- ThePlus Audio
في رحاب الإمام السجاد (ع)
بسم الله الرحمن الرحيم
يَفْرَحُونَ لِفَرَحِنَا وَيَحْزَنُونَ لِحُزْنِنَا
إن وظيفة المؤمن في مناسبات أئمة الهدى (ع) ولادة أو استشهاداً؛ التدبر في سيرتهم، بالإضافة إلى التفاعل العاطفي كما يروى: (اَلَّذِينَ يَفْرَحُونَ لِفَرَحِنَا وَيَحْزَنُونَ لِحُزْنِنَا)[١]. وهذا الحزن ينبغي أن يكون حزناً باطنياً تلقائياً من دون تذكير. إن صاحب المصيبة ومن فقد ولده لا يُذكر بولده؛ بل هو الذي يتذكر ولده فتجري عبرته، وهكذا هي الأم الثكلى. فإذا وصل الإنسان إلى مرحلة من التعلق الولائي بأهل البيت (ع)، فعندها لا يحتاج إلى مذكر في المجالس. ولهذا تجد في الرواية المعروفة عن الرضا (ع) لفظين، الأول: (مَنْ تَذَكَّرَ مُصَابَنَا)[٢]، والثاني: (مَنْ ذُكِّرَ بِمُصَابِنَا)[٣]. فتارة يتذكر بنفسه، وتارة يُذكر بالمصيبة. إن المؤمن في مناسبات أهل البيت (ع) هو يتذكر من دون مذكر؛ بالطبع إذا اشتدت العلاقة العاطفية، وهذا كاشف من كواشف الولاية.
ضرورة التأسي بأهل البيت (عليهم السلام)
ولكن لا يكفي ذلك، وإنما المؤمن يحاول جهده أن يتأسى بهم. يقول سبحانه: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي)[٤]، وهذه قاعدة في الحب الإلهي. إن مدعي الحب لا يصدق إلا إذا اتبع الله عز وجل. ثم يقول: (يُحْبِبْكُمُ الله) إذ أن حبك لله يدعوك إلى العمل؛ فإذا صدر منك العمل خالصاً مخلصاً، توجه إليك الحب الإلهي.
وهذه القاعدة بحذافيرها تنطبق على أولياء الله؛ بدءا بالنبي (ص) إلى آخر معصوم. فمن يدعي حب النبي (ص) وكان صادقاً فيما يدعي؛ لابد أن يتبعه. فإن اتبع النبي (ص) وأطاعه كما قال سبحانه: (أَطِيعُوا الله وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ)[٥]؛ فالنبي (ص) هو صاحب القلب العظيم، والصدرالواسع وهو بالمؤمنين رئوف رحيم، وهو حريص عليهم إلى آخر ما ذكر له من الصفات.
لو كان حبك صادقا لأطعته..!
إذا من أراد أن يكون صادقاً في حبه للامام السجاد (ع) – مثلا – فليكن صادقاً في ادعائه باتباعه. إننا نحاول دائما أن نتخذ لقب المعصوم ذريعة للتأسي به في تلك الصفة على الأقل، وهكذا بالنسبه إلى سائر المعصومين. فلنحاول أن نأخذ اللقب المختص بكل معصوم ونصيره في أنفسنا ونتصف به من كظم الغيظ، والرضا بالقضاء، والجود، وهداية الناس، والسجدة الطويلة، والصدق في القول، وإلى آخره.
التأسي بإمامنا السجاد (عليه السلام) في كثرة السجود وفي كيفيته
إن هذه الصفات هي مشتقة من ألقابهم (ع). من موارد التأسي بالإمام (ع) التأسي به في ما اشتهر به. وإمامنا السجاد (ع) مشتهر بأنه صاحب الثفنات، وصاحب السجدات. إنه كان يقتطع جزء من لحمه الشريف الذي كان يصيبه ما يصيبه من كثرة السجود. هذا بالإضافة إلى صفة البكاء؛ فإمامنا (ع) من بكائي التاريخ. فتارة يبكي (ع) لمصيبة فقد والده وأهل بيته، وتارة يبكي في مناجاته مع رب العالمين.
حقيقة السجود
بالطبع إن السجدة كحركة بدنية لا قيمة لها. فربما تكون للإنسان في بعض الحالات؛ حالة كالسجدة من باب رياضة البدن. إن الصلاة لو جردتها من معانيها لم تعد كونها رياضة خفيفة. إن السجدة هي الانقياد الباطني. ويفسر البعض السجود بمعنى الانقياد. وهذا ما يفهم من بعض الآيات كقوله تعالى: (وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ)[٦]؛ وقد تكون هذه الآية كناية عن اتباع آيات الله عز وجل، وإن لم يسجد ببدنه.
عندما يتعالى الإنسان؛ لا يملك إلا أن يسجد. وهو بذلك يضع محاسن أشرف مكان في كيانه على التراب وهو الرأس. فالرأس هو أفضل موضع في البدن، وفيه العينان، وفيه المخ، وفيه السمع، وفيه النطق. وأشرف موضع في الرأس جبهة الإنسان. وعند السجود يضع هذا الموضع الشريف على أرخص شيء في الوجود وهو التراب.
إن الإنسان الساجد عندما يسجد يتلملم ببدنه. إنه إذا كان واقفا يرى أمامه إلا أن يغمض عينه، وعندما يركع تضيق دائرة رؤيته فلا يرى إلا شيئا قليلا، ولكنه عندما يسجد، لا يرى إلا طرف أنفه، وسواء عليه أغمض عينه أو لم يغمض. إن الساجد حسا ونظراً منقطع عن الدنيا وما فيها. فلو كان في سوق صاخب وسجد؛ فإنه لا يرى شيئا. إن هذه الحركة الجسمانية هي حركة في حد نفسها مذكرة للإنسان.
ما يراه المؤمن في السجود
إن المؤمن في السجود يعيش بعض العوالم التي تدرك ولا توصف. إن رب العالمين قد وعدنا في كتابه الكريم للأسف رأينا نصف الوعد ولم يسمح لنا بأن نرى النصف الآخر من هذا الوعد بعد. إن الله سبحانه وعدنا أن يتجلى في نفوسنا، وهو قوله: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ)[٧]. ومن الآيات الآفاقية الرعد والبرق والسحاب والبر والبحر وما شابه ذلك كالمجرات وغيرها. والوسيلة لرؤية هذه الآيات هي العينان. إن لنا عينان ظاهريان؛ نبصر بهما جمال الطبيعة وجمال الوجوه وإلى آخره. وهذه الرؤية متحققة إلا في الأعمى.
مشاهدة الآيات الأنفسية
ولكننا – مع الأسف – فقدنا البصر الباطني؛ فما رأينا الآيات الأنفسية؟ إن الآيات الأنفسية هي التلجيات الإلهية في نفس الإنسان. وهو أن يرى الإنسان اللطف الإلهي متجلياً في قلبه، ويرى الرأفة الإلهية متجلية فيه، وأن يستشعر حلاوة الحب الإلهي في وجوده. ولكن من يستشعر هذه الآيات الأنفسية؟ مثاله هو إمامنا زين العابدين (ع).
إن وصلت إلى درجة راقية من الإيمان فعندها بإمكانك أن تفهم بعض ما يريده إمامنا في مناجات المريدين. إن مناجات المريدين على اختصارها تبين قمة علاقة الإنسان بربه؛ تلك العلاقة العاطفية الراقية. إنه في إحدى مناجاته يقول بكلمة جامعة: (يَا نَعِيمِي وَجَنَّتِي)[٨]؛ أي يا رب، أنا قبل أن أدخل الجنة؛ دخلت جنتك جنة الوصال، وجنة القرب. إن الجنة الباطنية هي ما يستصحبها المؤمن في حياته الدنيا. فهو عندما يذهب إلى البرزخ يذهب مع تلك الجنة، ويدخل الجنة بقلب سليم؛ فالقلب السليم ههو جنة المؤمن.
ومن أراد الاستفادة من نمير إمامنا زين العابدين (ع)؛ ذلك النمير العذب، فليلهج بمناجاته وخاصة في مواطن الاستجابة والرقة. ومن صار بكاء – إجمالاً – في مناجات ربه وفي ذكر مصائب أوليائه، فقد تشبه بهذه الصفة السجادية.
خلاصة المحاضرة
- الحزن على أهل البيت ينبغي أن يكون حزناً تلقائياً من دون تذكير. إن صاحب المصيبة ومن فقد ولده لا يُذكر بولده؛ بل هو الذي يتذكر ولده فتجري عبرته، وهكذا هي الأم الثكلى. فإذا وصل الإنسان إلى مرحلة من التعلق الولائي بأهل البيت (ع)، فعندها لا يحتاج إلى مذكر في المجالس.
- إن الآيات الأنفسية هي التلجيات الإلهية في نفس الإنسان. وهو أن يرى الإنسان اللطف الإلهي متجلياً في قلبه، ويرى الرأفة الإلهية متجلية فيه، وأن يستشعر حلاوة الحب الإلهي في وجوده. ولكن من يستشعر هذه الآيات الأنفسية؟ إنهم المعصومون والمتشبهون بهم.
- إن الإنسان الساجد عندما يسجد يتلملم ببدنه. إنه إذا كان واقفا يرى أمامه إلا أن يغمض عينه، وعندما يركع تضيق دائرة رؤيته فلا يرى إلا شيئا قليلا، ولكنه عندما يسجد، لا يرى إلا طرف أنفه، وسواء عليه أغمض عينه أو لم يغمض. إن الساجد ماديا ومعنويا منقطع عن الدنيا وما فيها.