- ThePlus Audio
ضوابط تقييم الآخرين
بسم الله الرحمن الرحيم
ضوابط تقييم الآخرين
لا شك أن هناك معايير وضوابط لا بد من الوقوف عليها قبل أن نقيم شخصا أو جماعة من الجماعات. وفي هذا الحديث سنتناول بعض هذه المعايير والضوابط حتى لا يقع المؤمن في خطأ عند تقييم الآخرين، وألا يقوم من خلال أسلوبه الخاطئ في الحكم على الآخرين بإبعاد البعض عن الدين.
الحرب الباردة ودور وسائل الإعلام في تغيير الشعوب فكريا وثقافيا
تصرف هذه الأيام وسائل الإعلام الأموال الطائلة في ما يسمونه بالحرب الباردة لتغيير سلوك الأفراد ولأجل هيمنة الدول العظمى على هذه الشعوب الغربية منها والشرقية، وتغيير تركيبها الثقافي والديني والاجتماعي وإعادة صياغة ذلك بما يناسب بسط هذه الهيمنة. فتارة تُواجه الشعوب المعادية بالقنابل الذرية وغيرها من الأسلحة المدمرة وتارة تواجه بما يبقي على حياتهم ولكن يسلبهم فكرهم وثقافتهم ودينهم. ولا نكاد نجد اليوم وسيلة من وسائل الإعلام التي تعمل على تغيير الرؤى والأفكار غير ممولة وموجهة. ولذلك من الصعب تقييم الأفراد والجماعات من خلال الاعتماد على هذه الوسائل.
كرامة المؤمن ودور المجتمع في الحفاظ عليها
إن المسلم الذي تشهد الشهادتين فقد حقن بها دمه وماله وكلما ازداد إيمانا والتزاما ووعيا وتمسكا بأهل البيت (ع) ازدادت حرمته وعظمت حقوقه على إخوته المؤمنين. والمؤمن لا ينفك عن مجتمعه ولا يمكن العيش من دون هذا الجو الاجتماعي وهو بمثابة الهواء الذي يتنفسه؛ فإذا رأى المؤمن بأن الجو الاجتماعي ضده وإذا دخل المسجد ورأى الأنظار تتوجه إليه وتتهمه سرعان ما يضي بالمسجد وببركاته وبركات الإحياء فيه ليبتعد عن هؤلاء حفاظا على كرامته. والكرامة أمر لا يستغني عنه حتى الطفل، فهو يتمنى أن تكون له شخصية محترمة من قبل الجميع. فإذا ما أسأنا بالمؤمنين الظنون واتهمناهم وخدشنا كرامتهم، فنحن سلبناهم الهواء الذي يتنفسونه لأنه لا حياة من دون كرامة واحترام.
دور المجتمع في ردع أهل العصيان
إن المجتمع بصورة عامة هو عامل من عوامل الردع عن المعصية. فالإنسان الذي له مكانة اجتماعية ويخاف على سمعته لا يرتكب المعاصي التي تشوه سمعته وتخدش اعتباره. ولذلك نرى البعض من الشباب يذهبون إلى بلدان غير بلدانهم لارتكاب المعاصي خوفا من الفضيحة. وللأسف الشديد هناك بعض البلدان متخصصة في الفساد والإفساد وتهيئة أجواء العصيان والهبوط إلى واد البهيمية.
ومن أسباب التأكيد والحرص على حفظ كرامة المؤمن هو أن المؤمن إذا تعرض أحدهم لسمعته وأسقطه من أعين الناس قد يتوقف في سيره التكاملي. فكيف يصل إلى صلاة خاشعة ومراقبة للنفس ما لم يكن في جو هادئ بعيد عن أجواء الخصومة مع الزوجة والجار والصديق ورب العمل؟ إن المؤمن في هذه الحالة إذا أراد الصلاة أتاه الشيطان وشوش عليه حتى لا يدري ما قال في صلاته، فقد روي عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: (أَنَّ اَلْعَبْدَ إِذَا اِشْتَغَلَ بِالصَّلاَةِ جَاءَهُ اَلشَّيْطَانُ وَقَالَ لَهُ اُذْكُرْ كَذَا اُذْكُرْ كَذَا حَتَّى يُضِلَّ اَلرَّجُلَ أَنْ يَدْرِيَ كَمْ صَلَّى)[١]. وتارة يأتي الشيطان من عالم الإثارة الجنسية وتارة من عالم الإثارات الغضبية فهو يسستغب الشهوة والغضب لتحقيق مآربه، والمبتلى بالشهوة والغضب هو بين فكي كماشة الشيطان قد لا ينجو منها.
ولم يأت الإنسان من عالم الذر والأصلاب والأرحام ليعيش في الدنيا رغم قلة مكوثه فيها؛ صراعا وخصومة مع فلان وفلان من الناس. إن الإنسان حل في هذه الدنيا ليتزود منها لآخرته ويتهيء لسفره الطويل في هذه الأيام القليلة التي يقول عنها القرآن الكريم: (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ)[٢].
تشويه الهوية الاجتماعية للمؤمنين
ومن الأمور المهمة التي ينبغي الحفاظ لأجلها على كرامة المؤمن وسمعته؛ هو أن المؤمن تارة تكون له هوية فردية وتارة تكون له هوية اجتماعية، فإذا ما شوهت سمعته وانخدشت كرامته، تشوهت الجهة الاجتماعية التي ينتمي إليها. فعلى سبيل المثال، إذا أسقطت رجل دين عن الاعتبار وشوهت سمعته فقد أسأت إلى الخط الإيماني وجعلت الفاسقين والمنحرفين يشمتون بالإسلام والمسلمين، ولقالوا: انظروا إلى حملة الإسلام الذي تدعون إليه كيف هو حالهم..! ولكن الأفراد المنحرفون وأصحاب البدع المتواطئون مع الظلمة لهم شأن آخر، فهؤلاء لا بد من أن يفضحوا حتى لا يغتر بهم أحد من الناس.
تتبع عورات المسلمين في الروايات الشريفة
وهنا ينبغي لنا أن نذكر بعض الروايات الشريفة لنقف على عظمة جريمة هتك حرمة المؤمن وإسقاطه من أعين الناس، فقد روى البراء: (خَطَبَنَا رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ حَتَّى أَسْمَعَ اَلْعَوَاتِقَ فِي بُيُوتِهَا فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ يَا مَعَاشِرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِقَلْبِهِ لاَ تَغْتَابُوا اَلْمُسْلِمِينَ وَلاَ تَتَبَّعُوا عَوْرَاتِهِمْ فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ تَتَبَّعَ اَللَّهُ عَوْرَتَهُ وَمَنْ تَتَبَّعَ اَللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحُهُ فِي جَوْفِ بَيْتِهِ)[٣]. ولا ندري كيف أسمع رسول الله (ص) العواتق في بيوتها وهي النساء ذات الخدر، فلم تكن شبكة إنترنت أو حتى مكبرات صوت في ذلك الزمان، ولعله أوصى الرجال أن يوصل هذا الكلام إلى نسائهم.
تارة تكون عورة المرء منكشفة لا ساتر لها ولا كرامة لصاحبها وتارة تكون العورة مستورة خافية من أعين الناس، فصاحبها لا يرتكب المنكر إلا في الخفاء وفي بلاد غير بلاده ثم يأتي من يفضحه أمام الناس، فلا يمكنه الرجوع إلى مجتمعه إن عاد إلى صوابه يوما ما لأن الناس قد علموا من أمره ما يصعب له العيش معهم بعد ذلك، وقد أصبح يشار إليه بالبنان.
ثم يبين النبي (ص) أن هذا الذي يتتبع عورات المسلمين يفضحه الله في جوف بيته، فكما أن الله سبحانه يسبب الأسباب من غير سبب كما نقرأ ذلك في أدعية الرزق، كذلك يسبب الأسباب من غير سبب في فضيحة هذا المتتبع لعورات المسلمين. فقد يقدم المقدمات لتكون ضعيفا أمام امرأة ثم تقع في فخ من فخاخ إبليس بعد أن تركك الله سبحانه وشأنك فتنفضح كما فضحت في يوم من الأيام أخيك المؤمن.
وأما في مسألة الغيبة فيكفي أن نشير إلى قوله تعالى: (وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ)[٤]، والعلماء يصفون الكبيرة بأنها الذنوب التي توعد الله عليها النار والعذاب والقرآن الكريم قد صرح بالغيبة وقد جعلها بعض العلماء من الكبائر في عداد الزنا وشرب الخمر واللواط. والعجب كل العجب من المؤمنات الصالحات المحجبات صاحبات الليل كيف تزل أقدامهم عند هذه المعصية؟
الشعور بالغيب عند العالم المشهدي
وكما تحدثنا عن هذه الآفة لا بد لنا أن نذكر العلاج أيضا. أولا، المراقبة الدقيقة، واستشعار عالم الغيب والحضور الإلهي. لقد التقيت بأبناء أحد كبار العلماء في مشهد، وسألته عن سيرة والده وقد كان لصيقا بوالده ملازما له، ورأيت أن الاستماع مباشرة إلى سيرة عالم كبير من شخص ملازم له؛ خير من أن أستمع إلى سيرة زيد وعمر من العلماء. فقال لي: كان والدي يعيش القيامة بكل معنى الكلمة، وكان في مستوى علمي كبير يمكن أن يلقب بآية الله، ومع ذلك عاتب أحد الطلبة عتابا شديدا عندما نعته بحجة الإسلام والمسلمين، وقال له: بأي شيء جعلتني حجة الإسلام والمسلمين؟ وماذا ستجيب يوم القيامة لو سألوك عن علة تسميتي بذلك؟ فكان لا يقبل الترويج أبدا ويهرب من السمعة هربا، بخلاف من يدفع الأموال الطائلة لكي يذكر اسمه في إذاعة أو جريدة أو قناة..! وقد قال له أحدهم: لا بأس، سوف لن نمدحك في وجهك ولكننا أحرار في أن نمدحك عند غيابك. قال له أبي: لا لست حرا، إنك بذلك تعرضني للفضيحة في يوم القيامة أمام الكثير من الناس إذا حاكمني الله عز وجل ورأى أن يفضحني، فلو كنت مجهولا في الدنيا لقلت فضيحتي يوم القيامة على رؤوس الأشهاد.
ثم قال لي: كان والدي في كبر سنه يمشي في زقاق من أزقة مشهد وإذا به يرى في نفسه حالة من حالات الاحتضار، وإذا به يقول: يا رب لا تميتني وأنا في الطريق؛ فإذا وقعت في الطريق سينظر الناس إلى عالم كبير قد قبضت روحه بطريقة غير لائقة ولكن أمهلني حتى أصل إلي البيت. ثم دخل البيت وتمدد إلى القبلة وقال: يا رب الآن أمتني إن شئت ذلك. ولا بد للمؤمن أن يقوي إيمانه بالغيب، يقول سبحانه: (ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)[٥]. إن الإنسان يملي على ربه كتاب أعماله فلينظر ما يملي على ربه في ذلك الكتاب الذي يقول عن المجرمون حين يرونه: (مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا)[٦]. قد ينسى الإنسان ما بدر منه ولكن الله عز وجل لا ينسى أن يسجل له فلتات اللسان، وهذره وتحليله السياسي الذي هتك فيه الأعراض بدعوى التحليل والعلم وما شابه ذلك.
والمؤمن كيس فطن وكما ورد في الروايات الشريفة: (اَلْعَالِمُ بِزَمَانِهِ لاَ تَهْجُمُ عَلَيْهِ اَللَّوَابِسُ)[٧]. وإذا أراد أن يقيم أحدا لا يقيم شخصه بل يقيم فعله. فلا يفسق الرجل ويقول: فلان فعل كذا وكذا. بل يقول: إن العمل الكذائي فيه ما فيه. فهو حذر في ذلك أشد الحذر.
متى يمكن تقييم الشخص وذكر صفاته السلبية؟
ولا بأس أن يذهب إلى القاضي أو إلى رجل الدين ويبين له في مقام التظلم ومن دون زيادة أو نقصان ما تعرض له من ظالمه. ولا بأس أن يهذب إلى والد طالب في المدرسة يرى أنه يسبب انحرافا لسائر الطلاب ويبين له ما يفعله ابنه من أجل الإصلاح، فهذه أمور مستثناة.
ماذا نفعل مع الذين أسأنا الظن فيهم ولم نقيمهم تقييما صحيحا؟
وقد يسأل سائل بأنه قد وقع في المحذور وله سجل أسود من العلماء والمؤمنين الذين هتكهم وتبين فيما بعد براءته، فماذا يمكنه فعله في هذه الحالة؟ أولا، ينبغي أن يعيد لهم اعتبارهم. فقد سمعت عن أحد العلماء أنه بين في المسجد بعد الصلاة مسألة شرعية للمأمومين ثم تبين له أنه كان خاطئ في بيان المسألة، فذهب إليهم في الليل ولم ينتظر صباح اليوم التالي وبين لهم الصحيح من تلك المسألة واحدا واحدا. ثانيا، إذا لمكنه ذلك، فيقوم له بأعمال صالحة من قبيل الاستغفار والصدقة وأعمال البر كافة حتى إذا خاصمه في يوم القيامة قدم له هذه الأعمال وتخلص من الجحيم.
كرامة المؤمن عند الله عز وجل
إن كرامة المؤمن من كرامة النبي وآله (ص) وكرامة المؤمن من كرامة الله عز وجل، وقد قال سبحانه: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ)[٨]، وقد جعل سبحانه في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)[٩]، إطاعة الله والرسول في جانب وجعل إطاعة أولى الأمر في جانب آخر، ولكنه لم يفصل بين الله والرسول والمؤمنين عندما تعلق الأمر بالعزة؛ فقد جعلهم في صف واحد. ومن منا يستطيع أن يقف أمام الغضب الإهلي إذا أراد أن يثأر لولي من أوليائه؟
خلاصة المحاضرة
- إن المسلم الذي تشهد الشهادتين فقد حقن بها دمه وماله وكلما ازداد إيمانا والتزاما ووعيا وتمسكا بأهل البيت (ع) ازدادت حرمته وعظمت حقوقه على إخوته المؤمنين. فلا ينبغي التعرض إلى ما يشوه سمعته ويخدش كرامته، وإن فعل ذلك فليعلم أن الله عز وجل هو خصمه دون سائر خلقه.