طبيعة الدنيا..
إن رب العالمين جعل الدُنيا محدودة في إمكاناتها، لذا هُناكَ تنازع حول المال، وحول الحُكم، وحولَ الرئاسة.. فالإنسان لهُ مبتغيات كثيرة في هذهِ الحياة الدُنيا؛ ولكنهُ لا يحقق إلا القليل مما يحبُ ويرضى.. هُنا يأتي دور البلاء والمحن، وأئمة أهل البيت -عليهم السلام- أسوةً بجدهم المصطفى -صلى الله عليه وآله- تجرعوا غليظَ المحن.. فالإمام موسى بن جعفر (ع) -الذي هو ابن الإمام الصادقِ (ع) وحفيد الباقر (ع) اللذينَ ثُنيت لهما الوسادة في مدينة رسول الله -صلى الله عليه وآله-.. حيث أن مئات المُحدثين كانوا يتحلقون حول الإمامين الصادقين (ع) في مسجد النبي -صلى الله عليه وآله-، ولولا الصادقان (ع) لابتلينا بالفقر الحديثي في تراث الإمامية- هذا الإمام بدلاً من أن يكون في مسجد جدهِ رسول الله -صلى الله عليه وآله-، وبدلاً من أن يكون على كُرسي الفُتيا والعلم والتدريس كأبويه؛ وإذا بهِ في سجون الظالمين، يُنقلُ من سجنٍ إلى سجن، إضافة إلى التعذيب الذي تعرضَ لهُ إلى أن قُتلَ مسموماً شهيداً.. هذهِ هي طبيعة الدُنيا: رب العالمين ما تركَ نبياً ولا ولياً ولا وصياً؛ إلا ابتلاه.
أنواع البلاء..
إن المؤمن يستعد للفتن والبلاء، فالإنسان أيام شبابهِ قد يعيش شيئاً من الصحةِ والعافية، وأنس الحياة الزوجية.. ولكن مع الأفول التدريجي للصحة والعافية، وتقدم العمر؛ فإن هُناك بلاءين يحلان بالإنسان من سن الخمسين فما فوق:
أولاً: ضعف القوى الشهوية.. فالإنسان المتقدم في السن، ليست لهُ لا شهية في الطعام، ولا شهيةُ النساء، كشابٍ في العشرينِ مثلاً.
ثانياً: العوارض البدنية.. إن هذا البدن كأي دابة تنتابه الأعراض والأمراض.. وربما قليل ممن هم في سن الخمسين، لا يشتكون من ألمٍ في بدنهم.
هذا بالإضافة إلى البلاءات الاستثنائية: في مالهِ، وفي أهلهِ، وفي ولده.. يكفي هذان العارضان؛ أي ضعف القوى من ناحية، وتوارد البلاء من ناحية.. وكُلما امتدَ بهِ العُمر، تكثر عليهِ البلاءات والفتن، إلى أن يتوفاه الله عز وجل.
كيف نواجه البلاء؟..
إن آية الاسترجاع التي تقراً عادةً في المصائب والمحن: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}؛ من الآيات المظلومة في القرآن كباقي القًرآن الكريم.. فيوم القيامة القُرآن يشتكي، والمساجد أيضاً تشتكي من عدمِ توقيرهما حق التوقير.. هذهِ الآية لها سابقة ولها لاحقة، فالقُرآن كالحلقات المتشابكة؛ لابدَ أن تقرأ الآيات بشكل متكامل.. فالآيتان السابقتان هما:
١- {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ}.. فمعنى الآية -كما في تفسير الميزان-: “-و الله أعلم- ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات، ولا تعتقدوا فيهم الفناء والبطلان كما يفيده لفظ الموت عندكم، ومقابلته مع الحياة، وكما يعين على هذا القول حواسكم، فليسوا بأموات بمعنى البطلان، بل أحياء ولكن حواسكم لا تنال ذلك ولا تشعر به”.. فالذي لا يتعامل مع النبي -صلى الله عليه وآله- مُعاملة الحي؛ هذا لا يشعر ولا يفهم؛ لأنَ النبي -صلى الله عليه وآله- لم يمت، بل انتقل من مكانٍ إلى مكان.. فلو كانَ النبي ميتاً، لعاملناهُ مُعاملة الحجر والمدر.. ولكن النبي تركَ هذا البدن الأرضي، وانتقلَ إلى مقعدِ صدقٍ عندَ مليكٍ مُقتدر.
٢- {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}.. إن الآيات محكمة السبك، فمن يستوعب هذهِ الآية سيكون مطعماً بطعمٍ لا يمكن أن يؤثر فيهِ بلاء؛ لأن البلاءات هيَ عبارة عن هذهِ الأمور التي ذكرها القرآن الكريم: {وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ}.. فأي نقصٍ في الحياة، تنطبقُ عليهِ هذهِ العناوين الثلاث.. كأن الآية تُريد أن تقول: -والله العالم- أنهُ إن كانَ ولابد من البلاء، فهنيئاً لمن كانَ آذاهُ في سبيل الله عز وجل!.. البعض تكون ميتته في حادث سير، كميتة المقاتل في الجبهات.. فموت المقاتل على الجبهات يكون تارة: بانفجار قذيفة فلا يعلم مرارة الموتِ أبداً، إن كانَ شهيداً وهو جالس وإذا بهِ ينتقل إلى أحضان الحور العين.. وتارة بإصابته بجروح، أو بشظية، أو برصاصةٍ، فلا مسعف ولا معين فينزف إلى أن يموت.. وهذهِ أصعب ميتة، لأنه لا يموتُ مباشرة، بل يعاني من ألم الجراح والنزيف، وترقب الموت في كُلِ لحظة.. هذهِ الميتة يعيشها بعض من يُبتلى بحادث سير؛ فينزف إلى أن يموت في سيارته، ولا يستطيع أحد إخراجه منها.. هذهِ ميتة وهذهِ ميتة، ولكن شتانَ بينَ الميتتين!.. هذا عندما تُسكب أول قطرة دم من شهيد، رب العالمين يتجاوز عن كُلِ سيئاته، إلا حقوق الناس، ولكن أيضاً رب العالمين يُرضي خصومه كما يشاء!..
وعليه، فإن المؤمن لسانُ حالهِ: يارب، إن كانَ ولابدَ من البلاء، فاجعل بلائي قُربة إليك: (اللهم!.. لا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا آخر همنا، ولا مبلغ علمنا).. فرقٌ بين أن يُبتلى الإنسان؛ لأنهُ قالَ: الله ثُمَ استقام {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا}.. وبين إنسان يُبتلى بضررٍ من تقصيرهِ، ومن عدمِ تدبيرهِ في الحياة.. فإذن، إن هؤلاء الذينَ قُتلوا في سبيل الله، أصابهم البلاء؛ ولكن نعمَ البلاء!..
تحمل الشدائد..
إن الذي يُريد حياة مخملية حريرية؛ هذا الإنسان يخيبُ ظنه.. تقول الآية: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ}: اللام لام التأكيد، والنون نون التأكيد.. فالشاب الذي تربى في بيئةٍ مترفة، عندما يواجه أول أزمة في الحياة؛ ينهار لأنهُ لم يكن متعوداً على الأزمات.. ولكن نرى بعض أولاد الفقراء، وبعض الأيتام؛ عباقرة ومتفوقين؛ لأنهم تحملوا ما تحملوا منذُ نعومة أظفارهم.. عن علي (ع) أنه قال: (ألا وإن الشجرة البرية؛ أصلب عودا!.. والروائع الخضرة؛ أرق جلوداً!.. والنباتات البدوية؛ أقوى وقوداً، وأبطأ خموداً)!.. شجرة البر أين، وأشجار الزينة أين؟.. شجرة الزينة إذا لم تُسقَ لمدة يوم أو يومين؛ فإنها تذبل.. ولكن انظروا إلى شجر النخيل في الشوارع، في قمة حر الصيف؛ وهُنَ باسقات!.. المؤمن لهُ هذهِ الحالة من تحمل الشدائد، بل توقع الشدائد!..
الصدق في النطق..
{الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}.. عندما يكون هناك إنسان مصاب بنزيف، فإن الإسعاف الأولي هو تضميد جراحهُ فوراً.. وكذلك فإنه عند وقوع المصيبة، فإن الذي يُهدّئ الإنسان المؤمن، وحتى غير المؤمن إن كانَ عاقلاً؛ أن لا يرى نفسهُ مالكاً لشيء في هذه الدنيا: فهذا البدن مخلوقٌ للهِ -عزَ وجل- ورب العالمين أرادَ أن يبتليه بما يشاء من الأمراض.. والولد ملكٌ للهِ -عزَ وجل- فهو الذي صورنا في الأرحامِ كيفَ يشاء، وهو الذي أعطى وهو الذي أخذ.. إن هذا الاعتقاد يجعل الإنسان يرتاح!.. ولكن ما معنى {قَالُواْ}؟.. هل فقط يأخذ سبحة ويقول مائة مرة: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} وعندما يتألم يقول مائة مرة: (لا حول ولا قوة إلا بالله)؛ هذا القول هو المؤثر، أم أن هُناك ما وراء القول؟.. صاحب تفسير الميزان عندما يصل إلى {قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ} في كلمة جامعة مانعة، يقول: “ومن المعلوم: أن ليس المراد بالقول مجرد التلفظ بالجملة من غير حضور معناها بالبال، ولا مجرد الإخطار من غير تحقق بحقيقة معناها.. وهي أن الإنسان مملوك لله بحقيقة الملك، وأن مرجعه إلى الله -سبحانه-، وبه يتحقق أحسن الصبر؛ الذي يقطع منابت الجزع والأسف، ويغسل رين الغفلة”.. أي لا اللفظ ولا التصور الذهني، بل هُناكَ حقيقة.. فالإنسان عندما يقول: (لا إلهَ إلا الله)؛ عليهِ أن يعيش معنى التوحيد والانقطاع، ومالكية الله -عزَ وجل- لكُل ما في هذا الوجود.. وهذا القانون يجري في كُل الأذكار!.. في دُعاءِ كُميل يقول: (…وَاِلـهي وَمَوْلايَ!.. اَتُسَلِّطُ النّارَ عَلى وُجُوه خَرَّتْ لِعَظَمَتِكَ ساجِدَةً، وَعَلى اَلْسُن نَطَقَتْ بِتَوْحيدِكَ صادِقَةً)؟!.. حيث أن هُناكَ من ينطق بالتوحيد، ولكنهُ غيرُ صادق.. فإذن، إن النطق بالتوحيد لا يحلُ المشكلة، حلُ المشكلة إنما يكون بالصدقِ في النطق.
جزاء الصبر..
{أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}.. هذه الآية هي الآية اللاحقة لآية الاسترجاع، وهي تتحدث عن جزاء الذينَ قالوا: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}؛ فهنيئاً لمن أُعطيَ هذا الجزاء!.. لا تنسوا بأنَ اللهَ -عزَ وجل- من صفاتهِ ومن شؤونهِ في كُلِ لحظة {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}.. رب العالمين يُعامل المُبتلى: بماله أو ببدنهِ؛ معاملتهُ لحبيبه المُصطفى -صلى الله عليه وآله-.. رب العالمين يصلي على النبي، ويُصلي على أهل البلاء.. وكل من أُصيب بنقصٍ في مالهِ أو في ثمراته؛ هو من أهل البلاء.. إذن، {أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ}، لا الصلوات فحسب!.. بل {وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}.. كانَ بالإمكان أن يقول: وأولئكَ هم الذينَ اهتدوا، ولكنه قال: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}؛ أي هؤلاء وصلوا إلى المنزل، وليسوا في الطريق.. هؤلاء لا يمشون ويعلمون أينَ الطريق؛ بل دخلوا الدار، ووصلوا إلى لقاء المولى جلَ اسمه.
الاستعانة بالصلاة..
إن آية: {وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ}، بشكل عام تُعطينا حلاً في البلاءات.. وفي آيةٍ أخرى أيضاً: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}.. هذهِ المعية معية التأييد، لا المعية التكوينية، يقول تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ}.. فالمؤمن عندما يصاب بمصيبة، يفزع إلى الصلاة كدأبِ أئمة أهل البيت -عليهم السلام-، كانوا إذا أهمهم أمر، فزعوا إلى الصلاة، فقد روي (أنّ رسول الله -صلى الله عليه وآله- كان إذا حزبه أمرٌ، فزع إلى الصلاة).. وعن الإمام الصادق -عليه السلام- أنه قال: (إذا نزل بك أمر فافزع إلى رسول الله -صلى الله عليه وآله- وصلّ ركعتين، تهديهما إلى رسول الله -صلى الله عليه وآله-)؛ الفزعُ إلى الصلاة أي إلى رب الصلاة.. وكذلك المؤمن يلجأ إلى الدعاء: (يا من تُحلُ بهِ عُقد المكاره).. نحنُ عادةً ننفّس هذهِ البلية: إما بالذهاب إلى المطاعم، أو بالسفرِ إلى بعض الدول الجميلة، أو بالحديثِ مع زيدٍ وعَمرو؛ هكذا!.. الإنسان عندما يكون في محنة، ودموعه في عيونه، بإمكانه أن يبكي بيسرٍ وسهولة.. لذا فإنه من الأفضل له أن يفرّغ هذهِ الحالة الباطنية مع رب العالمين: فيقوم في جوف الليل، أو في ساعة المصيبة، أو وهو على فراش المرض، أو في السجن؛ في أي مكان وفي أي حال، يستطيع أن يصلي ركعتين بين يدي الله -عزَ وجل-.. فرحمةُ الله قريبةٌ من المبتلى، ورب العالمين يحب أن يسمع صوته.. فإذن، هذا البشارة لمن كانَ من الصابرين!..
بشرى لأهل البلاء..
الرواية الأولى: يقول الإمام الباقر -عليه السلام-: (إنّ الله -عزّ وجلّ- لَيتعاهد المؤمن بالبلاء، كما يتعاهد الرجل أهله بالهدية من الغيبة.. ويحميه الدنيا، كما يحمي الطبيب المريض).. فالرجل عندما يأتي من السفر يقدم تحفة لأولاده، كذلك رب العالمين يتحفُ المؤمن بالبليةِ من عنده.. بعض الأوقات الطفل يبكي بكاءً مريراً، يُريدُ قطعةً من الحلوى التي بيدِ أبيه، والأبُ يعلم أنَ هذهِ القطعة تضرهُ، فيبكي ويصيح وهو لا يُبالي؛ شفقةً وحُباً ورأفةً به.. وكذلك فإن عدم استجابة الله -عز وجل- لعبده لا لإعراض عنه؛ وإنما لشفقتهِ وحُبهِ لعبده.
الرواية الثانية: يقول الإمام الصادق -عليهِ السلام-: (إنه ليكون للعبد منزلة عند الله، فما ينالها إلا بإحدى الخصلتين: إما بذهاب ماله، أو ببلية في جسده).. هذا المقام لا يُعطى جُزافاً!.. هذا المقام لا يُعطى عندَ النومِ على الحرير، وأكل الطيباتِ من الرزق، والجلوس مع النساء؛ هذا المقام يُعطى لصاحب إحدى خصلتين: أما بذهابِ مالهِ كله أو بعضه، أو ببليةٍ في جسده.. والحديث المعروف عن سيد الشهداء -عليه السلام- (يا حسين!.. أخرج فإن الله قد شاء أن يراك قتيلاً).. فالحسين -عليه السلام- لهُ مرتبة ومنزلة عندَ الله -عز وجل- لا يَنالها إلا بالشهادة.. وهذا القانون يجري على جميع المؤمنين والمؤمنات.. فهنيئاً لمن ابتلي بهذا البلاء!.. ولكن بشرط الصبرِ عليه!..
الصبر..
إن الناس أصناف: فهناك من يجزع عند المصيبة، فهذا لا ينال أجراً في الآخرة، ولا يكسب مقاماً في الدُنيا.. وهُناك قَومٌ يصبرون على مضض، ولو فتحتَ سويداءَ قلوبهم، لوجدتهم يقولون: يا رب، ليتك لم تبتلنا بهذا البلاء، ليتكَ صرفتهُ عنا!.. ولكن تأدباً واحتراماً لمقام الربوبية لا يتلفظُ بذلك، هذا جيد!.. ولكن الممتاز: ذلكَ الذي لا يجزع، وذلكَ الذي يصبر، وذلك الذي يرضى بما قَسمَ اللهُ -عزَ وجل- لا يُريدُ سوى ذلك، وشعاره: (إن لم يكن ما تُريد، فأرد ما يكون)!..
إن البلاء هو سُنة الأمم السابقة، ولكن المتوقع من أُمة المصطفى -صلى الله عليه وآله- ما لا يتوقع من الأُمم السالفة؛ فهؤلاء: ما بعثَ فيهم النبي الخاتم، وما أتحفوا بأئمة اثني عشر، وما أعطوا الكتاب الخالد القُرآن الكريم، ومعَ ذلك يقول رب العالمين: {أمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ}.
الخلاصة:
١- إن رب العالمين جعل الدُنيا محدودة في إمكاناتها،فالإنسان لهُ مبتغيات كثيرة في هذهِ الحياة الدُنيا؛ ولكنهُ لا يحقق إلا القليل مما يحبُ ويرضى.
٢- إن المؤمن يستعد للفتن والبلاء، و لسانُ حالهِ: يارب، إن كانَ ولابدَ من البلاء، فاجعل بلائي قُربة إليك.
٣- إن الذي يُهدّئ الإنسان عند وقوع المصيبة،أن لا يرى نفسهُ مالكاً لشيء في هذه الدنيا، فيعيش معنى التوحيد والانقطاع، ومالكية الله -عزَ وجل- لكُل ما في هذا الوجود.
٤- أن الله جل وعلا جعل جزاء الصبر{أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} أي هؤلاء وصلوا إلى المنزل، وليسوا في الطريق.. بل دخلوا الدار، ووصلوا إلى لقاء المولى جلَ اسمه، وهنيئا لمن أعطي هذا الجزاء.
٥- الإنسان عندما يكون في محنة،بإمكانه أن يبكي بيسرٍ وسهولة.. لذا فإنه من الأفضل له أن يفرّغ هذهِ الحالة الباطنية مع رب العالمين، فرحمةُ الله قريبةٌ من المبتلى، ورب العالمين يحب أن يسمع صوته.
٦- إن من الناس من يصبر على البلاء على مضض تأدباً واحتراماً لمقام الربوبية، هذا جيد!.. ولكن الممتاز: ذلكَ الذي لا يجزع، وذلكَ الذي يصبر، وذلك الذي يرضى بما قَسمَ اللهُ -عزَ وجل- لا يُريدُ سوى ذلك.
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.