا عَنْ دِينِهَا فَسَمَّتْ لِي مَنْ تَأْتَمُّ بِهِمْ)؛ إنها كانت تذكر له أئمة أهل البيت (ع) حتى ذكرت الإمام القائم (عج).
بالمناسبة؛ إن هذه السيدة الجليلة حكيمة هي عمة إمام زماننا (عج). وهي قد أرادت أن تعرف زينب (س)، ويا له من تعريف، قالت: (فَإِنَّ اَلْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَوْصَى إِلَى أُخْتِهِ زَيْنَبَ بِنْتِ عَلِيٍّ فِي اَلظَّاهِرِ فَكَانَ مَا يَخْرُجُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ مِنْ عِلْمٍ يُنْسَبُ إِلَى زَيْنَبَ سَتْراً عَلَى عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ)؛ أي أن علم إمامنا زين العابدين (ع) كان يترشح على لسان زينب (س)؛ بل حتى أن في بعض العبائر ورد أنها هي التي كانت تتولى بيان الحلال والحرام والمسائل في فترة مرض ابن أخيها إمامنا زين العابدين (ع).
عظيم مقامها وعلو درجاتها
ويتجلى ذلك عندما سألها ابن زياد: كيف رأيت صنع الله بأخيك وبأهل بيتك؟ إنها امرأة مفجوعة بأخويها وبأولادها وبأصحاب أخيها الحسين (ع)، وإذا بها تقول: (مَا رَأَيْتُ إِلاَّ جَمِيلاً هَؤُلاَءِ قَوْمٌ كُتِبَ عَلَيْهِمُ اَلْقَتْلُ فَبَرَزُوا إِلَى مَضَاجِعِهِمْ)[٢]. ما هذه المعرفة العظيمة؟ ما هذه المنزلة التي حق أن يغبطها عليها جميع نساء العالم؟ إن هذه المرأة كانت في أعلى درجات العفة والحياء. يقول يحيى المازني: (كنت في جوار أمير المؤمنين عليه السّلام في المدينة مدّة مديدة، وبالقرب من البيت الّذي تسكنه زينب ابنته، فلا – واللّه – ما رأيت لها شخصا، ولا سمعت لها صوتا. وكانت إذا أرادت الخروج لزيارة جدّها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم تخرج ليلا، والحسن عن يمينها، والحسين عن شمالها، وأمير المؤمنين أمامها، فإذا قربت من القبر الشريف سبقها أمير المؤمنين عليه السّلام فأخمد ضوء القناديل، فسأله الحسن مرّة عن ذلك؟ فقال: أخشى أن ينظر أحد إلى شخص أختك زينب)[٣].
الصلاة من جلوس من الجوع
لا أريد أن أثير أحزانكم، ولكن هذه الخفرة وهذه المصونة وهذه التي تمشي ومعها ثلاث من المعصومين؛ ماذا جرى عليها في ذلك اليوم؟ يقول إمامنا زين العابدين (ع): (إنّ عمّتي زينب كانت تؤدّي صلواتها من قيام، الفرائض والنوافل عند سير القوم بنا من الكوفة إلى الشام، وفي بعض المنازل كانت تصلّي من جلوس. فسألتها عن سبب ذلك؟ فقالت: اصلّي من جلوس لشدّة الجوع والضعف منذ ثلاث ليال، لأنّها كانت تقسّم ما يصيبها من الطعام على الأطفال، لأنّ القوم كانوا يدفعون لكلّ واحد منّا رغيفا واحدا من الخبز في اليوم والليلة)[٤]؛ ولكن مع كل ما جرى عليها وعلى من معها؛ بقي اسمها لامعاً في التأريخ.
حدثتنا عقيلتنا..!
إنني أكثر من النصوص لتعلموا وزن هذه السيدة في مرآة التاريخ وفي نظر الأجلاء من علمائنا. إن أبو الفرج الأصفهاني عندما يصل إلى ذكر هذه السيدة يعبر عنها بالعقيلة. هذه العقيلة هي مجمع العقل والفهم ثم يقول: هي التي روى ابن عباس عنها كلام فاطمة (ع) في فدك. إنها راوية لكلام أمها فاطمة (س). فقال ابن عباس: حدثتني عقيلتنا زينب بنت علي (س). إن عقيلتنا قالت هكذا. وهذا يدل على أن هذه السيدة كانت معروفة منذ القدم بجلالة أمرها.
روايتها لأحاديث أهل البيت (عليهم السلام)
هنالك بعض العلماء قام بجمع الروايات التي روتها زينب (س)، وهذه الراوية ويا لها من راوية؛ كم نقلت لنا من أحاديث أبيها وأمها فاطمة (ع). ولعل الكل يعلم حديث الزهراء (ع) عندما كانت تقف في محراب عبادتها في جمعتها؛ فيبين عمود الصبح وهي تدعوا للمؤمنين والمؤمنات. إن هذه الرواية ينقلها: عبدالله بن الحسن عن أمه فاطمة الصغرى عن أبيها الحسين (ع) وعمتها زينب بنت أمير المؤمنين (ع). فمن كمالاتها أنها أصبحت واسطة في نقل هذه الروايات المتكثرة عن أهل بيت النبوة.
عبادتها في العاشرة من المحرّم
وفي رواية أخرى وردن في الخصائص الزينبية: أنه كان لزينب (س) في الكوفة أيام خلافة أبيها مجلس تفسر فيه القرآن للنساء. وهذا المتوقع من زينب (س) اللصيقة بأمير المؤمنين فيكفي ذلك أن تنقل علم علي (ع) للنساء في الحلال والحرام وتفسير القرآن الكريم. ومن كمالاتها ما تصفه لنا فاطمة بنت الحسين (ع) من موقفا لها في ليلة العاشر من محرم. إن أصحاب الحسين (ع) كان لهم دوي كدوي النحل، وزينب (س) ما كانت أقل منهم. تقول فاطمة بنت الحسين (ع): (أمّا عمّتي زينب فإنّها لم تزل قائمة في تلك الليلة (أي العاشرة من المحرّم) في محرابها تستغيث إلى ربّها، فما هدأت لنا عين، ولا سكنت لنا رنّة)[٥].
احترام الإمام الحسين (عليه السلام) لها وقيامه إجلالا لها
وفي الختام نقول: إن الإنسان يتعرف عليها من خلال كلمات المعصوم الصادرة في حقها. إنكم تعرفون فاطمة المعصومة بنت موسى بن جعفر (ع) وتكرمونها لقول الإمام الجواد (ع) فيها. لماذا هذا التكريم؟ لماذا تحولت قم إلى عش آل محمد؟ لأن إمامنا الجواد (ع) قد ذكرها بخير. فقد قال أن عمتي ستدفن في قم؛ ثم ذكر ما لزائرها من الفضل. والإمام الرضا (ع) كذلك يبين كمالات فاطمة المعصومة (ع). فنحن من خلال حركة المعصوم نعلم مقام الرجل أوالمرأة. إن هذه الرواية تبين لنا عظمة زينب (س): ماذا فعل الحسين (ع) عندما دخلت عليه زينب (س)؟ تقول الرواية: (عن أنّ الحسين عليه السّلام كان إذا زارته زينب عليها السّلام يقوم إجلالا لها، وكان يجلسها في مكانه)[٦]، ويكفي في جلالة قدرها ما ورد في حديث آخر أنها دخلت على الحسين (ع) وكان يقرأ القرآن؛ فوضع القرآن وقام لها إجلالاً. وهذه المواقف برمتها تبين لنا قدر هذه السيدة الجليلة.
ماذا نفعل أنا وأنت للتأسي بها؟
إن أردت أن تكون زينبياً وأردت الوصول إلى المقامات العليا؛ تأسى بها في الصبر على المحن والمصائب. إننا لم نعهد نبياً ولا وصياً ولا ولياً طوال التاريخ إلا وقد دخل في بوتقة الامتحان. إن الذي يريد طريق غير ذات الشوكة، والذي يريد أن يكون مسترخياً ومتنعماً، ويريد الدنيا حياة حلوة مخملية حريرية؛ لا يصل إلى مقام أبداً؟ سل الله تعالى أن لا يجعل امتحانك في دينك، وما عداه يهون، وكل بلية دون النار عافية. سل ربك أن لا يجعل مصيبتك في دينك وإلا فقد الأعزة، وفقد المال ديدن الصالحين. إن زينب (س) هي مظهر هذه الرواية: (إِنَّمَا اَلْمُؤْمِنُ بِمَنْزِلَةِ كِفَّةِ اَلْمِيزَانِ كُلَّمَا زِيدَ فِي إِيمَانِهِ زِيدَ فِي بَلاَئِهِ)[٧].
خلاصة المحاضرة
- إن أردت أن تكون زينبياً وأردت الوصول إلى المقامات العليا؛ تأسى بها في الصبر على المحن والمصائب. إننا لم نعهد نبياً ولا وصياً ولا ولياً طوال التاريخ إلا وقد دخل في بوتقة الامتحان. إن الذي يريد طريق غير ذات الشوكة، والذي يريد أن يكون مسترخياً يعيش حياة حلوة لا يصل إلى مقام أبداً؟