قلما ورد تأكيد في الشريعة على مستحب، كالتأكيد على صلاة الجماعة.. لماذا التأكيد على هذا المستحب؟..
أولا: حفظ هيبة المساجد.. المساجد بيوت الله عز وجل، والمسجد العامر بالمصلين مسجد وجيه عند الناس.. وإلا فإن رب العالمين له ملك السموات والأرض، ولو خلا العابدون من وجه الأرض، لما أنقص من سلطانه شيء.. يوم القيامة المساجد الفارغة، من الثلاثة الذين يشكون إلى الله عز وجل: (ثلاثة يشكون إلى الله عز وجل: مسجد خراب لا يصلي فيه، أهله، وعالم بين جهال، ومصحف مغلق قد وقع عليه الغبار لا يقرأ فيه).. بعض الناس يجمع كذا مصحف في بيته، وكأن جمع المصاحف امتياز.. لمَ جمع هذه المصاحف التي لا تقرأ؟.. الأفضل أن يكون للإنسان مصحف واحد يقرأ فيه، والباقية يجعلها صدقة جارية.
كيف يشكو المسجد؟.. نعم المسجد يتحدث كما الأرض تحدث أخبارها يوم القيامة {إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا}.. الإنسان العاقل، هذا الحيوان الناطق يسأل ويستفسر، والجواب يأتي من الأرض التي كنا ندوسها بالأقدام.. فالذي يُنطق كل شيء يوم القيامة، {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، حتى الجلود تشهد علينا وتنطق، {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}.. ما المانع أن يجعل المسجد يشكو؟..
إن الذين يستغربون من كرامة المعصومين، فلينظروا إلى هذه الآية: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ}!.. وعليه، فإن رب العالمين إذا ألقى في نفس المعصوم أمرا من الأمور، فلا غرابة في ذلك!..
ثانيا: نزول الرحمة.. نعم، رب العالمين سياسته الرحمة العامة، لا الرحمة الخاصة.. يقول تعالى في سورة الفاتحة: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}: {الرَّحْمَنِ} رحمة شاملة للجميع، و{الرَّحِيمِ} رحمة خاصة للبعض؛ وهم المؤمنون.. المؤمنون في بيت من بيوت الله عز وجل، هل تشملهم الرحمة الرحمانية، أم الرحمة الرحيمية؛ إنه وقت نزول الرحمة الخاصة بالمؤمنين؟.. إن رحمة الله -عز وجل- تلاحظ أرقى المأمومين، الإمام يراعي أضعف المأمومين في أداء صلاته، ولكن رب العالمين يراعي أقوى المأمومين في إعطاء الأجر والثواب.. قال النبي (صلى الله عليه وآله): (لا يجتمع أربعون رجلا في أمر واحد، إلا استجاب الله -تعالى- لهم، حتى لو دعوا على جبل لأزالوه).. أربعون رجلا: لم يقل: في المساجد، لم يقل: في صلاة الجماعة، لم يقل: في يوم الجمعة.. فكيف إذا اجتمع الدعاء، وأربعون مؤمنا، وفي المسجد، وبعد الصلاة الواجبة، وفي ليلة أو يوم الجمعة، وكيف إذا كان فيه توجه وخشوع؟!.. الإنسان المؤمن خاصة جيران المساجد، لا يتحمل أن يصلي في المنزل، وهناك بيت من بيوت الله -عز وجل- يناديه للصلاة بين يديه.
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.