- ThePlus Audio
في رحاب أم أبيها السيدة فاطمة الزهراء (ع)
بسم الله الرحمن الرحيم
زوايا الحديث عن الزهراء (سلام الله عليها)
للحديث عن الزهراء (ع) زوايا متعددة. من هذه الزوايا؛ سيرتها، ميلادها، نشأتها، عمرها، إلى آخره، أو ما يعبر عنه بالسيرة الذاتية. من زوايا الحديث عن فاطمة (ع)؛ فضلها، كرامتها على الله عز وجل، ألقابها، ومعنى هذه الألقاب الطاهرة كالبتول والصديقة والحوراء إلى آخره. هذه أيضا زاوية من زوايا البحث.
مصحف فاطمة (سلام الله عليها)
هنالك زاوية أخرى محزنة؛ وهي ما جرى عليها من المصائب قبل وفاة أبيها، وحين وفاة أبيها، وبعد وفاة أبيها إلى آخر ذلك. ولكن هنالك أيضا زاوية – وهي ما سنركز عليها في هذه المناسبة – وهي كلماتها الحكمية، ومصحفها الذي ذكرنا أنه ليس مصحفا في مقابل القرآن الكريم، وإنما هو معلومات أخذتها من جبرئيل مباشرةً بعدما دخل عليها من الحزن ما لم يعلمه إلا الله. فسلاها رب العالمين، وعزاها بملك الوحي جبرئيل؛ يعطيها علماً زاخراً من الله عز وجل، وفيه علم الحال، وعلم المستقبل. والذي كان يكتبه أمير المؤمنين (ع). إن المتلقية فاطمة (س) والملقي جبرئيل، والكاتب أمير المؤمنين (ع). فكم قيمة هذا الكتاب ووزنه؟
إن أئمتنا (ع) كان يدخلون في المنزل ثم يخرجون إلى أصحابهم فيقولون: قرأنا في كتاب أمنا فاطمة (س) كذا وكذا. وإن أغلى ما عند إمام زماننا (ع) من الودائع هو هذا الكتاب. إن إمامنا له مواريث الأنبياء (ع) كعصى موسى (ع) وغير ذلك، ولكن من أهم تلكم المواريث هو هذا الكتاب القيم.
رواية فاطمية عظيمة
ولا أستبعد أن تكون هذه الرواية التي هي محور حديث في كتاب فاطمة (س). إن من المناسب أن نجعل هذا الحديث الفاطمي محوراً لحديثنا في مناسبتها (ع). وهذه الرواية عربية وهي واضحة لغوياً وبلاغيا وبيانيا، فمن المهم أن نعلم ما وراء السطور وكنه هذه الروايه. عن الزهراء (ع) أنها قالت: (مَنْ أَصْعَدَ إِلَى اَللَّهِ خَالِصَ عِبَادَتِهِ)[١]ما هي النتيجة؟ قبل أن أذكر النتيجة تأملوا في مضمون الرواية: العبادة لا ترتفع إلا بالخلوص. إنها لم تقل: من أصعد إلى الله عبادته؛ فلو جئت بعمل الثقلين من الأولين والآخرين ولكن كان ينقصها الإخلاص، فإن هذه العبادة لا ترتفع من مكانها. فلا تعجب بعبادات الآخرين، وبعبادات منكري مقام فاطمة (س) وبعبادات منكري فضائل فاطمة (س)؛ فلو عبدوا الله الدهر كله لم تكن هذه العبادة مقبولة وسوف لا يكون لها وزن عند الله عز وجل.
فصعود العمل إلى السماء بيكون محركات الإخلاص. إن الطائرة بلا محرك تبقى في أرض المطار أبد الآبدين. إن الإخلاص هو الذي يحرك العبادة. ومن الذي يعلم أنك مخلص أم لا؟ لا أحد غيرك. إن هذا الإخلاث أمر في قلبك، لأن عبادة المرائي وعبادة المخلص على حد سواء بحسب الظاهر؛ بل المرائي يتقن عبادته، ويبكي في صلاته، ويتخشع في عبادته.
ما هو الإخلاص؟
إن الإخلاص سر من أسرار الله عز وجل اذا سألتني ما هو الملاك في الإخلاص؟ فلا أزعجك كثيرا في التفكير، لأنها كلمة واحدة: إن رأيت نفسك في الجمع والخلوة على حد سواء؛ فأنت مخلص. إن بعض المؤمنين – مع الأسف – تنتابه الوسوسة في الجمع فهو يقبل لظرف ما في المسجد وتأتيه الدمعة فيمنعها ويطفئ الحالة التي هو فيها، يقول: أخاف أن يكون هذا خلاف الإخلاص. أنت ما دمت بينك وبين الله؛ لا فرق في ذلك بين وجود أحد وعدم وجوده. إن من علامات الإخلاص أن تقول: يا ليتني في تلك اللحظة كنت وحيدا، ويا ليت فلان لم يرني. فإذا بكيت في هذه الحالة، ألست مخلصاً؟
جهل الإنسان مصلحته وضرورة الرجوع إلى العالم بها
والمؤمن بهذه المعرفة يترقى فتكون النتيجة في تكملة هذا الحديث الفاطمي: (أَهْبَطَ اَللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَيْهِ أَفْضَلَ مَصْلَحَتِهِ)[٢]. إ، الرواية دقيقة فالصعود يقابله الهبوط. إنك أصعدت أفضل ما عندك فيهبط لك من الله أفضل ما ينفعك. فاضرب الأخماس لأسداس، وفكر إلى الصباح؛ فإنك سوف لن تكتشف مصلحتك الواقعية. إنك تريد أن تتاجر، أو تريد أن تتزوج، أو تريد أن تزوج ولدك، أو تريد أن تؤسس مشروعاً؛ ولكن الغيب لا يعلمه إلا الله. ولهذا مهما فكرت لا تصل إلى نتيجة.
فما الحل إذا؟ قل: يا رب، أنت تولى أمري. ولهذا إنك تقول على لسان القرآن: (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ)[٣]. فإن كنت تريد زوجة صالحة؛ فإن الله بصير بالعباد، وسيسوق لك أمة صالحة. وإن كنت تريد شريكاً أميناً في عملك؛ فإن الله بصير بالعباد، يرسل لك شريكاً صالحاً، وهكذا.
ولأن الإنسان لا يعلم الغيب؛ لا يعلم مصلحته. ولهذا فإن أحدنا منذ التكليف وحتى الممات يقول في نفسه: يا ليتني لم أعمل كذا وليتني عملت كذا، لأنه مع الأيام يكتشف خطأه. ولو تمسك بالحديث الفاطمي لحلت المشكلة. يقول: يارب، أنت سددني في كل أعمالي واجعل مصلحتي في ما يجري. هكذا هو المؤمن، فحتى لو رأى الأذى يتحمل لأن الله عز وجل قدر له ذلك.
أختم حديثي بآية من القرآن متناسبة مع كلام فاطمة (ع). ماذا قالت فاطمة (س)؟ من أصعد إلى الله، وهذه الجملة تذكرنا بقوله تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ)[٤]. فإن كنت تريد العزة ارتبط بصاحب العزة. لقد ورد في الحديث القدسي: (أَنَا اَلْعَزِيزُ فَمَنْ أَرَادَ عِزَّ اَلدَّارَيْنِ فَلْيُطِعِ اَلْعَزِيزَ)[٥].
عزا بلا عشيرة
إن إمامنا المجتبى (ع) وهو الولد الأكبر لفاطمة (ع) التي يقال عنها: أم الحسن والحسين (ع)؛ كان يجود بنفسه، ويلفظ ما في جوفه دماً عبيطاً. تخيل إنساناً يجود بنفسه، ويلفظ ما في جوفه ولكنه يقول لمن عاده وهو الراوي: (إِذَا أَرَدْتَ عِزّاً بِلاَ عَشِيرَةٍ وَهَيْبَةً بِلاَ سُلْطَانٍ فَاخْرُجْ مِنْ ذُلِّ مَعْصِيَةِ اَللَّهِ إِلَى عِزِّ طَاعَةِ اَللَّهِ عَزَّ وجَلَّ)[٦]. ويبدو من الرواية أن هذه الكلمات هي آخر الكلمات الحكمية التي تلفظ بها إمامنا المجتبى (ع).
وملخص الحديث الفاطمي بالإضافة إلى الآية الكريمة والكلمة الحسنية؛ قدم لله عز وجل خالص العبادة والتقوى، والنتيجة هي إدارة شئونك من قبل رب العالمين كما يحب ويرضى.
خلاصة المحاضرة
- إن أئمتنا (ع) كان يدخلون في المنزل ثم يخرجون إلى أصحابهم فيقولون: قرأنا في كتاب أمنا فاطمة (س) كذا وكذا. وإن أغلى ما عند إمام زماننا (ع) من الودائع هو هذا الكتاب. إن إمامنا له مواريث الأنبياء (ع) كعصى موسى (ع) وغير ذلك، ولكن من أهم تلكم المواريث هو هذا الكتاب القيم.
- إنك تقول على لسان القرآن: (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) . فإن كنت تريد زوجة صالحة؛ فإن الله بصير بالعباد، وسيسوق لك أمة صالحة. وإن كنت تريد شريكاً أميناً في عملك؛ فإن الله بصير بالعباد، يرسل لك شريكاً صالحاً، وهكذا.