- ThePlus Audio
شرح الجزء الحادي عشر من القرآن الكريم
بسم الله الرحمن الرحيم
يقول سبحانه: (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ)[١].
معاكسة الطبيعة البشرية
تشير هذه الآيات بحسب الظاهر لجماعة ركبوا في الفلك فأصابتهم الأمواج العاتية وأحاط بهم الخوف والفزع بعد أن أوشكوا على الهلاك فدعوا الله مخلصين فأنجاهم. إلا أنها تذكر سنة من سنن الله الثابتة في الحياة والتي تبين الطبع البشري. وهناك الكثير من الآيات التي تناولت طبيعة الإنسان منها الآيات التي وصفت الإنسان بالظلوم الكفار والآيات التي وصفته بـ الجهول وبالذي خلق من ضعف وبالعجول وأنه في خسر وغيرها من الصفات الإنسانية المتأصلة فيه. وهي تلفت نظر الإنسان إلى أنه إذا لم يعمل بخلاف طبيعته وجبلته فإنه لا يمكنه الرقي أبدا، كالأجسام في عالم الفيزياء التي تميل إلى التسافل بفعل الجاذبية. فمن أراد أن يوقف التسافل لا بد وأن يوقف الجاذبية وهذا أمر مستحيل؛ فعليه أن يعاكس حركة الجاذبية.
هو الذي يسيركم في البر والبحر
عندما يسافر الإنسان من خلال طائرة ينظر إلى فخامة صنعها وإلى محركاتها القوية المنصوبة في جناحيها، وينظر إلى الطيار المحترف المتمرس في مهنته، ويفكر في الوقود الذي يزود الطائرة وينبهر بصانع الطائرة وطيارها ويكبرهما ويعجب بهما، وهنا يذكر القرآن الكريم الإنسان؛ بأن الله سبحانه هو الذي يسير البشر في البر والبحر.
وأما بالنسبة إلى السفن فيحكم عليها قانون الطفو الذي على أساسه تسير السفن بالبحر وهو قانون معجب؛ حيث تطفو كتلة ضخمة وثقيلة قد تحمل عشرات الطائرات الثقيلة على سطح الماء بقانون إلهي. هذا الماء الذي لا يتحمل قطعة نقدية مصنوعة من حديد أو نحاس فسرعان ما تستقر في قعره. فيقول سبحانه: لا يلهيكم عظمة هذه السفينة عن الذي يسيرها وينشأ القوانين المناسبة لسيرها.
ولم تذكر الآية الجو، لأن القرآن نزل في عصر لم يكن البشر قد سخر الجو بعد. ثم تذكر الآية أن هؤلاء الركاب بعد أن أحاطتهم الأمواج من كل مكان وأيقنوا بالهلاك لجأوا بطبيعتهم إلى الله عز وجل مخلصين له الدين؛ فالله عز وجل لا يقبل إلا الطيب وهو الذي تظهر عنده بواطن الأخبار يؤيد إخلاص هؤلاء في تلك الساعة الموحشة. ثم إذا أنجاهم سبحانه وأوصلهم إلى ساحل النجاة انقلبوا على أعقابهم وعادوا إلى ما عهدوه من حياة اللهو اللعب.
مخلصا له الدين
إن الإنسان في حال الضيق يتوجه إلى الله سبحانه مخلصا له الدين فيكشف ما به من ضر، ولنا أن نطبق هذه القاعدة لا على ساعات الضيق فحسب؛ بل على ساعات الرخاء، فالمعادلة واحدة. إن الذي يعيش على وجه الأرض لا هو في السماء ولا هو في البحر يعتمد على الأسباب المادية فيركن إليها ويطمئن بها وهنا يكله الله عز وجل إلى ما ركن إليه؛ كالذي يتزوج امرأة لجمالها أو مالها فيكله الله إليهما؛ لأنه لم يبحث عن الأنس والمودة والرحمة التي هي من فعل الله سبحانه بين الزوجين.
ولذلك فإن الذي يأتيه الموج من كل مكان قد انقطعت به السبل المادية وكذلك الذي يصعد في جو السماء ترجعه إلى الله عز وجل أقل هزة تصيب طائرته. فهو قد أيس من المحرك الذي قد يتوقف في أية لحظة وأخلص في دعائه لله سبحانه في تلك اللحظة ولكنها حالة مؤقتة سرعان ما تنتهي باستقراره على بر الأمان.
الاتكال على الأسباب المادية
أما المؤمن فهو يعلم أن الأسباب إنما هي بيد الله سبحانه حتى وإن كان ماشيا على وجه الأرض، فبالتالي هي ساكنة بإذن الله عز وجل وقد تمور بأهلها وتصيبها الزلازل فتخرج عن سكونها. وهو يعلم أن حياته مرهونة بنبضات قلبه وتنفسه وقد ينتقل إلى عالم الأموات عند توقف هذه الأعضاء التي تعمل بأمر الله سبحانه. ولذلك فإن المؤمن دائم الانقطاع إلى الله عز وجل. ومن أسباب الطغيان الغنى؛ فيركن الغني إلى ثروته وماله فيجعله بعيدا عن الله سبحانه، ولو رأى سبحانه أن الغنى لا يطغي الإنسان ولا يجعله يركن إلى نفسه وماله لفتح الله عليه بركات كل شيء؛ كما يفعل سبحانه ذلك في زمن الظهور حيث الناس على مستوى راق من النبوغ الفكري والنفسي.
الرجوع إلى الله سبحانه
ثم تذكر الآية: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)[٢]. والآية تتحدث بلغة واضحة مبينة ولكن تحكمها قوانين الفيزياء والكيمياء. يقول سبحانه: أنتم بركونكم إلى متاع الدنيا وغفلتكم عن الآخرة والرجوع إلينا لم تخلصوا لي الدين وغفلتم عني. فالحل إذاً أمران: أن تلتفتوا إلى أن المتاع فان وأن العمر القصير للإنسان في هذه الدنيا يحدد له مصير الأبد. والأمر الآخر؛ اليقين بلقاء الله ويا له من لقاء يحاسب فيه الله العبيد مباشرة على ما اقترفوه فليعدوا لذلك اليوم جوابا. فإذا اتصف المؤمن بهاتين الصفتين اجتنب الوقوع في الزلل وأمن الانحراف فهو كصاحب الفلك دائم الانقطاع إلى الله مخلصا له الدين في كل آن.
خلاصة المحاضرة
- عندما يسافر الإنسان من خلال طائرة ينظر إلى فخامة صنعها وإلى محركاتها القوية المنصوبة في جناحيها، وإلى الطيار المحترف، ويفكر في الوقود الذي يزود الطائرة وينبهر بصانع الطائرة ويكبره ويعجب به، ولكنه ينسى أن الله سبحانه هو المسير لهذه الكتلة الضخمة الطائرة..!