- ThePlus Audio
شرح دعاء اليوم العشرين من شهر رمضان
بسم الله الرحمن الرحيم
دعاء اليوم العشرين من شهر رمضان المبارك
(اَللَّهُمَّ اِفْتَحْ لِي أَبْوَابَ اَلْجِنَانِ وَأَغْلِقْ عَنِّي أَبْوَابَ اَلنِّيرَانِ وَوَفِّقْنِي فِيهِ لِتِلاَوَةِ اَلْقُرْآنِ يَا مُنْزِلَ اَلسَّكِينَةِ فِي قُلُوبِ اَلْمُؤْمِنِينَ)[١]. ينبغي للمؤمن أن يدعو الله عز وجل أن يغلق عليه أبواب النيران التي تفتح في يوم القيامة؛ إذ لا يقبل دعائه في ذلك اليوم عندما تتجلى له أعماله البرزخية وتبرز الجحيم للغاوين. وينبغي أن يعلم أن الأعمال في هذه الدنيا كما لها صورة مادية كذلك لها صورها البرزخية. والصور البرزخية للسيئات صور قبيحة بخلاف صورتها المادية من قبيل الاستمتاع المحرم بالنساء، وأكل الحرام، واغتياب المؤمنين وغير ذلك.
الصور البرزخية للأعمال
وإذا رأى المؤمن الصورة البرزخية للأعمال، فإنه لا يحتاج إلى كثير معاناة ومجاهدة مع النفس لترك المحرمات والالتزام بالواجبات والمستحبات؛ فإذا أراد أن يمد يده إلى مال اليتيم يرى أن هذا المال إنما هو جمرة متوقدة تحرقه إن مد يده إليها. ولكن المشكلة تكمن في أن الجمرة قد تغطى بشيء من الرماد فيمد الإنسان يده إلى الرماد ظنا منه أنه رماد وإذا بالجمرة تحتها تحرقه. وهنا يأتي دور الشيطان ليزين للإنسان الأعمال القبيحة ليراها حسنة وجميلة.
وقد بين القرآن الكريم جانبا من ملكوت الأعمال وصورها البرزخية؛ كأكل مال اليتيم الذي قال عنه: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا)[٢]، أو كالغيبة التي قال عنها سبحانه: (وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ)[٣]، أو كأكل الربا الذي ذكره القرآن الكريم بقوله: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ)[٤]، ولو أراد القرآن أن يعطي لكل عمل صورته البرزخية لفعل ولكن العاقل تكفيه الإشارة. وقد بينت الروايات الشريفة بعض هذه الصور؛ كصورة المتكبر الذي يحشر على صورة صغار النمل فيطأه الناس أو الزاني الذي شبه بالخنزير الذي لا يغار.
هل ترسل للملائكة ما يبنون به قصورك؟!
وكذلك هو الأمر بالنسبة إلى الأعمال الصالحة. فينبغي للمؤمن أن ينظر لكل عمل صالح على أنه نفحة من نفحات الجنان أو لبنة من لبنات قصوره. فقد روي عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: (لَمَّا أُسْرِيَ بِي إِلَى اَلسَّمَاءِ دَخَلْتُ اَلْجَنَّةَ فَرَأَيْتُ فِيهَا قِيعَاناً وَرَأَيْتُ فِيهَا مَلاَئِكَةً يَبْنُونَ لَبِنَةً مِنْ ذَهَبٍ وَلَبِنَةً مِنْ فِضَّةٍ وَرُبَّمَا أَمْسَكُوا فَقُلْتُ لَهُمْ مَا لَكُمْ قَدْ أَمْسَكْتُمْ قَالُوا حَتَّى تَجِيئَنَا اَلنَّفَقَةُ فَقُلْتُ وَمَا نَفَقَتُكُمْ قَالُوا قَوْلُ اَلْمُؤْمِنِ سُبْحَانَ اَللَّهِ وَاَلْحَمْدُ لِلَّهِ وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اَللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، فَإِذَا قَالَ بَنَيْنَا وَإِذَا سَكَتَ أَمْسَكْنَا)[٥].
وإذا أيقن المؤمن بأن هذه الأذكار وهذه الأعمال الصالحة إنما هي لبنات قصوره في الجنة؛ ألا يحرص على الطاعة حرص الشاب المقبل على الزواج الذي يرى أن زواجه متوقف على تهيئة سكن مناسب له ولزوجته فيكد من الصبح الباكر حتى الساعات المتأخرة من الليل ليهيء السكن ويحقق أمنيته بانتقاله إلى ذلك المنزل الجديد؟ ألا يحرص على الطاعة إذا علم أن كل صوم أو صلاة أو آية أو ذكر يتحول إلى لبنة من فضة أو من ذهب أو إلى شجرة باسقة أو وردة فواحة؟
حرص المعصومين (عليهم السلام) على كثرة العبادة
ولذلك نرى حرص الأئمة (ع) على الطاعة والعبادة عند مراجعة سيرتهم؛ حتى لتجد أن أحدهم يأمر ولده أن يرفق بنفسه ولا يرهقها بالعبادة وهم على ما هم عليه من المكانة العظيمة والدرجات الرفيعة والقرب إلى رب الأرباب. ترى ما الذي كان يدفع الصديقة الكبرى (س) للوقوف في المحراب حتى تتورم قدماها؟ لقد كانت تغفل عن نفسها عند وقوفها بين يدي الله عز وجل فتستلذ بالعبادة وتحرص على الطاعة.
التوفيق لتلاوة القرآن الكريم
ثم ورد في الدعاء الشريف: (وَوَفِّقْنِي فِيهِ لِتِلاَوَةِ اَلْقُرْآنِ)[٦]، ويمكن القول أن هذا التوفيق على قسمين: توفيق عام وآخر خاص. فأما التوفيق العام: أن يأخذ المرء المصحف الشريف فيقرأ فيه بتدبر أو من دون تدبير، وبتفاعل مع الآيات أو من دون ذلك. وأما التوفيق الخاص أو التلاوة الخاصة: أن يتجلى الله سبحانه للعبد في تلاوة كتابه؛ فكما أن الصلاة حديث العبد مع ربه؛ فتلاوة القرآن حديث الرب مع عبده. فإذا أراد سبحانه أن يتكلم مع العبد دفعه إلى فتح المصحف ثم تجلى له في تلك الكلمات الشريفة. ولذلك فقد ورد في الأحاديث الشريفة أنه ينبغي للمؤمن أن يتبع الخطاب الرباني (يا أيها الذين آمنوا) بـ لبيك اللهم. وكأنه يقول: يا رب ماذا تريد مني؟ وهل أنا أهل لمخاطبتك؟ فأين رب الأرباب وأين التراب الآيل إلى الزوال؟ فلنحاول أن نقرأ في شهر رمضان بهذه الكيفية آية واحدة على أقل التقادير لنشعر بلذة الخطاب الإلهي. وإنما يعرف القرآن من خوطب به وهم النبي وآله ثم الأمثل ممن سار على نهجهم واستن بسننهم.
هاشتاغ
خلاصة المحاضرة
- وإذا رأى المؤمن الصورة البرزخية للأعمال، فإنه لا يحتاج إلى كثير معاناة ومجاهدة مع النفس لترك المحرمات والالتزام بالواجبات والمستحبات؛ فإذا أراد أن يمد يده إلى مال اليتيم يرى أن هذا المال إنما هو جمرة متوقدة تحرقه إن مد يده إليها. ولكن ماذا يفعل بتزيين إبليس لتلك القبائح؟