إن سورة “الكوثر” من السور المنسوبة إلى أهل البيت (ع)، فمحور السورة، أو جزء منها مرتبط بأهل البيت (ع).
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ}.
{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ}.. {الْكَوْثَرَ}: الكثرة، والخير الكثير.. ولكن السورة لم تبين الكوثر من أي شيء، بل جعلته مطلقاً.. وقد اختلفت الأقوال في تفسير الكوثر اختلافا عجيباً، وقد نقل عن بعضهم أنه أنهى الأقوال إلى ستة وعشرين.. فقوله في آخر السورة: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ} أي هو المنقطع نسله؛ يكون المعنى أن كثرة ذريته (ص) هي المرادة وحدها بالكوثر، الذي أعطيه النبي (ص).. وقد استفاضت الروايات، أن السورة إنما نزلت فيمن عابه (ص) بالبتر، بعدما مات ابناه القاسم وعبد الله.. عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: (توفي القاسم بن رسول الله بمكة، فمر رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وهو آت من جنازته على العاص بن وائل، وابنه عمرو.. فقال حين رأى رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: إني لأشنؤه، فقال العاص بن وائل: لا جرم لقد أصبح أبتر؛ فأنزل الله {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ}).
{فَصَلِّ لِرَبِّكَ}.. أي يا رسول الله، في مقابل هذه النعمة الكبرى التي مننا بها عليك، وهي الذرية الكثيرة؛ اشكر الله -عز وجل- بالصلاة.. حيث أن الولد بعد موت أبيه صدقة جارية له، قال النبي (ص): (إذا مات المؤمن انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له).. وبالتالي، فإن كل عمل صالح يقوم به السادة التي على وجه الأرض، هي من موجبات ارتفاع درجة النبي (ص)؛ لأنه جدهم الأكبر.
{وَانْحَرْ}: قيل: معنى الآية: صلّ لربك صلاة العيد، وانحر البدن.. وقيل: صلّ لربك، واستو قائماً عند رفع رأسك من الركوع.. ولكن المراد بالنحر على ما رواه الفريقان عن النبي (ص)؛ هو رفع اليدين في تكبير الصلاة إلى النحر.. عن علي بن أبي طالب (ع) قال: (لما نزلت هذه السورة على النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ}، قال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- لجبريل: ما هذه النحيرة التي أمرني بها ربي؟.. قال: إنها ليست بنحيرة، ولكن يأمرك إذا تحرمت للصلاة، أن ترفع يديك إذا كبرت، وإذا ركعت، وإذا رفعت رأسك من الركوع؛ فإنها صلاتنا، وصلاة الملائكة الذين في السماوات السبع.. وأن لكل شيء زينة، وزينة الصلاة رفع اليدين عند كل تكبيرة.. قال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: رفع اليدين من الاستكانة التي قال الله: {فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ}).. فإذن هذا معنى {وَانْحَرْ}.
ومن هنا المؤمن إذا رزق نعمة، فهو أمام أمرين: إذا كانت نعمة متعارفة، كأن يرزق مبلغاً من المال مثلاً، فليسجد لله شكراً.. وإذا رزق نعمة بليغة، كأن يرزق بمولود بعد سنوات من حرمان الذرية، فليصلّ ركعتي الشكر.
{إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ}.. {شَانِئَكَ}: مبغضك.. و{الأَبْتَرُ}: من لا عقب له.. وهذا الشانىء هو العاص بن وائل؛ هو الأبتر، هو مقصوص العقب.. فإذن السياق واضح: أن الكوثر هنا الكثرة من الذرية، والجملة لا تخلو من دلالة على أن ولد فاطمة (ع) ذريته (ص)، وهذا في نفسه من ملاحم القرآن الكريم، كما يقول صاحب الميزان: فقد كثر الله -تعالى- نسله بعده كثرة لا يعادلهم فيها أي نسل آخر، مع ما نزل عليهم من النوائب، وأفنى جموعهم من المقاتل الذريعة.. والملاحم؛ أي الإخبارات الغيبية التي منها: {غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ}.. فالروم غلبوا بعد وفاة رسول الله (ص)، وكذلك الكوثر.. حيث أن النبي (ص) توفي، وليس له إلا الزهراء (ع)، أما الآن فإن السادة من ذريتها يملؤون الأرض.
الدرس العملي:
أولاً: قال تعالى في السورة: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ}، ولم يقل: أعطيتك.. فالعبارة عبارة سلطانية!.. ورب العالمين من منطلق السلطنة والقدرة، يقول: نحن نعطيك الكوثر.. فالله -تعالى- ما أعطى النبي خمسين ولداً أو حفيداً، بل أعطاه الكوثر إلى أبد الآبدين.. بحسب الظاهر النبي (ص) مات وله ابنة كفاطمة (ع)، ولكن الله -عز وجل- من هذه الابنة أجرى الخير الكثير.. لذا المؤمن إذا أراد الخير، فليسل الله -عز وجل- أن يعطيه الخير من معدنه.
ثانياً: فاطمة (ع) كانت أول أهل بيت النبي (ص) لحوقاً به، فقد عاشت أياماً قصيرة في الدنيا.. ولكن الله -عز وجل- أراد أن يجعل هذا الخير الكثير من رحم فاطمة (ع)؛ تعويضاً لها.. لذا فإن المؤمن إذا وقع في ضيق وشدة، وخاصة إذا كان لوجه الله تعالى؛ فإن رب العالمين سيعوّضه بما لا يخطر بالبال، فقط ليقل: يا رب، حسبي أنت!.. اللهم عوضني خيراً!.. فكلما وقعت بلية على المؤمن؛ ليسل الله -تعالى- التعويض.
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.