س١/ نحن نعلم بأن هذا الدعاء ينسب إلى عبد الله الصالح الخضر (ع)، فمن هو الخضر.. وما هي الدروس التي يمكن أن تستفاد من سيرته الشريفة؟..
نحن نعتقد بأن المعارف الإلهية تنتهي إلى مصدر واحد، فلا ضير في أن يكون المضمون من أحد الأنبياء أو الأولياء السلف، ويأتي الولي اللاحق بطرح ذلك الدعاء على الأمة.
اختص الخضر (ع) ببعض المميزات، نورد منها:
* العبودية: القرآن الكريم عبر عن الخضر (ع) بأنه عبد من عباد الله، حيث قال تعالى: {فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا}.. نحن نعتقد بأن التعبير بالعبودية، من أعلى وأرقى أنواع الأوسمة الشخصية.. ولهذا فإننا عندما نذكر النبي (ص) في صلواتنا، نقدم وصف العبودية على الرسالة فنقول: (وأشهد أن محمداً عبده ورسوله).. وإعطاء الرسالة هو فرع وجود لأرضية العبودية لله تعالى.
* المعجزة: ورد في النصوص أن سبب تسميته بالخضر، أنه كان لا يجلس على خشبة يابسة، ولا أرض بيضاء؛إلا أزهرت خضراء.
* العلم: حيث خصه الله تعالى بالعلم اللدني، ومعرفة بواطن الأمور.. حتى أن موسى (ع) -رغم أنه نبي من أولي العزم وكليم الله- إلا أننا نرى أنه يتبع الخضر (ع) لينال من علمه، كما أشار لذلك القرآن الكريم: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا}.. ونرى التباس الأمور على موسى (ع)، حيث لم يستطع تحمل أفعال الخضر (ع)، وأنكرها عليه، عندما قام بخرق السفينة، وقتل الغلام، وإقامة الجدار؛ لاشتباه وجه الحكمة عليه.. حتى أخبره فرضي.
* طول العمر: رب العالمين رزق الخضر (ع) الحياة الطويلة، وما ذلك على الله بعزيز، فهو الذي خلق الحياة والموت، وبإمكانه أن يطيل في عمر من يريد لحكمة يراها.. قال الرضا (ع): (إنّ الخضر شرب من ماء الحياة فهو حيٌّ لا يموت، حتى يُنفخ في الصور.. وإنه ليأتينا فيسلّم علينا، فنسمع صوته ولا نرى شخصه.. وإنه ليحضر حيث ذُكر، فمن ذكره منكم فليسلّم عليه.. وإنه ليحضر المواسم، فيقضي جميع المناسك.. ويقف بعرفة، فيؤمّن على دعاء المؤمنين.. وسيؤنس الله به وحشة قائمنا (ع) في غيبته، ويصل به وحدته).
س٢/ بلا شك أن كميل بن زياد اكتسب الخلود من جراء نقله لهذا الدعاء المبارك.. فمن هو كميل بن زياد؟..
كميل بن زياد هو شخصية جمعت بين مداد العلماء ودماء الشهداء.. وقد كان من أعاظم خواص الإمام علي (ع)، وصاحب سره، ويأخذ منه العلوم الخاصة.
* كان حريصاً على تلقي العلوم من أمير المؤمنين (ع).. وهذا ما نلحظه من هذه الرواية: قال كميل بن زياد (قده): كنت جالساً مع مولاي أمير المؤمنين في مسجد البصرة، ومعه جماعة من أصحابه، فذكر ليلة النصف من شعبان في كلامه فقال: ما من عبد يحييها، ويدعو بدعاء الخضر إلا أجيب له.. فلما انصرف طرقته ليلاً، فقال: ما جاء بك يا كميل؟.. قلت: يا أمير المؤمنين دعاء الخضر، فقال: اجلس يا كميل!.. إذا حفظت هذا الدعاء، فادع به كل ليلة جمعة، أو في الشهر مرة، أو في السنة مرة، أو في عمرك مرة؛ تُكف وتُنصر وتُرزق، ولن تعدم المغفرة.. يا كميل!.. أوجب لك طول الصحبة لنا أن نجود لك بما سألت.. ثم قال: اكتب!..
وفي رواية حوارية جميلة بين كميل وعلي (ع): أن كميل سأل الإمام علي(ع) عن الحقيقة بقوله: (ما الحقيقة)!.. فقال له (ع): (مالك والحقيقة)؟.. فقال كميل: (أو لست بصاحب سرك)؟.. قال: ( بلى، ولكن يرشح عليك ما يطفح منّي).. فقال كميل: (أو مثلك يخيب سائلاً)؟.. فقال له (ع): (الحقيقة كشف سبحات الجلال من غير إشارة).
* كان يمثل وجوداً خطيراً ومؤثراً.. روي أنه: لما ولي الحجّاج طلب كميل بن زياد، فهرب منه، فحرم قومه عطاهم، فلما رأى كميل ذلك قال: أنا شيخ كبيرٌ، وقد نفد عمري لا ينبغي أن أحرم قومي عطاهم؛ فخرج فدفع بيده إلى الحجاج، فلما رآه قال له: لقد كنتُ أحب أن أجد عليك سبيلاً، فقال له كميل: لا تصرّف عليّ أنيابك ولا تهدّم عليّ، فوالله ما بقي من عمري إلا مثل كواهل الغبار، فاقض ما أنت قاض، فإن الموعد الله، وبعد القتل الحساب، ولقد خبّرني أمير المؤمنين (ع) أنك قاتلي.. فقال له الحجاج: الحجة عليك إذاً، فقال له كميل: ذاك إذا كان القضاء إليك، قال: بلى قد كنت فيمن قتل عثمان بن عفان، اضربوا عنقه!.. فضُربت عنقه.
إذن، تلك حركته في جوف الليل، يطرق على علي (ع) الباب.. وهذه حركته مع الحجاج، يسلم نفسه بيده غير خائف من بطش هذا الظالم.. وعليه، فإننا نقول: بأن الإنسان المؤمن عليه أن يجمع -قدر الإمكان- بين السعي في تحصيل المعرفة، والعمل على إعلاء كلمة الله تعالى.
س٣/ ورد في الروايات أنه يستحب قراءة دعاء كميل: في ليلة الجمعة، أو مرة في الشهر، أو مرة في العمر.. لماذا هذا الإصرار والتأكيد من أمير المؤمنين (ع)؟..
نعتقد بأن دعاء كميل من أروع صور المناجاة العاطفية والفكرية والشعورية، في بيان علاقة الإنسان بربه.. نلاحظ أنه في مقدمة الدعاء الإنسان يتكلم مع رب العالمين، مقسماً بمفردات بليغة جداً، تمثل حقائق كبرى في هذا الوجود، وينتقل بعد ذلك إلى حالة الاستغفار، وبيان آثار الذنوب في حياة الإنسان.. ثم في حركة عاطفية، يشير إلى الحب الإلهي، الذي كان يختمر في قلبه في الحياة الدنيا، في أنه لو فرضاً كان في نار جهنم، كيف يتنعم ويتحاور مع رب العالمين.. لقد كان علي (ع) -على ما جاء في بعض النصوص- كان يقرأ دعاء كميل، وهو في حال السجود، وخاصة ليلة النصف من شعبان.
وربما هذا التأكيد من الإمام (ع) على قراءة دعاء كميل؛ نظراً لما فيه من الآثار والثمار المرجوة، والتي من الممكن أن تقلب كيان المؤمن في جلسة واحدة.. ويبدو أن الإنسان يحتاج إلى شحنة روحية في فترات حياته، فهو -مثلاً- في الصوم يتجدد مفعوله كل سنة، وفي الحج -الذي يؤتى بشرطه وشروطه- من الممكن أن يؤثر تأثيراً بليغاً إلى آخر العمر.
ومن الجميل أن تكون للمؤمن قراءة تأملية للدعاء، في ساعات الراحة والاسترخاء -كأي متن علمي- من أجل استحضار تلك المعاني في القراءة التفاعلية الشعورية.
س٤/ هل تكفي اللقلقة اللسانية في الدعاء؟..
قطعاً أنه لا توجد سنخية بين اللسان -الذي هو عبارة عن عضو من أعضاء البدن- والقلب؛ اللطيفة الربانية، والهبة الإلهية، التي أعطيت لآدم، وبها استحق شرف سجود الملائكة.. بل إن الأمر يحتاج إلى معايشة لأعماق الدعاء؛ ليحصل الأثر المنشود في التغيير الجوهري والرقي الباطني.. وإلا فإن مجرد اللقلقة لا تكفي، وإن كان المؤمن يحرز شيئاً من الأجر.
س٥/ تحدثنا عن الخضر وكميل، ولكن ماذا عن أمير المؤمنين المروي عنه الدعاء؟..
مما نقل عن الشافعي في حق علي (ع): (ما أقول في رجل أخفت أعداؤه فضائله حسداً، وأخفت أولياؤه فضائله خوفاً.. وقد شاع ما بين هذين ما ملأ الخافقين)!..
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.