– إن هناك حديثي كساء: حديث الكساء الذي رواه جميع المسلمين، عندما جمع النبي الأكرم (ص) تحت الكساء اليماني، أهل بيته علامة التمييز، حتى لا يظن أن هنالك شخصاً آخر غير هؤلاء.. وجعل في هذا الكساء الحسن والحسين وعلي وفاطمة (ع)، وهو أيضاً كان على رأس هذه المجموعة.. عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالتْ: (جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِطَعَامٍ لَهَا إلَى أَبِيهَا، وَهُوَ عَلَى مَنَازِلِهِ فَقَالَ: “أَيْ بُنَيَّةُ، ائْتِينِي بِأَوْلَادِي وَابْنَيَّ وَابْنِ عَمِّكِ”، قَالَتْ: ثُمَّ جَلَّلَهُمْ أَوْ قَالَتْ: حَوَى عَلَيْهِمُ الْكِسَاءَ، فَقَالَ: “هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي وَحَامَّتِي، فَأَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا”.. قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَنَا مَعَهُمْ؟.. قَالَ: “أَنْتِ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأَنْتِ عَلَى خَيْرٍ”، أَوْ “إلَى خَيْرٍ”).. وآية التطهير من الآيات المرتبطة باسم أهل البيت (ع): {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}.. {إِنَّمَا} أداة حصر.. في كتب الفريقين أهل البيت في هذه الآية مفسر بهذه الذوات المباركة.. وأحد المحققين المعروفين، وهو السيد مرتضى العسكري، ألف كتيباً باسم حديث الكساء بين الفريقين، وجمع المصادر.
– ولكن هنالك حديث كساء منقول نقله البعض كالطريحي في كتاب المنتخب، وغيره من العلماء الآخرين.. نحن لا نقول: بأن هذا الحديث حتماً صحيح السند، وإن كان البعض يرى ذلك، ولكن في الأدعية وفي النقل التأريخي وفي المستحبات وفي الآداب الأخلاقية، يقول العلماء: لا داعي لإثبات الصحة السندية، لأنه ليس هناك إلزام في البين.. فدعاء الجوشن هذا دعاء منقول، ولكن ما الذي يضر إن كانت الرواية صحيحة أو ضعيفة، ما الذي يضر الإنسان أن يقول: الغوث الغوث خلصنا من النار يا رب!.. ليس من الضروري أن نبحث عن سند الحديث.
– إن هناك رواية تقول: (صوموا تصحوا)!.. هل من الضروري أن تكون هذه الرواية صحيحة السند؟.. فالصوم فيه جانب صحي.. فإذن، ليس في كل صغيرة وكبيرة، علينا أن نتثبت من صحة الرواية.. نعم، هناك أعمال ما أنزل الله بها من سلطان: كأن توزع ورقة ويطلب من الشخص أن يوزعها -مثلا- على عشرين شخصا، وإلا فإنه سيحدث كذا وكذا.. هل هذا أسلوب الدعوة إلى الله؟.. ليس هناك حديث واحد في كتب الأئمة (ع)، يقول: إذا لم يقرأ أحد هذا الدعاء، سيحدث فيه كذا وكذا؟.. لا يوجد هكذا تهديد أبداً!..
– إن الأمر بالنسبة إلى حديث الكساء والندبة وكميل والصباح، هذه الأدعية المراد أن يقرأها الإنسان برجاء المطلوبية.. في الرسالة العلمية، يقول: المستحبات التي في هذه الرسالة، يؤتى بها برجاء المطلوبية؛ أي يا رب، أنا لا أجزم أن هذا مطلوب، ولكن أرجو أن يكون مطلوباً.. والذي يعمل العمل برجاء المطلوبية، هذا علامة التعبد والتشرع والرغبة في العمل بالوظيفة الشرعية.
– إن البعض يقول: لا مشكلة نقرأ حديث الكساء -إن شاء الله مأجورين- ولكن آخر الحديث فيه مبالغات!.. كيف نصدق: (ما ذكر خبرنا هذا في محفل من محافل أهل الأرض، وفيه جمع من شيعتنا ومحبينا.. إلا ونزلت عليهم الرحمة، وحفت بهم الملائكة، واستغفرت لهم إلى أن يتفرقوا)؟.. أولاً: هذا أجر بسيط في روايات أهل البيت (ع)، حتى في روايات الفريقين هو عمل بسيط، فمثلا: (من قرأ هذا الدعاء في كل يوم من رمضان، غفر الله له ذنوب أربعين سنة: اللَّهُمَ!.. رَبَّ شهرِ رَمَضانْ، الذيِ أَنزَلتَ فيهِ القُرآنْ، وَافترَضت علَى عبِادِكَ فيهِ الصِّيام.. ارزُقنيِ حجَّ بيتِكَ الحَرامِ فيِ هذاَ العَامِ وَفيِ كلِّ عام، واغفِر ليِ الذُّنوبَ العِظَام، فإنه لا يغفِرُها غيرُكً ياَ ذاَ الجلالِ والإكرام)؛ هل أربعة أسطر، تغفر ذنوب أربعين سنة!.. نعم، هذا الأمر ليس صعبا على رب العالمين.. فجماعة الحاسوب والكمبيوتر، يختارون ملفا بوزن ثقيل، فيه آلاف الصفحات، وبكلمة (إلغاء) كله يمسح، وكذلك بضربة يمسح الكمبيوتر كله.. هل من الصعب أن يقوم رب العالمين بهذا العمل بالنسبة إلى الإنسان في ليلة القدر، هل يعجزه ذلك؟.. هو صاحب النفس، هو يريد أن يمسح الذنوب.. طبعاً يجب أن يكون الجهاز سالما، وإلا إذا كان محروقا؛ فإنه لا يقبل الإصلاح والتعديل.. ولكن إذا كان الأصل سالما، وأصيب بالفيروسات، فإن رب العالمين يساعده على تجاوز هذه المحنة.
– إن نزول الرحمة في مجلس يذكر فيه فضائل أهل البيت (إلا ونزلت عليهم الرحمة)، هل هذا الأمر غريب!.. يقول الإمام الصادق -عليه السلام-: (شيعتنا الرحماء بينهم، الذين إذا خلوا ذكروا الله.. إنا إذا ذكرنا ذكر الله، وإذا ذكر عدونا ذكر الشيطان)، لا اثنينية في البين، فهؤلاء شرفهم بالعبودية.. في التشهد قبل وسام الرسالة، يعطى النبي الأكرم (ص) وسام العبودية، فالنبي عبده؛ أي عبد الله.. يقول علي (ع): (أنا عبد من عبيد محمد -صلى الله عليه وآله وسلم-)؛ والعبد هنا بمعنى الطاعة، ومن أطاع الرسول، فقد أطاع الله.. فإذا نزلت عليهم الرحمة، فهذا عادي جداً.
– وقال: (وحفت بهم الملائكة).. إن الملائكة في عالم الوجود، لا تعد ولا تحصى.. هناك ملكان حاسبان على اليمين وعلى الشمال {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}؛ أي هؤلاء بيدهم ميكروفون أمام الفم، كلما تتكلم يتحول إلى الكمبيوتر الإلهي العملاق.. ويوم القيامة رب العالمين يقول: {وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ}، فيتعجب الإنسان ويقول: {يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا}؛ حتى حركات اليد يُسأل الإنسان عنها.. يقول العلماء: إن الملكين الحاسبين يتغيران كل يوم.. فإذن، إن الملائكة كثيرة، وتحف بنا فهذا أمر عادي جداً.
– وقال: (واستغفرت لهم إلى أن يتفرقوا).. إن الملائكة مكسورة الخاطر على بني آدم؟.. نعم، إن الذي يرتكب المعصية، يجعل رب العالمين يتأذى، والنبي في عالم البرزخ يتأذى، والملائكة التي في العرش تتأذى، وتستغفر لمن في الأرض.. في العرش ملائكة كروبين شغلهم وقوتهم الحمد والتسبيح، ولكن عيونهم على بني آدم، وتستغفر لهم.. وهنيئاً لمن تستغفر له الملائكة!.. ولهذا يقال: من يحب النبي وآل النبي (ص)، يجب أن لا يزعجهم بأعماله.. فالنبي (ص) يتألم من معصية الشاب، وإمام الزمان يتألم، فهو الذي تعرض عليه الأعمال كل اثنين وخميس.. ما فائدة اللطم والهتاف باسم الإمام المهدي، إذا كنا كل يوم نرميه بالسهام؟.. نعم، إن المعصية تجرح قلبه الشريف.
الخلاصة، إن حديث الكساء كواقعة في التاريخ من المسلمات الإسلامية.. وحديث الكساء الذي نقرأه نحن، منقول في بعض الكتب، فالطريحي وغيرهم يذكرون ذلك.. فإذن، لا غرابة في هذا الحديث برجاء المطلوبية.
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.