Search
Close this search box.
  • سيرة الحسين (عليه السلام) ما قبل عاشوراء
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

سيرة الحسين (عليه السلام) ما قبل عاشوراء

بسم الله الرحمن الرحيم

دعوة الإمام الحسين (عليه السلام) غير المسلمين

لو أن محققاً من المحققين جمع الموقف التي أسلم فيها غير المسلمين من اليهود والنصارى وغيرهم على أيدي أئمة أهل البيت (ع) لوجدها كثيرة. من هذه المواقف إسلام يهودي على يد الحسين (ع) من دون دعوة. فالإمام (ع) لم يقل لليهودي تعال وأسلم، ولم يهدده بالسيف، أو بنار جهنم؛ إلا أنه أسلم وزوجته على يد الإمام (ع) من أجل فعل صدر منه (ع). وهذه الأيام هناك الكثير من المؤمنين في بلاد الغرب والشرق بأفعالهم ينشرون الدعوة الإلهية. فقد روي عن الإمام الحسين (ع) أنه قال: (صَحَّ عِنْدِي قَوْلُ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ أَفْضَلُ اَلْأَعْمَالِ بَعْدَ اَلصَّلاَةِ إِدْخَالُ اَلسُّرُورِ فِي قَلْبِ اَلْمُؤْمِنِ بِمَا لاَ إِثْمَ فِيهِ)[١]. فتارة تنقل له مزاحاً كاذباً، وتدعوه إلى منكر فيفرح ولكن لا قيمة لهذا الفرح لأنه بخلاف ما ذكره الإمام (ع) لا يخلو من الإثم.

وقد كان هو (ع) أو المتأسين، ولذلك يقول (ع): (فَإِنِّي رَأَيْتُ غُلاَماً يُؤَاكِلُ كَلْباً)[٢]. لم يكن الغلام يطعم الكلب، وإنما كان يؤاكله؛ أي جالس يأكل مع الكلب طعاما له، وهذا ما لفت الإمام (ع). فسأله (ع) في ذلك، فقال: (يَا اِبْنَ رَسُولِ اَللَّهِ إِنِّي مَغْمُومٌ أَطْلُبُ سُرُوراً بِسُرُورِهِ لِأَنَّ صَاحِبِي يَهُودِيٌّ أُرِيدُ أُفَارِقُهُ، فَأَتَى اَلْحُسَيْنُ إِلَى صَاحِبِهِ بِمِائَتَيْ دِينَارٍ ثَمَناً لَهُ فَقَالَ اَلْيَهُودِيُّ اَلْغُلاَمُ فِدَاءٌ لِخُطَاكَ)[٣].

بركة مائتي دينار للإمام الحسين (عليه السلام)

ما هي علاقة الإمام بهذا الغلام؟ لقد رأى في الطريق ورأى منه بادرة خير فأراد أن يخلصه، كما خلص الحر بعدما وقف أمامه (ع). إنما اكتسب الحر التوبة لأنه بدرت منه بادرة حسنة كما حدث الأمر مع هذا الغلام، وكما ستُصبح هذه الكلمة من اليهودي: (فِدَاءٌ لِخُطَاكَ) سبباً لسعادته. تقول الروياة: (وَهَذَا اَلْبُسْتَانُ لَهُ وَرَدَدْتُ عَلَيْكَ اَلْمَالَ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَأَنَا قَدْ وَهَبْتُ لَكَ اَلْمَالَ قَالَ قَبِلْتُ اَلْمَالَ وَوَهَبْتُهُ لِلْغُلاَمِ فَقَالَ اَلْحُسَيْنُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَعْتَقْتُ اَلْغُلاَمَ وَوَهَبْتُهُ لَهُ جَمِيعاً)[٤]؛ ويا لبركة هذه الدنيار التي انتقلت من يد إلى أخرى حتى صار الغلام حراً، وصاحب بستان وصاحب مائتي دينار.

وهل انتهت البركة عند هذا الحد؟ كلا، تقول الرواية: (فَقَالَتِ اِمْرَأَتُهُ قَدْ أَسْلَمْتُ وَوَهَبْتُ زَوْجِي مَهْرِي)[٥]. لقد تأثرت هذه المرأة بالموقف الذي رأته من الإمام الحسين (ع)، فأرادت أن تتشبه به وتحذو حذوه. ثم قال اليهودي: (وَأَنَا أَيْضاً أَسْلَمْتُ وَأَعْطَيْتُهَا هَذِهِ اَلدَّارَ)[٦]. وهذه هي الدعوة بغير اللسان، وهذه هي الشفقة الحسينية. لو أن أحدنا كان مكان الحسين (ع) ورأى الغلام لقال: سأدعو لك في جوف الليل؛ ولكن انظروا إلى حركته (ع)، فهذه هي سيرة وسنة من نبكي عليه. ولننقل هذه الروايات إلى العالم، ونقول لهم: هذا إمامنا الذي نلطم على رئوسنا في استشهاده.

كرم الإمام (عليه السلام) مع إحدى جواريه

وقد كان الحسين (ع) في غاية الحلم والكرم. يقول أنس: (كُنْتُ عِنْدَ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ دَخَلَتْ عَلَيْهِ جَارِيَةٌ بِيَدِهَا طَاقَةُ رَيْحَانٍ فَحَيَّتْهُ بِهَا، فَقَالَ لَهَا: أَنْتِ حُرَّةٌ لِوَجْهِ اَللَّهِ تَعَالَى. فَقُلْتُ: تُحَيِّيكَ بِطَاقَةِ رَيْحَانٍ لاَ خَطَرَ لَهَا فَتُعْتِقُهَا؟! فَقَالَ: كَذَا أَدَّبَنَا اَللَّهُ تَعَالَى، قَالَ وَإِذٰا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهٰا أَوْ رُدُّوهٰا  فَكَانَ أَحْسَنَ مِنْهَا عِتْقُهَا)[٧]، وهكذا هو المؤمن كريم الطبع لا ينسى إحسان الآخرين إليه.

وما المانع من أن تطبق هذه الرواية على زوجتك؟ كم تعبت ذه الزوجة طوال العمر، وكم طبخت، وكم كنست، وكم ولدت، وكم عانت في كل ولادة آلام الولادة؟ فلماذا تنسى كل ذلك في موقف من المواقف التي أساءت فيها إليك؟ تأسى بالحسين (ع) ولا تنسى إحسانها.

أما عزته الإيمانية فيصفها لنا إمام الصادق (ع) حيث روي عنه أنه قال: (كَانَ اَلْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ جَالِساً فَمَرَّتْ عَلَيْهِ جَنَازَةٌ فَقَامَ اَلنَّاسُ حِينَ طَلَعَتِ اَلْجَنَازَةُ فَقَالَ اَلْحُسَيْنُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ مَرَّتْ جَنَازَةُ يَهُودِيٍّ وَكَانَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ عَلَى طَرِيقِهَا جَالِساً فَكَرِهَ أَنْ تَعْلُوَرَأْسَهُ جَنَازَةُ يَهُودِيٍّ فَقَامَ لِذَلِكَ)[٨] . إنهم (ع) كانوا ملتفتين حتى إلى أدق الجزئيات؛ فالنبي (ص) قام ليكون على مستوى الجنازة، ولا تكون أعلى منه.

أمير المؤمنين (ع) يفدي ولده الحسين (عليه السلام) ببدنة

وكان الحسين (ع) بالرغم من مقاماته العالية يُبتلى في بدنه فقد خرج يوما معتمراً، فمرض في الطريق، فخرج الإمام أمير المؤمنين (ع) في طلبه، فدعى ببدنة فنحرها طلباً لسلامة الحسين (ع).

وإذا ذهبت إلى أرض كربلاء؛ فلا تعتقد أن هناك من هو أكرم منه (ع) على وجه الأرض، ولا أكرم من النبي وآله (ص) إطلاقا. تقول الرواية: (قَدِمَ أَعْرَابِيٌّ اَلْمَدِينَةَ فَسَأَلَ عَنْ أَكْرَمِ اَلنَّاسِ بِهَا فَدُلَّ عَلَى اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَدَخَلَ اَلْمَسْجِدَ فَوَجَدَهُ مُصَلِّياً فَوَقَفَ بِإِزَائِهِ وَأَنْشَأَ:

لَمْ يَخِبِ اَلْآنَ مَنْ رَجَاكَ وَمَنْ 
حَرَّكَ مِنْ دُونِ بَابِكَ اَلْحَلَقَةَ

أَنْتَ جَوَادٌ وَأَنْتَ مُعْتَمَدٌ 
أَبُوكَ قَدْ كَانَ قَاتِلَ اَلْفَسَقَةِ

لَوْ لاَ اَلَّذِي كَانَ مِنْ أَوَائِلِكُمْ 
كَانَتْ عَلَيْنَا اَلْجَحِيمُ مُنْطَبِقَةً

قَالَ فَسَلَّمَ اَلْحُسَيْنُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَقَالَ يَا قَنْبَرُ هَلْ بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ مَالِ اَلْحِجَازِ قَالَ نَعَمْ أَرْبَعَةُ آلاَفِ دِينَارٍ فَقَالَ هَاتِهَا قَدْ جَاءَ مِنْ هُوَأَحَقُّ بِهَا مِنَّا ثُمَّ نَزَعَ بُرْدَيْهِ وَلَفَّ اَلدَّنَانِيرِ فِيهِمَا وَأَخْرَجَ يَدَهُ مِنْ شَقِّ اَلْبَابِ حَيَاءً مِنَ اَلْأَعْرَابِيِّ وَأَنْشَأَ:

خُذْهَا فَإِنِّي إِلَيْكَ مُعْتَذِرٌ 
وَاِعْلَمْ بِأَنِّي عَلَيْكَ ذُو شَفَقَةٍ

لَوْ كَانَ فِي سَيْرِنَا اَلْغَدَاةَ عَصًا
أَمْسَتْ سَمَانَا عَلَيْكَ مُنْدَفِقَةً

لَكِنَّ رَيْبَ اَلزَّمَانِ ذُو غِيَرٍ 
وَاَلْكَفُّ مِنِّي قَلِيلَةُ اَلنَّفَقَةِ

قَالَ فَأَخَذَهَا اَلْأَعْرَابِيُّ وَبَكَى فَقَالَ لَهُ لَعَلَّكَ اِسْتَقْلَلْتَ مَا أَعْطَيْنَاكَ قَالَ لاَ وَلَكِنْ كَيْفَ يَأْكُلُ اَلتُّرَابُ جُودَكَ)[٩]. أي يا أبا عبدالله أنا أفكر في ذلك اليوم الذي تُدفن ويوارى عليك التراب، ولكنه كان غافلا عن أن هذا الجسد الطاهر سيقطع إربا إربا، وسيعاني ولده السجاد (ع) في دفن هذا الجسد الذي كلما حمل منه عضو سقط آخر.

[١] بحار الأنوار ج٤٤ ص١٩٤.
[٢] بحار الأنوار ج٤٤ ص١٩٤.
[٣] بحار الأنوار ج٤٤ ص١٩٤.
[٤] بحار الأنوار ج٤٤ ص١٩٤.
[٥] بحار الأنوار ج٤٤ ص١٩٤.
[٦] بحار الأنوار ج٤٤ ص١٩٤.
[٧] نزهة الناظر  ج١ ص٨٣.
[٨] الکافي  ج٣ ص١٩٢.
[٩] المناقب  ج٤ ص٦٥.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

مقتطفات من الخطبة

  • كان الحسين (ع) بالرغم من مقاماته العالية يُبتلى في بدنه فقد خرج يوما معتمراً، فمرض في الطريق، فخرج الإمام أمير المؤمنين (ع) في طلبه، فدعى ببدنة فنحرها طلباً لسلامة الحسين (ع).
Layer-5.png