• ThePlus Audio
Layer-5-1.png

فقرات من دعاء الافتتاح كأنك لم تقرأها من قبل…!

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة عن الدعاء قبل شرح دعاء الافتتاح

من الأمور التي لا يغفل عنها المؤمن الألمعي، التأمل في مضامين الأدعية التي يتقرب بها إلى الله عز وجل ويطلب بها حوائجه ويرجو بها فضل الله عز وجل ورحمته. لا ينبغي أن يتعامل أحدنا مع ربه كما يتعمل مع المخلوقين. فإذا ذهب المريض إلى طبيب وأخبره الطبيب بأنه لا أمل له في الحياة وأنه لا علاج لما ابتلي به من مرض، فسرعان ما ييأس، ولكن الله سبحانه لا يُعجزه شيء في السماوات ولا في الأرض وخزائنه بين الكاف والنون.

إنني أحيانا أقدم بعض الآيات الشريفة بين يدي دعائي كقوله عز وجل: (فَٱنظُرۡ إِلَىٰٓ ءَاثَٰرِ رَحۡمَتِ ٱللَّهِ كَيۡفَ يُحۡيِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَآۚ)[١]، وأتأمل في مضامين هذه الآية الشريفة. انظر إلى عجيب صُنع الله عز وجل في هذه الأشجار التي يمر عليها الصقيع والثلج فتراها خُشبا يابسة لا يُرجى منها حياة ولكن بمجرد حلول الربيع وهبوب نسماته، تخضر الأوراق وتُزهر ويخرج منها تلك الثمار اللذيذة. أليس الذي أحياها بقادر على أن يقضي حاجتي التي تصغر أمام هذا الإحياء؟ أليس هو القائل عز من قائل: (وَهُوَٱلَّذِي يُنَزِّلُ ٱلۡغَيۡثَ مِنۢ بَعۡدِ مَا قَنَطُواْ وَيَنشُرُ رَحۡمَتَهُۥۚ وَهُوَٱلۡوَلِيُّ ٱلۡحَمِيدُ)[٢]، وهو الذي (يُحۡيِ ٱلۡعِظَٰمَ وَهِيَ رَمِيمࣱ)[٣]؟ إنها ونظائرها من الآيات في سياق بيان القدرة الإلهية. فقل: يا رب، أعطني حاجتي التي هي دون إحياء الأرض الميتة وكن على ثقة بالقدرة الإلهية واطمئن إلى ذلك.

فلا تيأس من روح الله عز وجل في حال من الأحوال واعلم أن الذي وضع القانون يلغيها إذا أراد. أما ترى في الدنيا يضع الوزير قانونا فيأتي أحدهم إلى الوزير فيستثنيه من القانون مهمشا على كتابه؟ إنه الواضع والرافع. هل يشك أحد في أن النار محرقة؟ بالتأكيد إنها كذلك وهي محرقة في كل مكان من هذا العالم؛ ولكن عندما وصل الأمر إلى أن يحترق بالنار إبراهيم الخليل (ع) قال عز من قائل لهذه النار: (كُونِي بَرۡدࣰا وَسَلَٰمًا عَلَىٰٓ إِبۡرَٰهِيمَ)[٤]. ويُقال في تفسير هذه الآية الشريفة؛ أن الله سبحانه لو لم يقل: سلاما، لتأذى إبراهيم من برودة تلك النار.

لماذا تفر من الله عز وجل؟

من الفقرات البليغة في دعاء الافتتاح والتي لو تأمل فيها المتأمل استحى من نفسه قوله (عج): (يَا رَبِّ إِنَّكَ تَدْعُونِي فَأُوَلِّي عَنْكَ وَتَتَحَبَّبُ إِلَيَّ فَأَتَبَغَّضُ إِلَيْكَ وَتَتَوَدَّدُ إِلَيَّ فَلاَ أَقْبَلُ مِنْكَ)[٥]. قد يقول قائل: وهل أنا كافر بربي حتى أولي عنه؟ فأقول له: ألا ينادي المؤذن؛ حي على الصلاة وحي على الفلاح وحي على خير العمل اثني عشر مرة في مجموع الأذان والإقامة ثم تتثاقل ولا تبالي؟ أليس هذا إعراض عن الله عز وجل؟

هنا تكمن المشكلة بيننا وبين عالم العرش؛ أن شرنا إليه صاعد وخيره إلينا نازل. إن هذه الفقرات من دعاء الافتتاح من موجبات استدرار الدمعة لمن يعيش هذه الحالة من الإعراض والإدبار. إنني عندما أقرأ قوله تعالى: (إِنَّا عَرَضۡنَا ٱلۡأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱلۡجِبَالِ فَأَبَيۡنَ أَن يَحۡمِلۡنَهَا وَأَشۡفَقۡنَ مِنۡهَا وَحَمَلَهَا ٱلۡإِنسَٰنُۖ إِنَّهُۥ كَانَ ظَلُومࣰا جَهُولࣰا)[٦]، أقول في نفسي: إن الأمر كذلك يا رب، وأنا أستغفرك من ظلمي وجهلي. ما المانع من أن يقول الإنسان في كل حين: اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا؟

كيف تستر عورات الباطن؟

من فقرات هذا الدعاء: (وَيَسْتُرُ عَلَيَّ كُلَّ عَوْرَةٍ وَأَنَا أَعْصِيهِ)[٧]. إن الإنسان يستحي من أن تنكشف عورته أمام الناس؛ فهي يسترها بالثوب وراء الثوب إمعانا منه في الستر؛ ولكنه يغفل عن عورة الباطن؟ إن من العورات الباطنية أن يكون الإنسان حسودا أو حقودا أو بخيلا أو لا يحمل في قلبه حب الخير للآخرين أو يتمنى الحرام ويلهث خلف الشهوات المحرمة. فإذا لم يقض على هذه العورات الباطنية، فستزل جوارجه في مقام العمل ويُفتضح بكشف هذه العورات.

أزل كل ما يُمكن أن يسبب لك عارا من قلبك

هذا وقد لا يظهر المؤمن شيئا من هذه العورات الباطنية كالحسد مثلا. فقد يحسد أحدهم على نعمته ويتمنى زوالها ولكنه في مقام العمل يخشى الله عز وجل فلا يغتابه ولا يكيد له بخلاف غير المؤمن التي لا يتورع عن كل ذلك. ولكن هذه العورات الباطنية وهذه الملكات الخبيثة لابد وأن تزول من القلب، فقد تغلبه في يوم من الأيام فتجره إلى غيبته والنيل منه. ولذا قال عز وجل: (يَوۡمَ لَا يَنفَعُ مَالࣱ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنۡ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلۡبࣲ سَلِيمࣲ)[٨]. فإذا ما ابتلي أحدنا يوما ما بانسداد شراين في قلبه الظاهري سارع إلى الطبيب وإذا توقف العلاج على أن يبيع منزله ودابه لم يتردد في ذلك أبدا ولذهب إلى أرقى المستشفيات في العالم إن استطاع.

هل فكرت في سلامة قلبك؟

فهلا فكرت في سلامت قلبك الباطني؟ هنيئاً لمن نظر إلى قلبه فوجده خاليا من أمراض الباطن، فعندها يقبل الله سبحانه من اليسير من العمل. إن المؤمن الذي يحمل في صدره قلبا سليما، تكفيه رُكعيات في جوف الليل وهو قريب من الله عز وجل وإن لم يصم شهري رجب وشعبان. إن الطبيب الجراح باستطاعته أن يشق صدرك ويصل إلى قلبك ليعلم ما به من أمراض؛ ولكن لا طريق لأحد إلى معرفة ما في قلبك الباطني إلا نفسك. فأنت أدرى بما في قلبك وبصير على نفسك.

هل يميل قلبك إلى الحرام؟

من أمراض القلب الميل إلى الحرام وإن لم يرتكب ذلك الحرام. تجد بعض الشباب من يقول: لو كان هذا الحرام حلالا لفعلته، فهذا على شفا حفرة من النار. لابد وأن يصل المؤمن إلى درجة الزهد في الحرام ولذا عندما سأل أمير المؤمنين (ع) النبي الأكرم (ص) عن أفضل الأعمال في شهر رمضان المبارك قال: (يَا أَبَا اَلْحَسَنِ أَفْضَلُ اَلْأَعْمَالِ فِي هَذَا اَلشَّهْرِ اَلْوَرَعُ عَنْ مَحَارِمِ اَللَّهِ)[٩]. قد تزور المريض في بعض المستشفيات الراقية التي تُقدم للمرضى أطعمة شهية، فأنت تشتهي ذلك الطعام ولكنه لا يشتهيه لما به، فهو قد زهد في ذلك الطعام.

إن المؤمن ليصل إلى درجة لا يميل فيها إلى الحرام أبدا؛ فإذا ما فتح الجهاز الذي يحمله في جيبه وخرجت له صورة قبيحة لا أقول مثيرة، يصل إلى حد التقيئ ويقول: يا رب، كيف يبيع الناس آخرتهم بهذه الصور المحرمة؟ إن من يُدمن مشاهدة هذه الصور يعيش في عالم من الوهم وهو في متع مجازية غير حقيقية. فأين هذه المتع ممن يتزوج ويُنجب؟ فالزوجة والأولاد وجود حقيقي بخلاف تلك الصور التي يُضيع في مشاهدتها أثمن ساعات الحياة وأغلاها. ترى بعض الشباب يشاهد منذ الصباح الباكر وحتى وقت متأخر القنوات المحرمة، فأقول لهم: لو أغلقت هذا الجهاز لانتهى كل شيء، أليس كذلك؟ ما الذي حصلت عليه؟ تزوجت؟ خطبت؟ أنجبت؟

حرامان سخيفان لا ينفعانك في الدنيا ولا في الآخرة

هناك حرامان سخيفان؛ الغيبة والنظرة المحرمة ومشاهدة الأفلام والصور المحرمة. قد يسرق الإنسان مالا ليشتري طعاما أو يقضي أحدهم ليلة حمراء إلى الصباح ليقضي شهوة أو يشرب الخمر لينسى همومه مثلا كما يزعمون؛ ولكن على ما يحصل المغتاب؟ هل شبعت معدتك؟ هل قضيت شهوتك؟ إن لهذه المحرمات التي ذكرتها أثر دنيوي؛ فالمرابي يزداد ماله ولكن المغتاب قد أكل لحم أخيه ميتا من دون أن يحصل على شيء. وللأسف أصبحت الغيبة فاطهة المجالس وقل من تجد قد سلم من هذه المعصية.

وكذلك الأمر في مشاهدة الصور والأفلام الإباحية. أي عاقل يُصير شهوته عبثا؟ فهو حاله حال من يُضرم النار في باطنه. ثم إن المدمن على هذا الحرام يبتلى بمجموعة من الأمور مجربة: أولا: يحرم الزيجة المحللة وإذا تزوج امرأة فسوقف تنغص عليه، وقد يُحرم من الذرية أو يُرزق ذرية مشاكسة كل ذلك من آثار ذلك الحرام وعقوبة له من الله عز وجل. هذا ويصل الحال بالمدمن على الحرام أن يتصفح المواقع وزوجته إلى جانبه، لأنه قد زهد فيها. ومن شب على شيء شاب عليه. ولذا نقرأ في المناجاة المنسوبة لأمير المؤمنين (ع):

إلهِي حَلِيفُ الحُبِّ فِي اللَّيْلِ ساهِرٌ
يُناجِي وَيَدْعُو وَالمُغَفَّلُ يَهْجَعُ

فقد تجد شابا في نفس العمر وقد يكون أخاه يدعو الله في جوف الليل ويقول: العفو العفو ودموعه جارية على خديه وهو ينظر إلى الحرام. فهل ترى أنهما سواء زواجهم وذرياتهم عند الله عز وجل؟

فحاول أن تكتسب القلب السليم خاصة في شهر رمضان المبارك. هناك قاعدة تقول: (إِنْ لَمْ تَكُنْ حَلِيماً فَتَحَلَّمْ فَإِنَّهُ قَلَّ مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ إِلاَّ أَوْشَكَ أَنْ يَصِيرَ مِنْهُمْ)[١٠]. فمن كان يعاني من الغضب منذ الصغر لا ينبغي أن ييأس ويظن أنه صفة لازمة له إلى آخر حياته وكذلك من كان يعاني من البلوغ المبكر. فإن لم تكن حليما فتحلم وإن لم تكن كريما فتكرم، وهكذا.

هل الطبع يغلب التطبع؟

لقد رأيت في بعض كتب الأخلاق مقولة باطلة وهي: الطبع يغلب التطبع. أي أن الإنسان لا يستطيع أن يتغلب على طبيعته وينفك منها. من قال هذا الكلام الباطل!؟ هل رأيتم أمة من الناس أسوء من الجاهليين الذين وصل الحال بهم أن يأدوا بناتهم؟ لقد قرأت في بعض الكتب أن رجلا منهم كان يحفر حفرة لوأد ابنته وكانت هي تمسح الغبار عن وجهه ولحيته. أي سقوط أخلاقي هذا الذي وصل إليه هذا الشعب الجاهلي؟ ولكنهم أصبحوا بعد عشر سنوات؛ خير أمة أخرجت للناس وخرج منهم البدريون والأحديون وسطروا تلك البطولات. فإذا كان الذي يشرب الخمر ويزني ويأد ابنته استطاع بفضل النبي (ص) أن يكون من خير أمة، فكذلك يستطيع كل عاص على وجه هذه الأرض. فالإسلام يجب ما قبله.

لم يستجب لك الدعاء ولكن أعطاك ما هو خير منه

ومما ورد في دعاء الافتتاح ما نجد به جوابا شافيا لحوائجنا التي لم يأذن الله بقضائها وهو قوله (عج): (وَعَظِيمَةٍ مَخُوفَةٍ قَدْ كَفَانِي)[١١]. فلا تعتب على رب العالمين وكن مؤدباً معه، فقد كان من المقدر أن تموت في هذه السنة بمرض قاتل أو بحادث سير، ولكن الله عز وجل أمد في عمرك وأنت لا تعلم في مقابل طلب لا قيمة له لو أعطاكه.

[١] سورة الروم: ٥٠.
[٢] سورة الشورى: ٢٨.
[٣] سورة يس: ٧٨.
[٤] سورة الأنبياء: ٦٩.
[٥] مفاتيح الجنان.
[٦] سورة الأحزاب: ٧٢.
[٧] مفاتيح الجنان.
[٨] سورة الشعراء: ٨٨-٨٩.
[٩] الأمالی (للصدوق)  ج١ ص٩٣.
[١٠] عیون الحکم  ج١ ص١٦٢.
[١١] مفاتيح الجنان.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • ومما ورد في دعاء الافتتاح ما نجد به جوابا شافيا لحوائجنا التي لم يأذن الله بقضائها (وَعَظِيمَةٍ مَخُوفَةٍ قَدْ كَفَانِي). فلا تعتب على رب العالمين، فقد كان من المقدر أن تموت في هذه السنة بمرض قاتل أو بحادث سير، ولكن الله عز وجل أمد في عمرك وأنت لا تعلم في مقابل طلب لا قيمة له
  • لقد رأيت في بعض كتب الأخلاق مقولة باطلة وهي: الطبع يغلب التطبع. أي أن الإنسان لا يستطيع أن يتغلب على طبيعته وينفك منها. من قال هذا الكلام الباطل!؟ هل رأيتم أمة من الناس أسوء من الجاهليين الذين وصل الحال بهم أن يأدوا بناتهم؟ ألم يُصبحوا خير أمة فيما بعد ببركة الإسلام والنبي (ص)؟
Layer-5.png