- ThePlus Audio
فقه التعايش المجتمعي
بسم الله الرحمن الرحيم
لا ينحصر الفقه على تكليف الإنسان بما هو فرد بل يُنظر في بعض الأحيان إلى الإنسان بما هو فرد ضمن مجتمع بشري إذ تكون الخطابات الشرعية متعلقة تارة بأفعال المكلفين بما هم أفراد وتارة أخرى بما هم مجتمع عليه تكاليف شرعية من وجوب ونهي واستحباب وكراهة، وهذا يمكن ملاحظته في حياتنا اليومية من أمثال الواجبات الكفائية كتجهيز الميت والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لتشمل في النهاية جوانب مهمة من مسائل الحياة تتعلق بالجانب الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للفرد والأمة؛ بل تتعدى حركة الفقه هذه الدائرة لتشمل مجالات التعامل مع الدول والملل وغير ذلك من مفردات الحياة البشرية.
وكل ذلك يحتاج الى فقه شامل يستوعب كل تلك المسائل مستمداً قراره وبيانه من مصادر التشريع الأساسية من قرآن وسنة وعقل وإجماع وكذلك إلى فقيه ملم متمرس وعالم متخصص ضمن هذه النظرة العمومية للفقه الإسلامي الشاملة لكل نواحي الحياة كما تقدم من سياسة أو اجتماع و…
والذي نريد تسليط الضوء عليه في كلامنا بشكل خاص بدارسة فقهية وموقف الإنسان شرعاً منه؛ هو ما يختص بالتعايش المجتمعي من خلال دراسة اللقاءات العامة والخاصة بين بني الإنسان في الأسرة على نحو الخصوص كرحم متواصل والمجتمع على نحو العموم كمجموع بشري إنساني بغض النظر عن المعتقد والعرق واللسان والانتماء لبلد دون آخر.
ولكي يكون الإنسان على مستوى المسؤولية الشرعية الكاملة تجاه المسائل المتقدمة والمتعلقة بالنوع الإنساني، لا بدّ له أن يكون على مستوى عالي من الوعي الذي يؤهله لإستيعاب معتدٍ به لفقه الحياة ودرجة من الفقاهة تعكس نظرة الشريعة السمحاء ملماً بالقواعد الأساسية للشريعة في مثل هكذا مجالس من خلال التعرف على الموقف الشرعي لضبط اللقاءات المختلفة لبني البشر بإختلاف متعلقاتها… وسنذكر بعض هذه القواعد، لما لها من مساهمة كبيرة في تقليل نسبة الحرام في حياة الإنسان المؤمن.
قواعد التعايش المجتمعي
لابدَّ للإنسان لتنظيم حياته مع الآخرين من أبناء نوعه وإخوانه في الدين من قواعد يسير عليها ويعتمدها دستوراً رسميا لتنظيم تلك العلاقات وما يتخللها من لقاءات وإجتماعات ويمكن أن نسميها بالقواعد المجتمعية التي يجب على الإنسان أنْ يلاحظها كي يستطيع أنْ يتعايش مع أفراد نوعه من دون أن يؤثر ذلك على دينه وآخرته من خلال توجيه ضابط الشرع وجعله ميزاناً في ذلك، ومن تلك القواعد:
تحديد نوع مجلس اللقاء
المجالس سواء كانت فردية أم مجتمعية، لا بدَّ أنْ تُدرس طبيعة تلك المجالس قبل الذهاب والإندماج فيها، فإن كان المجلس من النوع الذي يحتمل فيه مظنة الحرام ووقوع الإنسان به، فهنا عليه أنْ يعدَّ العدة، بمعنى أنه قبل أنْ يذهب إلى ذلك المجلس، يبني على أنْ يعقد العزم بالتصدي لكل منكر قد يورطه يوم القيامة كالغيبة والتهمة والنميمة والتعريض بإنسان مؤمن وهتك حرمته…، فيجب على الإنسان المؤمن أنْ يكون حازماً وجازماً في مواجهة المنكر، حتى أنّه في بعض الفتاوى (في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) أنَّ الإنسان إذا لم يحتمل التأثير – من ناحية يسقط عنه واجب النهي عن المنكر- ولكن يرى البعض ولو احتياطاً وجوبياً أنْ يبدي الاستياء في ذلك المجلس.
قصد القربة
قبل كل شيء لابدَّ للإنسان المؤمن من قصد القربة في زياراته ولقاءاته، فإنَّ من يزور أخاه المؤمن متقرباً إلى الله، فهو زور الله؛ أي زائر الله حتى يرجع، كما أن الكعبة من شؤون الله تعالى، فمن زار الكعبة كأنما زار الله تعالى، فإنَّ المؤمن أشرف من الكعبة فكأنه زار الله تعالى ايضاً[١].
الحرص على قدسية الوقت ومعرفة قيمته وتجنب الإسراف
من الآثار السلبية التي يمكن أنْ تؤدي إلى ضياع فرص ثمينة في الحياة هو التلاعب بالوقت الذي هو رأس مال الإنسان وضياعه فيما لا يرضي الله وما لا فائدة فيه كالملاهي المحرمة أو الغير نافعة، لكن ما نريد أنْ نبينه هنا ضمن النظرة الشمولية الواسعة لفقه الحياة، هو التعامل بحرص ودقة مع الوقت حتى في الأمور الراجحة والمحببة لدى الشارع المقدس والإقتصار فيها على المقدار الكافي بالشكل الذي يحافظ على إنجاز أعمال الخير من دون نقص أو خلل، فانَّ من أغلى عناصر هذا الوجود ساعات عمر الإنسان، فالزيادة عن الوقت اللازم لإنجاز فعل خير هو لهو وهدر للعمر، كما أنه في عالم الإنفاق يقال بأنَّ الزيادة في الإنفاق في موضع الإنفاق يسمى إسرافاً، كذلك إعطاء مساحة من العمر للغير زيادة عن اللزوم أيضاً يسمى إسرافا في العمر.
المجلس مدرسة
من القواعد المهمة التي يجعلها المؤمن نصب عينه هو كون مجالس الإخوان حلقات درس متنوعة وواحة غناء مثمرة يقطف منها دروساً تعينه في حياته فالسعيد من اتعظ بغيره واتعظ قبل أنْ يوعظ، ولا بدَّ للإنسان المؤمن أنْ يحول مجلسه ومجالسته إلى دروس حياة نافعة لنشر ثقافة إسلامية واعية، فلو جالس أهل العلم ولم يكن منهم سألهم ليتعلم وإنْ كان منهم بذل علمه ليُعلم؛ لأنَّ منع الحكمة لأهلها ظلم لأهل الحكمة، كما إنَّ إعطاء الحكمة لغير أهلها ظلم للحكمة، وبذلك تكون هذه المجالس زاده في طريق الآخرة.
أمانة المجالس
إنَّ الإنسان قد يسمع سرا في مجلس قد لا يحب صاحبه أنْ يشاع ذلك السر فعليه بالكتمان، وقديما قالوا كل سر جاوز الإثنين شاع، كل علم ليس في القرطاس ضاع.
الإستغفار
وأخيرا عندما يقوم من المجلس يستغفر ربه من الأخطاء المحتملة قائلاً: (سُبۡحَٰنَ رَبِّكَ رَبِّ ٱلۡعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَٰمٌ عَلَى ٱلۡمُرۡسَلِينَ وَٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ)[٢].
خلاصة المحاضرة
- لا ينحصر الفقه على تكليف الإنسان بما هو فرد بل يُنظر في بعض الأحيان إلى الإنسان بما هو فرد ضمن مجتمع بشري.
- وذلك يحتاج الى فقه شامل يستوعب مسائل الحياة مستمداً قراره وبيانه من مصادر التشريع الأساسية من قرآن وسنة وعقل وإجماع وكذلك إلى فقيه ملم متمرس وعالم متخصص ضمن هذه النظرة العمومية للفقه الإسلامي الشاملة لكل نواحي الحياة كما تقدم من سياسة أو اجتماع.
- والذي نريد تسليط الضوء عليه هو ما يختص بالتعايش المجتمعي من خلال دراسة اللقاءات العامة والخاصة بين بني الإنسان.
- وسنذكر بعض القواعد، لما لها من مساهمة كبيرة في تقليل نسبة الحرام في حياة الإنسان المؤمن.
- قواعد التعايش المجتمعي.
- أولاً: تحديد نوع مجلس اللقاء.
- لابدَّ أن تُدرس طبيعة المجالس قبل الذهاب والإندماج فيها من كونها نافعة أو ضارة.
- ثانياً: قصد القربة.
- ثالثاً: الحرص على قدسية الوقت ومعرفة قيمته وتجنب الإسراف.
- رابعاً: المجلس مدرسة.
- خامساً: أمانة المجالس.
- سادساً: الإستغفار.