(اَللّـهُمَّ !.. غَشِّني فيهِ بِالرَّحْمَةِ ، وَارْزُقْني فيهِ التَّوْفيقَ وَالْعِصْمَةَ ، وَطَهِّرْ قَلْبي مِنْ غَياهِبِ التُّهْمَةِ ، يا رَحيماً بِعِبادِهِ الْمُؤْمِنينَ !).
– (اَللّـهُمَّ !.. غَشِّني فيهِ بِالرَّحْمَةِ…) :
أي يا ربي، اغمرني بالرحمة من رأسي إلى قدمي !.. ولهذا الإنسان أيضاً عندما يمسح رأسه في الوضوء يقول : (اللهم !.. غشني فيه برحمتك وعفوك وبركاتك).. ومن المعلوم أن هذه الرحمة تتجلى في الصلاة بأعلى صورها ، كما في الحديث عن الإمام الصادق (ع) : (إذا قام المصلي إلى الصلاة ، نزلت عليه الرحمة من أعنان السماء إلى الأرض ، وحفّت به الملائكة ، وناداه ملك : لو يعلم هذا المصلي، ما في الصلاة ما انفتل !)..
لأنه لولا هذه الرحمة ، لكان سلوك الإنسان اليومي سلوك يؤدي به إلى الهاوية ، كما يشير إليه قوله تعالى : {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا}.. إذ الغالب على لحظات العمر إما أن الإنسان مشغول بالشهوة أو بالغفلة عن الله عزوجل.. بينما هذه ساعة الإحياء ، وسويعات الصلاة ، وسويعات المناجات ، وسويعات القراءة والمطالعة ، فإنها سويعات لا وزن لها في حياة أحدنا !.. ومن هنا فإن الإنسان يوم القيامة يعاتَب ، أو هو يعاتب نفسه على هذا التفريط ، وفي قوله تعالى : {أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} ، إشارة إلى هذه الحالة من الأسف والندامة ، يوم لا ينفع فيه ندم ولا حسرة !.. مثلاً : كان بإمكانه أن يكتفي بالخمس ساعات من النوم ، فنام ساعة إضافية ، هذه الساعة أليس فيها حساب ؟.. أليست ساعة غفلة ؟!.. النوم هو الموت الأصغر ، النوم انقطاع عن العمل ، النوم استرخاء بين يدي الله عزوجل.. لو أن إنساناً كان في ضيافة ملك ، فإنه يقتصر على النوم بالمقدار اللازم.. والبعض من العلماء الفقهاء أو الواصلين كان عندما ينام لا يمد رجليه في النوم ، حياءً من الله عزوجل.. هذه الآداب لأهلها ، ولكن أقول : بأن الإنسان يحتاج إلى رحمة واسعة ، لكي يتخلص من بعض تبعات المعاتبة يوم القيامة.
– (وَارْزُقْني فيهِ التَّوْفيقَ وَالْعِصْمَةَ…) :
إن العصمة خاصة بالمعصومين ، فما معنى العصمة للإنسان المؤمن ؟.. وما هو الفرق بين العادل والمعصوم ؟..
الإنسان عندما يسأل الله عزوجل أن يرزقه العصمة ، فإنه لا يعني بذلك العصمة الخاصة وإنما العصمة الممكنة.. فإن ذلك ممكن ، وهي أن يصل الإنسان إلى أدنى درجات العصمة..
العادل : هو الذي لا يرتكب الذنب ويأتي بالواجبات.
وأما المعصوم : هو ذلك الذي لا يميل إلى الحرام ، بل لا يمكنه القيام بالحرام.
الآن في حياتنا اليومية البعض منا من المستحيل أن يقوم بخلاف المروءة.. مثلاً : من الذي يمكن أن تكون له جرأة أن يأتي إلى المسجد بثياب النوم الداخلية ؟.. هل هذا ممكن ؟.. هذا مستحيل !.. لا يمكن أن يصدر من أي أحد هذا العمل !.. إذن، الذنب كذلك.. كما أن الجميع لا يحتمل أن يأتي يوم من الأيام للملأ العام بثياب داخلية ، كذلك فإن الإنسان من الممكن أن يصل يوماً من الأيام ، أنه لا يمكنه أن يفكر يوماً بمعصية الله سبحانه وتعالى.. نعم، هذا الأمر ممكن.. إذن، أدنى درجات العصمة ، أن يصل الإنسان إلى مرحلة يشمئز ويتقزز من الذي لا يرضي الله سبحانه وتعالى.
وهذه الدرجة قد تحققت في لحظة لسحرة فرعون.. ومن المعلوم أن السحر من الكبائر ، وهذا السحر الذي هو من الكبائر سُخر لمحاربة الله ورسوله ، فليس سحراً عادياً ، وليس سحراً لكسب المادة ، وإنما هو سحر لأجل فضيحة موسى.. ويا له من جرم عظيم !.. جرم في جرم !.. ولكن هؤلاء السحرة عندما رأوا الآيات وآمنوا بالله عزوجل ، هددهم فرعون : {قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ * قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ}.. ومن العجيب هذا التحول في لحظة واحدة من قمة في الضلال والإغواء إلى قمة في الإيمان ، إلى درجة أنهم لم يبالوا بتهديد فرعون !.. ومن المعلوم أنه من أشد أنواع التعذيب هو قطع اليدين والرجلين ، لا قطع الرأس.. فالإنسان الذي تقطع رأسه فإنه يموت ؛ بينما المصلوب يبقى ساعات ، ولعل أيام ، كميثم التمار صاحب أمير المؤمنين (ع).. فمن أبشع الصور التعذيبية عبارة عن الصلب على جذع نخلة ، مقطوع اليدين والرجلين ، ينزف وينزف إلى أن يموت.. ولكن لننظر ماذا كان جوابهم ؟!.. {قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ}.. مادام المنقلب إلى الرب ، فلا مانع من أن تقطع أيدينا !.. نعم، المؤمن يصل إلى هذه الدرجة بتوفيق الله تعالى..
– (وَطَهِّرْ قَلْبي مِنْ غَياهِبِ التُّهْمَةِ…) :
أي يا ربي !.. طهر قلبي من ظلمات التهمة.. فإن التهمة مظلمة جداً !..
وهناك تهمة خارجية وهناك تهمة باطنية.. فأما التهمة الخارجية فأنها تبعث بالإنسان إلى جهنم.. والتهمة الداخلية فإنها تسبب له الظلمة في الفؤاد.. أن يعيش الإنسان التهمة كسوء الظن بالمؤمنين ، ولا يحمل على المحمل الأحسن ، فهذا إنسان مظلم الفؤاد ، والقلب المظلم لا يدخله النور.. إذن، يطلب الإنسان من ربه في هذا اليوم ، أن يصبح نقياً في ظاهرة ، ونقياً في باطنه.
وفقنا الله وإياكم ، لأن نكون من عباده الصالحين !.
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.