Search
Close this search box.
  • ThePlus Audio
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

شهر رمضان يبدأ قبل شهر رمضان…!

بسم الله الرحمن الرحيم

شهور ربيع الروح

إن أشهر الربيع في عالم الطبيعة أشهر ثلاث. إن الذي يريد أن يحصد زرعا في الشهر الثالث؛ فلابد وأن يبذر البذور ويلقي في التراب في الشهر الأول، ويتعهدها بالسقاية، وبالرعاية، ثم بإزالة الحشائش الضارة، وإلى آخر ذلك مما يقوم به الزراع في عالم الطبيعة. وهذه هي السنة الإلهية؛ فمن سأل الله الثمار ولم يكن قد زرع، فهو كالمستهزئ بنفسه.

لقد من علينا رب العالمين في عالم الأرواح أيضا بهذه المنة؛ أن جعل لنا الأشهر الثلاثة: شهري رجب وشعبان، وشهر رمضان المبارك. إن المؤمن يعمل في هذه الشهور على تنمية باطنه؛ كما يعمل الزارع على تنمية الأرض والزرع. فمتى يكون الحصاد في عالم الأرواح؟ يكون الحصاد في ليالي القدر وليلة عيد الفطر. إن لله عز وجل عتقاء من النار في ليلة العيد ممن لم يُعتق قبل ذلك. من أراد أن يكون من الفائزين ليلة القدر وليلة الفطر؛ لابد وأن يغتنم فرصة أول ليلة من ليالي شهر رجب. قد يغري الشيطان البعض بالتكاسل، ويقول لهم: إن شهر رجب في أوله، ثم يلي ذلك شهر شعبان؛ فبإمكانك في شهر شعبان أن تهيئ نفسك وتستعد. فإذا ما جاء شهر شعبان قال له: أمامنا شهر رمضان. وفي شهر رمضان يمنيه بليالي القدر وهكذا يسلب منه في كل يوم توفيقه وفرصه.

لا تظن أنك تنال شيئا مميزا في شهر رمضان

إن المتكاسل ضئيل الهمة الذي لا يخشع في هذه الأيام؛ هل تظن أنه سيخشع في ليلة القدر؟ هل ستحدث معجزة ما وتغيره في ذلك اليوم ويُصبح من الخاضعين بين ليلة وضحاها؟ إن من أراد ليلة قدر مميزة؛ فليعمل من أول ليلة من ليالي شهر رجب وليستعد لها استعدادا من ذلك اليوم. وقد وردت الروايات الكثيرة في هذا المجال. ولا بأس أن يطلع المؤمن قبل الموسم على بركات الليالي، والأزمنة والأمكنة التي لها خواص بالتأكيد. فلولا النص الشرعي لما عرفنا قيمة الحائر، ولا الملتزم، والحجر، ولا ما شابه ذلك من الأمكنة ولما عرفنا فضل الأزمنة.

متى كان يفرغ أمير المؤمنين (عليه السلام) نفسه للعبادة؟

لقد ورد في الرواية عن الإمام الصادق (ع) يرويها عن أبيه عن جده عن علي (ع): (كَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ يُفَرِّغَ نَفْسَهُ أَرْبَعَ لَيَالٍ فِي اَلسَّنَةِ وَهِيَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ رَجَبٍ وَلَيْلَةُ اَلنِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ وَلَيْلَةُ اَلْفِطْرِ وَلَيْلَةُ اَلنَّحْرِ)[١]، وليلة النحر في ليلة عيد الأضحى. ونجد عملا في أول ليلة من رجب من قام به خرج من الذنوب كيوم ولدته أمه. ولا تستغرب هذا الثواب الجزيل. إن ملوك الدنيا في الأعياد الوطنية وغيرها؛ يفعون من حُكم عليه بالموت والإعدام. ويا لها من جائزة؛ أن يُعفى إنسان ينتظر القتل غداً من الموت بأمر السلطان.

إن رب العالمين لو أعتقك من النار لكان الأمر أليق بكرمه. يتفق أن يعفو ولي الدم عن القاتل الذي حُكم عليه بالقصاص عند خشبة الإعدام؛ فلا تستغرب هذا الكرم الإلهي. ومن الجميل أن يبحث أحدهم في الروايات الشريفة عن المواضع التي ذُكرت فيها الأعمال التي لو قام بها الإنسان؛ خرج من الذنوب كيوم ولدته أمه. وهي روايات متعددة لعل منها: من اعتمر أو حج. وقد يرى الحاج عند الخروج من مكة المكرمة في الطريق إلى جدة هذه الرواية مكتوبة في الطريق. إن الفرص تمر كما تمر السحاب؛ فاغتنموها في هذه الأيام المباركة من السنة.

ضرورة التخطيط المسبق

إن أحدنا عندما يريد أن يسافر إلى بلدة أجنبية لكي يشم الهواء مثلا؛ يخطط لسفره ذلك قبل شهر أو شهرين. فلماذا لا تخطط لنفسك في هذه الأشهر الثلاثة؛ لئلا تُبتلى بالخيبة والخسران؟ إن شهر رجب الأصب هو شهر تُغمر فيها الرحمة، وهو من الأشهر الحرم. وإننا لنظن أن شهر رمضان هو شهر الله فحسب؛ بل لقد روي عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: (إِنَّ رَجَبَ شَهْرُ اَللَّهِ وَشَعْبَانَ شَهْرِي وَرَمَضَانَ شَهْرُ أُمَّتِي)[٢] . فهكذا يقسم النبي (ص) الأشهر الثلاثة، ويقول (ص) عن شهر رجب: (وَهُوَ شَهْرٌ عَظِيمٌ وَإِنَّمَا سُمِّيَ اَلْأَصَمَّ لِأَنَّهُ لاَ يُقَارِبُهُ [يقربه] شَهْرٌ مِنَ اَلشُّهُورِ حُرْمَةً وَفَضْلاً عِنْدَ اَللَّهِ) . ولعل ذلك من جهة أن القتال فيه مع الكفار حرام، وغير ذلك أيضا من المزايا.

أهمية الاستغفار في شهر رجب الأصم

ومن معالمه الكبرى الاستغفار. إن من يريد أن يستغفر ربه؛ فشهر رجب هو شهر الاستغفار. وليراجع المؤمنون الاستغفارات الواردة في هذا الشهر وهي كثيرة؛ ولكن لا يكون عينه فقط على الأجر والثواب وإنما على الخلاص من الذنوب، وهذه مزية عظمى قبل القيامة. منها ما روي عن النبي (ص) أنه قال: (من قال في رجب: اَسْتَغْفِرُ اللهَ لا اِلـهَ إِلاّ هُوَ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ وَاَتُوبُ اِلَيْهِ؛ مائة مرّة وختمها بالصّدقة ختم الله له بالرّحمة والمغفرة، ومن قالها أربعمائة مرّة كتب الله له أجر مائة شهيد)[٣] .ومن صيغ الاستغفار في هذا الشهر هو الاستغفار سبعين مرة بالغداة صباحاً وسبعين مرة بالعشي. ومنها: أن يستغفر الله عز وجل في الشهر ألف مرة. فالروايات الثلاث تذكر عموم الشهر، وتقول: من قال في رجب؛ لا من قال في يوم واحد.

هذا هو الزاد الحقيقي

وهذا هو زاد المؤمن الذي يكسب به الطيب في القبر ويوم القيامة. إن الزاد الذي نأكله في هذه الدنيا والذي يهتم به البعض كثيرا حتى إنه لينتقي المطعم الذي يأكله فيه انتقاء؛ يتحول بعد سويعات إلى ما تعرفون وتتبدل الرائحة الطيبة بالراحئة النتنة. أما هذه الموائد المعنوية التي من جلس عليها وتزود منها؛ نال بها أمنا وطيبا وسعادة في القبر والقيامة، وهو قوله تعالى: (وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيۡرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقۡوَىٰ) .

الفرق بين الاستغفار والتوبة

ثم لماذا هذا التنوع في التعبير عن الاستغفار؟ ما هو الفرق بين استغفر الله وأتوب إليه؟ إذا كان المعنى واحداً فلا تكرر، والحال أن العرب تقول: الأصل هو عدم التكرار، وزيادة المباني تدل على زيادة المعاني. والحكيم البليغ لا يكرر هكذا جزافاً. إن كلمة (استغفرالله) هي من صيغ الاستفعال. فأنت تستفهم؛ أي تطلب الفهم، وتستغفر؛ تطلب المغفرة، وتطلب العفو من الله عز وجل. بالطبع يكون غير النادم مستهزئا بنفسه، والنادم العازم على عدم العود هو الذي يستغفر حقيقة.

أما كلمة (أتوب إلى الله؛ فهي تعني: أعود إلى الله، والذي يعود إلى الله كأنه يقول: يا رب رجعت إليك، ولست في مقام المعصية. إن الاستغفار يكون بعد المعصية؛ ولكن التائب بنائه على عدم المعصية أساساً. إن الولد الآبق إذا طرق الباب وقال لأبيه وأمه: عفواً أو معذرةً؛ فهذا استغفار؛ ولكنه لازال في الشارع. أما عندما يفتح الباب، ويرتمي في أحضان والديه ويبكي كثيراً، ويقول: سوف لن أخرج من عندكما، وقد عدت إليكما؛ فهو تائب، وبنائه على عدم التمرد والبقاء عندهما. وكذلك التائب إلى الله هو في درع الله الحصينة.

[١] مصباح المتهجد  ج٢ ص٦٤٨.
[٢] فضائل الأشهُر الثلاثة  ج١ ص٢٤.
[٣] مفاتيح الجنان.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • إن من يريد أن يستغفر ربه؛ فشهر رجب هو شهر الاستغفار. وليراجع المؤمنون الاستغفارات الواردة في هذا الشهر وهي كثيرة؛ ولكن لا يكون عينه فقط على الأجر والثواب وإنما على الخلاص من الذنوب، وهذه مزية عظمى قبل القيامة.
  • إن الفرق بين الاستغفار والتوبة هو: أن الاستغفار يكون بعد الذنب. إن المؤمن يطلب من الله بذلك المغفرة والعفو. أما التوبة فهي البناء على عدم العودة. كأن العبد يخاطب ربه في التوبة التي هي الرجوع قائلا: يا رب، لقد عدت إليك؛ فلا تجعلني أبتعد عنك.
Layer-5.png