- ThePlus Audio
في رحاب الإمام زين العابدين (ع)
بسم الله الرحمن الرحيم
من أعظم مصائب الإمام السجاد (عليه السلام)
إن من بين أولياء الله عز وجل منذ أن خلق الله آدم إلى يوم القيامة؛ ما مرت من المآسي والمحن بهذا النحو من المآساة على بشر كما مر على الإمام السجاد (ع).
إن أئمة أهل البيت (ع) تعددت ألوان العذاب الذي حل عليهم. فالإمام الكاظم (ع) عاش ما عاش في ظلم السجون، وهو ذي الساق المرضوض بحلق القيود، والإمام الرضا (ع) نفي من أرض المدينة إلى دار مضيعة، وقُتل مسموماً غريباً، والإمام أمير المؤمنين (ع) قتل في محراب عبادته؛ ولكن البلاء الذي حل على إمامنا السجاد (ع) هو بلاء منقطع النظير. فيكفي في بلائه أنه رأى ما جرى على أبيه الحسين (ع).
مصيبته في دفن أبيه وأهل بيته
في الحقيقة؛ إن المصيبة التي تُذكر في دفنه لأبيه الحسين (ع) مصيبة غير هينة على أهل السماوات والأرضين. لقد تحير في دفن والده، ثم بعد ذلك ينتقل من بلد إلى بلد وفي الركب أمثال زينب (س) وبنات الحسين (ع)، وأيتامه. إن هذه المصائب التي حلت به (ع) هي من المصائب التي قل نظيرها أو قل: لا نظير لها؛ أي مأساة فقد الوالد وبتلك الطريقة، وقصة الدفن، وركب السبايا؛ ثم رجوعه إلى المدينة ومعايشته لظلم الظالمين.
بماذا عوض الله سبحانه المصائب التي حلت بالإمام زين العابدين (عليه السلام)؟
إننا نعلم أن الله عز وجل لم ينتقم من أعداء الحسين (ع) وقتلته دفعة واحدة؛ فالإمام (ع) كان يرى بعد مقتل والده ولاة يزيد وهم في المدينة، وكان ذلك ثقيل على إمامنا (ع). ولهذا جرى عليه مبدأ التعويض الإلهي أيضا؛ هذا المبدأ الذي جرى على أبيه الحسين (ع) فكان المعوض من قتله؛ أن الشفاء في تربته والأئمة من ذريته والإجابة تحت قبته. إن الإمام السجاد (ع) أيضا عوض بما عوض. ومن هذه التعويضات التي نراها ونعلمها أو نحس بها – بغض النظر عما لم يصل إلينا مما هو محجوب في عالم الغيب – أننا نرى حرقة وتأثيرا بليغاً في أدعيته (ع).
موروث الإمام زين العابدين (عليه السلام) الدعائي
لو أن أحدنا أراد أن يرقق قلبه في شهر رمضان؛ فمن وسائل الترقيق أن يلهج بمناجاة أبي حمزة. وأبو حمزة هو الراوي لهذا الدعاء. أي أن رب العالمين قد جعل خاصية التأثير المضاعف في أدعية إمامنا زين العابدين (ع). إن مناجاته الخمسة عشر تتناسب مع حالات المؤمن. فتارة الإمام (ع) يشكو نفسه، وتارة يتوب إلى الله، وتارة يغلب عليه الحب والوجد فيكون مريداً، وتارة يكون شاكراً. وكل هذه الحالات هي بحسب المناجات الخمسة عشر التي ذكرها إمامنا زين العابدين (ع).
ولولا أن الروايات ذكرت لنا ذلك لما كنا لنحتمل هذه التعويضات التي جرت لهم. فإننا نؤمن أن للعباس (ع) جناحين يطير بهما في الجنة؛ لأن الروايات قد ذكرت ذلك وإلا لم تتوقع عقولناهذا الجزاء. وعموما جزاء كل إمام في مقابل محنته الخاصة جزاء مميز. فسنوات السجن لإمامنا موسى بن جعفر (ع) لابد له من تعويض في عالم الغيب نحن لا نعلمه.
إن إمامنا زين العابدين (ع) كان يبكي بكاء مريراً، وعندما كان يسئل أو يعاتب؛ كان يذكر لهم قصة يعقوب (ع) وكيف أنه افتقد يوسف (ع) وغاب عنه ولم يمت ولكن كان له هذا النحيب حتى ابيضت عيناه من الحزن. فكيف بمن شهد مقتل أعزته؛ بل دفنهم بيده؟
وبمناسبة ذكرنا لأدعية الإمام والصحيفة السجادية؛ نقول: إن هذه الأدعية قد عكست شطراً من أدعية إمامنا في جوف الليل. فكم كان الإمام يدعو إخفاتا وهمهمة من الأدعية التي لم تصل إلينا؟ إن الذي وصل إلينا هو نزر يسير مما كان يدعو به الإمام (ع). ورحم الله بعض المحققين من علمائنا المتأخرين الذي قام بجهد مشكور؛ حيث جمع الصحيفة السجادية وسماها الجامعة؛ لأن هناك عدة صحف في نقل أدعية الإمام. وما بأيدينا من الصحيفة السجادية المتداولة هي جزء من أدعيته. فقد انبرى أحدهم – جزاه الله خيرا – لجمع مجموع الصحائف في كتاب جامع.
وهذا الكتاب حقيقة هو من الكتب التي لا تقدر بثمن. إن مكتبة المؤمن لا تخلو من قرآن وكتاب دعاء ونهج للبلاغة لإمامنا أمير المؤمنين (ع) والصحيفة السجادية الجامعة. هذه الكتب الأربعة فيها ما فيها، وهي مغنية للمؤمن. ولو حبس المؤمن أو كان في جزيرة لوحده ولم تكن معه في تلك الجزيرة غير هذه الكتب الأربعة لكانت تكفيه إلى آخر عمره.
دراسة الصحيفة السجادية
علينا أن نطالع الصحيفة مطالعة إضافة إلى الدعاء. لا بأس أن تلهج بها كدعاء ولكن في خلوة من الليل، وفي حالة من الحالات؛ اقرأ الصحيفة بعنوان الاستفادة العلمية؟. إن للإمام (ع) دعاء على الشيطان أو استعاذة بالله من الشيطان؛ فتأمل في مضامينه وكيف يستعين الإمام بالله، وما هي مداخل الشيطان التي يذكرها وكيف نتغلب عليه، وما هي مصادر قوته وضعفه؟ إنه بحث علمي متكامل. وهذه عينة إن أردت أن تعلم علاقة الشيطان بالإنسان؛ ارجع إلى مناجاته في الاستعاذة منه.
دعاء مكارم الأخلاق
وأما ذلك الدعاء الجامع؛ دعاء مكارم الأخلاق، فهو منهج كامل لمن أخذ جملة جملة منه وعمل بها في حياته. إن أحدنا يبحث في الكتب الصفراء عن منهج لتربية النفس لفلان الذي لا يُعلم ما أصله وفصله، أو لإنسان مجهول؟ ما لك والمجاهيل؟ هذا إمامنا زين العابدين (ع) قد منحك دعاء اسمه دعاء مكارم الأخلاق. إنه سبيل مكارم الأخلاق. ضعه أمامك وانظر إلى فقراته ومدى انطباقها عليك فقرة فقرة. فإن انطبقت عليك نصف المضامين؛ فأنت في وسط الطريق، وإن انطبقت عليك كل المضامين – وقلَّما يتفق ذلك – فأنت في نهاية الطريق.
مقياس الأخلاق عند المؤمن
ولو لم تجد في هذه المكارم صفة واحدة منطبقة عليك؛ فلست على الطريق، ولو عملت ما تشاء من أفعال الجوارح. إن دعاء مكارم الأخلاق هو إشارة لجوانح المؤمن. إننا – مع الأسف – قصرنا النظر على الأفعال الخارجية ولم نتأمل في الملكات الباطنية. دعاء مكارم الأخلاق هو ضمانة لأن يكون الإنسان واجداً لتلك المكارم التي منها تنطلق الأعمال. إن مكارم الأخلاق هي مغارس الأخلاق الصالحة؛ فالفعل الصالح يحتاج إلى منبت هو المكارم الباطنية. وهنيئاً لمن جمع بين مكارم الباطن ومحاسن الظاهر.
خلاصة المحاضرة
- إن من بين أولياء الله عز وجل منذ أن خلق الله آدم إلى يوم القيامة؛ ما مرت من المآسي والمحن بهذا النحو من المآساة على بشر كما مر على الإمام السجاد (ع). فيكفي في بلائه أنه رأى ما جرى على أبيه الحسين (ع).
- إن المصيبة التي تُذكر في دفنه لأبيه الحسين (ع) مصيبة غير هينة على أهل السماوات والأرضين. لقد تحير في دفن والده، ثم بعد ذلك ينتقل من بلد إلى بلد وفي الركب أمثال زينب (س) وبنات الحسين (ع)، وأيتامه. إن هذه المصائب التي حلت به (ع) هي من المصائب التي قل نظيرها أو قل: لا نظير لها.
- إن دعاء مكارم الأخلاق منهج كامل لمن أخذ جملة جملة منه وعمل بها في حياته. إن أحدنا يبحث في الكتب الصفراء عن منهج لتربية النفس لفلان الذي لا يُعلم ما أصله وفصله، أو لإنسان مجهول. ما لك والمجاهيل؟ هذا إمامنا زين العابدين (ع) قد منحك دعاء اسمه دعاء مكارم الأخلاق