– إن التكامل الروحي والنفسي والفردي، لا يتم إلا من خلال الأسرة السعيدة.. ما دام الفرد إنسانا أعزب، لا مسؤولية له؛ عليه أن يغتنم الفرصة ما قبل الزواج، هذه الفترة ما قبل الزواج بمعنى من المعاني من الساعات الذهبية في العمر، حيث أن الإنسان يكون دون مسؤولية اجتماعية، دون زوجة، دون أولاد؛ أي عنده حالة من الفراغ.. ومع الأسف الشباب لا يغتنمون هذه الفرصة الطيبة، بل يفكرون في الزواج، وعندما يتزوجون يقولون: ألا ليت الشباب يعود يوماً فأخبره بما فعل المشيبُ!..
– إن الإنسان الذي تزوج إذا لم يُحكم أساس العائلة، وهذا الجو الاجتماعي؛ من الممكن أن يقع في هفوات وفي مطبات، حتى في علاقته الروحية مع رب العالمين.. إن عددا قليلا جداً من الأزواج يعتقدون أنهم تزوجوا بالفضلى، وعددا قليلا من الزوجات يعتقدن أنهن تزوجن بالأفضل.. فالقلة الذين يقولون: نعم هذا خير الموجودين.. أما ما تبقى فإنهم يقولون: لو صبرت، ولو بحثت؛ لعلي عثرت على الأفضل!.. هذا في قلوب الرجال والنساء جميعاً.. فما هو الحل؟..
– إن هناك عبارة جداً جميلة، بعض الروايات على اختصارها تفتح لنا أبواب من الحكمة، تقول الرواية: (إذا لم يكن ما تريد، فأرد ما يكون)؛ أي هذا هو المقسوم، فوطّن نفسك عليه، ولا تحاول أن تعيش عالما مثاليا.. البعض -مع الأسف- لا يحاول أن يتأقلم مع الوضع الذي هو فيه، فهذه الدنيا كما هو معروف:
طبعت على كدر وأنت ترومها *** صفواً من الأقذار والأكدار
ومكلف الأيام ضــد طباعها *** متطلب في الماء جذوة نار
أي أن الذي يريد الراحة في هذه الحياة الدنيا -كما يقول الشاعر- يريد قبسا من النار، وهو في أعماق البحار؛ وهذا لا يمكن!.. لذا علينا أن نعتقد هذه الحقيقة: أن الدنيا دار كَبَد، ودار تعب، ودار معاناة.. فإذن، إن العاقل من أول يوم لا يتوقع الأمور المثالية، ولا يتوقع زيادة عما قد قسم له، وعليه أن يتأقلم مع الوضع الموجود؛ فليس الحل دائماً في قلب الأمور.. مثلا: هناك إنسان متزوج، وله عائلة، وله ذرية، وله سمعة، وله مكانة.. فلم تعجبه زوجته في موقف من المواقف، هل يفكر في تحطيم هذا العش الزوجي؟.. ولهذا في الفقه الإمامي: أن الإنسان لو قال بملء فمه مرة في حال غضب يقول للزوجة: أنتِ طالق.. أو قال في حال وعي وبكل هدوء: أنتِ طالق، طالق، طالق -ثلاث مرات- لا تقع الطلقات الثلاث، وإنما الطلقة الواحدة أيضاً لا تقع.. إذ لابد من وجود شاهدين عادلين، وليس من السوق.. بعض العلماء يرفض أن يكون شاهدا على الطلاق، وسبب وجود شاهدين، للتدخل في محاولة للصلح.. الإسلام جعل عراقيل؛ كيلا يقع الإنسان في هذه الورطة.. أما الزواج فأمره ميسر، حيث أن باستطاعة الإنسان أن يتزوج في كل زمان ومكان، بمجرد وقوع العقد، فإن الموضوع لا يحتاج إلى شهود.. أما في الطلاق جعل هذه العقبات.
فإذن، إن العاقل هو الذي يوازن الأمور.. هل من شك أن الخمر والميسر والأزلام، كل هذه من الأمور الضارة بالإنسان، ولكن القرآن الكريم يقول: {وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا}.. لعل هناك نفعا من الخمرة، وهي أن الإنسان يرتاح من مشاكله لمدة نصف ساعة أثناء السكر.. ولكن مقابل هذه الفائدة، هناك أضرار كبيرة جداً، وهذا التسكين ليس بعلاج للمشاكل.. والمؤمن دائماً يحاول أن يوازن بين الأرباح وبين الخسائر، فبني آدم دائما بين نارين: نار الغضب، ونار الشهوة.. وعليه، فإن الإنسان في حال غضبٍ أو شهوة أو غيره؛ طبعاً شهوة غير زوجته، وتارة في الغضب على زوجته، وفي كلا الحالتين لا يفكر تفكيرا سليما.. أما المؤمن فإنه يرضى بالأمر الذي هو واقع فيه، ويتأقلم مع كل الظروف، ويحسب جيدا الأرباح والخسائر.. وأسباب الانفصال غالباً لا تتناسب أبداً مع هذه الواقعة المؤلمة في حياة المجتمع، حيث أن الأم تترك المنزل، ويتشرد الأولاد.. فالأولاد الذين يتربون في ظل خلاف بين الأبوين: يوم صلح، ويوم خلاف؛ يكون الأمر أهون من الانفصال.. فالولد الذي يرى والدته في حالة: فقر، وأذية، واكتئاب، ومرض نفسي، وأمراض.. ماذا سيحصل في قلبه عندما يرجع إلى المنزل، ليرى زوجة أب جديدة مدللة، ومكرمة، ومنعمة، وقد جلست مجلس الأم في هذا المنزل؟.. فهو قد لا يبدي شيئا من هذا الأذى؛ احتراماً لأبيه.. وهنا الكارثة عندما لا يعرف الأولاد من الذي يجب إرضاؤه: الأم، أو الأب؟..
– إن الإنسان الذي يربي ذرية إلى سن العشرين أو الثلاثين، لماذا يفرط بها لأجل شهوة ساعة؟.. لماذا يفرط بهذه الذرية لأجل نزوة تنطفئ خلال أيام وليال، ويرى ذرية مشاكسة؟.. بعض الأولاد لعله لو دخل أحد إلى قلوبهم، لوجد من ضمن أمانيهم في هذه الحياة، أن يموت الأب قبل موعده؛ كي يرتاحوا من هذه المشاكسات، وكي ينعموا بشيء من المال من إرثه، وخاصة إذا كان الإرث يُعتد به.. ما هذه الحالة إنسان يتمنى موت أبيه أو العكس؟.. إن ثروة الإنسان بعد الموت هي هذه الذرية، عن الإمام الصادق (ع): (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به من بعده، أو ولد صالح يدعو له).. اليوم عملٌ ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل.
صدقةٌ جارية.. إن على المؤمن أن يطلب من الله -عز وجل- أن يوفقه لهذه الصدقة الجارية!.. إذا أراد أحد أن يغبط امرأة في التاريخ القريب، فليغبط هذه المرأة التي بنت هذا المسجد الضخم بجوار الرضا -صلوات الله وسلامه عليه-.. قبة زرقاء أكبر من قبة الرضا -عليه السلام-، ويعتبر مسجد ليس فقط تحت القبة حتى الساحة من المسجد.. صلاة الجمعة تقام في هذا المسجد، والدروس، وصلاة الجماعة، والمجالس.. وهذه المرأة اسمها جوهر شاه، يقال بأنها كانت من الأميرات.. هذه المرأة ما وفقت لهذا الأمر، لولا أن الله -عز وجل- كتب لها التوفيق.. هنيئاً لها في عالم البرزخ!.. في السنة كم مليون زائر يدخلون هذا المسجد ويصلون، ورب العالمين وفي وكريم.. -يحكى عن هذه الأميرة أنه عشقها أحد العمال الذين كانوا يعملون في بناء المسجد، وطلبها للزواج.. فهذه الأميرة المؤدبة وافقت، ولكنها اشترطت أن يقوم لصلاة الليل أربعين ليلة، فوافق على هذا الشرط.. وبعد أن مضى أربعين يوما، انصرف حبها من قلبه، وتعلق بحب ربه-.. عن الصادق (ع): (لو جرى المعروف على ثمانين كفّاً، لأوجروا كلهم، من غير أن ينقص عن صاحبه من أجره شيئاً).. فالكل يُعطى ذلك الأجر، لأنهم كانوا الوسيلة في إيصال هذا الأمر.
علم يُنتفع به.. العلم الذي يُنتفع به: تارة يكون تأليفاً، وتارة تحقيقاً، وتارة كتاب مؤلف قديم يحقق، وتارة يكون هناك كتاب لطيف فالإنسان يُحشيه ملاحظات على هذا الكتاب، وتارة تمويلاً؛ أي يمول الكتاب كي يطبع.. هذا كله ضمن هذا السياق.
ولدٌ صالح يدعو له.. بعض الأبناء ليس فقط يذكر أباه في الأربعينية، أو في يوم وفاته.. بل في كل سنة بمناسبة سنوية أبيه، يقيم ذكرى فاتحة لأبيه، يدعو الخطيب، ويقرأ القرآن، ويعمل الصالحات عن روح أبيه.. نعم، هنيئاً للأب الذي يمتلك هكذا ولد!..
فإذن، الولد الذي ينتفع به، هو الولد الذي يدعو لوالديه.. وهذا الولد لا يأتي من الفراغ، لا يأتي من العرش.. هذا الولد يحتاج إلى مقومات: منها قبل الزواج (تخيروا لنطفكم؛ فإن العرق دساس)؛ أي أن للآباء وللأجداد وللجو الذي نشأت فيه الفتاة دورا في صلاح الأولاد.. لذا على الشاب أن لا يجعل النصيب الأكبر للجمال والشكل، عندما يعلم الإنسان أن هذه البنت تربت في بيئة طاهرة نظيفة، لم تأكل الحرام طوال حياتها، ولم تصادق شاباً غيره؛ طبعاً هذه لها مزايا، ومن المتوقع أن تنجب له ذرية صالحة.. وعليه، فإن اختيار الأم قبل الزواج شيء ضرور ومهم لتكوين الجو العائلي المستقر، ومن أجل إنجاب ذرية صالحة.
– إننا لا نتوقع أن تكون وجهات النظر متطابقة، ولكن إيانا والخلاف أمام الآخرين!.. فالمرأة في أول هفوة للرجل تخبر أمها بذلك، والأم عاطفية وخاصة إذا كان عندها مشاكل نفسية مع زوجها.. وإذا بها تنشر الملفات أمام الآخرين، فينتهي الموضوع.. على الزوج أن يتجنب أول خلاف مع الزوجة، حتى لو صالحها، ولو قبل رأسها، ولو هي قبلت رأسه؛ فهذا بمثابة إناء كُسر ثم ألصق.. الصلح جيد، ولكن هذا الإناء كُسر، وإذا صار هناك كسرة ثانية وثالثة ورابعة؛ فإن الحياء يرتفع، والإنسان لا يرى عفة لهذه الحياة الزوجية.. فكما أن هنالك بكارة في المرأة، كذلك هنالك بكارة في الحياة الزوجية.. الإنسان عندما يفشي سره، والناس تعرف سره، تصبح الحياة حياة ثيبة ليست حياة عذراء.. ومن الممكن للإنسان أن يُبقي عذرية الحياة الزوجية إلى ساعة الموت.
– إن تربية الأولاد تحتاج إلى بيئة صالحة، ثم يأتي دور الدعاء.. هناك من يطلب ذكراً لعلاج الغضب، أو لعلاج الشهوة، أو لتربية الأولاد.. ولكن الدين يقول: إعقلها ثم توكل!.. فالمؤمن يقدم كل ما عنده من أسباب الفوز والنجاح، وأخيراً يقول: اللهم تقبل منا!.. إن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- في يوم بدر لم ينم في بيته، بل خرج مع ثلاثمائة و13 من البدريين أعدهم، ثم قال صلوات الله على نبي الرحمة: (اللهم!.. إن تهلك هذه العصابة، لا تعبد في الأرض).. هذا هو الأسلوب، ألم يكن بإمكان النبي (ص) أن يجلس في مسجده، ويدعو على قريش بأبلغ أنواع الدعاء؟!.. ولكن هذه سنة الحياة، إذن علينا أن نهيئ الأرضية ثم ندعو.
بماذا ندعو؟..
– إن على المؤمن بالإضافة إلى أدعية أهل البيت، أن يمزج هذا بهذا: أي قسم من دعاء الإنسان لذريته، يكون مقتبسا من الصحيفة، وقسم من غير الصحيفة.. ولكن إن كان مستعجلاً يريد أن يدعو بدعوة بسيطة لذريته، وهذا الدعاء ليس خاصا بالمتزوجين، حتى الأعزب يطلب من الله -عز وجل- في المستقبل، هذا الدعاء عندما يتراكم قبل الزواج تأثيره يكون أكثر، يقول: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}؛ هناك فرق فقهي كبير بين البيع وبين الهبة: الهبة أن تعطي إنسانا مالاً بلا مقابل، والبيع أن تعطيه بضاعة وتأخذ منه مالاً.. والدعاء هنا؛ أي يا رب هب لي ذرية، أنا ليس عندي ما أعطيك، وكيف أربي ذرية صالحة وأنا إنسان جاهل: لا علم، ولا فضيلة، ولا قدرة على التأثير.. ولكن ربِ هب لي ذرية صالحة.. الآن لا ترى المصلحة أن تعطيني ذرية صالحة، فلتكن من أحفادي.. رحم الله الشيخ عبد الكريم الحائري، مؤسس الحوزة المباركة في قم؟.. والد الشيخ كان إنساناً بسيطا، كان مبتلى بزوجة لا تنجب له.. فرأى أن من الصالح أن يتزوج زيجة ثانية، وثالثة، ولعله رابعة.. أخذ يكثر من النساء، لعل إحدى هذه النساء تحمل بذرية.. -قد رب العالمين يجعل من يشاء عقيماً، بعض الأوقات بالدعاء ترتفع المشكلة-.. من ضمن الزيجات امرأة لها بنت يتيمة.. عندما دخل في منزلها، الأم طردت البنت بشكل من الأشكال حتى يخلو له الجو.. هنا ناجى ربه قائلاً قال: يا رب، لماذا تحوجني إلى هذه الحركات: كل يوم عند واحدة، وإلى كسر خاطر يتيمة.. إن أردت أن تعطيني ذرية، أعطني من الزوجة الأولى، أنا من اليوم أكتفي بها هي، هذه هي زوجتي الأصلية.. وسبحان الله بعد هذه المفاوضات مع رب العالمين، انعقدت نطفة هذا الشيخ الجليل، الشيخ الحائري.. هذه البركات كلها من أثر هذه المناجاة البسيطة مع رب العالمين وهبه ذرية، ولكن أي ذرية!..
– إن البعض يشتكي ويقول: ماذا نعمل لهذه الذرية، كل ما نأمر وننهى لا أثر لكلامنا؟.. طبعاً السبب أنك لم تمتلك قلب الطرف المقابل، أول أساس من أساسيات التربية أن يعيش الولد حالة الاحترام لأبويه.. لم لا يبعث الآباء سراً بعض الأصدقاء، وبشكل عملية استخباراتية، ليسألوا هذا الولد: هل تحترم أباك، هل له وزن في قلبك؟.. فإذا الولد قال لصديقه: نعم، والله أنا والدي إنسان كاد على عياله، ما رأينا منه إلا خيراً، أب محبوب محترم.. عندئذ على الأب أن يسجد سجدة الشكر ويقول: الحمد لله الذي جعل لي هذا المركز في قلوب أبنائي.. وفي هذه الحالة لا يحتاج أن يرفع العصا على الأولاد، ولا أن يرفع صوته.. مثلا: إذا سمع الأب أن الأولاد دخلوا بعض الفضائيات المحرمة، أو بعض المواقع المحرمة ذاك اليوم، فليجلس في زاوية ويقول: أنا اليوم ما أشتهي الطعام، أنا اليوم مريض.. وعندما يسأل عن السبب، يقول: أنا أحتمل ما أقطع، أحتمل وجود حرام في هذا المنزل.. إذا لم يأتيه البكاء فليتباكَ ويتظاهر بالبكاء؛ أي يدخل من باب العاطفة، يحاول أن يظهر بمظهر الانكسار.. عندها هذا الولد إلى يوم القيامة يقاطع هذه الأمور، عندما يراه بهذه الهيئة من الانكسار؛ لأنه دخل في قلوب ذريته.. وهذه سنة النبي الأكرم -صلى الله عليه وآله-، حيث أن أصحابه كانوا يقولون: إذا كان هناك مكروه عرفناه في وجه النبي، إذا أعرض بوجهه.. النبي (ص) لم يكن دائماً يصيح على الصحابة ويقيم عليهم الحد، بل كان يعرض بوجهه ليُفهِمهم أن الموقف لا يعجبه.. هكذا ربى أصحابه، نحن أيضاً علينا بذلك.
– إن البعض هذه الأيام مشغولون بعلامات الظهور والفرج ويؤرخون ذلك.. بعض العلماء الكبار قال: أن نعيش فقط ننتظر الفرج، وننتظر العلامات، ونقرأ الكتب.. هذه جريمة، أن نعلق الفرج بعلامات ظنية، هذه العلامة لا تتحقق.. والناس يضحكون علينا، ويقولون: أي نعم هذه رواياتكم!.. ولكن لماذا تربط روايات أهل البيت -عليهم السلام- بأمور غير يقينية، وبأمور ظنية؟.. هذا من باب التندر، ومن باب في السهرات نتكلم لا بأس به.. أما أنه نصدر كتبا ونقطع بهذه العلامات، هذه قطعاً مما لا يرضي الإمام -صلوات الله وسلامه عليه-.. فإذن، ماذا نعمل لإرضائه؟..
– إن الإمام -صلوات الله وسلامه عليه- كآبائه، نحن مشكلتنا أن البعض لم يفهمنا، ونحن أيضاً لم نتقن التصرف، كأنه جعلنا لأهل البيت مدرسة وقانونا وطريقا، ولله -عز وجل- أيضاً له طريق آخر، كأنه -والعياذ بالله- ضرتان لا يجتمعان.. أهل البيت فنوا في ذات الله -عز وجل- هؤلاء قمة فخرهم أنهم عبيد لرب العالمين، نحن في التشهد نقول عن النبي أنه عبد الله ثم رسوله، وعلي -عليه السلام- يقول: (ويلك!.. إنما أنا عبد من عبيد محمد صلى الله عليه وآله)، وهذا لا يعني أنه يعبد النبي، إنما هو مطيع لرسول الله.. هكذا كانوا -صلوات الله وسلامه عليهم-، الإمام -عليه السلام- نادى أحدهم فقال: لبيك!.. الإمام تأذى قال: لماذا تقول هذه العبارة، نحن نقول لبيك في الميقات.. الإمام كان هكذا حساس ودقيق، إلى أن لا يُجعل لهم ما يُجعل لله -عز وجل- من المقامات.
– إن أكثر الناس تقوى هو أقرب الناس إلى قلب الإمام -عليه السلام- أما أن نبحث عن اللقاء به، فليس هناك رواية تحث على ذلك، نعم في دعاء العهد نقول: (اللهم!.. أرنا الطلعة الرشيدة، والغرة الحميدة).. ما قال: (أرني)، بل (أرنا).. ربما يطلب من الله -عز وجل- أن يُعجل في دولته، أما أن تكون كل أمنيته، أنه في ليلة من الليالي، وفي صحراء من الصحاري، وفي خيمة من خيم عرفات، يرى مولاه ويعانقه، ومن ثم يكتب في الكتب أنه لقد تم له هذا التشرف، حتى يحصل على بعض الامتيازات المالية والوجاهتية!.. هكذا يكون التعامل مع إمام الزمان صلوات الله وسلامه عليه!.. (أرنا الطلعة الرشيدة)؛ أي يا رب أنا ما عندي شيء شخصي، الآن لو تفضل علي وأراني وجهه الكريم أكرم به وأنعم!.. نحن لا ننفي، ولكن ليست هذه هي الأمنية الكبرى، الأمنية الكبرى كما نقرأ في بعض الأدعية: (اللهم!.. فصل على خاتمهم وقائمهم، المستور عن عوالمهم.. وأدرك بنا أيامه وظهوره وقيامه، واجعلنا من أنصاره).. (واجعلني ممن تنتصر به لدينك، ومُدَّ لي في عمري، وامنُن عليَّ برحمتك.. واجعلني ممن تنتصر به لدينك، ولا تستبدل بي غيري).. (واجعلنا يا رب من أعوانه، ومقوية سلطانه).. هذه أدعية بليغة، وهذه أمانينا.
– إن الإمام (عج) له علينا حق كبير، (أكثروا الدعاء بتعجيل الفرج؛ فإن ذلك فرجكم).. إذا كان عند الإنسان مشكلة شخصية، أو عائلية، أو مالية؛ فليسل الله -عز وجل- أن يعجل في تلك الدولة الكريمة، في ساعة الرقة.. المحب الحقيقي هو ذلك الذي تلقائياً وهو تحت الميزاب -مثلا- تأتيه الدمعة، فإن أول ما يدعو للدولة الكريمة.. كم ذهبت إلى الكعبة، وكم تشرفت ببيت الله الحرام!.. عندما وصلت إلى الباب، هل ذكرت إمامك عندما يخرج من عند هذا البيت، وماذا يقول؟.. اجعل هذه عبارة المصيبة إذا أردت أن تتقرب إلى رب العالمين، وإلى إمامك حجة الله في الأرض، سيف الله الذي لا ينبو ونوره الذي لا يخبو.. إذا أردت أن تمزج بين التوحيد والولاية، عندما تذهب إلى الحطيم تذكر خروجه -صلوات الله وسلامه عليه- أول ما يخرج ماذا يقول؟.. قبل أن يقيم العدل العالمي، يتذكر مصائب جده الحسين -عليه السلام- ذلك الدم الذي أُريق ولم يُنتصر له إلى يومنا هذا، بقية الماضين، وارث هذا الدم.. نعم ثار الله وابن ثاره، هذا الدم لازال يغلي، هذا الدم لا يهدأ إلا بدولته الكريمة.. إذا وصلت إلى الحطيم، اذكر هذه العبارات عند الحطيم: يا رب، أنا أريد أن أقيم عزاء الحسين -عليه السلام- عند بيتك أنت صاحب المجلس هذا باب بيتك، هذا الحجر الأسود، وأنا فيما بينهما أريد أن أقيم عزاء سيد الشهداء، وقل كما يقول الإمام: (ألا يا أهل العالم إن جدي الحسين قتلوه عطشانا!.. ألا يا أهل العالم إن جدي الحسين طرحوه عريانا!.. ألا يا أهل العالم إن جدي الحسين سحقوه عدوانا)!..
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.