- ThePlus Audio
عباد الرحمن في سورة الفرقان
بسم الله الرحمن الرحيم
صفات عباد الرحمن في سورة الفرقان
لقد تناولت سورة الفرقان في وصف بليغ؛ من خلال بعض آياتها الكريمة الضوابط العامة لعباد الله الصالحين الذين اصطفاهم الله عز وجل؛ حيث تبتدأ بقوله سبحانه: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا)[١].
الجمع بين التذلل والترفع..!
فمن صفات عباد الرحمن أنهم يجمعون بين حالة التذلل وحالة الترفع، وإن كان يبدو الجمع بينهما بحسب الظاهر غير ممكنا إلا أنه سيأتي مزيد بيان حول ذلك. فأما الذلة للمؤمن فهي ذلة محمودة ومنشأها الخوف والخشية من رب العالمين وليست من سنخ تذلل المتملقين للأغنياء طمعا لما في أيديهم أو ذلة الخائفين من سطوة الجبارين. وقد أكد القرآن الكريم على هذه العزة بقوله سبحانه: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ)[٢]. ولم يؤذن للمؤمن أن يذل نفسه ولكنه يتواضع للآخرين ولا يتميز عنهم، وكلما رأى أحد من الناس يقول: هو خير مني؛ فشره باطن وخيره ظاهر. وكيف له أن يحكم على بواطن الناس المحجوبة عنه؟
اجتناب الحكم على الآخرين
ولو فرضنا أنك خبرت باطن الشخص وعرفت ما يخفيه فأنى لك بمعرفة نفسك وهي نفيسة لا يظفر باكتسابها إلا النزر القليل؟ ولو فرضنا أنك عرفت باطن الشخص ورأيت نفسك خير منه، فأنى لك بمعرفة عواقب الأمور وكيف ستنتهي بك أو به الحياة؟ هل ستضمن لنفسك البقاء في دائرة المؤمنين والحال أن عند ساعة الموت يجهل الإنسان خاتمته؟ ومادام الرجل يعتقد بأصول الدين فلا يحكم عليه بشيء ولابد أن يحمل على الخير؛ اللهم إلا إذا خرج من الإيمان إلى الكفر فعندها يختلف الأمر.
كيفية معاملة الجاهلين والسفهاء
وتصف الآية عباد الله بـ (الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا)؛ أي بتواضع، (وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا)؛ أي هم مسالمون في مقام العمل وليس القول فقط. وبحسب الروايات الشريفة: (لَوْ أَنَّ رَجُلاً عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ، لَبَعَثَ اَللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَلَيْهِ شَيْطَاناً يُؤْذِيهِ)[٣]. والمؤمن في حياته لابد وأن يبتلى بجهلة من أرحامه أو جيرانه أو زملائه أو من العموم ممن يواجههم في حياته. ولو أراد أن ينزل إلى مستوى كل من جهل عليه أو ويسف إسفافهم؛ فإنه ينشغل بهم عن المهم من أمور حياته وآخرته بل يترفع في هذا المقام كما يتذلل عند. ولا يكون المؤمن في لحظة الغضب وتجاوز أي حد من حدود الله عز وجل مؤمنا وإن كان قبل ذلك يعد من العباد الزهاد؛ لأنه عند الغضب وتجاوز الحد يفقد الإنسان وزنه وقيمته. وإذا كان الأمر كذلك؛ فلماذا يقيم وزنا لما لا وزن له؟!
طول السجود سنة الأوابين
ثم تذكر الآيات صفة أخرى من عباد الرحمن فتقول: (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا)[٤]. وهؤلاء يشعرون بلذة كبيرة في السجدة الطويلة. وكذلك هي الروايات تؤكد بشكل كبير على أهمية السجدة الطويلة. وليست السجدة هي هذا الانحناء الجسدي فحسب؛ بل السجدة الحقيقية هي سجدة الروح وهي حركة قلبية. وللساجدين عوالم لا تقدر ولا تستغرق بصفة؛ فلهم سير في عالم البرزخ وعالم الغيب لا يعلم لذتها إلا سالكوها..! ولقد كان سلمان المحمدي رضوان الله عليه يقول: (لَوْ لاَ اَلسُّجُودُ لِلَّهِ وَمُجَالَسَةُ قَوْمٍ يَتَلَفَّظُونَ طَيِّبَ اَلْكَلاَمِ كَمَا يُتَلَفَّظُ طَيِّبُ اَلتَّمْرِ لَتَمَنَّيْتُ اَلْمَوْتَ)[٥].
حال عباد الرحمن في الليل
إن السجود في عرف الأولياء والصلحاء، يعتبر سياحة روحية، وما أروعها من سياحة لا تكلف مالاً ولا تعباً، وهي متاحة في أية ساعة من ساعات الليل والنهار. وتزداد لذة السجود عند السحر؛ حيث الناس نيام إلا القليل من أهل السجود؛ فيقوم ملتحقا بهم. وقوله: (يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا) يعني أنه يغلب عليهم السجود في ساعات الليل الطويلة. والذين يقولون: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا)[٦] فهم على ما هم عليه، وعلى الرغم من إلتزامهم يستشعرون الخوف والوجل. والغرام ما ينوب الإنسان من شدة أو مصيبة فيلزمه، ولا يفارقه، فكذلك نار جهنم تلزم الإنسان، ولا تنفك عنه.
تصرفات عباد الرحمن المالية
ثم تصف الآية تصرفاتهم المالية فتقول: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا)[٧]. فالمؤمن أمين على مال الله عز وجل، يضعه حيث يأمر الله عز وجل به.
ثم في ختام هذه السورة آية مؤثرة وبليغة في العتاب وهو قوله سبحانه: (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ)[٨]. وما قيمة هذا الإنسان الذي يدب على وجه البسيطة ثم ينتهي به المطاف في باطنها قد تحول إلى تراب؟ وما وزنه عند الله حتى يعتني به ويعبأ به؟ وما فرقه عن سائر الجمادات والنباتات والحيوانات لولا تمكنه من الدعاء؟!
وليس الدعاء ألفاظ يتحرك بها اللسان بل حركة تصدر عن القلب. وليس اللسان إلا كاشف عما يحويه القلب؛ فإذا كان القلب خاويا لم تكن لحركة اللسان رصيد باطني، وحاله حال من يملك عشرات الحسابات في المصارف وليس عنده درهم واحد في مصرف من المصارف.
خلاصة المحاضرة
- لو فرضنا أنك خبرت باطن الشخص وعرفت ما يخفيه فأنى لك بمعرفة نفسك وهي نفيسة لا يظفر باكتسابها إلا النزر القليل؟ ولو فرضنا أنك عرفت باطن الشخص ورأيت نفسك خير منه، فأنى لك بمعرفة عواقب الأمور وكيف ستنتهي بك أو به الحياة؟ هل ستضمن لنفسك البقاء في دائرة المؤمنين.
- ليس الدعاء ألفاظ يتحرك بها اللسان بل حركة تصدر عن القلب. وليس اللسان إلا كاشف عما يحويه القلب؛ فإذا كان القلب خاويا لم تكن لحركة اللسان رصيد باطني، وحاله حال من يملك عشرات الحسابات في المصارف وليس عنده درهم واحد في مصرف من المصارف.