في رحاب الإمام المنتظر (ع)

بسم الله الرحمن الرحیم

تذكر القضية المهدوية دائما

حديثنا سيكون حول إمامنا المنتظر (عج)، ومن المناسب؛ بل من اللازم بين وقت وآخر أن نطرح الموضوع المهدوي، لأن الإنسان في زحمة الحياة ينسى علاقته بالله عز وجل وبأوليائه. ولهذا ألزمنا ربنا بحكمته البالغة بالصلوات في اليوم خمس مرات نقف بين يديه. وقد جعل المساجد مواطن للذكر، وجعل موسم الحج وغيره أزمنة للذكر وهلم جرا.

إن إمامنا هو برزخ بين الغيب والشهادة. أولا: إنه ليس كآبائه الكرام الذين ذهبوا إلى رضوان الله عز وجل إما قتلاً بالسيف أو استشهاداً بالسم؛ بل هو حي يشهد الموسم، ويشاركنا الهموم، ولعلنا صادفناه في بعض زياراتنا إلى المشاهد المشرفة. وعندما يظهر ذلك الوجود الشريف يقول الكثير من الناس: إنه هذا وجه مألوف رأيناه من قبل.

ولكنه في نفس الوقت ليس في متناول اليد كباقي آبائه. فلقد كان الرجل يريد أن يشتري داراً فيذهب إلى النبي (ص) ويقول له: في أي بقعة في المدينة أشتري منزلي يا رسول الله؟ فحتى في شراء المنزل كان النبي (ص) يشير برأيه عليهم، والعلاقة كانت حميمة بينه وبين أصحابه.

متى يظهر الإمام (عجل الله فرجه)؟

إن رب العالمين يريد أن يظهر وليه في فترة نضج من البشرية؛ أعني نضج أعوانه. وفي نفس الوقت يظهره الله عز وجل في أوج التحدي. فالقدرة الإلهية تتبين عندما يظهر الإمام (ع) وقد ملئت الأرض بالجور والشرك والكفر؛ فهذه هي القدرة. ولهذا إن رب العالمين لم يجعل النصر لموسى (ع) إلا عندما بغى فرعون في الأرض وجعل أهلها شيعا، وهذه سنة إلهية.

إن إمامنا (ع) في زمن الغيبة ينتظر أمرين. أولا: وصول العدد الكافي لنصرته؛ حيث أن الإمام لو أراد أن يظهر بقدرة قاهرة أو بقدرة إعجازية لما غاب أصلا، ولكن العالم عالم الأسباب. ثانياً: إن رب العالمين يريد أن يظهر قدرته في أوج صعود الكفر والفساد وفي قمة الترقي المدني والحضاري والعلمي.

ولكن ماذا نصنع نحن المنتظرون في زمن غيبته؟ وكيف نتودد إليه؟

ثق أن الإمام كجدته الزهراء (ع) هو مظهر للرضا الإلهي. إن رضا فاطمة (س) يكشف عن الرضا الإلهي. وفي زماننا هذا أيضا رضا إمام زمانك؛ يكشف عن الرضا الإلهي، وليس هنالك طريق غير طريق الله عز وجل. فمن ازداد قرباً إلى المولى الأعظم، إلى رب العالمين؛ ازداد قرباً إلى مولاه. أن تكون عاصياً لله وتظهر التودد لأهل البيت (ع) كما يسول الشيطان لبعض المحبين حيث يقول لهم: اجعل حباً في قلبك لهم ولتكن الجوارح عاصية فسوف يتكفلون هم بالنجاة يوم القيامة؛ ليس منطق أائمة أهل البيت (ع). فهم أنفسهم كانوا في قمة الحب لله وللرسول؛ ولكنهم كانوا يدأبون في العبادة بين يدي الله عز وجل. وكم هو بعيد عن إمام زمانه (عج من يتقاعس عن أداء هذه الأمور الميسورة السهلة من الأعمال والعبادات.

من وظائف المنتظر في زمن الغيبة

أولا: الدعاء الصادق. وعندما أقول: الدعاء الصادق أعني ما أقول. فالدعاء أمر وقراءة الدعاء أمر آخر. إن الدعاء حركة في القلب؛ جرى اللسان به أم لم يجري. ولهذا هناك مناجاة خفية يقوم بها أحدنا، فهو يغمض عينه ويناجي ربه فتجري دمعته من دون أن يتلفظ بكلمة، بل توجه إلى الله عز وجل واستشعر مضامين الخجل والوجل؛ ففاضت عبرته، وهذا يعد من كبار الداعين. ولكنك لو ختمت دعاء أبي حمزة؛ هذا الدعاء الذي يعد من الأدعية الرقيقة، والذي من فقراته: (ما لي لا أبكي… ارحمني محمولاً) وما إلى ذلك من فقرات هذا الدعاء التي نرقق بها قلوب المؤمنين إذا أردنا ذلك وكنت في عالم آخر ما كنت داعياً؟

الدعاء لفرجه الشريف

إن الدعاء لفرجه الشريف يعني: الطلب الحثيث. كيف تطلب أنت حوائجك من الله عز وجل؟ لابد وأن مر عليك في أيام العمر الماضية بعض المحن، فكيف كنت تدعو الله في المحنة؟ اجعل محنة غيبة إمامك من أكبر المحن. إنني أريد أن أقف وقفة مختصرة حول هذا الدعاء الذي نلهج به، وهناك فقرة في هذا الدعاء لا يلتفت إلى معناه أغلب الداعين به إلا القليل منهم. إننا عندما نذكر دعاء الفرج يتبادر هذا الدعاء المعروف إلى ذهن المؤمنين: (اللهم كن لوليك). وسآتي على تلك الفقرة التي فيها ضرب من الإبهام؛ وهي: (حتى تسكنه أرضك طوعا)؟

إن هذه الجملة تذكرنا بقوله تعالى: (فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ)[١]. وإنني أفهم من هذه الجملة؛ أن الأرض تأتي له طائعة، وتسكنه في أرضك. وبالطبع إن الأرض طائعة ولكنه تعبير مجازي كناية عن أهلها. عندما يقول سبحانه: (وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ)[٢]؛ أي اسأل أهل القرية. والأرض تقول: أتيت طائة بمن علي، وهكذا يذكرون في التفاسير. فحتى تسكنه أرضك طوعا يعني: أن يأتي كل من على وجه الأرض مطيعون لإمام زمانهم.

شرح دعاء الفرج

إن هذا الدعاء الذي نلهج به في القنوت وغيره المعروف بدعاء الفرج؛ دعاء شريف وقد ورد في كتاب مفاتيح الجنان هذا المصدر الدعائي المعروف أن نكثر من قراءته في ليلة القدر. إننا نقول في هذا الدعاء: (اللهم كن لوليك). ويتبين من هذه الفقرة أن علاقتنا به هي علاقة الولاية. إننا لا نقول: فلان ابن فلان بل نقول: وليك. إنه ولي الله في الأرض. والولي هو الذي يمثل الله في الأرض، وهو بقية الله في الأرضين. أي من أبقاه الله في الأرض ممثلاً له.

بقية الله في الأرض

إنك عندما تسافر وتجعل أخاك خليفة على عائلتك؛ يسمى بقيتك في الوطن. وكذلك الأمر إن جعلت مكانك أباك أو جدك ولياً على العائلة، فهؤلاء هم بقيتك أي أبقيتهم ممثلين عنك. ثم بعد ذلك تذكر نسبه، وأنه ابن الإمام العسكري (ع) لكيلا يشتبه بغيره.

ثم تأملوا في هذه التعابير: (ولياً وحافظاً وقائدا وناصرا ودليلاً وعينا) فكلها مرتبطة بعلاقته بالأمة ومرتبطة بالفرج. إنك لا تدعو له بالصحة والعافية إذ أن الإمام لا يحتاج إلى هذا الطلب، وإنما تريد من الله عز وجل؛ أن يكون له ناصراً ودليلاً وقائداً. فالعبارات مرتبطة بزمان الغيبة، وفيها إظهار لاللهفة. أي يا رب، إننا نريد قائدنا، وإننا نريد ناصرنا، ويا رب، إننا نريد ولينا، ويا رب، إننا نريد حافظنا إلى آخر الدعاء. إن كل فقرة من فقرات الدعاء تشير إلى دور من أدواره في زمان الظهور.

تمتعه فيها طويلا

إن دعاء الفرج من الأدعية التي فيها معاني سامية متعلقة بفرجه الشريف. هل فكرت في عبارة: (وتمتعه فيها طويلا)؟ إنك تقول: اللهم متع فلانا، وتعني بذلك: أنه في ضيق وتبرم. ومتى يمتع السجين؟ عندما يطلق سراحه من السجن، فهو مادام في السجن لا قرار له ولا راحة.

إن الإمام في زمان الغيبة سجين عالم الغيبة. كان أمير المؤمنين (ع) بعد وفاة رسول الله صابرا وفي عينه القذى وفي حلقه الشجى وهو فاتح خيبر، وصاحب ذي الفقار. إنه وضع سيفه في غمده إلى أن جاءت الأمة تستجدي منه أن يكون خليفة عليها. إن الإمام في زمان الغيبة في ضيق وفي حزن شديد. فيا رب، اجعل تمتعه وفرجه بظهوره.