- ThePlus Audio
شرح الدعاء السابع عشر من شهر رمضان المبارك
بسم الله الرحمن الرحيم
دعاء اليوم السابع عشر من شهر رمضان المبارك
(اَللَّهُمَّ اِهْدِنِي فِيهِ لِصَالِحِ اَلْأَعْمَالِ وَاِقْضِ لِي فِيهِ اَلْحَوَائِجَ وَاَلْآمَالَ يَا مَنْ لاَ يَحْتَاجُ إِلَى اَلسُّؤَالِ يَا عَالِماً بِمَا فِي صُدُورِ اَلْعَالَمِينَ)[١].
يطلب المؤمن في هذا الدعاء الشريف من الله عز وجل أن يجعله في طريق العمل الصالح؛ فيالها من خسارة عظيمة أن يعيش الإنسان دهرا في هذه الدنيا ثم ينقطع ذكره وتنقطع آثاره بموته وكأنه لم يكن من المخلوقين. فلا يترك علما ينتفع به ولا ولدا صالحا يدعو له ولا صدقة يجريها فينتفع بها من بعده.
الباقيات الصالحات
وكم هي الصدقات التي نراها في مكة والمدينة والمشاهد المشرفة لأئمة أهل البيت (ع) أجراها من لم يكن له حظ كبير من العلم ولم يكن ممن يتوقع من فعله الخلود؛ ولكن الله عز وجل بارك لهم في صدقاتهم فهي جارية إلى يومنا هذا وأصبحت من الباقيات الصالحات التي قال عنها عز وجل: (وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا)[٢]. ولو أمعن المؤمن النظر لرأى أن هذه الباقيات هي الاستثمار الحقيقي والحياة الاقتصادية المثلى. فتخيل أن الرجل يتحسر في قبره على حسنة واحدة أو كلمة لا إله إلا الله وإذا بأفواج الحسنات تنهمر عليه في قبره مما لم يكن في حسبانه. وكمثال على ذلك صاحب المفاتيح التي لا يكاد يخلو منها بيت مؤمن ولا يفارقه الناس في حج ولا عمرة ولا شهر رمضان ولا في موسم عبادي إلا وتجد الكتاب حاضرا. وكم هي الكتب التي كتب لها ولأصحابه الخلود كأمثال الكليني والطوسي، والمفيد، والمرتضى، والرضي وغيرهم.
وينبغي إذا لم يوفق المؤمن في الحقل العلمي أن يبادر إلى الحقل العملي ويتزود لآخرته من الأعمال الصالحة والصدقات التي يجريها بعد حياته حتى وإن كانت بسيطة وقليلة بحسب الظاهر. فقد ورد عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: (مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِداً وَلَوْ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ بَنَى اَللَّهُ تَعَالَى لَهُ بَيْتاً فِي اَلْجَنَّةِ)[٣]. وينبغي للمؤمن أن يسعى ويفكر ويبذل جهده ولا يتوقف في حياته عن الطلب في أن يجري الله عز وجل للعباد الخير على يديه كما ورد ذلك في دعاء مكارم الأخلاق للإمام زين العابدين: (وأَجْرِ لِلنَّاسِ عَلَى يَدِيَ اَلْخَيْرَ)[٤]
ترتيب الأولويات في طلب الحاجات
ثم يذكر الدعاء: (وَاِقْضِ لِي فِيهِ اَلْحَوَائِجَ وَاَلْآمَالَ). وينبغي للمؤمن أن يرتب الأولويات في طلب الحوائج والآمال؛ فللأسف الشديد عندما يوفق المؤمن للحج أو لزيارة بعض المشاهد المشرفة وتحصل له رقة معنوية سرعان ما يفكر في الأمور الفانية؛ كضيق المعيشة وسقم البدن والخلاص سجين والسلامة من الآفات وغير ذلك، وهي وإن كانت أمورا مهمة في الحياة إلا أنه لا ينبغي أن يغفل عن ما هو أعظم من ذلك وأبقى..!
كرامة السيدة الزهراء (سلام الله عليها) في يوم المحشر
لقد عاشت الزهراء (س) في هذه الحياة عيشة قصيرة ورغم قصر حياتها عانت من الضيق والشدة والأذى ما لم تتعرض لمثله امرأة في التاريخ ولذلك فقد أراد الله سبحانه أن تتجلى كرامة الزهراء (س) يوم القيامة بما يذهل منه ذوي الألباب، وسيعطيها سبحانه حتى يرضيها. فقد روي عن النبي الأكرم (ص) في حديث طويل: (فَيُوحِي اَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهَا يَا فَاطِمَةُ سَلِينِي أُعْطِكِ وَتَمَنَّيْ عَلَيَّ أُرْضِكِ فَتَقُولُ إِلَهِي أَنْتَ اَلْمُنَى وَفَوْقَ اَلْمُنَى أَسْأَلُكَ أَنْ لاَ تُعَذِّبَ مُحِبِّي وَمُحِبِّي عِتْرَتِي بِالنَّارِ فَيُوحِي اَللَّهُ إِلَيْهَا يَا فَاطِمَةُ وَعِزَّتِي وَجَلاَلِي وَاِرْتِفَاعِ مَكَانِي لَقَدْ آلَيْتُ عَلَى نَفْسِي مِنْ قَبْلِ أَنْ أَخْلُقَ اَلسَّمَاوَاتِ وَاَلْأَرْضَ بِأَلْفَيْ عَامٍ أَنْ لاَ أُعَذِّبَ مُحِبِّيكِ وَمُحِبِّي عِتْرَتِكِ بِالنَّارِ)[٥].
ولم تطلب الزهراء (س) في بادئ الأمر جنة ولا رضوانا ولا شفاعة ولا انتقاما من أعدائه وإنما قالت: (أنت المنى)؛ أي أنه سبحانه كل ما تطلب، وإن وصلت إليه فقد حازت الخير كله، وفي ذلك يقول الإمام الحسين (ع) في دعاء يوم العرفة: (مَا ذَا وَجَدَ مَنْ فَقَدَكَ وَمَا اَلَّذِي فَقَدَ مَنْ وَجَدَكَ لَقَدْ خَابَ مَنْ رَضِيَ دُونَكَ بَدَلاً)[٦]
لماذا لا نتأسى بالصديقة في طلبها العميق هذا؟ وهو أن نطلب منه الرضوان والعناية الخاصة بأوليائه، وهو يعلم جيدا كيف يتصرف مع العبد، ولنتأسى أيضا بإمامنا الحسين (ع) الذي يقول في دعاء يوم العرفة: (أَسْأَلُكَ اَللَّهُمَّ حَاجَتِيَ اَلَّتِي إِنْ أَعْطَيْتَنِيهَا لَمْ يَضُرَّنِي مَا مَنَعْتَنِي وَإِنْ مَنَعْتَنِيهَا لَمْ يَنْفَعْنِي مَا أَعْطَيْتَنِي)[٧]
يَا مَنْ لاَ يَحْتَاجُ إِلَى اَلسُّؤَالِ
البعض منا يدعو ويحدد لرب العالمين ما يريد وكأنه يملي على الرب تكليفه فيقول: يارب أريد الحاجة الفلانية بالشرط والكيفية الفلانية. وقد ورد في حديث قدسي: (يَا اِبْنَ آدَمَ أَطِعْنِي فِيمَا أَمَرْتُكَ وَلاَ تُعَلِّمْنِي مَا يُصْلِحُكَ)[٨]. ولذلك عندما عرض جبريل الأمين على إبراهيم (ع) المساعدة لما أرادوا أن يرموا به في النار رفضها واكتفى بعلم الله سبحانه بحاله.
فقد ورد في البحار: (أَمَرَ نُمْرُودُ بِجَمْعِ اَلْحَطَبِ فِي سَوَادِ اَلْكُوفَةِ عِنْدَ نَهْرِ كُوثَى مِنْ قَرْيَةِ قُطْنَانَا وَ أَوْقَدَ اَلنَّارَ فَعَجَزُوا عَنْ رَمْيِ إِبْرَاهِيمَ فَعَمِلَ لَهُمْ إِبْلِيسُ اَلْمَنْجَنِيقَ فَرُمِيَ بِهِ فَتَلَقَّاهُ جَبْرَئِيلُ فِي اَلْهَوَاءِ فَقَالَ هَلْ لَكَ مِنْ حَاجَةٍ فَقَالَ أَمَّا إِلَيْكَ فَلاَ حَسْبِيَ اَللَّهُ وَ نِعْمَ اَلْوَكِيلُ فَاسْتَقْبَلَهُ مِيكَائِيلُ فَقَالَ إِنْ أَرَدْتَ أَخْمَدْتُ اَلنَّارَ فَإِنَّ خَزَائِنَ اَلْأَمْطَارِ وَ اَلْمِيَاهِ بِيَدِي فَقَالَ لاَ أُرِيدُ وَ أَتَاهُ مَلَكُ اَلرِّيحِ فَقَالَ لَوْ شِئْتَ طَيَّرْتُ اَلنَّارَ قَالَ لاَ أُرِيدُ فَقَالَ جَبْرَئِيلُ فَاسْأَلِ اَللَّهَ فَقَالَ حَسْبِي مِنْ سُؤَالِي عِلْمُهُ بِحَالِي)[٩]. نعم إن الفرج يأتي لا محالة ولكن بشرط التقوى وهو قوله سبحانه: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا)[١٠].
يَا عَالِماً بِمَا فِي صُدُورِ اَلْعَالَمِينَ
وقد تكون للإنسان حوائج كثيرة لا يبديها إلا أنه سبحانه عالم بها وبما يصلح العبد من أمور الدنيا والآخرة. ومن آداب الدعاء بين يدي الله عز وجل: أن نطلب الحاجة ثم نفوض قضائها والنظر فيها إلى المولى العليم بالسرائر.
هاشتاغ
خلاصة المحاضرة
- إن الله عز وجل أمرنا بالدعاء في كثير من آيات كتابه ولكن لا يعني ذلك أن نملي على الله سبحانه ما يجب لنا وما يصلح حالنا من أمور الدنيا والدين وإنما يفوض المؤمن أموره إلى الله عز وجل فإن شاء قضى وإن شاء أخر بحسب مصلحة العبد.