- ThePlus Audio
شرح دعاء اليوم السادس من شهر رمضان المبارك
بسم الله الرحمن الرحيم
دعاء اليوم السادس من شهر رمضان المبارك
(اَللَّهُمَّ لاَ تَخْذُلْنِي فِيهِ لِتَعَرُّضِ مَعْصِيَتِكَ وَلاَ تَضْرِبْنِي بِسِيَاطِ نَقِمَتِكَ وَزَحْزِحْنِي فِيهِ مِنْ مُوجِبَاتِ سَخَطِكَ بِمَنِّكَ وَأَيَادِيكَ يَا مُنْتَهَى رَغْبَةِ اَلرَّاغِبِينَ)[١].
اغتنام أدعية شهر رمضان واستيعاب معانيها
بغض النظر إن كانت أدعية الأيام في شهر رمضان المبارك قد صدرت عن المعصوم أو لم تصدر؛ إلا أن ما تحويه هذه الأدعية من المعاني العظيمة تستدعي من المؤمن الالتفات إليها واغتنامها واستيعاب معانيها بقدر الإمكان.
كيف يخذل الله عز وجل بعض العباد؟
فقد ذُكر في الدعاء: (اَللَّهُمَّ لاَ تَخْذُلْنِي فِيهِ لِتَعَرُّضِ مَعْصِيَتِكَ). وقد اختلف العلماء حول معنى التوفيق الإلهي والخذلان الإلهي. وكان جل الاختلاف حول الخذلان الإلهي؛ إذ أنه يمكن تعريف التوفيق بتهيئة الأسباب للذي يستحق التسديد من الله عز وجل. ولكن كيف يخذل الله العبد ويسهل له سبل ارتكاب المعاصي؟ ثم هل يتناسب ذلك مع الرأفة والرحمة الإلهية؟
ويمكن الإجابة على هذه التساؤلات بأن الله عز وجل يتبع أسلوبين في تعامله مع العباد. الأسلوب الأول: هو التسديد والعناية وهو ما يعرف بالتوفيق. والأسلوب الثاني: هو إيكال العبد إلى نفسه وهو ما يعبر عنه بالخذلان. ولا يعني ذلك أن الله سبحانه يوقع العبد في المعصية؛ إذ أنه لو كان الأمر كذلك لما استحق العبد العقاب يوم القيامة، وإنما يخلي الرب بين العبد ونفسه ويرفع عنه التسديد؛ فعندها لا يرى المنكر منكرا ولا القبيح قبيحا.
ولتقريب المعنى إلى الأذهان يمكن القول: أن الإنسان يصل بتوفيق الله عز وجل إلى مرحلة يستقذر فيها المنكر ويشمئز منه كما يشمئز البعض من بعض الحشرات قبيحة المنظر والمشمئزة والمقززة؛ حتى لا يستطيع أن يطيل النظر إليها. فكذلك المؤمن يصل إلى درجة لا يستطيع أن ينظر نظرة محرمة أو يقوم بأي منكر كان؛ بل هو يشعر بالاشمئزاز من ذلك، وهو قوله سبحانه: (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ)[٢].
العصمة المصغرة
ولو من الله على العبد ووصل إلى حد يكره فيه الفسوق والعصيان ويحب الإيمان والأعمال الحسنة؛ فقد حصل على نوع من أنواع العصمة المصغرة. وهي درجة أرقى من درجة العادل الذي لا يتركب الحرام ويقوم بالواجبات على أكمل وجه؛ إلا أنه قد يميل في باطنه إلى الحرام ولكن يمنعه من ذلك الخوف من العقاب. فهذا المؤمن قد وصل إلى درجة لا يجد فيها كثير معاناة في ترك المحرمات وأداء الواجبات.
وَلاَ تَضْرِبْنِي بِسِيَاطِ نَقِمَتِكَ
ثم يذكر في الدعاء الشريف: (وَلاَ تَضْرِبْنِي بِسِيَاطِ نَقِمَتِكَ)، فقد ورد عن الإمام الباقر (ع) أنه قال: (إِنَّ لِلَّهِ عُقُوبَاتٍ فِي اَلْقُلُوبِ وَاَلْأَبْدَانِ ضَنْكٌ فِي اَلْمَعِيشَةِ وَوَهْنٌ فِي اَلْعِبَادَةِ وَمَا ضُرِبَ عَبْدٌ بِعُقُوبَةٍ أَعْظَمَ مِنْ قَسْوَةِ اَلْقَلْبِ)[٣]. ويتبين من الرواية الشريفة أن الله كما يعاقب الأبدان بالأمراض وغيرها؛ كذلك يعاقب قلب الإنسان بالقساوة والجمود، وهي من أشد العقوبات. فالذي لا يخشع قلبه ولا يرق؛ ميت بين الأحياء، وحاله حال النباتات والحيوانات والجماد. فإن كان ينمو فالحشيش ينمو، وإن كان يأكل فالبهائم تأكل وإن كان يَسبح فالبطة تسبح، وإن كان يحمل الأثقال فالفيل أقدر منه على حملها وإن كان يركض فالغزالة أسرع. والذي يميزه عن غيره من الموجودات ليست قدرته على النمو والتكاثر والأكل والشرب؛ وإنما دركه لملكوت الوجود وحقيقة الحياة. ولذلك قيل: إن الإنسان حيوان ناطق؛ أي ينطق عن تفكير لا كما تنطق الببغاوات. ومن العقوبة أن يضرب العبد بسياط النقم فلا يفقه قلبه ولا يعقل؛ بل يكون كما قال عز من قائل: (فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ)[٤].
وَزَحْزِحْنِي فِيهِ مِنْ مُوجِبَاتِ سَخَطِكَ بِمَنِّكَ وَأَيَادِيكَ
ومن المناسب في شهر رمضان أن يطلب العبد من ربه بالإضافة إلى المغفرة أن يرفع عنه أثر المعاصي واسوداد الباطن؛ فكما يرفع سبحانه العقوبة يرفع عنه حالة الإدبار ويحولها إلى إقبال. وإذا لم يقبل الإنسان في هذا الشهر فمتى يقبل؟ وهل يرجى للذي لم يستقبله الملك في قصره استقبال من رضي عنهم وقربهم؛ هل يرجى له أن ينال منه الإكرام في خارج القصر وفي غير أوقات الضيافة؟
وقد صرح القرآن الكريم بضعف الإنسان، حيث قال: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَىٰ مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ)[٥]؛ فلولا العناية الإلهية، ما زكى منا أحد أبداً، فكل ذلك بفضل الله سبحانه وتعالى؛ لأن طبيعة الحياة المليئة بالشهوات والغفلات؛ طبيعة لا تسمح للإنسان أن يتقدم إلى الله تعالى بما لديه من رصيد، ومن هنا لابد من وجود قوة أخرى وجهة أخرى متفضلة، وهي التي تجعل كل ما يقوم به المؤمن مباركا.
خلاصة المحاضرة
- من المناسب في شهر رمضان أن يطلب العبد من ربه بالإضافة إلى المغفرة أن يرفع عنه أثر المعاصي واسوداد الباطن؛ فكما يرفع سبحانه العقوبة يرفع عنه حالة الإدبار ويحولها إلى إقبال. وإذا لم يقبل الإنسان في هذا الشهر فمتى يقبل؟
- بغض النظر إن كانت أدعية الأيام في شهر رمضان المبارك قد صدرت عن المعصوم أو لم تصدر؛ إلا أن ما تحويه هذه الأدعية من المعاني العظيمة تستدعي من المؤمن الالتفات إليها واغتنامها واستيعاب معانيها بقدر الإمكان.