- ThePlus Audio
ضرورة قراءة سيرة أهل ابيت (ع)
بسم الله الرحمن الرحيم
قراءة سيرة أهل البيت (عليهم السلام)
هناك ثلاث قراءات لسيرة أهل البيت (ع). القراءة الأولى: هي قراءة تاريخية بحتة، وهي تهدف إلى معرفة تاريخ ولاداتهم ووفياتهم واسم الأب والأم ومكان الدفن وما شابه ذلك وهي قراءة تحقيقية لا تحظى بأهمية كبيرة لوجود قراءة أوسع من هذه القراءة. والقراءة الثانية: هي قراءة الموالي الذي يريد الوقوف على عظمتهم وعزتهم وشرافتهم وعلمهم وفضلهم وسائر صفاتهم وخصائصهم. ولذلك عندما يطلع على فضيلة من فضائلهم يطير بها فرحا ويود أن يخبر بها إخوته من المؤمنين وهي قراءة جيدة. والقراءة الثالثة: وهي قراءة أرقى من القراءتين الأولى والثانية؛ قراءة المتأسي بسيرتهم. قال سبحانه: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)[١]. فهو يقرأ السيرة أولا ليطلع على تاريخهم وثانيا ليشعر بالسرور والفرح بالاطلاع على فضائلهم ومن ثم التأسي بهم.
وفي روايات أهل البيت (ع) هنالك أبواب ثابتة حول ولاداتهم ووفياتهم ومدفنهم وآباءهم وأمهاتهم، والنصوص الدالة على ولايتهم ومعاجزهم وأخلاقهم ونوادرهم. وهنالك ما يدعى بباب الإمام؛ حيث كان لكل إمام من الأئمة (ع) باب ومدخل. فعثمان بن سعيد مثلا كان باب الإمام العسكري (ع) والحجة (عج) كان له سفراء أربعة. والباب هي الشخصية اللصيقة بالإمام ومثلها مثل القمر لكل كوكب وهم ثلة من المؤمنين اعتنى الأئمة (ع) في تربيتهم وتعليمهم.
أمهات الأئمة (عليهم السلام)
نلاحظ عند قراءة سيرة أهل البيت (ع) أن أمهات الأئمة (ع) من الإمام الكاظم (ع) حتى الإمام الحجة (عج) كن أمهات ولد أو من الجواري. فأم الإمام الكاظم (ع) حميدة وكذلك أم الرضا (ع) تكتم وسبيكة أم الجواد (ع) وأم الإمام الهادي (ع) وأم العسكري سليل أو حديث أم الحجة (عج) نرجس كلهن أمهات ولد. ولم تكن أمهات الأولاد بحسب العرف الاجتماعي آنذاك من الشخصيات المتميزة بل كان المجتمع يعدهن من الدرجة الثانية قياسا على العرب والأشراف والوجهاء. ولكن باعتقادنا أن الله سبحانه كما اختار الصلب الشامخ للأئمة (ع) اختار لهم الأرحام المطهرة وذلك وفق حكمة بالغة وقد قال سبحانه: (وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ)[٢]. وهذا تجسيد من قبلهم لقوله تعالى: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)[٣] هذا بالإضافة إلى ما أثر عن هذه الأمهات من كثرة العبادة والورع والتقوى.
وفي هذا درس للمقدمين على الزواج أن لا يمنعهم من الاقتران بالصالحات وضاعة النسب أو ضآلة الحسب والعائلة والمستوى الدراسي وبعض الأمور الظاهرية الأخرى؛ فقد يبارك الله في نسلهن وينجبن ذرية تكون أعظم ثروة للإنسان في هذه الدنيا والآخرة. فهذه الجواري من قبيل حميدة وسبيكة ونرجس وغيرهن؛ كن مستودعات لنطف المعصومين (ع) ووعاء لهم.
نقش خواتيم الأئمة (عليهم السلام)
من المحطات الملفتة في سيرة الأئمة (ع) نقش خواتيمهم. وقد ألف أحد العلماء كتابا تحت عنوان نقش خواتيم الأئمة (ع). فقد كان لكل إمام خاتم قد نقش عليه عبارة ما، وكأن كل إمام كان يعرف بنقش خاتمه. فكان – على سبيل المثال – نقش خاتم الإمام العسكري: أنا الله شهيد. وهذه السنة منهم سنة حسنة نتأسى بها ليكون للإنسان ما يذكره بالله تعالى عندما ينظر إلى خاتمه. وينبغي للمؤمن أن يعتبر بكل شيء ويذكره كل شيء بالله سبحانه؛ فإذا دخل بيت صديقه ورأى على سبيل المثال إطارا فيه آية من آيات القرآن قد نقشت وطبعت بصورة فنية جميلة لا يشغله جمال الفني عن الاعتبار بتلك الآية. وقد يعلق البعض في الديوان وغرفة الضيوف قوله تعالى: (وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا)[٤] وهي آية تناسب المجالس التي تقام فيها.
فكان الأئمة (ع) ينقشون على خواتيمهم ما يذكرهم بالله تعالى. فلو كان لأحدنا خاتم منقوش عليه: أنا الله شهيد ثم هم بمعصية ووقع نظره في الأثناء عليه قد يمنعه ذلك من تلك المعصية. ولو علق الإنسان في سيارته أو في بيته قوله تعالى: (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى)[٥] لكان بإمكانها أن تغير مجرى حياة الإنسان كليا. فالمعصوم (ع) يكون في حركاته وسكناته هادفا من نقش خاتمه إلى ذكره وشعاره وكل حركة يضفي عليها الصبغة الإلهية والرسالية.
النصوص على الإمامة
وعند مراجعة كتب الحديث نجد بابا تحت عنوان النصوص على الإمامة، ويذكر فيه النصوص والأدلة والبراهين على إمامة كل إمام. وفي هذا درس للمؤمنين أن الإمام رغم مكانته وعظمته إلا أن المؤمن يتبع الأدلة والبراهين في إثبات مقامه ومكانته، فقد ظهرت في زمان الأئمة بعض التيارات المنحرفة كالواقفية وغيرهم أوجدوا بعض الشبهات فكان من الضروري الرجوع إلى النصوص لمعرفة الإمام.
وهكذا الأمر في جميع أصول العقائد لا بد أن تبنى على أرضية صلبة ويتبع فيها المؤمن الأدلة البرهانية اليقينة. ولذلك روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال في وصية لأحد أصحابه: (إياك…أَنْ تَنْصِبَ رَجُلاً دُونَ اَلْحُجَّةِ فَتُصَدِّقَهُ فِي كُلِّ مَا قَالَ وَتَدْعُوَ اَلنَّاسَ إِلَى قَوْلِهِ)[٦]، فمرفوض في مذهب أهل البيت (ع) اتباع الأمر بلا دليل وقد قال سبحانه: (وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا)[٧].
من كرامات الإمام العسكري (عليه السلام)
ومن الأبواب المهمة في سيرة المعصومين (ع) باب عيون المعجزات، وهو أمر متواتر في حياتهم وسيرتهم. وقد يسمع البعض هذه المعجزات أو الكرامات التي وقعت إما في حياتهم أو بعد استشهادهم سواء في مراقدهم الشريفة أو في المجالس التي تنسب إليهم فيثقل عليه ذلك ويستغرب منها أشد الاستغراب. وملخص القول في هذا المجال؛ أن نفرق بين أمرين: بين الكل وبين المصداق، وبين المسألة العامة وبين جزئياتها المنقولة. نحن نعتقد أن الله سبحانه لا فرق عنده بين المعجز وغيره ومن اعتقد خلاف ذلك فهو جاهل قطعا.
إن لله سبحانه قوانين يتجاوزها أحيانا بحسب المصلحة في بعض الأوقات. فهو خالق القمر ولكن لمصلحة يجعل القمر ينشق بأمر نبيه (ص) نصفين. والإعجاز هو أمر لم نألفه ولم نعهده ولكنه ليس كذلك بالنسبة إلى الله سبحانه وتعالى؛ فهو لم يقيد نفسه بشيء؛ بل هو القائل: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)[٨]. وهذا الذي أراده هو مطلق ولا بد أن يكون سواء وافق القوانين أو خالفها. فهو أراد أن تكون النار بردا وسلاما لإبراهيم وأراد البحر أن ينفلق والعصا أن تتحول ثعبانا فكان. والأنبياء والأئمة (ع) إنما يقومون بما يقومون به عن أمر الله وتبعا لمشيئته ونظرا للمصلحة. ونجد هذا المعنى في زيارة الحسين (ع) بوضوح: (إِرَادَةُ اَلرَّبِّ فِي مَقَادِيرِ أُمُورِهِ تَهْبِطُ إِلَيْكُمْ وَتَصْدُرُ مِنْ بُيُوتِكُمْ)[٩].
أما أن يشك المرء في معجزة معينة أو رواية محدده لا تضر بالفكرة بصورة عامة؛ فلو شككنا في ثلاثين معجزة من أصل مائة فهذا تشكيك في المصداق لا في الكل وفي مجمل الموضوع. فالنبي (ص) قد يرى مصلحة في معجزة وقد لا يراها، وقد تصدر الكرامة من مجلس الحسين (ع) في القرون المتأخرة وقد لا تصدر وهذه جزئيات لا تضر بالفكرة كما ذكرنا.
وهناك فرق بين معجزات الأنبياء وبين معجزات الأئمة (ع). فمعجزات الأنبياء هي في مقام إثبات الدعوة؛ كشق القمر وتسبيح الحصى ونبوع الماء من بين أصابع النبي (ص). وقد تكون المعجزة والكرامة في مقام تبليغ الدين كإخبار الأئمة (ع) بما في نفوس أصحابهم، فعن أبي هاشم الجعفري قال: (مِنَ اَلذُّنُوبِ اَلَّتِي لاَ تُغْفَرُ قَوْلُ اَلرَّجُلِ لَيْتَنِي لاَ أُؤَاخَذُ إِلاَّ بِهَذَا فَقُلْتُ فِي نَفْسِي إِنَّ هَذَا لَهُوَ اَلدَّقِيقُ يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَفَقَّدَ مِنْ أَمْرِهِ وَمِنْ نَفْسِهِ كُلَّ شَيْءٍ فَأَقْبَلَ عَلَيَّ أَبُو مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَالَ يَا أَبَا هَاشِمٍ صَدَقْتَ فَالْزَمْ مَا حَدَّثَتْ بِهِ نَفْسُكَ فَإِنَّ اَلْإِشْرَاكَ فِي اَلنَّاسِ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ اَلذَّرِّ عَلَى اَلصَّفَا فِي اَللَّيْلَةِ اَلظَّلْمَاءِ وَ مِنْ دَبِيبِ اَلذَّرِّ عَلَى اَلْمِسْحِ اَلْأَسْوَدِ)[١٠]. وهنا استفاد الإمام من هذه الخطرة[١١] لترسيخ مفهوم أخلاقي.
وعن أحد أصحاب العسكري (ع) قال: (لَمَّا دَخَلْتُ عَلَى سَيِّدِي أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ نَظَرْتُ إِلَى ثِيَابٍ بَيَاضٍ نَاعِمَةٍ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: وَلِيُّ اَللَّهِ وَحُجَّتُهُ يَلْبَسُ اَلنَّاعِمَ مِنَ اَلثِّيَابِ وَيَأْمُرُنَا نَحْنُ بِمُوَاسَاةِ اَلْإِخْوَانِ وَيَنْهَانَا عَنْ لُبْسِ مِثْلِهِ؟ فَقَالَ مُتَبَسِّماً: يَا كَامِلُ وَحَسَرَ عَنْ ذِرَاعَيْهِ فَإِذَا مِسْحٌ أَسْوَدُ خَشِنٌ عَلَى جِلْدِهِ فَقَالَ: هَذَا لِلَّهِ وَهَذَا لَكُمْ)[١٢]. وقد أراد الإمام (ع) أن يزيل ما انقدح من الشك والريب في نفسه.
وكذلك روي عن أحد أصحاب العسكري (ع) أنه قال: (سَأَلَ اَلْفَهْفَكِيُّ أَبَا مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ مَا بَالُ اَلْمَرْأَةِ اَلْمِسْكِينَةِ اَلضَّعِيفَةِ تَأْخُذُ سَهْماً وَيَأْخُذُ اَلرَّجُلُ سَهْمَيْنِ؟ فَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: إِنَّ اَلْمَرْأَةَ لَيْسَ عَلَيْهَا جِهَادٌ وَلاَ نَفَقَةٌ، وَلاَ عَلَيْهَا مَعْقُلَةٌ وَإِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى اَلرِّجَالِ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: قَدْ كَانَ قِيلَ لِي أَنَّ اِبْنَ أَبِي اَلْعَوْجَاءِ سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ عَنْ هَذِهِ اَلْمَسْأَلَةِ فَأَجَابَهُ بِهَذَا اَلْجَوَابِ، فَأَقْبَلَ عَلَيَّ أَبُو مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَقَالَ: نَعَمْ هَذِهِ اَلْمَسْأَلَةُ مَسْأَلَةُ اِبْنِ أَبِي اَلْعَوْجَاءِ وَ اَلْجَوَابُ مِنَّا وَاحِدٌ، إِذَا كَانَ مَعْنَى اَلْمَسْأَلَةِ وَاحِداً جَرَى لآِخِرِنَا مَا جَرَى لِأَوَّلِنَا، وَأَوَّلُنَا وَآخِرُنَا فِي اَلْعِلْمِ سَوَاءٌ، وَلِرَسُولِ اَللَّهِ وَأَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ فَضْلُهُمَا)[١٣].
ومن كرامات الإمام العسكري (ع) ما روي عن أحد الأصحاب أنه قال: (أَرَدْتُ اَلْخُرُوجَ مِنْ سُرَّ مَنْ رَأَى لِبَعْضِ اَلْأُمُورِ وَقَدْ طَالَ مَقَامِي بِهَا، فَغَدَوْتُ يَوْمَ اَلْمَوْكِبِ وَجَلَسْتُ فِي شَارِعِ أَبِي قَطِيعَةَ بْنِ دَاوُدَ، إِذْ طَلَعَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ يُرِيدُ دَارَ اَلْعَامَّةِ فَلَمَّا رَأَيْتُهُ قُلْتُ فِي نَفْسِي: إِنْ كَانَ اَلْخُرُوجُ مِنْ سُرَّ مَنْ رَأَى خَيْراً لِي فَأَظْهَرَ اَلتَّبَسُّمَ فِي وَجْهِي فَلَمَّا دَنَا مِنِّي تَبَسَّمَ تَبَسُّماً بَيِّناً فَخَرَجْتُ مِنْ يَوْمِي فَأَخْبَرَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّ غَرِيماً لَكَ لَهُ عِنْدَكَ مَالٌ قَدِمَ يَطْلُبُكَ، فَلَمْ يَجِدْكَ وَلَوْ ظَفِرَ بِكَ لَقَتَلَكَ، وَذَلِكَ أَنَّ مَالَهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدِي شَاهِداً)[١٤].
إننا أصبحنا في زمان كلما تقدم بنا ازداد الفساد في البر والبحر كما بين ذلك القرآن الكريم، وقد تفشى المنكر في الفضائيات والإنترنت وفي كل مجال وصلت إليه يد الإنسان؛ حتى تفننوا في اختراعات تصب في هذا الجانب من نشر المنكر والرذيلة ولذلك قد يكثر المبتلون بالمعاصي وفيهم من يوالي أهل البيت (ع) ولذلك لا بد أن يكون موقفنا تجاه هؤلاء العصاة موقف استيعاب لا عتاب. ينبغي أن نستوعبه ولا نجعله ييأس من روح الله ورحمته ما دام الرجل من رواد المساجد ومن محبي أهل البيت (ع) وله احترامه بمقدار طاعاته؛ خصوصا إذا كانت هفواته خافية عن الناس لا يتجاهر بها.
كانت قم في مضى من الأزمنة الغابرة كما اليوم مركزا علميا وعشا لآل محمد (ع) وكان فيها وكيل الإمام العسكري (ع) وقد حدثت معه حادثة طريفة هذا نصه: (أَنَّ اَلْحُسَيْنَ بْنَ اَلْحَسَنِ بْنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ اَلصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ كَانَ بِقُمَّ يَشْرَبُ عَلاَنِيَةً فَقَصَدَ يَوْماً اَلْحَاجَةَ إِلَى بَابِ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ اَلْأَشْعَرِيِّ وَكَانَ وَكِيلاً فِي اَلْأَوْقَافِ بِقُمَّ فَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ فَرَجَعَ إِلَى بَيْتِهِ مَهْمُوماً فَتَوَجَّهَ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ إِلَى اَلْحَجِّ فَلَمَّا بَلَغَ سُرَّ مَنْ رَأَى فَاسْتَأْذَنَ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ اَلْعَسْكَرِيِّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ فَبَكَى أَحْمَدُ طَوِيلاً وَتَضَرَّعَ حَتَّى أَذِنَ لَهُ فَلَمَّا دَخَلَ قَالَ يَا اِبْنَ رَسُولِ اَللَّهِ لِمَ مَنَعْتَنِي اَلدُّخُولَ عَلَيْكَ وَأَنَا مِنْ شِيعَتِكَ وَمَوَالِيكَ قَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لِأَنَّكَ طَرَدْتَ اِبْنَ عَمِّنَا عَنْ بَابِكَ فَبَكَى أَحْمَدُ وَحَلَفَ بِاللَّهِ أَنَّهُ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنَ اَلدُّخُولِ عَلَيْهِ إِلاَّ لِأَنْ يَتُوبَ مِنْ شُرْبِ اَلْخَمْرِ قَالَ صَدَقْتَ وَلَكِنْ لاَ بُدَّ مِنْ إِكْرَامِهِمْ وَاِحْتِرَامِهِمْ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَأَنْ لاَ تُحَقِّرَهُمْ وَلاَ تَسْتَهِينَ بِهِمْ لاِنْتِسَابِهِمْ إِلَيْنَا فَتَكُونَ مِنَ اَلْخَاسِرِينَ فَلَمَّا رَجَعَ أَحْمَدُ إِلَى قُمَّ أَتَاهُ أَشْرَافُهُمْ وَكَانَ اَلْحُسَيْنُ مَعَهُمْ فَلَمَّا رَآهُ أَحْمَدُ وَثَبَ إِلَيْهِ وَاِسْتَقْبَلَهُ وَأَكْرَمَهُ وَأَجْلَسَهُ فِي صَدْرِ اَلْمَجْلِسِ فَاسْتَغْرَبَ اَلْحُسَيْنُ ذَلِكَ مِنْهُ وَاِسْتَبْدَعَهُ وَسَأَلَهُ عَنْ سَبَبِهِ فَذَكَرَ لَهُ مَا جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ اَلْعَسْكَرِيِّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي ذَلِكَ فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ نَدِمَ مِنْ أَفْعَالِهِ اَلْقَبِيحَةِ وَتَابَ مِنْهُ وَرَجَعَ إِلَى بَيْتِهِ وَأَهْرَقَ اَلْخُمُورَ وَكَسَرَ آلاَتِهَا وَصَارَ مِنَ اَلْأَتْقِيَاءِ اَلْمُتَوَرِّعِينَ وَاَلصُّلَحَاءِ اَلْمُتَعَبِّدِينَ وَكَانَ مُلاَزِماً لِلْمَسَاجِدِ وَمُعْتَكِفاً فِيهَا حَتَّى أَدْرَكَهُ اَلْمَوْتُ)[١٥].
ونستفيد من هذه الرواية الشريفة درسا بليغا في استيعاب العصاة وخاصة أولياء الأمر. فإذا قطع الأب صلته بولده لمعصية أو هفوة أو غفلة فقد أغلق باب الإصلاح إلى الأبد. بل ينبغي التأسي بالأئمة (ع) في ذلك ونعطي كل ذي حق حقه؛ فإذا كان الرجل فيه من الصفات الإيجابية ثمانية والسلبية صفتين؛ نقدر له تلك الثمانية ونعمل على إصلاح الصفتين السلبية.
لمحة من سيرة السيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام)
إن السيدة المعصومة (ع) جاءت من المدينة إلى مرو في سنة مائتين وواحد من الهجرة لزيارة أخيها الرضا (ع) ولكن أدركها المرض في ساوة ثم انتقلت إلى قم بعد أن دعيت إليها وتوفيت هناك. فكان وفاتها قبل استشهاد الإمام الرضا (ع) في سنة مائتين وثلاث. تقول الروايات أنها خرجت تطلب الإمام (ع)، فهي قد هاجرت لتلتقي بإمام زمانها وقد بوركت هذه الحركة وأصبحت قم بفضلها مركزا للعلم وأهله. يقول الإمام الجواد (ع): (مَنْ زَارَ قَبْرَ عَمَّتِي بِقُمَّ فَلَهُ اَلْجَنَّةُ)[١٦]. وقد أضاف الإمام الرضا (ع) شرطا آخر فقال: (عَارِفاً بِحَقِّهَا)[١٧]. وقد يستغرب البعض من هذا الفضل الكبير الذي خصت به وهي ابنة معصوم أو أخت معصوم أو عمة معصوم؟ أعتقد أن الرواية في مقام بيان المقتضي؛ أي أن زيارتها توجب الجنة ولكن قد يأتي الإنسان بأعمال تحبط الأجر وسيئات توجب الحرمان.
فمثلا أقول لولدي: إذا حصلت على درجة عشرين أو تسع عشر فإنك ستدخل الجامعة ولكن قد لا تقبل الجامعة دخوله لبعض المسائل الأخلاقية فذلك أمر آخر. فالدرجة العالية تقتضي دخول الجامعة ولكن مع عدم وجود المانع.
والحج والعمرة وزيارة المشاهد المشرفة كلها مما توجب الجنة ولكن ينبغي للمؤمن أن يحافظ على آثارها. فقد ورد في الروايات أن إبقاء العمل والآثاره أشد من العمل نفسه وهو مما لا يوفق له الكثير. ومما ينقل عن بعض الخواص: أن الله سبحانه عوض المؤمنين بمكان قبرها بعد أن أخفى قبر فاطمة الزهراء (س)، ويشاهد المؤمنين البركات الكثيرة بعد زيارتهم لها (س).
[٢] سورة الشعراء: ٢١٩.
[٣] سورة الحجرات: ١٣.
[٤] سورة الحجرات: ١٢.
[٥] سورة العلق: ١٤.
[٦] وسائل الشیعة ج٢٧ ص١٢٩.
[٧] سورة يونس: ٣٦.
[٨] سورة ياسين: ٨٢.
[٩] كامل الزيارات ج١ ص١٩٧.
[١٠] مستدرك الوسائل ج١١ ص٣٥١.
[١١] ما يخطر في القلب.
[١٢] وسائل الشیعة ج٥ ص٢١.
[١٣] الکافي ج٧ ص٨٥.
[١٤] اثبات الهداة ج٥ ص٣٢.
[١٥] مستدرك الوسائل ج١٢ ص٣٧٤.
[١٦] وسائل الشیعة ج١٤ ص٥٧٦.
[١٧] بحار الأنوار ج٩٩ ص٢٦٥.
هاشتاغ
خلاصة المحاضرة
- لا يمنعن المؤمن من الاقتران بالصالحات وضاعة النسب أو ضآلة الحسب والعائلة والمستوى الدراسي وبعض الأمور الظاهرية الأخرى؛ فقد يبارك الله في نسلهن وينجبن ذرية تكون أعظم ثروة للإنسان في هذه الدنيا والآخرة. فبعض أمهات الأئمة (ع) كحميدة وسبيكة ونرجس وغيرهن؛ كن مستودعات لنطف المعصومين (ع) ووعاء لهم على الرغم من كونهن إماء.
- إذا قطع الأب صلته بولده لمعصية أو هفوة أو غفلة فقد أغلق باب الإصلاح إلى الأبد. بل ينبغي التأسي بالأئمة (ع) في ذلك ونعطي كل ذي حق حقه؛ فإذا كان الرجل فيه من الصفات الإيجابية ثمانية والسلبية صفتين؛ نقدر له تلك الثمانية ونعمل على إصلاح الصفتين السلبية.