- ThePlus Audio
في رحاب الذكرى العطرة لولادة الإمام الرضا (ع)
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدم: تحية طيبة نقدمها لكم مشاهدينا الكرام وأهلا وسهلا بكم. أود أن أرحب بضيفي المفكر الإسلامي سماحة الشيخ حبيب الكاظمي. حياكم الله وأهلا ومرحبا بكم وأسعد الله أيامكم بهذه المناسبة العطرة.
الشيخ: وعليكم السلام وأنا أيضا أحييكم وأحيي الإخوة المشاهدين في هذه الحلقة من جوار مولاي أبي الحسن الرضا (ع).
طرق العملية للتأسي بالأئمة خصوصا الإمام الرضا (عليه السلام)
المقدم: طبعا إنها ليلة مميزة والمكان مميز. أنتم دائما تذكرون – سماحة الشيخ – في محاضراتكم أنه يجب علينا أن نستغل مناسبات الأئمة (ع) ونستفيد منهم استفادة عملية، وإننا في هذه الليلة نريد أن نسلط الضوء على الجوانب العملية التي نستطيع أن نأخذها من مدرسة الرضا (ع) وهو ملقب بالرضا (ع).
الشيخ: أنا أيضا بدوري أحيي الإخوة المشاهدين في كل مكان وخاصة هذه الليلة؛ فالقلوب في شرق الأرض وغربها تهفوا إلى حرم الرضا (ع). وأنا أبشركم وأبشر إخواني وأخواتي المشاهدين بأن المرء مع من أحب، والإنسان يثاب على نيته؛ فالذي كان بوده أن يكون هذه الليلة معنا في جوار هذا المرقد الطاهر وكان صادقاً في نيته فمنعته الشواغل؛ فأبشره أنه معنا في هذه الزيارة المباركة. وسنتوجه إلى زيارته عند الضريح الشريف ونسلم عنهم وعنهن بعد الانتهاء من هذه الحلقة. فليس بإمكان كل واحد منا هذه الأيام أن يشد الرحال إلى هذا المكان.
ولكن كيف نحول المناسبة أو الحركة الشاعرية أو الشعورية إلى حركة واقعية ملموسة في الحياة. وهذا هو بيت القصيد. لقد روي عنهم: (رَحِمَ اَللَّهُ مَنْ أَحْيَا أَمْرَنَا)[١]. إن إحياء الأمر له جانب ظاهري لفظي؛ كإنشاد قصيدة أو إقامة مجلس كهذا المجلس أو لقاء كهذا اللقاء. والشعر واللقاء والنثر والمنبر على أهميتها؛ كلها – كما يقال في عرف الأصوليين – مقدمات لذي المقدمة.
إحياء المجالس مقدمة
إن من وضع سلماً ليصعد على السطح وصعد السلم وما ظهر على السطح؛ ما استفاد من السلم. وهذه المجالس عموما والزيارات كلها وسائل. إن الله سبحانه يقول: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي)[٢]. وهذه الصلاة التي هي عمود الدين؛ يعبر عنها القرآن الكريم بهذا التعبير، وكأنا سلم معراج. السطح هو الذكر، والصلاة هي السلم. وكذلك مناسبات الأئمة على عظمتها بمثابة الصلاة. نقيمها لذكر الله وذكر أولياء الله؛ أي نحن في هذه الليلة نذكر الله عز وجل ونذكر أوليائه.
إن لكل إمام اسم ولقب وكنية. والمحب يتعرف على حبيبه. ومن المفروض أن يعلم كل مسلم أو كل موال؛ اسم الإمام ولقب الإمام وكنية الإمام. الآن الاسم هو علي، والكنية أبا الحسن. وأما ألقاب الأئمة (ع) لابد أن نعتقد بأنها مختارة بعناية من السماء. إن ألقاب كالرضا والكاظم والجواد والهادي والمرتضى والزهراء تشير إلى أمور غيبية وإلى دلالات. ولا بأس أن نذكر والده الإمام موسى بن جعفر (ع) هذه الليلة، والذي كان مظهراً لكظم الغيظ.
محنة الرضا (عليه السلام)
ويعني ذلك أن ما جرى على إمامنا الكاظم في بغداد لم يكن هيناً، وكان فيه الكثير من موجبات إثارة الغيظ والغضب. والإمام في سيرته العطرة كان متميزاً بهذه الصفة. إنني أحب هذه الليلة أن أذكر حقيقة أتمنى أن يجعلها كل زائر في باله؛ سواء الزوار الفعليين أو من سيأتي لاحقا؛ إذا جئت لزيارة الرضا (ع) أرجوا أن تتذكر هذا المعنى: أن محنة الرضا (ع) لم تكن تشابهها محنة في حياة آبائه الكرام، ويعني ذلك أنه كان متميزاً بهذه المحنة.
هجرته
تخيل إمام زمانه يجلب من أرض المدينة حيث الآباء والأجداد وأمه الزهراء (س) إلى هذه الأرض؛ أي مسافة آلاف الأميال، والذي يجعل الإمام يقبل هذا الأمر أنه تقدير الله عز وجل له. لو أن الإمام الرضا (ع) بقي في المدينة واستشهد أو توفى فيها ودفن إلى جانب جده الإمام الصادق (ع) لرأينا بدل القبور الأربعة؛ خمسة قبور. قبرالإمام المجتبى والإمام زين العابدين والصادقين والرضا (ع). ولكن الآن نشهد هذه المباركة في أقصى بلاد المسلمين، وإنه ليسمى غريب الغرباء لأنه دفن في آخر حدود المسلمين آنذاك على حدود بلاد أفغانستان اليوم.
إن الإمام (ع) بهذه الحركة جعل أرض طوس مباركة، ولهذا نقول: السلام عليك يا من صارت به أرض خراسان خراسان. أي أن خراسان بقعة لا قيمة لها لولا وجود الرضا (ع). إذاً الدرس العملي من هذا اللقب الشريف هو: أن من أراد أن الوصول للمقامات العالية لابد وأن يكون هكذا بين يدي الله عز وجل؛ راضياً بكل ما يقسم الله تعالى له في حياته.
سبل الاستفادة من زيارة الإمام للتغيير الباطني
المقدم: إننا شاهدنا في هاتين الليلتين الكثير من الزوار يتوجهون إلى هذه البقعة المباركة وقد وصلنا إلى الأستوديو بشق الأنفس، واليوم أيضا هناك عدد غفير من الزوار ما زالوا يتواجدون هنا. بالطبع لكل واحد منهم غاية، وكل له أمل وكل يقدم بين يدي الإمام حاجته، ويأمل نظرةً رحيمة من الإمام الرضا (ع). سماحة الشيخ ما هي توصياتكم العملية للفرد الذي يريد أن يغير في نفسه تغييراً جوهرياً في هذه الزيارة؟ ماذا تنصحون به الإخوة المشاهدين؟
الشيخ: إن الزيارة هي عملية مركبة من حركة فكرية وحركة بدنية وحركة قلبية. إن الحركة الفكرية هي ما ذكره الأئمة (ع) في عباراتهم: (عارفاً بحقه) أو عارفا بحقها كالسيدة المعصومة (ع) التي سنذكرها إن شاء الله هذه الليلة؛ لأننا في عشرة الكرامة.
فقبل المجيء لزيارة المعصوم؛ ما المانع وأنت في بلادك وأنت في هذه البلدة أن تأخذ جولة سريعة في حياة ذلك المعصوم كالإمام الرضا (ع) مثلا؟ وهناك في موسوعة بحار الأنوار مجلد كامل في حياته (ع)، فما المانع من أن الزائر عندما يأتي للزيارة وفي أيام سفره وإقامته أن يأخذ جولة سريعة في حياة هذا المعصوم؟ إن المعرفة النظرية بسيرته وبسنته وحكمه وآثاره؛ معرفة لازمة.
التفاعل الشعوري في زيارة الرضا (عليه السلام)
ومن ثم يأتي دور التفاعل الشعوري. إن الإنسان بإمكانه أن يتكلم مع الإمام من دون كلام؛ فيقف أمام الضريح ولا يقول شيئا، ولكن عيناه تجريان لما يعيشه من التفاعل الباطني. . إن أحد علمائنا الكبار سمعت له كلمة جميلة نهدي له ثواب هذه الكلمة هذه الليلة. لقد كان هذا العالم من عشاق الرضا (ع)، وكان من الذين يدمنون زيارته. إنه كان يقول: إن آداب الزيارة كلها مجموعة في كلمة واحدة بغض النظر عن التطيب والتعطر ولبس الملابس النظيفة والاستئذان والمشي بتؤدة، وإلى آخره؛ فهذه آداب ظاهرية، وما ذلك إلا إظهار الأدب الواقعي، وهو أن تعامل الإمام معاملتك للحي.
إن الإمام الرضا (ع) يرى مقامنا ويشهد مقالنا ويسمع كلامنا؛ لأن هذه الروح انتقلت من مكان إلى مكان، وكما قال سبحانه: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا)[٣]؛ فمن صفات الشهيد أنه يسمع ويبصر. أولا: إن من خرج من المنزل هو زائر الرضا (ع) بمجرد خروجه من منزله، وخاصة إذا كان في قارة بعيد كالولايات المتحدة مثلا. ويعني ذلك أنه ينبغي أن أن يعيش مشاعر الزائرية طوال الطريق. إن بعض الأوقات يستغرق الطريق إلى مشهد أياما وليالي؛ فاجعلوها قطعة اعتكافية من حياتكم. ففي هذه الأيام لا تقل الزيارة عن أربعة أيام أو أسبوع مثلا؛ فلا تجعل هذا الأسبوع أسبوعاً عاديا بل اجعله أسوبعا متميزاً من المراقبة القولية ومن الرفقة الذين لا يشغلونك في أثناء السفر. وليكن الغالب عليك الذكر حتى إذا وصلت إلى الحرم تكون قد وصلت وأنت في الأوج؛ يعني أصبحت مستوياً.
إن البعض يأتي إلى الحرم وهو لا يزال يعيش مشاعر الوطن والألفة مع الأهل والأولاد. وهذا المعنى ينبغي أن يكون في بالنا؛ إننا نأتي إلى الحرم لقطف الثمار لا للزرع. عليك بالزراعة في وطنك؛ فاغرس الشجرة هناك، وزر الرضا (ع) لقطف الثمرة النهائية، وهذا هو الأدب.
النظرة الجوهرية للإمام
ومن آداب الزيارة أن تطلب من الإمام النظرة الجوهرية. تلك النظرة التي نظر بها الإمام الحسين (ع) إلى الحر فقلب جوهره. لقد أسلوا امرأة غير مستقيمة إلى الإمام موسى بن جعفر (ع) في السجن؛ فأصبحت ساجدة وعابدة. إن هذا هو ديدن أئمتنا (ع). إن الإمام الرضا (ع) من المدينة إلى أرض خراسان مروراً بنيشابور ولعل قبل ذلك الأهواز أو غيره؛ كانت تتقاطر منه الكرامات، وإلى الآن ترى في طريق سير الإمام الرضا (ع) من المدينة بصمته. وهذه البصمات ليست بصمات مادية فحسب؛ بل منها بصمات معنوية كالنفوس التي قلبها.
لهذا الرضا (ع) – والتعبير غير دقيق أو قد يكون خارج الأدبيات المتعارفة – تخصصه إن في النفوس. إن أئمتنا (ع) جاءوا لقلب النفوس. فشفاء الأبدان وأداء الديون والتزويج وما شابه ذلك، هي أمور ثانوية. إنما المعصوم عينه على قلبك أولا؛ لا على بدن. فلا تشكو بدنك وأنت تعاني من الإدبار ومن القسوة ومن عدم الإقبال في الصلاة وفي المناجات. ولهذا اجعل خير صلواتك عند الأئمة (ع). إن عدم خشوعك في أرض الوطن أمر طبيعي؛ أما في الحرم وأنت لا تخشع فهذا أمر غير طبيعي.
إذا كنت عند الحسين (ع) تحت القبة أو في روضة النبي (ص) قل: يا مولاي، لقد جئتك مريضا. أنت مريض قلبي. إننا بمثابة الطائرات العاطلة التي لا تطير. إن الصلاة معراج المؤمن؛ فإذا جئت إلى زيارة الرضا (ع) قل: يا مولاي، أصلح طائرتي حتى أطير في الأجواء العليا. إننا قد اثاقلنا إلى الأرض، وهذا تعبير قرآني. إن خير علامة لقبول الزيارة أن ترجع من زيارة الإمام وقد تغيرت صلاتك. أن ترجع هادئا بعد أن كنت سريع الغضب. لقد سمعت بعض المؤمنين يقولون: لقد جئنا لزيارة الإمام وعندنا قائمة من الحوائج ولكننا نسيناها، وقلنا ما قيمة حوائجنا مقابل الزيارة والأمور المعنوية.
آثار الزيارة المقبولة
المقدم: هل نستطيع أن نقول أن هذه الآثار هي علامات قبول الزيارة؟
الشيخ: بالطبع. كانت عندنا سلسلة لقاءات بجوار الحسين (ع) وطالت السلاسل بعنوان زيارة الأرواح للمشاهد. هناك فرق بين أن يزور بدنك الضريح كما نرى ذلك في التوابيت التي يطوفون بها عند الحسين (ع)، والتي تأتي من وادي السلام ويطاف بها حول الضريح. إن أبدانهم طافت وإن كانوا أمواتا؛ ولكن أين الروح الطائفة؟ إن المقصود بالزيارة أن تأتي بقلبك لا ببدنك. قد تدخل الحرم بالبدن وقد تخرج ببدنك والإمام لا يعتني.
إنني لا أريد أن أزرع اليأس في النفوس؛ فالإمام أكرم من ذلك. فلو جئت إلى زيارة الرضا (ع) وجئت إلى المطار ورجعت إلى المطار؛ فالإمام يلتفت إليك، ولا يشترط الدخول في الحرم. إن الإمام أكرم من ذلك. ولكن دائما خذ الأعلى. إن بعض الذين كانوا مع النبي (ص) وخدموه كانوا على قسمين؛ منهم من لم يطلب شيئا ومنهم من طلب. إن أحدهم أصلح بعض حجرات النبي (ص) وساعده في شيء بسيط ثم قال: يا رسول الله، أريد أن أكون من أهل الجنة. لقد وعده النبي (ص) بذلك رغم ذلك العمل البسيط الذي قام به لأنه أكرم الكرماء.
سل الرضا (ع) أيضا أن تكون معه في درجته. وهذا هو الهدف أو أسمى الأهداف. هناك رواية معروفة: (مَنْ زَارَنِي عَلَى بُعْدِ دَارِي أَتَيْتُهُ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ فِي ثَلاَثَةِ مَوَاطِنَ حَتَّى أُخَلِّصَهُ مِنْ أَهْوَالِهَا إِذَا تَطَايَرَتِ اَلْكُتُبُ يَمِيناً وَشِمَالاً وَعِنْدَ اَلصِّرَاطِ وَعِنْدَ اَلْمِيزَانِ)[٤]. إننا نريد الرضا (ع) لهذه المواقع؛ لا لأجل شفاء مرض أو ما شابه ذلك؛ فعندما تودع الإمام سله أن يفي بوعده وهو أهل للوفاء بالوعد.
جانب من سيرة الإمام الرضا (عليه السلام) الأليمة
المقدم: إن الإمام الرضا (ع) عاش المحن والآلام الشديدة في حياته، فما هي أبرز هذه المظاهر في سيرته الطاهرة؟ طبعا إن الليلة هي ليلة فرح وليست ليلة حزن؛ ولكن لا بأس أن نتطرق إلى أبرز هذه المعالم من باب الاطلاع؟
الشيخ: في الواقع إن المقامات لا تعطى إلا من خلال اجتياز أمواج الفتن والبلاء؛ أي أن أئمتنا (ع) بدءا بالنبي المصطفى (ص) وهو المعصوم الأول وانتهاءا بالإمام الحجة (ع) قد تجرعوا – كما في الزيارة – غليظ المحن والبلاء. هناك ابتلاءات مختلفة في حياة الأئمة (ع)؛ لقد ابتلي الحسين (ع) بالقتل وكذلك أمير المؤمنين (ع)، وإن كانت قتلة أمير المؤمنين (ع) لا تقاس بقتلة ولده الحسين (ع). وقد ابتلي الإمام موسى بن جعفر (ع) بسنوات من الحبس، والحال أن الإمام الصادق (ع) وهو أبوه؛ تثنى له الوسادة في مسجد النبي (ص) وتحت يديه آلاف التلاميذ. وأعجب بهذه المفارقة..! فأين روضة النبي (ص) وأين سجن بغداد؟ هذا وبلا فاصل؛ أي أن الأب كان أستاذ الآلاف يدرسهم ويفتخرون بالتلمذ عنده، وإذا بالإمام غريب وحيد. ولا ندري المدة التي قضاها في السجن؛ هل هي عشر سنوات أم أقل أم أكثر؟
وقد كانت محنة الإمام الرضا (ع) أن يأتي إلى هذا البلد. إنني لست في مقام ذكر المصيبة، ولكن انظروا إلى التدبير الإلهي: إن الإمام يكون في أرض غربة ولا يؤذن له – طبعا لا يؤذن له لأن القضاء والقدر كان هكذا – أن يأخذ معه ولده الجواد (ع). ولو كان الإمام الجواد (ع) مع الرضا (ع) في أرض طوس لهان الخطب. ولا ندري هل أُذن له أن يصطحب عائلته من المدينة وهم أخذوه مخفوراً؟ إن الإمام الرضا (ع) ألقي القبض عليه في المدينة وجيء به إلى أرض خراسان قسراً، ولهذا ينقل الشيخ القمي رحمه الله في كتابه هذا الدعاء الذي قلما رأيناه في تاريخ الأئمة، يقول: (كَانَ اَلرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِذَا رَجَعَ يَوْمَ اَلْجُمُعَةِ مِنَ اَلْجَامِعِ وَقَدْ أَصَابَهُ اَلْعَرَقُ وَاَلْغُبَارُ رَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ اَللَّهُمَّ إِنْ كَانَ فَرَجِي مِمَّا أَنَا فِيهِ بِالْمَوْتِ فَعَجِّلْ لِيَ اَلسَّاعَةَ)[٥]؛ أي أن يأتي الإمام إلى هذا المكان وينادى من المنابر أن خليفة المسلمين هو المأمون العباسي وهذا ولي عهده أمر لا يُتحمل. وأي ولي عهد..! إنه إمام الخلق.
ولهذا نقرأ في الزيارة المخصوصة: الصديق الشهيد، وحجتك على من فوق الأرض ومن تحت الثرى. لا تحت الثرى في خراسان وإنما عموم الأموات في كل العالم؛ فهو عالم الأحياء والأموات والإنس والجان. ثم بعد ذلك يقال: هذا ولي عهد المأمون العباسي. ولهذا المحنة كانت عظيمة جداً.
إن أرض مشهد هي بين جبلين، فقد ورد: (إِنَّ بَيْنَ جَبَلَيْ طُوسَ قَبْضَةً قُبِضَتْ مِنَ اَلْجَنَّةِ)[٦]. إن كل من زار الرضا (ع) من شرق الأرض وغربها يقول: إن أرض مشهد هي أرض مؤنسة، ونحن لا نعيش الغربة فيها. ألسنا نقول: يا أنيس النفوس. إنك تذهب إلى عاصمة من العواصم العالمية أسبوع أو أسبوعين؛ فتمل سريعا وتحب الرجوع، بينما الإقامة في مشهد شهر أو شهرين متعارف جداً، والبعض قد اتخذها وطنا ثانوياً.
إن الكثير من المؤمنين والموالين من أوروبا وغيرها يقولون: إن هذه بقعة لا يعرف الإنسان فيها معنى الاكتئاب. إن الله عز وجل عوض الحسين (ع) بأن جعل الشفاء في تربته والإجابة تحت قبته وعوض الرضا الذي كان يعيش أشد المحن أن جعل البسط في حرمه. إنكك عندما تزور حرم سيد الشهداء (ع) تعيش حالة من حالات الهم والحزن وتشم رائحة الشهادة والدم، وكذلك في حرم أمير المؤمنين (ع). أما إنك عندما تأتي إلى مشهد؛ ترى بسطاً عجيبا في الشوارع المحيطة والأماكن المحيطة. يقال: هذا هو التعويض الإلهي؛ أي القبض الذي كان في قلب الرضا (ع) تحول إلى بسط في قلوب زائريه.
سل الله عز وجل أن يفرج عنك؛ ولكن إذا لم يفرج عنك؛ كن كالرضا (ع) راضيا بالقضاء والقدر، وسل الله عز وجل أن يجعل محنتك سلماً لا طريقاً مسدوداً. فهناك فرق بين حائط مسدود وبين حائط يتحول إلى سلم للتكامل. إن الدرس العملي من محنة الرضا (ع) هو أن نتشبه بالإمام (ع) في تحمل المحن. وأن نعلم أن الطلب من الله عز وجل إما أن نناله عاجلاً أو آجلا أو يحوله الله إلى عرصات القيامة، وهذا هو المطلوب.
خلاصة المحاضرة
- إن الكثير من المؤمنين والموالين من أوروبا وغيرها يقولون: إن مشهد الرضا لا يعرف الإنسان فيه معنى الاكتئاب. إن الله عز وجل عوض الحسين (ع) بأن جعل الشفاء في تربته والإجابة تحت قبته وعوض الرضا الذي كان يعيش أشد المحن أن جعل البسط في حرمه.
- إن بعض الذين كانوا مع النبي (ص) وخدموه كانوا على قسمين؛ منهم من لم يطلب شيئا ومنهم من طلب. إن أحدهم أصلح بعض حجرات النبي (ص) وساعده في شيء بسيط ثم قال: يا رسول الله، أريد أن أكون من أهل الجنة. لقد وعده النبي (ص) بذلك رغم ذلك العمل البسيط الذي قام به لأنه أكرم الكرماء
- إن من وضع سلماً ليصعد على السطح وصعد السلم وما ظهر على السطح؛ ما استفاد من السلم. إن مجالس الأئمة والزيارات كلها وسائل. إن الله سبحانه يقول: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي). وهذه الصلاة التي هي عمود الدين؛ يعبر عنها القرآن الكريم بهذا التعبير، وكأنها سلم معراج.
- ومن آداب الزيارة أن تطلب من الإمام النظرة الجوهرية. تلك النظرة التي نظر بها الإمام الحسين (ع) إلى الحر فقلب جوهره. لقد أسلوا امرأة غير مستقيمة إلى الإمام موسى بن جعفر (ع) في السجن؛ فأصبحت ساجدة وعابدة. إن هذا هو ديدن أئمتنا (ع).
- ما المانع قبل زيارة المعصوم وأنت في بلدك أن تأخذ جولة سريعة في حياة ذلك المعصوم كالإمام الرضا (ع) مثلا؟ وهناك في موسوعة بحار الأنوار مجلد كامل في حياته (ع)، فما المانع من أن الزائر عندما يأتي للزيارة وفي أيام سفره وإقامته أن يأخذ جولة سريعة في حياة هذا المعصوم؟