- ThePlus Audio
شرح دعاء اليوم الثاني عشر من شهر رمضان
بسم الله الرحمن الرحيم
مقتطفات ودروس من سيرة النبي نوح (عليه السلام)
هناك الكثير من العبر التي تضمنتها قصص الأنبياء (ع) في القرآن الكريم. من هذه العبر ما وردت في الآيات التي تناولت سيرة النبي نوح (ع)، وفي هذه القصة التي عاش صاحبها قرابة ألف سنة محطات جديرة بالتأمل والتدبر، فقد قال سبحانه: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا)[١].
أما الدرس الأول الذي نستفيده من سيرة هذا النبي أنه كان طويل البال في دعوة قومه إلى الله؛ فقد دعاهم قرابة عشرة قرون من دون كلل أو ملل وذلك جعله الله سبحانه من أولى العزم من الرسل. ولذلك فإن المؤمن لا ينظر إلى الثمار وإنما يسعى حتى وإن لم يشاهد ثمرة سعيه في هذه الدنيا؛ إذ أنه يعتقد أن الله سبحانه قد ادخر له هذه الثمار في عالم الغيب وفي البرزخ وفي يوم القيامة. لأن الذي يسعى بقدر الثمرة لا بد وأن يقصر في سعيه إن لم يحصل على الثمرة التي ينتظرها في يوم من الأيام.
الدرس الثاني؛ الرضا بالتدبير الإلهي. إن نوح (ع) كان يصنع سفينته على ظهر اليابسة، ولذلك قال سبحانه في القرآن: (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ)[٢]؛ فلم تكن سفينته بجوار بحر ولا نهر ولم تكن فائدة بحسب الظاهر من وراء جهده وسعيه. ولكن الله سبحانه وهو المدبر كان يخطط لأمر مستقبلي وحدث ما كان مخطط له. وكذلك أمره سبحانه في تدبير مسألة الغيبة في عصر غيبة الإمام (عج)، فهو العالم بالوقت المناسب للفرج.
والدرس الثالث؛ القوة النفسية واللامبالاة باستهزاء الكافرين. إن كلمة (إنما) تفيد التكرار؛ أي أن الملأ كانوا يسخرون منه دائما ولكن لم يكن ذلك مما يوهن عزمه أو يخرج نوح (ع) عن طوره ولم يكن يقابل السخرية بالسب والشتم والغضب وإنما قال: (إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ)[٣]. وهكذا هو المؤمن في دعوته إلى الله عز وجل لا يبالي باستهزاء المنحرفين فهو قوي في نفسه وقوي باتكاله على الله عز وجل لا يرى قيمة ووزنا للقوى الحاكمة على الأرض مهما عظمت لأنها تافهة في جنب قوة الله عز وجل وقدرته ولذلك يعيش مطمئن النفس، هادئ البال.
والدرس الرابع؛ رضاه بالقضاء الإلهي. فكان لنوح (ع) ولد شمله العذاب، ويبدو أنه لم يخرج من قلب نوح (ع) وكان شفيقا به، ولذلك عندما رأى الأمواج قد أحاطت به وأوشكت أن تبتلعه قال: (رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ)[٤]. ويقول المفسرون: أن كلمة (نادى) تدل على شدة الطلب؛ فلم يقل سبحانه: ناجى أو همس وإنما رفع صوته بالطلب.
النبي نوح (عليه السلام) وطلب نجاة ولده
وقد كان نوح (ع) موعودا بنجاة أهله وكان يرى ولده مؤمنا بحسب الظاهر ولذلك أقدم على هذا الطلب. ولم يسأل نوح ربه مباشرة وإنما قال: يا رب إن ابني من أهلي، وقد وعدتني نجاة أهلي؛ فلم يحدد لله سبحانه تكليفه وإنما وكل الأمر إليه. ولذلك فإن العبد لا يقترح على ربه شيئا وقد ورد في الحديث القدسي: (يَا اِبْنَ آدَمَ أَطِعْنِي فِيمَا أَمَرْتُكَ وَلاَ تُعَلِّمْنِي مَا يُصْلِحُكَ)[٥]، وقد قال نوح (ع) في ختام طلبه هذا: (وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ) فكان في نهاية الأدب في عند مخاطبة ربه، ولكن الله سبحانه عاتبه عتابا بليغا مع شدة قربه وشفقته مع الأنبياء وقال: (يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ)[٦]؛ فالظاهر أنه ابنك ولكنه ليس كذلك فقد خرج من دائرتك. وهذا تهديد لكل من ينتسب إلى النبي (ص) عقيدة أو نسبا. فكما تبرأ نوح من ابنه عند انحرافه عن خط الرسالة؛ فكذلك النبي (ص) يتبرأ إلى الله عز وجل من كل من خالف نهجه وتنكر لرسالته.
وكم هم أمثال ابن نوح ممن نشأوا وترعرعوا في أحضان أبوين مؤمنين وفي أجواء المسجد ولكن لم يستثمروا هذه الفرصة، فكانت عاقبتهم عاقبة ابن نوح (ع). فالسماء تمطر والأرض تنبع بالماء والأمواج كالجبال ولكن هذا الولد الذي لا عقل له يقول: (قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ)[٧]، وكان يعتقد أن الجبل الصامت بإمكانه أن ينجيه في مقابل السفينة المنجية الحقيقية.
وكم من الشقاء أن تنجوا البهائم التي حملها معه نوح (ع) في سفينته ولا ينجو من ترعرع في حضن نبي الله نوح (ع). ولطالما اعتمد الإنسان على حسبه ونسبه وعلى عراقة أسرته وتاريخ عشيرته ولكنها لم تغن عنه من الله شيئا. وقد يشغل الشيطان المؤمن بماضيه المشرق عن العمل لمستقبله؛ فيقول له: لقد فعلت كذا وكذا وجمعت من الحسنات كذا وكذا فهو كالتاجر الذي ينظر إلى حساباته المصرفية الضخمة فيتقاعس عن العمل. ولا يعلم المؤمن أن الشيطان يتربص برصيده هذا ليصادره.
خلاصة المحاضرة
- لقد كان نوح (ع) موعودا بنجاة أهله وكان يرى ولده مؤمنا بحسب الظاهر ولذلك طلب ذلك من الرب. ولم يسأل نوح ربه مباشرة وإنما قال: يا رب إن ابني من أهلي، وقد وعدتني نجاة أهلي؛ فلم يحدد لله سبحانه تكليفه وإنما وكل الأمر إليه. ولذلك فإن العبد لا يقترح على ربه شيئا.