- ThePlus Audio
ظلم أمير المؤمنين (عليه السلام) من قبل المحبين
بسم الله الرحمن الرحيم
كيف ظلم أمير المؤمنين ( عليه السلام) من قبل المحبين؟
إن الحديث عن أمير المؤمنين (ع) حديث ذو شجون؛ فهو حديث عن شخصية ما عرفها إلا الله والرسول. ولكننا سنحاول أن نلتمس شيء من معالم هذه الشخصية العظيمة. وسيكون الحديث – وإن بدا غريبا عند البعض – عن ظلم أمير المؤمنين (ع) من قبل المحبين والموالين له؛ فلم يظلم أمير المؤمنين (ع) من قبل أصحاب الجمل والخوارج ومعاوية وكل من ناصبه العداء؛ بل نحن الذين ندعي حبه ونعتقد بولايته قد ظلمناه إلى حد ما.
وفي قوله تعالى: (وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)[١] إشارة إلى أن الظلم قد لا يلازم العداء دائما؛ بل قد يظلم الإنسان نفسه التي بين جنبيه. والظلم هو أن لا تعطي صاحب كل حق حقه. فإذا امتنع الوالد عن تأدية حق الولد فسيكون ظالما له أحب الولد أو كره. ونحن قد ظلمنا عليا (ع) حينما قطعناه إلى قطع تلائم أمزجتنا؛ فمثله كمثل صورة جميلة احتوت على جميع صور الجمال؛ بيد أن كل ناظر يستهويه من هذه الصورة ما يناسب مذاقه.
شجاعة أمير المؤمنين (عليه السلام)
فمن صور الظلم لأمير المؤمنين (ع): أن ينظر له فقط باعتباره ذلك البطل الشجاع الذي لا نظير له في الشجاعة، والذي كان يكر في الحروب ويروّع الأعداء بسيفه ذي الفقار. ولقد حفظ لنا التاريخ من صولات الشجعان الكثير إلا أنه لا يضاهي أمير المؤمنين (ع) في الشجاعة أحد منهم؛ لأنه كان يستمد القوة من ارتباطه بالله عز وجل وبعالم الغيب. وقد أشار إلى ذلك بقوله: (وَاَلله مَا قَلَعْتُ بَابَ خَيْبَرَ بِقُوَّةٍ جَسَدَانِيَّةٍ وَلاَ بِحَرَكَةٍ غَذَائِيَّةٍ لَكِنِّي أُيِّدْتُ بِقُوَّةٍ مَلَكِيَّةٍ وَنَفْسٍ بِنُورِ رَبِّهَا مُضِيَّةٍ)[٢]. ولم يقم الإسلام إلا بسيفه ولقد قال عنه النبي (ص) عندما برز إلى عمرو بن ود في يوم الأحزاب: (لَضَرْبَةُ عَلِيٍّ يَوْمَ اَلْخَنْدَقِ أَفْضَلُ مِنْ عِبَادَةِ اَلثَّقَلَيْنِ، وَقَالَ أَيْضاً: بَرَزَ اَلْإِيمَانُ كُلُّهُ إِلَى اَلْكُفْرِ كُلِّهِ)[٣].
لأن الإسلام كان في منعطف خطير، ولولا سيف علي (ع)، لقضي على الإسلام، وقتل الرسول (ص) واستبيحت المدينة. وبلا شك أن إكمال مسيرة الرسالة، أهم ممن يسير في المسيرة بأفعاله وأقواله. فعلي (ع) كان له دور – بتوجيه الرسول (ص) – في إكمال حركة الإسلام وقطف ثماره، فما من حرب من الحروب المهمة؛ إلا وسيف علي يجلو الكروب عن وجه الرسول (ص)، وعن وجه المسلمين جميعا.
زهد أمير المؤمنين (عليه السلام)
ومن صور الظلم لأمير المؤمنين (ع): أن ينظر إليه فقط باعتباره ذلك الزاهد العابد الذي لم يعلم منه إلا الدعاء والبكاء والأنين، وأنه العارف الذي حير العقول، وأذهل الزهاد عبر العصور. وقد كان هو كذلك؛ إذ لا توجد فرقة من فرق المتصوفة، أو ممن يدعون السير إلى الله تعالى، إلا ويقدسون علياً (ع)، الذي بلغ من العبادة ما لا تحتمله العقول. وقد كانت تعتريه الغشية من خشية الله تعالى؛ حتى يظن بأنه قد فارق الحياة.
وللشريف الرضي رضوان الله عليه كلام جميل في زهد أمير المؤمنين (ع) إذ يقول: (ومن عجائبه (ع) التي انفرد بها، وأمِنَ المشاركة فيها، أنّ كلامه (ع) الوارد في الزهد والمواعظ، والتذكير والزواجر، إذا تأمله المتأمل، وفكر فيه المتفكر، وخلع من قلبه أنه كلام مثله ممن عظم قدره، ونفذ أمره، وأحاط بالرقاب ملكه، لم يعترضه الشك في أنه من كلام من لا حظّ له في غير الزهادة، ولا شغل له بغير العبادة، قد قبع في كسر بيت، أوانقطع إلى سفح جبل، لا يسمع إلاّ حسّه، ولا يرى إلاّ نفسه، ولا يكاد يوقن بأنه كلامُ من ينغمس في الحرب مصْلِتاً سيفه، فيقُطّ الرقاب، ويُجَدِّل الابطال، ويعود به ينْطُفُ دَماً، ويقطر مُهَجاً، وهو مع تلك الحال زاهد الزهّاد، وبدَلُ الابدال)[٤].
كرامات أمير المؤمنين (عليه السلام) ومعجزاته
ومن صور الظلم التي تعرضها لها أمير المؤمنين (ع): أنه ينظر إليه بما صدرت منه من كرامات ومعجزات فحسب. وقد يطلب المرء من أمير المؤمنين (ع) حاجته فإذا قضيت فذاك وإذا لم تقضى وجه العتب والملامة للإمام. والحال أن كرامات الأئمة (ع) أمر لا ينكر ومشهود لهم بها إلى قيام الساعة؛ إلا أن ذلك محكوم بمشيئة الله عزوجل لحكمة ما، أو لإمضاء هدف مقدس: كنشر لرسالة، أو تبليغ لدعوة، ونحن نفتخر بما صدر من علي (ع) من كرامات، وليس ذلك إلا بعد من أبعاد شخصيته.
ومن صور الظلم لأمير المؤمنين (ع): أن يجعل وسيلة لقضاء الحوائج عند الشدائد والأزمات. فترى البعض – للأسف الشديد – يبالغ في التوجه والتفاعل إذا ما كانت له حاجة فقط. أما إذا كانت حاله طيبة وكان في سعة ورخاء، نلاحظ أن زيارته تخلو من أدنى تفاعل، يكشف عن لواعج المحبة والشوق والأسى لظلامته (ع).
ادعاء الولاء ومخالفة الولي..!
وكذلك من أعظم صور الظلم لأمير المؤمنين (ع): أن لا نكون على مستوى ادعاء الولاية والمشايعة له (ع)، بأن نسير على خلاف النهج الذي سار عليه. والحال بأن الإيمان لا ينفك عن: إعتقاد في القلب، وإقرار باللسان، وعمل بالأركان. فالولاية معنى جامع لما ذكرنا وليست مجرد وسام افتخار يعلقه الموالي على صدره..! كما أن المشايعة تعني المتابعة للمشايَع في كل خطواته.
وقد روي روي عن الإمام الباقر (ع) في صفة الشيعة أنه قال: (يَا جَابِرُ أَ يَكْتَفِي مَنْ يَنْتَحِلُ اَلتَّشَيُّعَ أَنْ يَقُولَ بِحُبِّنَا أَهْلَ اَلْبَيْتِ فَوَاَللَّهِ مَا شِيعَتُنَا إِلاَّ مَنِ اِتَّقَى اَللَّهَ وَأَطَاعَهُ وَمَا كَانُوا يُعْرَفُونَ يَا جَابِرُ إِلاَّ بِالتَّوَاضُعِ وَاَلتَّخَشُّعِ وَاَلْأَمَانَةِ وَكَثْرَةِ ذِكْرِ اَللَّهِ وَاَلصَّوْمِ وَاَلصَّلاَةِ وَاَلْبِرِّ بِالْوَالِدَيْنِ وَاَلتَّعَهُّدِ لِلْخَيْرَاتِ مِنَ اَلْفُقَرَاءِ وَأَهْلِ اَلْمَسْكَنَةِ وَ اَلْغَارِمِينَ وَاَلْأَيْتَامِ وَصِدْقِ اَلْحَدِيثِ وَتِلاَوَةِ اَلْقُرْآنِ وَكَفِّ اَلْأَلْسُنِ عَنِ اَلنَّاسِ إِلاَّ مِنْ خَيْرٍ وَكَانُوا أُمَنَاءَ عَشَائِرِهِمْ فِي اَلْأَشْيَاءِ
قَالَ جَابِرٌ فَقُلْتُ يَا اِبْنَ رَسُولِ اَللَّهِ مَا نَعْرِفُ أَحَداً اَلْيَوْمَ بِهَذِهِ اَلصِّفَةِ فَقَالَ يَا جَابِرُ لاَ تَذْهَبَنَّ بِكَ اَلْمَذَاهِبُ حَسْبُ اَلرَّجُلِ أَنْ يَقُولَ أُحِبُّ عَلِيّاً وَأَتَوَلاَّهُ ثُمَّ لاَ يَكُونَ مَعَ ذَلِكَ فَعَّالاً فَلَوْ قَالَ إِنِّي أُحِبُّ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَرَسُولُ اَللَّهِ خَيْرٌ مِنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ثُمَّ لاَ يَتَّبِعُ سِيرَتَهُ وَلاَ يَعْمَلُ بِسُنَّتِهِ مَا نَفَعَهُ حُبُّهُ إِيَّاهُ شَيْئاً فَاتَّقُوا اَللَّهَ وَاِعْمَلُوا لِمَا عِنْدَ اَللَّهِ لَيْسَ بَيْنَ اَللَّهِ وَبَيْنَ أَحَدٍ قَرَابَةٌ أَحَبُّ اَلْعِبَادِ إِلَى اَللَّهِ أَتْقَاهُمْ وَأَعْمَلُهُمْ بِطَاعَةِ اَللَّهِ يَا جَابِرُ وَاَللَّهِ مَا يُتَقَرَّبُ إِلَى اَللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ إِلاَّ بِالطَّاعَةِ مَا مَعَنَا بَرَاءَةٌ مِنَ اَلنَّارِ وَلاَ عَلَى اَللَّهِ لِأَحَدٍ مِنْ حُجَّةٍ وَمَنْ كَانَ لِلَّهِ مُطِيعاً فَهُوَ لَنَا وَلِيٌّ وَمَنْ كَانَ لِلَّهِ عَاصِياً فَهُوَ لَنَا عَدُوٌّ مَا يَنَالُ وَلاَيَتَنَا إِلاَّ بِالْعَمَلِ وَاَلْوَرَعِ)[٥].
شفاعة أمير المؤمنين (عليه السلام) لشيعته ومواليه
وقد يتوغل البعض في المعاصي اتكالا على الشفاعة؛ والحال أن المؤمن يسعى سعيا حثيثا ويبذل جهده في جلب رضا الله سبحانه واتقاء غضبه؛ ثم إذا قصرت به حسناته ورجحت سيئاته تدركه شفاعة الأمير وأولاده (ع) حيث الرحمة الإلهية الغامرة. ولا مانع أبداً من أن يجعل الله تعالى شفعاء بينه وبين عباده، تحقيقاً لمشيئته في الرحمة، وتكريماً لأوليائه المقربين، كالملك أو الأمير الذي يوزع الجوائز على أيدي وزرائه.
سياسة أمير المؤمنين (عليه السلام)
وقد ينظر إلى أمير المؤمنين (ع): باعتباره السياسي وأنه حاكم عادل بارع في كل قواعد السياسة. ولهذا قال ذلك الرجل المسيحي[٦] وما أروع ما قال: (إن الذين قالوا إن علياً لا يعرف السياسة، يريدون أن يكون كغيره، ويأبى علي إلا أن يكون علي بن أبي طالب).
كيف ننظر إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)؟
إن شخصية علي (ع) هي الشخصية التي جمعت الأضداد وحيرت العقول وأذهلت الألباب. ومن الظلم أن ينظر إليه من زاوية من الزوايا دون الأخذ بالاعتبار كل زوايا شخصيته العظيمة.؛ بل علينا أن ننظر إليه نظرة شاملة، على أنه خليفة الله في أرضه، الذي حقق هدف الخلقة، والذي رفع استغراب الملائكة عند خلق آدم حتى قالوا: (قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ)[٧].
وبعبارة مختصرة جامعة : علي (ع) هو التجلي البشري الأرضي لأسماء الله الحسنى، بمقدار ما يأذن الله عزوجل بتجلي صفاته في عبد مخلوق. فلنكن في جامعية علي (ع) في عبوديته، وفي خُلقه، وفي علمه، وفي سعيه وجهاده، وفي كل صوره الجمالية التي أعجبتنا فعشقناها وأخذنا منها ما يناسبنا.
خلاصة المحاضرة
- علي (ع) هو التجلي البشري الأرضي لأسماء الله الحسنى، بمقدار ما يأذن الله عزوجل بتجلي صفاته في عبد مخلوق. فلنكن في جامعية علي (ع) في عبوديته، وفي خُلقه، وفي علمه، وفي سعيه وجهاده، وفي كل صوره الجمالية التي أعجبتنا فعشقناها.