علامات المؤمن..
إن الأئمة (عليهم السلام) حجج اللهِ -عز وجل- على الخَلق، وكلماتهم حجة علينا، فهم طريقنا في هذهِ الحياة.. يقول الإمام العسكري -عليه السلام-: (علامات المؤمن خمس: صلاة إحدى وخمسين، وزيارة الأربعين، والتختّم باليمين، وتعفير الجبين، والجهر بـ﴿بسم الله الرَّحمن الرَّحيم﴾).. المؤمن له علامات كثيرة، أي لا تنحصرُ أوصافه بما ذُكر، ولكن من تلك العلامات: علامةٌ في ظاهره، وعلامةٌ في صلاته، وعلامةٌ في اقتدائهِ وارتباطهِ بسادته ومواليه، وبالخصوص سيد الشهداء -عليه السلام-.
أولاً: التختم باليمين.. إن المؤمن يعتني بمظهره ومخبره، بينما البعض مظهرهُ لا يوحي بالإيمان، وهذا نقصٌ فيه.. ويكون الاعتناء من خلال:
أ. النظافة: إن النظافة من الإيمان، وقد ورد في الروايات أن الثوب إذا اتسخ انقطع تسبيحه.. فأمير المؤمنين -عليه السلام- كان يقول: (والله!.. لقد رقعت مدرعتي هذه، حتى استحييت من راقعها).. ولكن أنى له أن يلبسَ ثوباً غيرَ نظيف؟!.. فقد روي أن رسول الله (ص) أمر عائشة بغسل برديه، فقالت: بالأمس غسلتهما، فقال لهـا: (أما علمت أن الثوب يسبح، فإذا اتسخ انقطع تسبيحه).. كلُ شيءٍ يسبحُ بحمد الله -عزَ وجل-، ولكن إذا صار الثوب وسِخاً، ينقطعُ تسبيحه.. ومن هنا المؤمن إذا أرادَ أن يصلي، فإنه يصلي بثوبٍ نَظيفٍ.
ب. الترتيب الظاهري: إن المؤمن يجب أن يهتم بالمظهر الخارجي، أي يكون مرتباً من حيث الشكلِ: فالإلتحاء مظهر من مظاهر المؤمنين.. وعدم التزيِّ بزيِّ الكفار مظهر من مظاهر المؤمنين، حيث أن البعض قد يصلي وعلى ثوبهِ علامة الصليب -مثلاً-؛ فهذا كيف يتجه إلى القبلة في صلاته، وعلى ظهرهِ علامة الكُفر؟.. ما للمسيح والصَلب؟!.. يقول تعالى: ﴿وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ﴾، ولعلَ البعض منهم يصلي أمام الكعبة بهكذا ثَوب؛ وهو غافل!.. المؤمن حَريص على أن يكون بمظهر إيماني، حتى في بلاد الغرب يتحاشى المظاهر السلبية له ولأولاده، ويبتعد عن كل حَركةٍ توحي أنَ هذا المؤمن ملحقٌ ببعض الأقوام: كارتداء الأزياء والألوان وقص الشعر، وكل ما يرمز إلى فئات منحرفة؛ فالمؤمن أجلُّ من ذلك!.. وكذلك التختم مظهر من مظاهر المؤمنين؛ ولكن ما أثر التختم باليمين، وما وجه الاستحباب بالنسبة لحجر العقيق؟..
١: إن البعض لا يعتقد إلا بما يراهُ تحتَ المجهر، أو ما تراهُ عينه.. ولكن هذا الكون مليءٌ بالأسرار، ومليءٌ بالأعاجيب!.. فالعلم الحَديث يتعامل معَ الغيب حتى في الشهود، مثلاً: الأمواج اللاسلكية، وأمواج الفضاء، والأشعة التي لا ترى؛ هذه صورة من صور الغيب.. فإذن، نحنُ في عالم الطبيعة، نرى ما وراء الطبيعة.
٢: إن رَب العالمين عندما يتحدث عن الموجودات في القرآن الكريم، يتحدث بلغةٍ غير متعارفة في المختبرات، يقول تعالى: ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾، ويذكر النملة التي تحدثت معَ سُليمان -عليه السلام-، والهُدهد الذي قالَ: ﴿وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ﴾ سواء كانَ هذا الهُدهد هُدهداً خاصاً، أو لا خصوصيةَ له، فكل طيرٍ قد عَلمَ صلاتهُ وتسبيحه ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ﴾، ﴿وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم﴾؛ هُناكَ شعور نحنُ لا نعلمه.. والمسلمونَ جميعاً يُقدسونَ الحَجر الأسود، والنبي (ص) يقول عن جبل أُحد: (هذا جبل يحبنا ونحبه).. فإذن، هُناكَ بعض الخواص والبركات لبعض الأشياء، وما المانع أن نقول: أنَ هناكَ تسبيحاً أكثر في بعض الحجارة، فكل الحجارة تُسبح، ولكن للعقيقِ خصوصية أُخرى؟!.. لذا، على المؤمن أن يتعبد بما يَردُ عن سادتهِ ومواليه (عليهم السلام).
٣: إن هناكَ قاعدة في حياة أهل البيت (عليهم السلام)، حيث أن لكل إمام نقشاً خاصاً لخاتمه، وقد تم جمع نقوش خواتيمَ الأئمة (عليهم السلام)، من قِبَل بعض المحققين.. فكم من الجميل أن ينظر الإنسان إلى خاتمه، فيرى فيهِ عبارة ثابتة دائماً معهُ مفادها: (لا حولَ ولا قوةَ إلا بالله) -مثلاً-، أو (توكلتُ على الله)، أو (لا حكمَ إلا لله)؛ هذه العبارات التي تذكّر الإنسان بالله -عز وجل- واليوم الآخِر؟!.. حيث أن هناك فرقاً بينَ التختم بعقيقٍ فيهِ عبارة: (لا إلهَ إلا الله)، وبينَ التختم بالذهب المُحرمِ على الرجال!.. فبعض المحرمات حرامٌ صغير؛ ولكن مع الأيام يصبح هذا الحرام كجبلِ أبي قُبيس؛ لأن التختم بالذَهبِ حرام في كُلِ آن، وهُناكَ وزرٌ على من يلبسه من الرجال.. فالذي يلبس الذهب من الصباحِ إلى الليل، هناك عدّاد يُسجل عليه هذا الذنب.. وهذا الحرام حرامٌ سخيف أيضاً؛ لأن لبس الذهب لا يفيد الإنسان في شيء، وليس له أية خاصية، ولن يحقق أي هدف من ورائه، فيكون بذلك ارتكب إثماً دون أن يجني أي ثمرة ولو آنية.. وكذلك لمن يلبس الحرير.
فإذن، إن التختم باليمين علامة من علامات المؤمن؛ فهذا مظهر إيماني.. وهو من سنة النبي (ص) التي عمل بها ودعا إليها، واقتفى أثره الأئمة (عليهم السلام).. ولكن البعض يبالغ أيضاً في مسألة خواص الحجارة!.. فما لم يَرد فيهِ أمرٌ شرعي، على الإنسان أن لا يُعلق الآمال عليه!.. البعض مُغرم بهذا العالم، حيث أنه يصطحب معه حَجراً لتُقضى لهُ الحوائج؛ فهذا ليسَ من المنطقِ في شيء، بل هو صورة من صور الشرك الخَفي!.. والحجارة التي لم يَرد فيها نَص بأنّهُ حَجرٌ يستحب لبسهُ كالعقيق، المؤمن لا يجعل له أهمية؛ فهذا ليسَ من العبوديةِ في شيء.
ثانياً: صلاة إحدى وخمسين.. وهي عبارة عن مجموع الفرائض والنوافل، فالنوافل ضعف الفرائض.. والمؤمن لهُ التزام بالنوافلِ والفرائض؛ لأن النوافل مُكملةٌ للنقصِ في الفرائض، وتجبر ما في الصلاة من خلل ونقص.. فالإنسان يؤدي الفريضة، ولكن من منا لهُ معراجيةٌ في صلاته؟.. ومن منا هو راضٍ عن صلاته؟.. لذا لو التزم المصلي بهذا التعقيب بعدَ كُلِ فريضة، لكانَ الأمر في محله (إلهي!.. هذه صلاتي صليتها، لا لحاجة منك إليها، ولا رغبة منك فيها؛ إلا تعظيما وطاعة وإجابة لك إلى ما أمرتني.. إلهي!.. إن كان فيها خلل، أو نقص من ركوعها أو سجودها، فلا تؤاخذني، وتفضل على بالقبول والغفران، برحمتك يا أرحم الراحمين).. المؤمن لسانُ حاله: يا رب، لا تؤاخذني بصلاتي هذهِ، أنا لا أُريدُ ثواباً، ولكن لا تُعاقبني عليها.. فالأمر فيه هتكٌ وتقصير، لذا لابد من الاعتذار والندامة!..
وعليه، فإن النوافل تجبر النَقصَ في الفرائض، وخصوصاً صلاة الليل.. فالإمام العسكري -عليه السلام- عندما يقول: (صلاة إحدى وخمسين)؛ بما فيها صلاة الليل؛ فهذه علامة المؤمنين، وقد ذُكر في كُتب الأخلاق: أنّهُ ليس هناك إنسان متألق في إيمانه، لا يصلي صلاة الليل.. وهذا المعنى صحيح، ولهُ شواهد من الكتابِ والسُنة: فالإنسان تارة يكتفي من الشريعةِ بالواجبات، وترك المحرمات؛ هذا يدخل الجَنة -إن شاء الله تعالى- بفضلهِ وكَرمه.. وتارة يكون متميزاً، (وشيعتك على منابر من نور، مبيضة وجوههم، حولي في الجنة، وهم جيراني)، هؤلاء المتميزون -تقريباً- هُم أهل قيام الليل.. فالذي لا يقوم الليل، لا يتوقع المقام المحمود، هكذا يقول القرآن الكريم: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا﴾.. القضية أيضاً ليستَ قطعية، فكيفَ بمن لا يُقيم الليل؟!..
إن النوافل النهارية قد يكون الإنسان معذوراً في تركها، ولكنْ ما العذر في ترك نوافل العشاءين، ونافلة الفجر؟.. هناك عبارة في أحد الكُتب الفقهية، في الرسالة العملية مفادها: أنَ نافلةَ الفَجر أفضل من الشَفعِ والوتر!.. فإذن، نافلة الفجر، وصلاة الليل، ونوافل العشاءين؛ المؤمن حريصٌ عليها، حرصهُ على كُل النوافل.
ثالثاً: الجهر بـ﴿بسم الله الرَّحمن الرَّحيم﴾.. لماذا التأكيد على الجَهر بـ﴿بسم الله الرَّحمن الرَّحيم﴾؟..
إن آية البسملة من أعظم آيات القرآن الكريم، والنبي (ص) كان يبسمل ويجهر في بسملته.. ولكن البعض لا يعد هذهِ الآية جُزءاً من السورة.. وعليه، فإننا نقول:
١. لمَ لا نلتزم بـ﴿بسم الله الرَّحمن الرَّحيم﴾، ولو من باب التبرك؟!..
٢. إن آية ﴿بسم الله الرَّحمن الرَّحيم﴾ هي جزءٌ منَ السورة، فالسَبع المثاني بما فيها ﴿بسم الله الرَّحمن الرَّحيم﴾.
٣. إن الأئمة (عليهم السلام) لهم عتاب على من حَذفَ هذهِ الآية، حيث يقول الإمام الصادق -عليه السلام-: (ما لهم -قاتلهم الله- عمدوا إلى أعظم آية في كتاب الله، فزعموا أنّها بدعة إذا أظهروها، وهي ﴿بسم الله الرّحمن الرّحيم﴾)؟!..
٤. إن آية ﴿بسم الله الرَّحمن الرَّحيم﴾ هي عبارة عن أربع كلمات، ولكن ثلاثة أرباعها هي أسماءِ للهِ -عزَ وجل-.. حيث أن هناك ثلاثة أسماء من أسماء اللهِ -جلا وعلا-، وهي: “الله”، و”الرحمن”، و”الرحيم”.. وكلمة “الله” -جلَ جلاله وعَمَّ نواله- أعظم اسمٍ من أسماء اللهِ عزَ وجل.
فإذن، يجب الجهر بـ﴿بسم الله الرَّحمن الرَّحيم﴾.. وكأنَ المصلي يقول في مقام العمل: أيها العالم، أيها المسلمون، التفتوا إلى البسملة، هذهِ البسملة آيةٌ عَظيمةٌ، ينبغي أن تُقرأ قبلَ أيةِ سورة.
رابعاً: تعفير الجبين.. تعفير الجبين كناية عن كثرة السجود على التراب؛ لأن التعفير معناه: ملامسة الشيء للتراب.. في كتب الفريقين هناك روايات تنقل: أن النبي (ص) كان يسجد على الطين أو التراب، عن جابر بن عبد: “كنت أصلي الظهر مع رسول الله (ص) فآخذ قبضة من الحصى، ليبرد في كفي أضعها لجبهتي، أسجد عليها لشدة الحر”.. والمؤمن في سجوده يعفر جبينه، فهذا سلمان المحمدي (رض) يصرح بأن هذه الدنيا ليس فيها ما يغري، لولا وجود هذين العنصرين إذ يقول: (لولا السجود لله، ومجالسة قوم يتلفّظون طيب الكلام، كما يتلفّظ طيب التمر؛ لتمنيت الموت).
خامساً: زيارة الأربعين.. ما المقصود بالأربعين؟..
إن هُناكَ احتمالين ليس لهما ثالث..
أولاً: أربعونَ يوماً.. هناك بعض الروايات في هذا المجال:
١. قال ابنُ عباس: “أن الأرض تبكي على المؤمن أربعين صباحاً”، فقيل له: أتبكي الأرض؟!.. فقال: “أتعجب!.. وما للأرض لا تبكي على عبد كان يعمرها بالركوع والسجود؟!.. وما للسماء لا تبكي على عبد كان لتكبيره وتسبيحه فيها كدوي النحل)؟!.. فالمؤمن لهُ وجاهة عندَ اللهِ -عزَ وجل-، ويُحتمل أن يُراد بالمؤمن هُنا المؤمن المتميز في إيمانه.. ولكن على رأس المؤمنين الشُهداء، وعلى رأس الشُهداءِ سيدِ الشهداء، الإمام الحسين -عليه السلام-.
٢. عن زُرارة، عن أبي عبد اللهِ -عليهِ السلام-: (يا زرارة!.. إن السماء بكت على الحسين أربعين صباحاً بالدم، وأن الأرض بكت أربعين صباحاً بالسواد، وإن الشمس بكت أربعين صباحاً بالكسوف والحمرة، وإن الجبال تقطعت وانتثرت، وإن البحار تفجرت، وإن الملائكة بكت أربعين صباحاً على الحسين).. قد يُراد بهِ المعنى الحقيقي، كما نُقل في الموسوعة البريطانية المعروفة، أنّهُ في تلكَ السنة التي قُتلَ فيها الحُسين -عليهِ السلام- وجدَ الدَم في بلاد الغَرب.. ولكن نحنُ لا نعوّل على هذهِ الأمور، قضيتنا أرقى من هذا المعنى!.. فهذا الكون يُدارُ بجَناحين: جناح الشهود، وجناح الغيب.. ما المانع أن يُغيّر رَب العالمين بعض عناصر الوجود، حِداداً على المؤمنين؟.. فما جرى على سيد الشُهداء -عليه السلام- في يومِ عاشوراء، لم يجر على أحدِ من أولياء الله -عزَ وجل- طوالَ تاريخ البشرية.. نعم، يحيى -عليه السلام- أيضاً قُطعَ رأسه، وأُهديَ إلى بَغيةٍ من بغايا بني إسرائيل، وأصحاب الأخدود قتلوا، وسحرة فرعون أيضاً قتلوا.. ولكن هذا المجموع من الرزايا: سبي النساءِ، وقتلِ الصغيرِ، والطريقة التي قُتلَ فيها سيد الشهُداء -عليهِ السلام- لم ينقل التأريخ لها مثيل.. ولهذا عَظُمت في السموات، وعظمت في الأرضين، وعَظُمت عندَ ملائكة العَرش.
فإذن، أربعونَ يوماً السماء بَكت على الحُسين -عليهِ السلام-، والملائكةُ بَكت عليهِ أربعينَ صباحاً، ويُفهم من بعض النصوص: أنَ هُنالكَ ملائكة مُقيمة على قَبر الحُسين -عليهِ السلام- لا تزال تبكي لما جرى عليهِ.. عن هارون بن خارجة قال: سمعت أبا جعفر [أبا عبد الله] يقول: (وكل الله -عز وجل- بقبر الحسين -عليه السلام- أربعة آلاف ملك شعثا غبراً، يبكونه إلى يوم القيامة.. فمن زاره عارفاً بحقه؛ شيعوه حتى يبلغوه مأمنه.. وإن مرض؛ عادوه غدوة وعشياً.. وإن مات؛ شهدوا جنازته، واستغفروا له إلى يوم القيامة).
ثانياً: يوم الأربعين.. إن كتبنا مشحونةٌ بذكرِ زيارة الأربعين في العشرينَ من صفر، فهذا اليوم يومٌ مشهود، وقد وردَ فيهِ استحباب زيارة الحُسينِ -عليه السلام-.. ولكن لماذا وضعَ الإمام العسكري -عليه السلام- يدهُ المباركة على زيارة الأربعين، وليس على زيارة عاشوراء؟..
والله العالم!.. لأنَ يوم عاشوراء: هو يَومُ مُصيبة؛ ويَومُ الكارثة، ويَومُ الفاجعة؛ وهذا اليوم لا يمكن للموالين أن ينسوه.. والإمام -عليه السلام- كأنه يُريد أن يُبقي هذهِ الجذوة مشتعلة، فقال: (وزيارة الأربعين)؛ أي لا تنسوا أربعينَ الحُسين!.. الإمام بكلمتهِ هذهِ، أرادَ أن يعلمنا هذا الدرس الذي علمنا مغزاهُ في هذا اليوم.. ففي مثل هذا اليوم تتقاطر ملايين البشر إلى كربلاء، تزحفُ بشكلٍّ لا نَظيرَ له.. هذهِ الزيارة الحُسينية في الأربعين، لابدَ أن ندخلها في الموسوعات القياسية.. فهذا الزحف الهادر، وهذا الإخلاص، وهذا الذوبان في حُب الحُسين -عليهِ السلام- من الصغيرِ إلى الكبير، هو من بركات يومِ الأربعين.. الناس في هذهِ الأيام، يبدونَ حبهم، وشوقهم، وولاءهم للحُسينِ -عليهِ السلام- بشتى الصور!..
إن جابر بن عبد الله الأنصاري، -ذلك الصحابي الجليل، الذي أطالَ رب العالمين في عُمره، ويا لهُ من عُمرٍ مُبارك!.. حيث رأى رسول الله (ص)، ورأى الحُسين -عليه السلام- حياً، ورآهُ بعدَ استشهاده ولكن في قَبره-؛ كان على رأس الذينَ أحيوا أربعينَ الحُسين -عليهِ السلام-.. فقد روي عن عطية بن سعد بن جنادة العوفي أنه قال: “خرجتُ مع جابر بن عبد الله الأنصاري؛ زائرين قبر الحسين -عليه السلام-.. فلما وردنا كربلاء، دنا جابر من شاطئ الفرات، فاغتسل ثم ائتزر بإزار وارتدى بآخر، ثم فتح صُرة فيها سعُد (نوع من الطيب) فنثرها على بدنه.. ثم لم يخطُ خُطوة إلاّ ذكر الله، حتى إذا دنا من القبر قال: ألمسنيه -أي خذ بيدي إلى القبر- فألمسته فخّرَّ على القبر مغشيّاً عليه، فرششتُ عليه شيئاً من الماء فأفاق، وقال: يا حسين (ثلاثاً)، ثم قال: حبيب لا يجيب حبيبه.. ثم قال: وأنى لك بالجواب، وقد شحطت أوداجك على أثياجك (ما بين الكاهل إلى الظهر) وفرّق بين بدنك ورأسك… الخ كلامه.. ثم جال ببصره حول القبر وقال: السلام عليكم أيتها الأرواح التي حلّت بفناء الحسين (عليه السلام) وأناخت برحله!… إلى أن قال: لقد شاركناكم فيما دخلتم فيه”.. قال عطية: “فقُلتُ لجابر: وكيف: ولم نهبط وادياً، ولم نعلُ جبلاً، ولم نضرب بسيفٍ، والقوم قد فرّق بين رؤوسهم وأبدانهم، وأيتمت أولادهم، وأرملت الأزواج؟.. فقال لي: يا عطية سمعتُ حبيبي رسول الله (ص) يقول: (مَن أحبَّ عمل قومٍ، أشرك في عملهم).. والذي بعث محمداً بالحق نبيّاً!.. إن نيّتي ونيّة أصحابي على ما مضى عليه الحسين وأصحابه”.. قال الراوي: “فلما صرنا في بعض الطريق فقال لي: يا عطية، هل أوصيك؟.. وما أظن أنني بعد هذه السفرة ملاقيك: أحِبْ محبَّ آل محمدَ ما أحبهم، وأبغض مبغض آل محمد ما أبغضهم، وإن كان صواماً قواماً.. وارفق بمحب آل محمد؛ فإنه إن تزل لهم قدم بكثرة ذنوبهم، تثبت لهم أخرى بمحبتهم.. فإن محبهم يعود إلى الجنة، ومبغضهم يعود إلى النار”.
الخلاصة:
١. أن للمؤمن علامات كثيرة، فمنها: علامةٌ في ظاهره، وعلامةٌ في صلاته، وعلامةٌ في اقتدائهِ وارتباطهِ بسادته ومواليه، وبالخصوص سيد الشهداء -عليه السلام-.
٢. أن على المؤمن الاعتناء بمظهره كما يهتم بمخبره، فيحرص على أن يكون بمظهر إيماني ، بإعتنائه بنظافته ؛ وتختمه باليمين ، وترتيب شكله الظاهري.
٣. أن التختم باليمين علامة من علامات المؤمن؛ وللعقيق خصوصية في هذا المجال،ولكن البعض يبالغ أيضاً في مسألة خواص الحجارة، وهذا ليسَ من المنطقِ في شيء، بل هو صورة من صور الشرك الخَفي!.
٤. أن المؤمن لهُ التزام بالنوافلِ والفرائض؛ لأن النوافل مُكملةٌ للفرائض، وتجبر ما فيها من خلل ونقص، وعلى الخصوص نافلة الفجر، وصلاة الليل، ونوافل العشاءين.
٥. أن البسملة من أعظم آيات القرآن الكريم، وثلاثة أرباعها هي أسماءِ للهِ -عزَ وجل-؛ لذلك يجب على المؤمن الجهر بها في كل صلاة.
٦. أن لزيارة الأربعين خصوصية معينة، فيوم عاشوراء: هو يوم الفاجعة الكبرى؛ وهذا اليوم لا يمكن للموالين أن ينسوه،وأما زيارة الأربعين فكأنما أراد الإمام -عليه السلام- بها أن يُبقي هذهِ الجذوة مشتعلة.
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.