قلما ورد التأكيد على مستحب، كالتأكيد على صلاة الجماعة.. في روايات أهل البيت (ع)، هناك تأكيد كبير على هذه الصلاة، حتى يفهم من بعض المضامين أن الركعة الواحدة لا يحصي ثوابها إلا الله عز وجل.. في حديث قدسي طويل، ورد فيه أهمية وفضل صلاة الجماعة: (… فإذا زادوا على العشرة، فلو صارت بحار السماوات والأرض كلّها مداداً، والأشجار أقلاماً، والثقلان مع الملائكة كتاباًَ؛ لم يقدروا أن يكتبوا ثواب ركعة واحدة).. الخبر.
لماذا التأكيد على صلاة الجماعة، وما هي الدروس المستفادة من صلاة الجماعة؟..
أولا: إن الجماعة مظهر من مظاهر عزة الإسلام والمسلمين.. فلو لم يكن هناك حج، وليس هناك كعبة، ولا مسجد حرام؛ فإن الدين سيكون باهتا جدا.. فالمساجد والجماعة من مظاهر عزة المسلمين.. المسجد الممتلئ بالمصلين، هذا المسجد وجيه عند الله عز وجل.. يوم القيامة المساجد الفارغة، من الثلاثة الذين يشكون إلى الله عز وجل.. (ثلاثة يشكون إلى الله عز وجل: مسجد خراب لا يصلي فيه، أهله، وعالم بين جهال، ومصحف مغلق قد وقع عليه الغبار لا يقرأ فيه).. كيف يشكو المسجد؟.. يتحدث كما الأرض تحدث أخبارها يوم القيامة {فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ}.. فالذي يُنطق كل شيء يوم القيامة، حتى الجلود تشهد علينا وتنطق، ما المانع أن يجعل المسجد يشكو؟..
ثانيا: ورد في الروايات: (لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد)، أي لا صلاة كاملة، ولو صلى في غير المسجد، صحت صلاته، ولكنها ناقصة ليس فيها كمال.. أحدنا يتزوج ابنه، فيدعو جيرانه والذي لا يذهب، يسجل عليه مؤاخذة إلى آخر عمره.. فالذي يسمع: (حي على الصلاة) ولا يكلفه الأمر سوى خطوات إلى المسجد؛ من الممكن أن يكون بعيدا عن الرحمة الإلهية.
ثالثا: بعض الناس يوم القيامة كم يبتلى بالحسرة، لأنه كان بإمكانه أن يقيم الصلاة جماعة في بيته!.. إن الزوجة التي لا تعتقد بعدالة زوجها، والأولاد الذين لا يعتقدون بعدالة أبيهم، يدل على أن هناك خللا في الأسرة.. كم من الجميل أن تنظر المرأة إلى زوجها على أنه عادل، وينظر الأولاد إلى أبيهم على أنه عادل!.. ما المانع أن يأم الإنسان أهله؟.. هذه أيضا مزية فقدها البعض.
إن من شرائط إمام الجماعة: طهارة المولد، والعدالة، والبلوغ، والذكورة.. وهناك شرط غريب قلما مر على الأسماع، على نحو الفتوى أو الاحتياط الوجوبي: أن لا يكون من أهل البوادي.. لأن أهل البادية بعيدون عن المعرفة والثقافة {الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا}.. فالإسلام يحثنا على أن نعيش في مواطن الثقافة والتعلم.. أما أن نذهب بعيدا في البوادي، فهذه حركة مرفوضة.. ولهذا من الشروط أن لا يكون إمام الجماعة من أهل البوادي.
وهناك شرط آخر: ليس من أذنب وتاب، كمن لم يذنب أصلا.. صحيح أن (الإسلام يجبّ ما قبله)، و(التائب من الذنب، كمن لا ذنب له).. ولكن هنيئا لإنسان لم يتلوث بالمعاصي الكبيرة!.. هنيئا لإنسان منذ أن عرف نفسه من البلوغ، لم يرتكب ما يسخط ربه!.. ومن هنا من شرائط إمام المسجد، أن لا يكون من الذين أقيم عليهم الحد.. حتى وإن تاب وأصبح من كبار المؤمنين، ولكن هذا لا يأم الناس جماعة ولو على الأحوط وجوبا.. معنى ذلك الإنسان الذي أمضى عمره في طاعة الله، عليه أن يحتفظ بهذا النقاء وهذه الطراوة وهذه البراءة.
إن هذه الفترة التي من البلوغ إلى العشرين، هي قمة الشهوات.. فالذي تجاوز هذه المرحلة، يكون قد تجاوز المرحلة الحرجة.. فليستقم على إيمانه، ليكون من الذين ينطبق عليهم هذا الحديث الشريف: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل.. وشاب نشأ في عبادة الله.. ورجل قلبه معلق بالمساجد.. ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه وتفرقا عليه.. ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله.. ورجل تصدق بصدقة، فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه.. ورجل ذكر الله خالياً، ففاضت عيناه).
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.