س١/ من المعلوم أن هنالك ألقاب وأسماء كثيرة لقب بها الإمام الرضا (ع) ، كنور الهدى وسراج الدين وأشهرها كان لقب الرضا.. فكيف ترون هذه الأسماء وهذه الألقاب في سيرة حياته(ص)؟..
في هذا اليوم الأليم نعرج على مناقب إمامنا الرضا (ع) وعلى أسمائه ، و نحن بجوار مرقده الشريف الذي تهفو إليه قلوب المؤمنين والمسلمين جميعاً..
وقبل أن أدخل في الإجابة على هذا السؤال ، أحب أن أذكر نقطة أخشى أن أنساها في أثناء الحديث ، وهو أنه في هذا اليوم سنطوي شهرين من إقامة عزاء أهل البيت (ع) -محرم وصفر- فاليوم هو اليوم الأخير من هذا الشهر ، فأقول لنفسي ولإخواني: أنه بعد شهرين من إقامة عزائهم (ص) ما الذي خرجناه من هذه المناسبة؟.. فنحن اليوم بمثابة من يتخرج من المدرسة أو من الجامعة ، واليوم هو يوم التخرج وغداً اليوم الأول من شهر ربيع الأول ، فلابد أن ننظر إلى أنفسنا ونسالها : ما الذي كسبناه في هذين الشهرين؟..
ومن المعلوم أن العطاءات الموسمية من حالات الإقبال والبكاء المتقطع في مناسباتهم (ع) ، بمثابة الأمطار التي لابد أن تستنبت النبات الدائم.. فمن غد لنصمم على أن نكون على دربهم دائماً وأبداً ، وليس هنالك أية اثنينية بين دربهم وبين درب الله عزوجل ، فطريقهم التقوى ، ووصيتهم الخير ، وهؤلاء كانوا أول المقيمين للصلاة ولإيتاء الزكاة ولإقامة أحكام الله عزوجل..
إمامنا الرضا (ع) له ألقاب وله أسماء ، وقد برز من أسمائه (ص) صفة الرضا ، هذا الإمام الذي كان مظهر التسليم لأمر الله عزوجل ولنهيه ، كان في مدينة جده حيث مثوى النبي المصطفى (ص) يؤم الناس ، واستمر في مدرسة جديه الباقر والصادق وأبيه موسى بن جعفر (ع) ، كان آمناً بين أهله وبين أولاده ولكن الله تعالى شاء أن تجري عليه هذه المحنة ، وأن ينتقل من بلد إلى بلد يقطع هذه الصحاري والقفار ليستقر في هذه البلدة -بلدة طوس- حيث أجبر على قبول ولاية عهد طاغية من طواغيت زمانه ، ويا لها من مصيبة!..
ومما يصور لنا مدى ما كان يعانيه الإمام (ع) من الأذى النفسي ما ينقل عنه أنه : كان إذا رجع يوم الجمعة من الجامع ، وقد أصابه العرق والغبار رفع يديه وقال: اللهم!.. إن كان فرجي ممّا أنا فيه بالموت ، فعجله لي الساعة.. ولم يزل مغموماً مكروباً إلى أن قبض صلوات الله عليه.
الامام فى موقع امامة العصر والزمان ولكنه يسمى باسم ولاية العهد!.. نعم هكذا استسلموا لأمر الله عزوجل في كل تحركاتهم..
الإمام الرضا (ع) من أوصافه ومن ألقابه الإمام الرؤوف ، وأئمتنا (ع) كلهم مظهر الرأفة والرضا ، ولكن لإمامنا الرضا (ع) هذه الخصوصية ، فقد شاعت بركاته ومعاجزه حتى أن بطوطة -الرحالة المعروف- عندما وصل إلى أرض خراسان أبرز في رسالته وفي كتابه هذه البركات التي شوهدت من هذا المقام الشريف ، ولقد صدق الشاعر في قوله: وما بدا من بركات مشهده *** في كل يوم أمسه مثل غده
وللعلم فإن هنالك مكتبا في هذا الحرم الشريف توثق فيه الكرامات الرضوية ، وقد طبع من ذلك الكثير ، صلوات الله وسلامه عليه ، وما ذلك عليهم بغريب..
س٢/ بالنسبة إلى علم الإمام الرضا (ع) ، وهو علم الأنبياء والأئمة والسلف الصالح.. من المعلوم أنه كان هناك كثير من الجاحدين في عصره ، وعلى رأسهم طاغوت العصر المأمون ، الذي كان يدعوه إلى المناظرات في كثير من الأماكن مع علماء الأديان الأخرى ، وكذلك علماء المسمين من بقية المذاهب ، وقد كان الإمام (ع) يرد عليهم ويدحض شبهاتهم.. حبذا لو تذكروا لنا نبذة عن هذه المناظرات ، وكيف كانت تجري ، وكيف كان الإمام الرضا (ع) بعلمه يدحض الشبهات التي تطرح؟..
إن الإمام (ع) عندما جاء إلى أرض خراسان ، باعتبار أنه كان ملقبا بالسلطان وبولاية العهد – وان كان مقامه الواقعي لا يقاس بهذه الالفاظ – وقد ضربت الأموال والسكك الذهبية باسمه (ص) ، اغتنم هذه الفرصة ، وخاصة بأنه قد بلغ مد الترجمات للفلسفة والعرفان والتصوف وكتب اليونان في القرن الثالث والرابع -في عصر الإمام الرضا (ع)- أي في أوائل وأواسط الخلافة العباسية ، وطبعاً دخل كل غث وسمين ، وقويت حركة الزنادقة والملحدون ، الذين كانوا يريدون أن يستبدلوا منهج أهل البيت بمنهج المنحرفين من الفلاسفة أو المتفلسفة.. فالإمام الرضا (ع) تصدى لهذه الحركات الفكرية المنحرفة ، ومما ينقل أن الإمام (ع) كان في مجلس ، وإذا بأحدهم يصف نبياً من أنبياء الله تعالى وهو داوود (ع) بوصف مشين -هذه الإسرائلية المعروفة- أنه كان على سطح ثم رأى امرأة من نساء الجيران فعشقها الخ.. فالإمام لم يتحمل الموقف ، واستنكر على هذا الإنسان أنه يأتي في مجلس علماء المسلمين ، ويصف أنبياء الله تعالى بهذا الوصف!..
أنقل لكم هذا المتن من كتاب (عيون أخبار الرضا) للشيخ الصدوق -رحمه الله- يقول:
كان المأمون يعقد مجالس النظر ، ويجمع المخالفين لأهل البيت (ع) ، ويكلّمهم في إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) ، وتفضيله على جميع الصحابة ، تقرّباً إلى أبي الحسن علي بن موسى الرضا(ع).
وكلمة (يعقد) تدل على أن هنالك سلسلة حواريات متتابعة.. وهل أنه كان (يجمع المخالفين) بقصد البحث العلمي ، أو بقصد إظهار الرضا (ع) بمظهر الضعف؟.. القرائن تدل على أنه هنالك حركة متعمدة لإظهار الإمام (ع) في موضع الضعف ، وما يؤكد هذا قول الشيخ الصدوق في كتابه:
وكان الرضا (ع) يقول لأصحابه الذين يثق بهم : لا تغترّوا بقوله ، فما يقتلني والله غيره ، ولكنه لا بدّ لي من الصبر حتى يبلغ الكتاب أجله .
ومن المعلوم بأن هارون وهو من مؤسسي الخلافة العباسية مدفون في هذه البقعة ، ولنعم ما قاله الشاعر:
أربع بطوس على قبر الزكي إذا *** ما كنت ترفع من دين على فطر
قبران في طوس خير الناس كلهم *** وقبر شرهم هذا من العبر
ما ينفع الرجس من قبر الزكي وما *** على الزكي بقرب الرجس من ضرر
هيهات كل امرئ رهن بما كسبت *** به يداه فخذ ما شئت أو فذر
س٣/ ومن جملة المناظرات التي أظهر من خلالها الإمام الرضا(ع) فضل آل محمد(ص) على أسس الآيات القرآنية عندما كان في مجلس المأمون.. فقال الإمام الرضا(ع) عندما نزل قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }.. قالوا: يا رسول الله قد عرفنا التسليم عليك ، فكيف الصلاة عليك؟ .. فقال النبي الأكرم(ص): تقولون اللهم صل على محمد و آل محمد ، كما صليت على إبراهيم و على آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد.. ثم قال الإمام الرضا(ع) للحاضرين من العلماء في مجلس المأمون: فهل بينكم معاشر الناس في هذا خلاف؟..
فقالوا: لا..
فقال المأمون: هذا مما لا خلاف فيه أصلاً ، وعليه إجماع الأمة ، فهل عندك في الآل شيء أوضح من هذا في القرآن؟..
فقال الإمام الرضا(ع): نعم أخبروني عن قوله تعالى : { يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ } فمن عُني بقوله يس؟
فقال العلماء: يس محمد(ص)..
فقال الإمام الرضا(ع): فإن الله عزوجل أعطى محمد و آل محمد من ذلك فضلاً لا يبلغ أحد حقيقته ، و ذلك لأن الله لم يسلم على أحد إلا على الأنبياء ، فقال: {سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ} ، وقال: {سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ} ، وقال: {سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ} ، ولم يقل: (سلام على آل نوح ) ، و لم يقل: (سلام على آل إبراهيم) ، ولم يقل: (سلام على آل موسى و هارون) ، ولكنه سبحانه و تعالى سَلَمَ على آل محمد(ص) فقط ، فقال: {سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ} يعني آل محمد صلوات الله عليهم.
هذا ما ذكر في علم الإمام الرضا (ع) ، وفي فضل أخلاقه وسجيته الكريمة ، التي كانت كسجية جده رسول الله (ص)؟..
ما دام ذكر موضوع الصلوات ، فيحسن ذكر هذه الصلوات على الإمام الرضا (ع) ، هذه الصلوات المخصوصة والمنقوشة في أماكن مختلفة في هذا الحرم الشريف.. في أواخر كتاب مفاتيح الجنان هنالك صلوات على أئمة أهل البيت (ع) منقولة عن الإمام العسكري (ع) ، وهو عندما يصل إلى جده الرضا (ع) يصلي عليه بهذه العبارات:
(اللهم صل على علي بن موسى ، الرضا المرتضى ، الإمام التقى النقي ، وحجتك على من فوق الأرض ومن تحت الثرى ، الصدِّيق الشهيد ، صلاة كثيرة تامة زاكية متواصلة متواتـرة مترادفة ، كأفضل ما صليت على أحد من أوليائك).
* اللهم صل على علي بن موسى ، الرضا المرتضى..
الإمام (ع) هو رضا ولكنه مرتضى ، ارتضاه رب العالمين فصار رضاً له وللخلق..
* الإمام التقى النقي..
أول صفة من صفات إمامنا (ع) هي صفة التقوى ، فمن أراد أن يكون مؤتماً به فعليه بالتقوى..
ورد في الخبر مضمون الرواية: أن جماعة من محبيه ومن شيعته راجعوه فلم يفتح لهم الباب -وهو الإمام الرؤوف- وصاروا على تلك الحالة أياما لعله أربعين يوماً ، فلما عاتبوه على ذلك قال: لأنكم وصفتكم أنفسكم بأنكم شيعتي ، ولكن اليوم قلتم نحن المحبون ، نعم أنتم محبون ، ولكن بين المحبة والمشايعة هنالك مرحلة لابد من اجتيازها ، ألا وهو التأسي بهم والعمل بتقوى الله عزوجل..
* وحجتك على من فوق الأرض ومن تحت الثرى..
إمامنا الرضا ليس محبوساً في هذا التراب ، فحقيقته حقيقة مستقرة في الوجود ، ولا فرق بين حياته وموته ، فهو في أيام حياته كان مع بدنه ثم انفصل عنه ، وذهب إلى الرفيق الأعلى ، إلا أن إحساسه وسمعه وبصره ولمحه والتفاتته ما انقطع أبداً ، بل على العكس فإن الإنسان عندما يفارق هذه الدنيا تتوسع صلاحياته لا انها تتقلص..
* الصدِّيق الشهيد ، صلاة كثيرة تامة زاكية متواصلة متواتـرة مترادفة..
نلاحظ أنه ما بقي وصف من أوصاف الكمال إلا وقد ذكر في هذه الصلوات ، فلو أن هذا السلام قبل وأصبح سلاماً نامياً متواتراً متصلاً.. فيا لها من جائزة عظيمة أن يصلي ربنا على وليه الرضا إلى أبد الآبدين ، وما المانع أن يستجاب في حقنا هذا الدعاء..
س٤/ يا حبذا لو تتفضلون بشيء يسير مما ذكر من سجايا الإمام الرضا (ع) ومكارمه الأخلاقية ؟..
من المناسب ذكر هذه الراوية لتهفو قلوب المؤمنين إلى هذا المرقد الطاهر ، قال الرضا (ع) : إنّ في أرض خراسان بقعة من الأرض ، يأتي عليها زمان تكون مهبطاً للملائكة ، ففي كل وقت ينزل إليها فوجٌ إلى يوم نفخ الصور.. فقيل له (ع) : وأي بقعة هذه ؟.. فقال : هي أرض طوس ، وهي والله روضةٌ من رياض الجنة..
أما بالنسبة إلى سجاياه الأخلاقية.. من المهم عندما نزور أي معصوم من أئمة أهل البيت (ع) ، أن نكتسب من أنوارهم ، وأن نأخذ من رحيقهم ، ومن روائحهم الطيبة..
ومن أفضل ما كتب في حياة كل معصوم ، في كتاب البحار وفي كشف الغمة وفي منتهى الآمال وغيره ، ما هو معنون تحت عنوان مكارم أخلاقه ، فمعجزاتهم وفضائلهم في محلها ، ولكن الأهم هو أن نتأسى بهم -نحن الموالين-ونستن بسنتهم..
يقول: (ما رأيت أبا الحسن الرضا (ع) جفا أحداً بكلامه قط ).. فالذين لهم جفاء وسوء خلق مع أولادهم ومع أزواجهم ومع جيرانهم وأسرهم ، فهذه ليست من صفات الرضا (ع) ، والذي يأتي لزيارته وهو يحمل هذه الصفة – صفة الجفاء للآخرين- فإن هذا سيحجبه عن أنوار الرضا (ص)..
(وما رد أحداً عن حاجة يقدر عليها).. أئمتنا (ع) هم مظهر أسماء الله تعالى ، فرب العالمين غفور رحيم وقاضي الحوائج ، لنتخلق بأخلاق الله عزوجل ، ولا شك في أن طاقات الإنسان محدودة ولكن هو بوسعه البشري وبما أمكنه عليه أن يسعى لقضاء حوائج الآخرين..
(وكان إذا خلا ونصبت مائدته أجلس معه على مائدته مماليكه حتى البواب والسائق).. انظروا إلى رأفة الإمام (ع) وعدم ترفعه عن الآخرين ، فهو إمام الخلق ولكن عندما يجلس مع الناس يكون كأحدهم ، وهذه صفة النبي الأكرم (ص)
(كان قليل النوم بالليل ، كثير السهر ، يحيي أكثر لياليه من أولها إلى الصبح ، وكان كثير الصيام فلا يفوته صيام ثلاثة أيام في الشهر ، ويقول ذلك صوم الدهر).. ولعله يعني بذلك الخميس الأول والخميس الآخر والأربعاء في الوسط..
(وكان كثير المعروف والصدقة في السر ، يأتيه الضيف فلا يستخدمه ، يقول: نحن قوم لا نستخدم أضيافنا)..
فمن أراد أن يكون على سنته ، فليقرأ هذه السيرة الطاهرة ، وسيرة النبي (ص) هي سيرة الرضا (ع)..
رحم الله العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي -صاحب تفسير الميزان- فقد جمع لنا في كتاب سنن النبي ، وهذه سنة النبي وآله بلا فرق ، فكم من الحري بنا أن نتبع هذه السيرة وهذه السنة العطرة..
وفقنا الله وإياكم الاستنان بسنتهم إن شاء الله..
س٥/ لعل من أجمل ما قيل في مدح الإمام الرضا (ع) هو ما قاله دعبل الخزاعي في تائيته المشهورة..
ما هو مضمون هذا الشعر في هذه القصيدة بشكل كامل؟..
في الواقع أنتم تعرفون في الأدب العربي وفي القرون الخالية في زمان الأئمة (ع) أن القصائد كانت بمثابة هذه الكاميرات التي كانت تبث في كل مكان ، فالقصيدة كانت تقال في المدينة وقد تصل إلى اليمن وإلى أرض مصر والحجاز وغيره..
دعبل جاء للرضا (ع) وقد نظم قصيدة ، وقد شاء الله تعالى أن يكتب لهذه القصيدة الخلود ، وهانحن بعد قرون وفي هذا المكان الطاهر نسترجع هذه القصيدة الخالدة..
دخل دعبل بن علي الخزاعي – رحمه الله – على أبي الحسن علي بن موسى الرضا(ع) بمرو فقال له : يا بن رسول الله !.. إني قد قلت فيك قصيدةً ، وآليت على نفسي أن لا أنشدها أحداً قبلك ، فقال(ع) : هاتها.. فأنشده :
مدارس آيات خلت عن تلاوة *** ومنزل وحي مقفر العرصات
دعبل يبدأ القصيدة بذكر مجد أهل البيت(ع) وتاريخهم ، فالإمام موسى بن جعفر(ع) قضى حياته في السجن ، والإمام الباقر والصادق(ع) قتلا مسمومين في طاعة الله ، والإمام زين العابدين(ع) من المعلوم قصته وما عاشه من الغربة في المدينة ، والإمام الحسين قتلوه في أرض كربلاء..
دعبل يبدأ قصيدته بذكر هذه المراثي ، وكان الإمام يبكي بين فقرة وأخرى ، حتى أنه في بعض الفقرات -كما نقل- أنه كان يغشى عليه ، والحاجب كان يقول لدعبل قف قليلاً ، لا تكمل القصيدة ، لأن الإمام كان متأثراً بهذه الأبيات إلى أن وصل إلى هذه الفقرة:
وقبرٌ ببغداد لنفس زكية *** تضمّنها الرحمان في الغرفات
نحن الموالون نسمع كلمة قبر ببغداد لموسى بن جعفر الإمام الكاظم الممتحن (ع) ، تجري عبرتنا وتتحرق قلوبنا ، فكيف بإمامنا الرضا (ع) وهو يسمع مراثي أبيه ، ولكن المصيبة بلغت هنا :
فلما انتهى إلى قوله:
وقبرٌ ببغداد لنفس زكية *** تضمّنها الرحمان في الغرفات
قال له الرضا (ع) ما مضمونه : أفلا أُلحق لك بهذا الموضع بيتين ، بهما تمام قصيدتك ؟.. فقال : بلى ، يا بن رسول الله !.. فقال(ع):
وقبرٌ بطوس يا لها من مصيبة *** توقّد بالأحشاء في الحرقات
إلى الحشر حتى يبعث الله قائماً *** يفرّج عنا الهمّ والكربات
أي أن مصائبنا تترى ولا تنقطع هذه المصائب إلى ظهور ذلك الإمام الذي سينتقم من الظالمين..
فقال دعبل : يا بن رسول الله!.. هذا القبر الذي بطوس قبر من هو ؟.. فقال الرضا (ع) : قبري ! .. ولا تنقضي الأيام والليالي حتى يصير طوس مختلف شيعتي وزوّاري ، ألا فمن زارني في غربتي بطوس كان معي في درجتي يوم القيامة مغفوراً له.
س٦/ قال الرضا ( ع) : (من زارني على بعد داري وشطون مزاري ، أتيته يوم القيامة في ثلاث مواطن حتى أخلّصه من أهوالها : إذا تطايرت الكتب يمينا ًوشمالاً ، وعند الصراط ، وعند الميزان).. حبذا لو تحدثونا عن فضل زيارة الإمام الهمام علي بن موسى الرضا (ع) ؟..
طبعاً هذه الزيارة من الزيارات التي أكدت عليها روايات المعصومين كثيراً وخاصة في العصور الغابرة حيث قل الزائرين لهذه البقعة البعيدة ، فمن المعلوم أنه في تلك الأيام كان شد الرحال إلى زيارة طوس من أشق الأمور ، لأنها تعتبر في أقصى البلاد الإسلامية ، ومن هنا أكدت الروايات على هذه الزيارة..
والملفت الذي أحب أن أركز عليه هو التأكيد على المعرفة بحقهم : قال الصادق (ع) : (يخرج ولدٌ من ابني موسى ، اسمه اسم أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام إلى أرض طوس – وهي بخراسان – يُقتل فيها بالسمّ ، فيُدفن فيها غريباً ، مَن زاره عارفاً بحقه أعطاه الله تعالى أجر من أنفق من قبل الفتح وقاتل).
والبعض يقول كيف تسمون الإمام بغريب الغرباء ، وهذه الجموع تأتي لزيارته في كل فصول العام؟..
الغربة هنا هي الغربة عن بلاده -عن مدينة جده- والغربة في ساعة استشهاده ، حيث قتل غريباً بعيداً عن ولده الجواد (ع)..
الشاهد في هذه العبارة : من زار الإمام عارفاً بحقه.. فما معرفة حقه؟..
أن يعرف الإنسان أنه إمام مفترض الطاعة يبلغ عن الله عزوجل.. ينقل أنه عندما جاء إمامنا في مقربة من أرض نيشابور ، وجاء أصحاب الأقلام وأصحاب الروايات ليسمعوا من الإمام حديث سلسلة الذهب -هذا الحديث الذي لو قرأ على مجنون لأفاق لما فيها من السلاسل الذهبية- يروي الإمام عن أبيه عن أبيه عن جده عن النبي عن اللوح عن القلم عن الله تعالى : (كلمة لا إله الله حصني ، فمن دخل حصني أمن عذابي)..
نعم في مثل هذا اليوم دخل الإمام (ع) غرفته وحيداً غريباً ، وقد سرى السم في بدنه الشريف ، كان يتململ تململ السليم ، وإذا بباب الغرفة ينفتح وإذا هو إمامنا الجواد(ع) يأتي في اللحظات الأخيرة ليودع أباه الرضا(ع)- ومن المعلوم -كما في القرآن الكريم- أن الذي جاء بعرش بلقيس كان عنده علم من الكتاب ، فما المانع أن يطوي الله تعالى الأرض لولي من أوليائه وهو الإمام الجواد (ع)- ووضع رأس والده في حجره ، إمامنا في هذه البقعة فاضت نفسه إلى بارئها..
ولكن هو الرضا (ع) يقول: (فعلى مثل الحسين فليبك الباكون ؛ فإن البكاء يحطّ الذنوب العظام)!..
هنا الوالد وضع رأسه في حجر ولده ، ولكن في يوم عاشوراء -لا يوم كيومك يا أبا عبد الله – وضع الإمام (ع) رأس ولده علي الأكبر في حجره ، ونظر إليه نظرة آيس من الحياة ، منادياً : بني علي على الدنيا بعدك العفا !.. لقد استرحت من هم الدنيا وغمها وبقي أبوك وحيداً فريداً !.. ثم نادى يا فتيان بني هاشم قوموا واحملوا أخاكم إلى الفسطاط..
نسألك اللهم بحق أوليائك!.. اللهم اشهد علينا ونحن تحت هذه السماء ، وفي جوار الرضا ، أقمنا عزاء وليك الحسين (ع) وأولاده شهرين كاملين ، وهذا اليوم يوم أخذ الجوائز العظمى والكبرى ، اجعل جائزتنا أولاً: فرج وليك الحجة بن الحسن المهدي (ص).. وثانيا:ً غفران ذنوبنا وفكاك رقابنا من النار وما ذلك عليك بعزيز!.
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.