(اَللّـهُمَّ !.. إِنّي أسْأَلُكَ فيهِ ما يُرْضيكَ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِمّا يُؤْذيكَ ، وَأسْأَلُكَ التَّوْفيقَ فيهِ لأنْ أُطيعَكَ وَلا أعْصيْكَ ، يا جَوادَ السّائِلينَ !).
– (اَللّـهُمَّ !.. إِنّي أسْأَلُكَ فيهِ ما يُرْضيكَ…) :
إن الملاحظ في أدعية الأيام وأدعية أهل البيت (ع) هو التأكيد دائماً على جلب رضا الله عزوجل ، وكأنه يراد من الإنسان المؤمن أن يعيش حالة الوسواس.. لو أن إنساناً موظف في دائرة في شركة وبرواتب مغرية ، وهو يعلم أن غضب صاحب العمل عليه يعني الطرد والحرمان من كل امتياز ، والعودة إلى نقطة الصفر وما تحت الصفر.. فإن هذا الإنسان دائماً خوفه من الحرمان ، وخوفه من الطرد ؛ يجعله يعيش دائماً حالة الترقب والتوثب.. حتى لو لم يقم بعمل يثير غضب صاحب العمل ، فهو يحب أن يكون راضياً عنه ، ولا يهمه فعله.. وقد يكون إنسان غير مقصر ، ولكن يريد أن يرى صاحب عمله راضياً عنه ، لأنه يعلم مغبة الغضب والطرد من صاحب العمل..
الإنسان الذي يعيش هذا الإحساس بالنسبة لله عزوجل ، فإنه يعيش دائماً حالة القلق.. إنسان مطيع طوال النهار ، أطاع ربه قياماً ، وصلاة ، وصوماً… ولكن إذا جن عليه الليل ، فإنه يعيش حالة القلق والخوف ، ويقول : لعل هناك ذنب ارتكبته ولم أتذكره !.. لعل هناك ذنب قديم رب العالمين لم يسامحني عليه !.. لعل هناك ذنب قبل عشرين سنة ونسيت الاستغفار ، أو أن الاستغفار لم يكن كافياً ، أو أن هناك مظالم عباد نسيتهم !.. إذن، احتمال الخوف موجود دائماً ، واحتمال الغضب موجود دائماً ؛ لأنه هو لا يعلم ما هو ملفه عند الله عزوجل ، ومن منا يعلم موقعه من رب العالمين ، ليركن إلى هذا الموقع ؟!.
– (اَللّـهُمَّ !.. إِنّي أسْأَلُكَ فيهِ ما يُرْضيكَ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِمّا يُؤْذيكَ…) :
أي أن الإنسان بمعصيته فإنه يؤذي رب العالمين.. فليس هناك مخالفة فحسب ، وإنما الله عزوجل يتأذى كما في قوله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا}.. فإذا رب العالمين تأذى من الإنسان ، يا ترى كيف الإنسان يمكن أن يعيش على وجه الأرض بسلام ؟!.. يعيش في مملكة قد سخط عليه ملك المملكة !.. يدبَّ على أرض هو لا يُسمح له بالمشي عليها !.. أرض مغصوبة !.. ومن المعلوم في عالم الفقه أن التصرف في ملك الغير من دون رضاه ، هو تصرف عدواني ، ويستحق إقامة العقوبات اللازمة.. إن الإنسان الذي يؤذي الله عزوجل في حركاته وسكناته ، هو إنسان غاصب ، ولله عزوجل الحق يوم القيامة أن يؤاخذه على كل قطرة ماء شربها في الدنيا ، وعلى كل خطوة خطاها على هذه الأرض الرخيصة ، وعلى كل نَسَمة تنسمها واستنشقها من هذا الهواء الذي لا قيمة له.. له الحق !.. يقول : أنت إنسان غاصب ، خلقتك لتكون على الطريق ، وأنت متنكب ؛ فإذن أنا لا أسامحك لا على معاصيك ، بل على تصرفاتك !.. ولهذا يقول أحدهم : وجودك ذنب لا يقاس به ذنب !.. نفس وجودك ذنب ، دعنا عن تصرفاتك الأخرى.. حياتك ذنب.. هذا المعنى معنى دقيق ، لو وصلنا إليه من الطبيعي أن يعيش الإنسان حالة من الاضطراب الدائم ، وحالة من الخجل والوجل بين يدي الله عزوجل.
ولهذا فالمؤمن في صلاته ومناجاته لا يحتاج إلى مثيرات كثيرة ، فهو بمجرد أن يقف في محراب العبادة ، وبمجرد أن يقف بين يدي الله عزوجل فإنه يعيش حالة الارتباك.. ولطالما رأينا إنسان يذهب إلى شخصية مخيفة ، له سلطان في هذه الدنيا ، وهو غير مقصر في حقه ، ولكن هيبة الملك تأخذه ، فيرتجف ويتلعثم ، ويتصبب عرقاً ، ولعله يغمى عليه.. إذن، الله سبحانه وتعالى يحب من عبده هذه الحالة.. ويقال أن إبراهيم الخليل عندما كان يدعو في صلاته أنه كان له أزيز كأزيز المرجل.. ترى القدر يغلي وله صوت غليان ، كان لصدر إبراهيم مثل هذا الغليان.. وهذا ديدنهم ودأبهم..
وعليه، الدرس العملي : أن الإنسان عندما يقف للمناجاة والعبادة والصلاة بين يدي الله عزوجل ، ليعلم أن درجة التفاعل في الصلاة والعبادة والمناجاة ، تكشف عن علاقة العبد بربه.. لا داعي للرؤية ، والمكاشفة ، وسؤال الصالحين ؛ بمجرد أن يرى فتوراً في علاقته مع الله عزوجل ، فليعلم أن هناك فتور من جهته.. {ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ}.. هو الذي يقبل عليك ، فتقبل عليه أنت.. ما دمت لا تقبل عليه ، فهذا يكشف عن إدبار منه إليك ، ويا له من إدبار قاتل !..
ولهذا بعض الأوقات عند عدم الخشوع في الصلاة ، المؤمن يستثمر عدم الخشوع هذا ، في جلب الخشوع.. بمثابة إنسان يعيش مرض القلب ، ويذهب للطبيب ، وإذا بهذا القلب ينقبض عند الطبيب ، فيبدأ يصيح ؛ لأن هذه فرصة الشكوى ، فهو في عيادة طبيب مختص بالقلوب ، وإذا به يعيش الأزمة في ذلك المكان.. المؤمن كذلك، عندما يعيش الإدبار في صلاته ، أو في المسجد ، أو في جوف الليل ، أي أنه عاش الأزمة بين يدي الطبيب ، فليسارع في الطلب والبكاء والتضرع ، في أن يرفع مرضه قبل أن يستفحل به ، فيؤول إلى موت القلب !.. أجارنا الله تعالى وإياكم من ذلك !..
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.