- ThePlus Audio
في رحاب أبي محمد الإمام الحسن العسكري (ع)
بسم الله الرحمن الرحيم
معرفة الإمام بالغيب
حديثنا هو عن إمامنا أبي محمد الحسن بن علي العسكري (ع). إن إمامنا بين وقت وآخر كان يظهر عظمة مقام الإمامة. إننا نعلم أن الغيب لا يعلمه إلا الله عز وجل، وهو الذي يعلم ما في الأرحام، ولكن هذه الأيام بإمكان المرأة الحامل أن تذهب إلى الطبيب فيكشف عليها بالأجهزة الحديثة، ويخبرها إن كانت حاملة بذكر أو أنثى. فلا منافاة بين علم رب العالمين بالغيب وبين اطلاع عباده على الغيب؛ إما من خلال جهاز كاشف أو من خلال إعلامه هو لعباده الصالحين.
فإذا سمعت رواية فيها إخبار بمقام الإمام وعلمه بالغيب؛ لا تستنكرها لأن رب العالمين يطلع على غيبه من يشاء من عباده. إن كرامات العسكريين في حياتهما كثيرة. ولعلهما أرادا بذلك أن يهيئا المقام لولدهما المهدي (ع)؛ إذ غيبته فيها كرامة وظهوره يقترن بالكرامة.
عظمة الإمام العسكري (عليه السلام)
لقد قال الإمام في تفسير آية من القرآن شيئا، جعلت السائل عن تفسير الآية يقول: (فَجَعَلْتُ أُفَكِّرُ فِي نَفْسِي عِظَمَ مَا أَعْطَى اَللَّهُ آلَ مُحَمَّدٍ وَبَكَيْتُ فَنَظَرَ إِلَيَّ وَقَالَ: اَلْأَمْرُ أَعْظَمُ مِمَّا تَحَدَّثْتَ بِهِ فِي نَفْسِكَ مِنْ عِظَمِ شَأْنِ آلِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ)[١]. وهنا لا بد من ملاحظة سريعة حول البكاء على أهل البيت (ع). تارة يكون بكائنا على مصائب أهل البيت (ع)، وتارة يكون بكائنا شوقاً إليهم، وتارة يكون بكائنا لما وقع من الظلم عليهم. وقد بكي الرواي متألما؛ إذا كيف يحبس الإمام بهذا المقام في محلة في سامراء مثلاً، وكيف يضيق عليه.
رمي الإمام الهادي (عليه السلام) في بركة السباع
وقد يعلم البعض أن الإمام الهادي (ع) قد رمي به في بركة السباع لتأكله. وعندما كنت في سامراء مع المسئولين على الحرم الشريف قال لي أحدهم وقد أشار إلى نقطة معينة: هذه بركة السباع التي اكتشفناها قريبا، فهناك قرائن تدل على أن هذه هي البركة. لقد وصل الأمر بهؤلاء، ووصل الظلم إلى درجة يقدم الإمام (ع) طعمة للسباع. وكان ذلك بالطبع جهلاً من الظلمة لأنهم لا يعلمون أن هؤلاء أولياء الخلق من الجن والإنس وغير البشر.
ثم بين الإمام (ع) للرواي ما دار في نفسه وقال له: إنك لا تعلم من مقاماتنا الكثير، إن الأمر أعظم مما حدثتك به نفسك. ثم يطلب من الراوي أن يشكر الله على هذه النعمة بقوله: (فَاحْمَدِ اَللَّهَ أَنْ جَعَلَكَ مُتَمَسِّكاً بِحَبْلِهِمْ تُدْعَى يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ بِهِمْ إِذَا دُعِيَ كُلُّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ)[٢]. وهنيئا لنا نحن الذي نحشر يوم القيامة تحت راية ولده المهدي (ع).
شفقة الإمام بالشيعة
إن إمامنا (ع) كان في منتهى الشفقة بشيعته ومحبيه. وهذه الشفقة ليست خاصة بأيام حياتهم. فإذا زرت الإمام(ع) وتأذيت في السفر وأصابك حر أو برد أو جوع أو عطش؛ فهذا كله بعين الإمام. ولهذا من يذهب لزيارة الحسين (ع) مشياً تتورم قدماه أو يرجع من السفر ببعض الأمراض يكون بعين الله وعين وليه، وسيعوضك خيراً.
كرامة الإمام العسكري (ع) في بيان ما في ذهن الرواي من الغلو وتصحيح ذلك
يقول الراوي: (كُنْتُ أَقُولُ فِيهِمْ قَوْلاً عَظِيماً فَخَرَجْتُ إِلَى اَلْعَسْكَرِ لِلِقَاءِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَدِمْتُ وَعَلَيَّ أَثَرُ اَلسَّفَرِ وَوَعْثَاؤُهُ فَأَلْقَيْتُ نَفْسِي عَلَى دُكَّانِ حَمَّامٍ فَذَهَبَ بِيَ اَلنَّوْمُ فَمَا اِنْتَبَهْتُ إِلاَّ بِمِقْرَعَةِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَدْ قَرَعَنِي بِهَا حَتَّى اِسْتَيْقَظْتُ فَعَرَفْتُهُ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ فَقُمْتُ قَائِماً أُقَبِّلُ قَدَمَهُ وَفَخِذَهُ وَهُوَ رَاكِبٌ وَاَلْغِلْمَانُ مِنْ حَوْلِهِ فَكَانَ أَوَّلُ مَا تَلَقَّانِي بِهِ أَنْ قَالَ يَا إِدْرِيسُ بَلْ عِبٰادٌ مُكْرَمُونَ لاٰ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ)[٣]؛ أي إن ما في نفسك من الاعتقاد حسن، ولكننا عباد لله عز وجل. فاجمع بين عبوديتنا له وبين كرامتنا عليه. وهكذا نبهه إمامنا (ع) على هذه الحقيقه.
من وصايا الإمام العسكري (عليه السلام)
ومن وصاياه (ع) التي إن عملنا بها كنا من متبعيهم وإلا فلا يكفي الحب المجرد. لقد روي عن العسكري (ع) أنه قال: (مِنَ اَلذُّنُوبِ اَلَّتِي لاَ تُغْفَرُ قَوْلُ اَلرَّجُلِ لَيْتَنِي لاَ أُؤَاخَذُ إِلاَّ بِهَذَا)[٤]؛ أي يحتقر المعصية. فمثلا يكذب ويمزح كذباً ويغتاب أحداً، فتقول له: يا فلان، كف عن ذلك، فيقول لك: هل هذه المعصية ستدخلني النار، وأنا صاحب الصلوات وغيرها؟ إنه لا ينظر إلى عظمة المعصية، وقد روي: (إِذَا وَقَعْتَ فِي مَعْصِيَةٍ فَلاَ تَنْظُرْ إِلَى صِغَرِهَا وَلَكِنِ اُنْظُرْ مَنْ عَصَيْتَ)[٥]. وفي عرف الدول؛ من يجتاز الحدود يطلق عليه النار سواء تجاوز متراً أو ميلاً. وهكذا أنت بالمعاصي قد تجاوزت الحدود الإلهية، وكنت متسللاً. إن الإمام العسكري (ع) ينبهنا على هذه الحقيقة؛ ألا نحتقر ذنباً أبداً.
إن بعض الناس تستهويه العبادة ويصبح من حمائم المسجد كما يقال، ولا يفوت جماعة ولا قيام ليل، ويظن بذلك أنه قد وصل إلى الكمال. إن هذا جيد إن خلي من الرياء والعجب. ولكن هناك شق آخر يشير إليه إمامنا العسكري وهو أن نفكر في المخلوقين وأن كون من أهل المعروف لا من أهل العبادة فقط، يقول (ع): (إِنَّ فِي اَلْجَنَّةِ لَبَاباً يُقَالُ لَهُ اَلْمَعْرُوفُ لاَ يَدْخُلُهُ إِلاَّ أَهْلُ اَلْمَعْرُوفِ)[٦]. وهنيئاً لمن جمع بين الأمرين، في الليل هو بين يدي ربه يبكي خشيةً، وفي النهار يقضي حوائج العباد. وبكلمة جامعة – ختامه مسك – يكون كما قال إمامنا في مناجاته: (فَنَاجَيْتَهُ سِرّاً وَعَمِلَ لَكَ جَهْراً)[٧]؛ فالقلب مشغول بعظمة الخالق ولكن في مقام العمل يخدم المخلوقين.
خلاصة المحاضرة
إن إمامنا العسكري (ع) كان في منتهى الشفقة بشيعته ومحبيه. وهذه الشفقة ليست خاصة بأيام حياتهم. فإذا زرت الإمام(ع) وتأذيت في السفر وأصابك حر أو برد أو جوع أو عطش؛ فهذا كله بعين الإمام. ولهذا من يذهب لزيارة الحسين ع مشياً تتورم قدماه أو يرجع من السفر ببعض الأمراض يكون بعين الله.