نور المؤمن..
إن المؤمن له عالمه في عرصات القيامة، حيث الخوف الشديد، والخطب العظيم، والذهول الذي يجعل المرأة تتخلى عن ولدها ﴿يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ﴾.. فهنالك خوف، وهنالك ظلمة؛ أما المؤمن فإن له نوراً، ولكن هذا النور لا يُعطى لكل أحد ﴿يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ﴾، هذا النور هو الذي يضيء الطريق لأهل المحشر، حيث الوحشة والظلمة والهول ﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾؛ لأنه عندما ينفخ في الصور لا أنساب تنفع، ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ﴾، بل أن الإنسان يفر من عائلته؛ لئلا يتورط بهم، ﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ﴾.. فقد يكون سبب الفرار -والله العالم- هو الخوف من المظالم: فالحياة الزوجية فيها مظالم، لذا يفر الإنسان من زوجته يوم القيامة؛ لئلا تطالبه بشيء.. والحال أنه لا سبيل إلى الفرار، فالمحكمة الإلهية آتية لتعطي كل ذي حق حقه.
الذبذبة في الحياة..
هنالك سؤال إستراتيجي، ألا وهو: أنه عندما يسمع الإنسان هذا الكلام -وبحمد الله- هنالك تفاعل إجمالي، ولكنه لا يدوم؛ فما السبب؟!.. هذا التفاعل يذكرنا بحديث النبي (ص) مع أصحابه.. أحدهم شكا هذه الحالة إلى الإمام الباقر (عليه السلام) فقال: أخبرك أطال الله بقاءك لنا، وأمتعنا بك: أنّا نأتيك فما نخرج من عندك حتى ترقّ قلوبنا، وتسلو أنفسنا عن الدنيا، ويهون علينا ما في أيدي الناس من هذه الأموال، ثم نخرج من عندك فإذا صرنا مع الناس والتجّار؛ أحببنا الدنيا!.. فقال الباقر (عليه السلام): (إنما هي القلوب مرة تصعب، ومرة تسهل).. ثم قال الباقر (عليه السلام): (أما إنّ أصحاب محمد (ص) قالوا: يا رسول الله!.. نخاف علينا النفاق، فقال: ولِمَ تخافون ذلك؟.. قالوا: إذا كنا عندك فذكّرتنا ورغّبتنا وجلنا ونسينا الدنيا وزهدنا، حتى كأننا نعاين الآخرة والجنّة والنار ونحن عندك، فإذا خرجنا من عندك، ودخلنا هذه البيوت، وشممنا الأولاد، ورأينا العيال والأهل، يكاد أن نحوّل عن الحالة التي كنا عليها عندك، حتى كأنّا لم نكن على شيء، أفتخاف علينا أن يكون ذلك نفاقا؟.. فقال لهم رسول الله (ص): (كلا إنّ هذه خطوات الشيطان، فيرغّبكم في الدنيا، والله لو تدوموا على الحالة التي وصفتم أنفسكم بها لصافحتكم الملائكة، ومشيتم على الماء، ولولا أنكم تذنبون فتستغفرون الله، لخلق الله خلقاً حتى يذنبوا ثم يستغفروا لله، فيغفر لهم).. النبي (ص) نسب ذلك إلى الشيطان؛ أي لا تيأسوا من روح الله عز وجل، فهذه حالة طبيعية: الإنسان يعيش الذبذبة في حياته.
إن هناك عدة أمور لهذا التحول في النفسية، وعدم البقاء على وتيرة واحدة.. وإذا لم نستوعب هذه الجهة، فإن هذه الإثارات العاطفية والوجدانية، هي بمثابة مياه السدود المجتمعة: حيث أن ماء السد إذا لم يصب على مولد الكهرباء، لا تتولد الطاقة.. فالمهم هو أن نحول هذا المخزون العلمي إلى حركة في الحياة.. فمن هذه الأمور، هناك مشكلتان:
المشكلة الأولى: عدم امتلاك العزم.. إن الإنسان منا ليس لديه الهمة والعزم، وذلك للأسباب التالية:
١. عدم وجود إستراتيجية في الحياة: والله العالم!.. أن السبب الأساسي في أننا لا نحول هذا الكم الكبير من العلم الذي نأخذه: من المجالس، ومن الكتب، ومن المحاضرات المسموعة والمرئية: أن أحدنا ليست له إستراتيجية في الحياة.. حيث أن هناك فرقاً بين تاجر مواد بناء -عنده كميات كبيرة من الأسمنت، ومن الحديد، ومن الخشب؛ أي المواد الأولية للبناء موجودة لديه؛ ولكنْ ليست عنده قطعة أرض، ولا مخطط بناء، ولا مهندس مشرف أو استشاري للبناء؛ بل ليست عنده نية البناء- وبين إنسان يريد الزواج، فتشترط عليه الزوجة، أنه لابد من وجود بناء لقبول الاقتران به.. هذا الإنسان صباحاً ومساءً يذهب هنا وهناك، كي يشتري أكياس الأسمنت البسيطة، ولكن هذا العمل يصب في هذا المخطط، فكل ما يأخذه من مواد البناء يتحول إلى جزء في هذا البناء الكبير.. ذاك الإنسان تاجر، له مواد كثيرة، ولكن لا برنامج له.. وهذا الإنسان له برنامج، ولكنه يملك مواداً بسيطة، يريد أن يبني بها بناءً.. وهنالك إنسان لا مواد له، ولا مخطط له؛ أي صفر اليدين من الجهتين.. وكذلك بالنسبة إلى واقعنا: هناك من يعبد الله عبادة متناثرة، كتاجر مواد البناء: يذهب إلى الحج في موسم الحج، إن جاءته الهمة.. ويصلي صلاة الليل في بعض الليالي، إن جاءته الهمة.. ويحضر المساجد يوم الجمعة، والمشاهد، والعمرة، و..الخ.. هذه مواد جيدة، ولكن ليس هنالك من رابط بينها، كالخيط الذي يجمع حبات السبحة، إذا قُطع الحبل؛ لم تعد مسبحة يُسبّح الله فيها.
فإذن، هنالك قسم من الناس ليست له جهة في الحياة، بينما القرآن الكريم يدعونا أن نتخذ إلى الله تعالى سبيلاً.. فمنذ الساعة الأولى التي كتب فيها علينا التكليف، أمرنا أن نتخذ إستراتيجية في الحياة.. فنحن في كل يوم نبتعد عن الدنيا خطوة، ونقترب من الآخرة خطوة؛ وهذا واقع!.. فالذي بلغ الأربعين؛ أي أمضى ثلثي العمر، ماذا ينتظر ليتوب إلى الله عز وجل، وليتخذ إلى ربه سبيلاً؟!.. جاء في الحديث الشريف: (إذا بلغ الرجل أربعين سنة، ولم يغلب خيرُه شره.. قبَّل الشيطان بين عينيه، وقال: هذا وجه لا يفلح)!.. الشيطان خبير، يعرف الوجوه الفالحة من الوجوه غير الفالحة.. وعليه، فإن مشكلتنا هي أنه ليست لدينا خطة للوصول إلى درجات الكمال.
٢. إعفاء النفس من السير إلى الله: وهناك أمر آخر، هذا الأمر كارثة في حياة المسلمين طوال التأريخ وهو: أننا لم نعمم فكرة “أننا كلنا مطالبون بأن نتخذ إلى الله سبيلاً”.. البعض يظن أن للدنيا أهلها، وهو من أهل الدنيا.. وللآخرة أهلها، وهنالك أولياء لله، وهنالك خواص مسكنهم الحوزات العلمية، والمشاهد المشرفة.. فيقول: نحن أين وهذه الدرجات أين؟.. والمرأة تقول: أنا ربة بيت، لي حياة متواضعة، حياتي مع الأولاد والأعمال المنزلية، أين أنا وهذه الدرجات؟!.. هذا المعنى هو أول الفشل، وأول الكارثة: أي أن يعفي الإنسان نفسه عن الحركة الدائبة إلى الله عز وجل.. انظروا إلى القرآن الكريم، كيف يرفع من مستوى توقعات رب العالمين بالنسبة لنا، حيث يقول: ﴿اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ﴾؛ إنه معنى ضخم وعظيم!.. أي لا تترك مساحة في الحياة، إلا وتجعل لها لوناً وصبغة إلهية.
٣. تراكم الذنوب: إن دعاء كميل أوله صيغ استغفار، ولكن الإمام (عليه السلام) لم يعيّن الذنوب التي تهتك العصم، ولا التي تغير النعم، ولا التي تنزل النقم؛ لئلا يركن أحد إلى ذنبه.. فالذنوب بمثابة الميزان الذي يزن حبات الحنطة، قد تكون الكفة إلى أعلى، ولكن حبة من الحنطة تغير المعادلة.. إن الإنسان الذي يعيش في أوساط الفساد والإغراء، له حساب مخفف، كونه في بلاد المعصية؛ بخلاف من يعيش في بيئة مؤمنة، وفي مشاهد أهل البيت (عليهم السلام).. فلكل إنسان مقياس: البعض في وضعه، وفي أسرته، وفي تربيته، وفي وضعه المالي والأسري، إن وصل منسوب الذنوب لديه إلى عدد المائة؛ هنالك يُعاقب العقاب البليغ، فتهتك عصمته.. وهنالك إنسان عندما تبلغ ذنوبه الألف؛ عندئذ تنزل النقم، ويُحبس الدعاء..الخ.. فهذه نقطة مهمة: مثلاً: قد يرتكب الإنسان المعاصي الكبيرة، ويرى الأمور متسقة، كأن يكون موفقاً في حياته، ويصلي، ويقيم الليل.. ولكن المعصية الألف ولو كانت صغيرة، وإذا بها كما يقال في المثل العربي: “القشة التي قصمت ظهر البعير”؛ بمجرد ذنب بسيط، وإذا بالموازين انقلبت.. وإذا بمزاح في غير محله -المزاح ليس بمحرم، ولكن بعض الأوقات يتحول إلى حرام، إذا كان فيه إيذاء، أو كذب- أو أي حركة بسيطة تصدر منه، وإذا بسحب العذاب المعلقة، تصبح عذاباً منجزاً!..
الحل بالنسبة إلى المشكلة الأولى:
أولاً: ترك المعاصي والذنوب.. إن المؤمن يجب أن يأخذ قراراً، ويترك هذه الحركة التي هي اللعب بين الحبال!.. مع الأسف هنالك بعض المفاهيم الخاطئة، وجدت سبيلها إلى نفوس الناس.. مثلاً: يقال للبعض: يا فلان، لمَ تسمع الغناء الآن، وأنت قبل ساعة كنت تسمع القرآن؟.. وإذا به يقول: ساعة لربك، وساعة لقلبك!.. هذا الكلام لا ينفع يوم القيامة، بل يُعاقب على كل خطأ، وعلى كل زلة؛ لأنه في محضر الله عز وجل، والأوقات كلها لله سبحانه وتعالى.. فإذن، المؤمن لابد أن يأخذ قراراً.. كما روي: أنّ الدنيا والآخرة ضرتان، إن أرضيت إحداهما أسخطت الأخرى.. لذا، على المؤمن أن يأخذ هذا القرار الإستراتيجي في أقرب وقت ممكن، لأن الوقت ليس في صالحه أبداً.. الإنسان بإمكانه أن يصل إلى درجة يصبح وجوده إلهياً، كما في رواية قرب النوافل.. قال رسول الله (ص): (قال الله عز وجل: ما تقرّب إليّ عبد بشيء أحب إليّ مما افترضت عليه، وإنه ليتقرّب إليّ بالنافلة حتى أحبه، فإذا أحببته: كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ولسانه الذي ينطق به، ويده التي يبطش بها.. إن دعاني أجبته، وإن سألني أعطيته، وما ترددت عن شيء أنا فاعله كترددي عن موت عبدي المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته).
إن النبي الأكرم (ص) يريد منا جميعاً أن نصل إلى هذه الرتبة، ولو بعد حين.. نحن لا نتوقع من الشاب المراهق، أو من الشاب في أول عمره، أن يصل لهذه الدرجات؛ ولكن طريق الألف ميل، يبدأ بخطوة واحدة.. فمن جد وجد!.. على الإنسان أن يزرع الآن، ليحصد الثمار في أواخر العمر.. كم يحز في نفس الإنسان، أن يرى بعض الشيبة من كبار السن، وقد بلغ الستين فما فوق، وهو مايزال يعيش المراهقة.. الستون زرع آن حصاده، تراه في هذه السن وهو متحير، ماذا يعمل في حياته؟.. إنسان عاطل عن العمل، يعيش سنوات التقاعد، والأولاد كل ذهب إلى سبيله: البنت تزوجت، والصبي تزوج، وبقي في غرفة في منزل هو وزوجته كبيرة السن مثله، يعيش الملل من هذه الحياة؛ هذه ضريبة التكاسل أيام الشباب.. بينما علماؤنا الأبرار الصالحون والأولياء، يتمنون هذا العمر؛ لأن المعاش مؤمّن، والإنسان في هذه السن غير مطالب بأن يهتم بالرزق، وليس عنده انشغال بالأولاد والبنات وغيره؛ فيتفرغ للعبادة.. فالذي يعيش السعادة من الستين إلى السبعين والثمانين، هو الذي بني بناءً في أيام شبابه، والآن حان وقت الاستثمار.. الكل سيبلغ هذا العمر، ولكن -مع الأسف- البعض في سن الخمسين يتقاعس، ويصبح وكأنه على شفا حفرة من القبر، يصبح إنساناً يائساً من الحياة، لا يكد ولا يكدح.. هذه الشيخوخة المبكرة، منتشرة هذه الأيام في مجتمعاتنا لعوامل شتى!..
انظروا إلى المرتبة التي يريدها المصطفى (ص) من المؤمن من خلال الحديث القدسي الذي رواه: (ما تقرّب إليّ عبد بشيء، أحب إليّ مما افترضت عليه)، أي أتقن الواجبات!.. مع الأسف البعض يسأل: من أين نبدأ؟.. الخطوة الأولى: يجب أخذ قرار إستراتيجي!.. الأمر لا يحتاج إلى تفكير كثير وعميق، من الآن عليه أن يأخذ قرارًا بترك المعاصي والذنوب.. إن مساحة المعاصي والذنوب مساحة ضيقة جداً، طول هذه المساحة شبر واحد بين الأذنين، والارتفاع ارتفاع الفم إلى الحاجبين.. فالذي يقي أذنيه وعينيه وفمه عن الحرام، يشتري بهم جنات الخلد، عرضها السماوات والأرض، برقابة مساحة شبر في نصف شبر.. ولكن -مع الأسف- البعض يستنكف عن بذل هذا المقدار من الجهد.. فوجود الحرام في حياة الإنسان، هي حرب عملي.. كما أن الله -عز وجل- يقول بالنسبة إلى الربا: ﴿فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ﴾.. الربا حرام، وفي مقام العمل هي صورة من صور المحاربة مع رب العالمين.. وكل حرام بمثابة الحرب مع الله ورسوله، وإن لم يقصد الإنسان ذلك، وإلا كان كافراً صريحاً؛ لأن الذي يتحدى الله ورسوله بالحرام اعتقاداً؛ هذا الإنسان كفر بالله عز وجل.
فإذن، في مقام العمل كل معصية، هي حرب مع الله -عز وجل- ورسوله.. والإنسان الذي له حرب مع الله ورسوله، ولو على مستوى النظر المحرم، أو على مستوى السمع المحرم؛ هذا الإنسان كيف يصل إلى التكامل والكمال وإلى عالم القرب؟.. وبالتالي، فإن الخطوة الأولى هي التخلص من المعاصي والذنوب.. وبحمد الله -عز وجل- ما من حرام إلا وهناك حلال بديل له: فالخمر حرام، ولكن هنالك أشربة محللة بديلة.. ولحم الخنزير والميتة حرام، والبديل هي اللحوم المحللة.. وكذلك بالنسبة للزنا حرام، والبديل هو الزواج.. وأيضاً الربا حرام، والبديل هو البيع.. وعليه، فإن الإنسان ليس مضطرًا لارتكاب الحرام، إلا بسوء الاختيار، وبسوء المذاق.
ثانياً: إتقان الواجبات.. قبل الالتزام بالمستحبات، يجب إتقان الواجبات، وعلى رأس هذه الواجبات: الصلاة.. إن بدأ الإنسان بالصلاة الواجبة، وأتقنها؛ فهو على ألف خير!.. أحد العلماء الماضيين، كان في النجف الأشراف على رأس مدرسة أخلاقية كبرى، كان يسمى بـ: “السيد القاضي”، هذا الذي ربى جيلاً من العلماء والصالحين حتى من غير العلماء، كانت آخر توصياته في مجال الحركة إلى الله عز وجل: “عليكم بصلاة أول الوقت”، ولكنه لم يذكر الصلاة الخاشعة.. فهذا العمل، هو مفتاح لكل خير، كما قال علي (عليه السلام): (أن كل شيء من عملك تبع لصلاتك).. فإذن، علينا بإتقان الواجبات، وبعد ذلك نأتي بالمستحبات.
ثالثاً: الإتيان بالمستحبات.. يقول النبي الأكرم (ص) في هذا الحديث القدسي: (ما تقرّب إليّ عبد بشيء أحب إليّ مما افترضت عليه، وإنه ليتقرّب إليّ بالنافلة حتى أحبه)؛ هذه الرواية من أهم روايات السير إلى الله عز وجل.. ولكن لم نعرف ما الأهم: الفرائض أو المستحبات؟.. هنا نكتة طريفة في هذا المجال: يبدو أن الواجبات من بين الأعمال، فهي مؤثرة في إثقال الأعمال.. أما (وإنه ليتقرّب إليّ بالنافلة حتى أحبه)؛ المحبة لذاته لا لفعله.. هنا بالنوافل، تصبح ذاته ذات مقربة إلى الله عز وجل.. فرق بين إنسان تجري الواجبات على جوارحه، وبين إنسان أدى المستحبات، إلى درجة أصبح محبوبًا لله عز وجل.. يا له من مقام: إنسان يصبح وجوده وجودًا إلهيًا!.. النبي ما ذكر هذا المثال لأمثال سلمان وأبي ذر وخاصة أصحابه، بل هو حديث عام، هذه معادلة في عالم الوجود: ثقافة التخصص، والتميز، والتقرب إلى الله -عز وجل- بهذا المعنى الخاص؛ هذا الباب مفتوح للجميع.. فرب العالمين ليست له صلة قرابة ببعض الناس، جعل هذا الطريق مفتوحًا للجميع ﴿فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا﴾.
فإذن، المشكلة أن أحدنا لا يملك هذا العزم.
المشكلة الثانية: طريقة التعامل مع الحياة الدنيا..
١. الترف.. إن هناك قسماً من الناس، رب أعطاهم زيادة عن مؤونة سنتهم -المؤمن يسأل الله -تعالى- أن لا يحوجه إلى لئام خلقه.. صحيح الفقر فخري، ولكن إذا نقص المال عن الكفاف، الإنسان يعيش شيئاً من الاضطراب الباطني، هذا لا كلام فيه.. لذا، المؤمن يسأل الله -عز وجل- أن يرزقه الكفاف من العيش.. ولهذا سلمان المحمدي هذا الإنسان الذي تربى في مدرسة النبي وآله، قال: (إنّ النفس قد تلتاث على صاحبها، إذا لم يكن لها من العيش ما تعتمد عليه.. فإذا هي أحرزت معيشتها، اطمأنت)؛ هنيئًا لمن كان قوته مؤمّناً!.. قال رسول الله (ص): (من أصبح معافى في جسده، آمنا في سربه، عنده قوت يومه؛ فكأنمّا خيرت له الدنيا)-.. فمن أُعطى زيادة عن قوته، وعن كفافه، مثله كمثل الموظف الذي يدفع المال للناس في البنوك!.. هذا إنسان مستخلَف على هذا المال: إن جاءه الأمر من المدير أو الرئيس، بصرف صك، ولم يصرفه؛ فإنه في نفس اليوم يُعزل من عمله.. لأن المال ليس ماله، صحيح أمامه الملايين، ولكنه إنسان موظف، ولا يملك من ذلك إلا راتبه الشهري.. فإن تمرد ولعب بهذه الأموال؛ جزاؤه السجن.. والإنسان الذي أكرمه الله -عز وجل- بالمال الوفير، هذه الأموال التي بيده، هي بمثابة ذلك الموظف خلف الصندوق، يقول تعالى: ﴿وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ﴾.
أولاً: ليس له الحق أن يصرف المال في غير موضعه، يقول تعالى: ﴿إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ﴾؛ يا له من تعبير!.. المبذر هو ذلك الإنسان الذي يصرف المال في غير محله، والمسرف الذي يصرف المال في محله؛ ولكن يتعدى الحد.. مثلاً: من حق الإنسان الطبيعي أن يكون له أثاث في المنزل؛ ولكن لا داعي لهذا الترف الزائد في الحياة، ولهذه المبالغة في اقتناء الأثاث؛ لأنه في هذا الأثاث حق الله ورسوله؟!.. يقول تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ﴾.. البعض منا يتمنى يوم القيامة لو كان فقيرًا مسكينًا في قرى الهند أو السند، ولم يكن في بلاد الغنى والثروة.. هذا الذي كان يكنزه من الذهب والفضة، ﴿فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ﴾!..
ثانياً: هذه الأموال المحبوسة في البنوك والودائع، ماذا سيجيب صاحبها رب العالمين يوم القيامة؟.. ﴿سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾.. القضية مخيفة جدًا!.. ولهذا تفكر ساعة خير من عبادة سنوات!.. عندما يقول الإنسان: يا رب، أنا مستخلَف على المال؛ عندئذ تتحول طريقة صرفه لهذا المال رأساً على عقب.. قالَ رسولُ اللهِ (ص): (لا تزولُ قَدَمَا عَبْدٍ يومَ القيامةِ حتى يُسألَ عنْ أربعٍ: عنْ عُمُرِهِ فيما أفناهُ، وعنْ جسدِه فيما أبْلاهُ، وعنْ مالهِ مِنْ أيْنَ أخذهُ وفيما أنْفَقَهُ، وعنْ عِلمِهِ ماذا عَمِلَ بهِ)، هذه لحظات من المساءلة.. يقال يوم القيامة عندما يؤتي بالأنبياء والمرسلين -ويا له من حساب مخيف- رب العالمين يسأل الناس، ويسأل المرسلين.. فهنالك أمثال أيوب الصابر المبتلى، وهنالك نبي كسليمان أعطي من الملك ما أعطي!.. قال الصادق (عليه السلام): (آخر نبي يدخل الجنة سليمان بن داود (عليه السلام)، وذلك لما أُعطي في الدنيا).. سليمان (عليه السلام) من أهل الجنة، ولكن يبدو أن هنالك ترتيباً في البين.. هذا المقدار من السعة له، بإزائه شيء من الحساب المميز!..
وعليه، فإن الترف من موجبات سد الأبواب.. ولهذا نلاحظ في البلاد الغنية، ليس هنالك ذلك التميز؛ لأن الحياة مشغلة ملهية بالنسبة لهم.. هنيئًا لمن عاش هذا المقدار من الموازنة بين حاجته وحاجة المجتمع وغيره!.. هذا أيضًا من العقبات الكبرى في هذا المجال؛ لأنه لا يمكن الجمع بين عيشة الملوك وبين مزايا أولياء الله في جوف الليل!.. فالإنسان المترف الذي يريد أن تتجلى له سبحات جلال وجه الله -عز وجل- في قنوت صلاة ليله، هذا ينطبق عليه قول الشاعر:
ومكلف الأشياء ضد طباعها *** متطلب في الماء جذوة نار
هل تأخذ النار من الماء؟!.. هذا غير ممكن!.. فعلينا أن نبرمج حياتنا من جديد على كل الأصعدة، في عالم المعنى، وفي عالم المال.
٢. عدم التجانس.. ليس هنالك تجانس بين حياتنا الأسرية والاجتماعية والوظيفية، وبين ما نحمله من عزم.. الذي يعزم على جعل حياته حياة معقولة، ويعمل بهذه الوصايا، ويبرمج حياته من جديد، ويتخذ إلى ربه سبيلاً، قد يجد من يقف في وجهه.. ولكن كما يقال في كتب الفقه: هنالك شأنية في هذا المجال، لكل إنسان شأنه.. بعض الأوقات الزوجة أو الزوج، يكونان عنصر إحباط، كما ورد في القرآن الكريم ﴿مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ﴾.. فهناك من النساء من تغار من الله -عز وجل- عندما يتقرب الزوج إلى الله، ويقيم الليل؛ لأنها تخشى أن يزول حبها من قلبه!.. وكأن هنالك منافسة بينها وبين رب العالمين!.. بينما الرجل كلما زاد إيمانًا؛ زاد رقة وعاطفة.. يقول النبي (ص): (أحـــسن النـــاس إيماناً أحسنهم خلقاً، وألطفهم بأهله، وأنا ألطفكم بأهلي)!.. لأن النبي كان في قمة درجات التكامل!..
إن الذي يعيش وسطاً لا يتجانس مع فكره، عليه بما يلي:
أولاً: التغيير!.. إن المؤمن وجود مغير، ولكن -مع الأسف- البعض يحب العزلة وحياة الدروشة: لا ينهى عن المنكر، ولا يأمر بالمعروف.. هذا الإنسان ضعيف، كما يقال في الرواية: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف)!.. والقوة ليست بمعنى قوة العضلات، فالقضية أعم!.. إنما المراد أنه إنسان صاحب عزم، وله حكومة إلهية في المنزل، قائم بالقسط؛ ولكن ليس بمعنى التحكم في العائلة.. فإذن، من الأمور التي تهيئ الإنسان لحياة فضلى في هذا المجال: أن يغير الوسط، ويكون عنصراً مؤثراً في تغيير هذا الوسط.
ثانياً: تحديد العلاقات!.. إن لم يستطع التغيير، عليه بتحديد العلاقات الاجتماعية.. فالمؤمن إنسان بخيل بوقته: عندما يزور أحداً يمنّ عليه أن قطع من عمره قطعة، وقدمها له.. بعض الناس عندما الآخرون يستقبلونه، يرى أن هذه منة عليه؛ بل بالعكس: هو عندما يذهب، يعطيه من عمره.. يقول البعض: عندما تعطي ساعتك لأحد، ذلك الشخص يشكرك على ذلك، ويراه نوعاً من أنواع الإيثار، وخاصة إذا كانت ذهباً أو مرصعةً بالجواهر؛ فكيف إذا أعطيته ساعة من عمرك؛ هذه الساعة التي تشتري بها الخلود والأبدية؟!.. فهل إعطاء ساعة حديدية؛ هو إيثار، وإعطاء ساعة من الحياة الحقيقية؛ لا قيمة لها؟!.. المؤمن أيضاً يبرمج حياته وعلاقاته الاجتماعية بما يخدم هذا المجال.
الخلاصة:
إن الذي ليست له خطة إستراتيجية في الحياة، وليست له همة للتميز، كي يكون مصداقاً لهذا الحديث النبوي: أن يصبح في يوم من الأيام عينه عين الله، ويده يد الله؛ هذا الإنسان سوف لن يحقق شيئًا في عالم الوجود.
عرصات القيامة..
١. المحاكمة: إن المحكمة الإلهية الكبرى، تكون في عرصات القيامة.. هذه المحكمة يصفها الإمام علي (عليه السلام) وصفاً دقيقاً، قال السجاد (عليه السلام) -في مسجد رسول الله (ص)-: (حدّثني أبي أنه سمع أباه علي بن أبي طالب (عليه السلام) يحدّث الناس، قال: إذا كان يوم القيامة بعث الله -تبارك وتعالى- الناس من حفرهم غرلاً (أي جمع اغرل وهو الاغلف) مهلاً (أي مسرعين) جُرداً (أي جمع أجرد وهو الذي لا شعر عليه) مُرداً في صعيد واحد، يسوقهم النور، وتجمعهم الظلمة، حتى يقفوا على عقبة المحشر، فيركب بعضهم بعضاً ويزدحمون دونها، فيُمنعون من المضي فتشتدّ أنفاسهم، ويكثر عرقهم، وتضيق بهم أمورهم، ويشتدّ ضجيجهم، وترتفع أصواتهم، وهو أول هولٍ من أهوال يوم القيامة.. فيشرف الجبّار -تبارك وتعالى- عليهم من فوق عرشه في ظلال من الملائكة، فيأمر ملَكاً من الملائكة فينادي فيهم:
يا معشر الخلائق!.. أنصتوا واستمعوا منادي الجبّار، فيسمع آخرهم كما يسمع أولهم، فتنكسر أصواتهم عند ذلك، وتخشع أبصارهم، وتضطرب فرائصهم، وتفزع قلوبهم، ويرفعون رؤوسهم إلى ناحية الصوت مهطعين إلى الداعي، فعند ذلك يقول الكافر: هذا يوم عَسِر، فيشرف الله -عزّ وجلّ- ذكره الحكم العدل عليهم فيقول: أنا الله لا إله إلا أنا، الحكم العدل الذي لا يجور، اليوم أحكم بينكم بعدلي وقسطي، لا يُظلم اليوم عندي أحدٌ، اليوم آخذ للضعيف من القوي بحقّه، ولصاحب المظلمة بالمظلمة بالقصاص من الحسنات والسيئات، وأثيب على الهبات، ولا يجوز هذه العقبة اليوم عندي ظالمٌ ولأحد عنده مظلمة، إلا مظلمة يهبها لصاحبها وأثيبه عليها، وآخذ له بها عند الحساب.. فتلازموا أيها الخلائق، واطلبوا مظالمكم عند مَن ظلمكم بها في الدنيا، وأنا شاهد لكم عليهم، وكفى بي شهيدا!..
فيتعارفون ويتلازمون، فلا يبقى أحدٌ له عند أحد مظلمة أو حقٌّ إلا لزمه بها، فيمكثون ما شاء الله فيشتدّ حالهم، فيكثر عرقهم ويشتدّ غمّهم، وترتفع أصواتهم بضجيج شديد، فيتمنون المخلص منه بترك مظالمهم لأهلها.. ويطّلع الله -عزّ وجلّ- على جهدهم فينادي منادٍ من عند الله -تبارك وتعالى- يسمع آخرهم كما يسمع أولهم:
يا معاشر الخلائق!.. أنصتوا لداعي الله -تبارك وتعالى- واسمعوا، إنّ الله -تبارك وتعالى- يقول لكم: أنا الوهاب، إن أحببتم أن تواهبوا فتواهبوا، وإن لم تواهبوا أخذت لكم بمظالمكم.. فيفرحون بذلك لشدة جهدهم، وضيق مسلكهم وتزاحمهم، فيهب بعضهم مظالمهم رجاءَ أن يتخلصوا مما هم فيه، ويبقى بعضهم فيقولون: يا ربّ!.. مظالمنا أعظم من أن نهبها!..
فينادي منادٍ من تلقاء العرش: أين رضوان خازن الجنان، جنان الفردوس؟.. فيأمره الله -عزّ وجلّ- أن يطلع من الفردوس قصراً من فضة، بما فيه من الآنية والخدم، فيطلعه عليهم في حفافة القصر الوصائف والخدم.. فينادي منادٍ من عند الله -تبارك وتعالى-: يا معشر الخلائق!.. ارفعوا رؤوسكم فانظروا إلى هذا القصر!.. فيرفعون رؤوسهم فكلّهم يتمناه، فينادي منادٍ من عند الله -تبارك وتعالى-: يا معشر الخلائق!.. هذا لكلّ مَن عفا عن مؤمن، فيعفون كلهم إلا القليل).
٢. السؤال: بعد أن يموت الجميع، ينفخ في الصور، ويقول تعالى: ﴿لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ﴾؟.. لا من مجيب، هو يجيب: ﴿لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾.. الإنسان الضعيف المسكين، هو الذي يتشبث بحشائش الدنيا، بإنسان ضعيف مثله.. أحد العلماء الكبار كان يقول: كم من القبيح أن يستجدي الفقير من الفقير!.. كل الناس فقراء إلى الله عز وجل!.. ولكن أحدنا عندما يواجه مشكلة في الحياة، قبل أن يلتجئ إلى ربه، يتصل بزيد وعمرو، بمن يُعبّر عنهم بـ”أصحاب الواسطة”.. بينما عليه أن يطرح الأمر بين يدي الله عز وجل، فهو المهيمن، وهو سبب من لا سبب له، وهو سبب كل ذي سبب، وهو مسبب الأسباب من غير سبب.. بعض الأطباء يضع لوحة في عيادته، كُتب عليها: الدواء عندنا، والشفاء عند الله.. عندما يذهب الإنسان إلى الطبيب، ليقل كما قال إبراهيم الخليل (عليه السلام): ﴿وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾.. الإنسان وهو في الحياة الدنيا، عليه أن يرتبط بهكذا إله.. فهو معه في الدنيا، والبرزخ، وفي القيامة.. يقول تعالى في كتابه الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ﴾.. البعض يقول: الآية فيها الجواب، وهو: غرني كرمك.. مع الأسف تركنا العلاقة مع هكذا رب، وتشبثنا بكل زائل، وبكل حشيش.. ولكن يوم القيام هو يوم التغابن، ويوم الحسرة.
٣. الإدانة: إن مواقف القيامة رهيبة!.. فرب العالمين له حساب دقيق، ولكنه رب كريم؛ أي هو عادل، يدين الإنسان ثم يعفو عنه.. حتى في الآية الكريمة تذكر ﴿وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ﴾؛ يحاسبكم، أي يدينكم، ثم يقول: عفوت عنكم.. مثلاً: هناك إنسان في يوم من الأيام همّ بالزنا، بئس ما همّ به!.. ولكن رب العالمين لا يحاسبه على ذلك.. فإذن، هنالك عتاب، وهنالك حساب، ولكن الحساب لا يلازم العقاب دائمًا، وهذا الرواية دليل على كرم الله -عز وجل- ورأفته بالعباد.. (بينا رسول الله (ص) جالس إذا رأيناه ضاحكاً حتى بدت ثناياه، فقلنا: يا رسول الله!.. ممّ ضحكت؟.. فقال: رجلان من أُمّتي جيئا بين يدي ربّي، فقال أحدهما: يا ربِّ!.. خذ لي بمظلمتي من آخر، فقال الله تعالى: أعطِ أخاك مظلمته، فقال: يا ربِّ!.. لم يبقَ من حسناتي شيء، فقال: يا ربِّ!.. فليحمل من أوزاري، ثم فاضت عينا رسول الله (ص) وقال: إنّ ذلك اليوم ليوم تحتاج الناس فيه إلى مَن يحمل عنهم أوزارهم، ثم قال الله -تعالى- للطّالب بحقه: ارفع بصرك إلى الجنّة فانظر ماذا ترى؟.. فرفع رأسه فرأى ما أعجبه من الخير والنعمة، فقال: يا ربِّ لِمَن هذا؟!.. فقال: لِمَن أعطاني ثمنه، فقال: يا ربِّ ومَن يملك ثمن ذلك؟.. فقال: أنت ، فقال: كيف بذلك؟.. فقال: بعفوك عن أخيك ، فقال: قد عفوت، فقال الله تعالى: فخذ بيد أخيك فادخلا الجنّة.. فقال رسول الله (ص): ﴿فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ﴾).. البعض منا يموت، ويظن أنه على خير، ولكن يفاجأ بملفات الخمر والزنا والربا تأتيه من كل مكان.. وما ذلك إلا لأن هنالك قوماً يطلبونه، فيأخذ من معاصيهم.. قد يقول قائل: يا له من حديث لطيف مفرح!.. يوم القيامة كلما تورطنا، رصب العالمين يعطي القصور للطالبين.. ولكن هذه المعاملة قد تكون خاصة للبعض، وليست لكل إنسان.
٤. التجاوز: ورد في الخبر عن الإمام الصادق (عليه السلام): (إنّ آخر عبد يُؤمر به إلى النار يلتفت فيقول الله عزّ وجلّ: أعجلوه، فإذا أُتي به قال له: يا عبدي!.. لمَ التفتّ؟.. فيقول: يا ربّ!.. ما كان ظني بك هذا، فيقول الله جلّ جلاله: عبدي، وما كان ظنك بي؟!.. فيقول: يا ربّ!.. كان ظني بك أن تغفر لي خطيئتي، وتسكنني جنّتك.. فيقول الله: ملائكتي!.. وعزّتي وآلائي وبلائي وارتفاع مكاني، ما ظنّ بي هذا ساعة من حياته خيراً قطّ، ولو ظنّ بي ساعة من حياته خيراً، ما روّعته بالنار.. أجيزوا له كذبه، وأدخلوه الجنّة)!.. هذا الرواية أيضاً مؤملة، ولكن من يتذكر هذه الكلمة في عرصات القيامة؟!..
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.