– إن من يريد أن يكون عبداً لله -عز وجل- فلا بد أن يتأمل في هذه الآيات.. قال تعالى في كتابه الكريم: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا…}. لأن هذه الصفات فيها تربية للإنسان والمجتمع، ويفترض بالإنسان المسلم أن يلتزم بها؛ لأنها ليست مجرد قيم أخلاقية فقط، وإنما أحكام شرعية يلزمنا بها الشرع.
– {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ}.. استعمل كلمة (العباد) على نحو الجمع.. لأن الحركة إلى الله -عز وجل- إذا كانت في ظل جماعة، فإنها أبلغ في الوصول.. حيث أن هناك فرقا بين إنسان يسير لوحده في الطريق، وبين إنسان يمشي مع الجمع.. والسر في ذلك، أن الحالة الجماعية حالة مربيّة.. فالذين يريدون أن يتكاملوا ويتعالوا في إيمانهم، لا بد وأن يكونوا في ظل هذا الجو الجماعي.. وإلا فلماذا التأكيد على هذا الأجر العظيم لصلاة الجماعة؟.. حتى أنه روي: (إذا تجاوزت الجماعة عن عشرة أشخاص، لم يستطع أحد إحصاء ثواب صلاتهم إلا الله سبحانه وتعالى)، وذلك لأنه يريد منا أن نكون في ظل هذا المجموع، وفي عالم العناية الإلهية، وخاصة الشباب.
– إن هذا الزمان، ليس بزمان الترقي عن طريق المجاهدة.. حيث أن حياتنا اليومية، ليس فيها كثير معاناة في سبيل الله عز وجل.. فالإيمان لا يكلف الإنسان شيئاً، إذ بإمكان المؤمن أن يستمتع بهذه بالحياة بطرقها المحللة.. بينما الدرجات العليا، والكمالات الأخلاقية، لا تنال إلا من خلال بذل شيء في طاعة الله عز وجل.. إن إبراهيم -عليه السلام- مع عاطفته الأبوية همّ بذبح ولده إسماعيل لمنام رآه، {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}.. وما قام به الخليل إبراهيم (عليه السلام)، هي عينة من عينات المجاهدين في سبيل الله تعالى.. إذ ليس بالأمر الهين أن يقدم إنسان على ذبح ولده، وليس أي ولد!.. فالأنبياء منذ صغرهم، تكون وجوههم نورانية بلا شك، وإلا فلماذا همّ أخوة يوسف بقتله، أليس لأنهم حسدوه على جماله؟!.. ومن جهة أخرى فإن إبراهيم كنبي من أنبياء الله -عز وجل- يحمل أعلى العواطف، حيث أن المؤمن من أرق الناس.
– فهذا أمير المؤمنين عليٌ (عليه السلام) عندما يسمع خبر الاعتداء على الذمية، يصيح ويتألم؛ لأنه لا يتحمل أن تهتك كرامة امرأة، ولو كانت غير مسلمة.. ولما كان يوم بدر أسر المسلمون من المشركين سبعين رجلا، فكان ممن أسر العباس عم رسول الله (صلى الله عليه وآله) فكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يسمع أنين العباس فلا يأتيه النوم. فقالوا: يا رسول الله ما يمنعك من النوم؟.. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): كيف أنام وأنا أسمع أنين عمي؟!.. فأطلقه الأنصار.. هذه عاطفة الأنبياء، التي تشمل حتى غير المسلمين، حتى أنه عندما أسرت سفّانة بنت حاتم التي رفضتْ الإسلام، كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) كلما مرّ بها دعاها برفق للإسلام، فتأبى وتقول: إن تمنن تمنن على مستحق، وإن تعف تعف عن كريم، فإني بنت حاتم الطائي الذي يكرم الضيف، ويفك الأسير ويعين على نوائب الدهر. يحصل هذا في ثلاثة أيام ولم تستجب، فيقول (صلى الله عليه وآله) لأصحابه: خلّوا عنها، فإن أباها يحب مكارم الأخلاق، والله يحب مكارم الأخلاق، ولو كان مسلماً لترحمنا عليه.. وأرسل معها من يوصلها إلى أخيها في الشام الذي هرب إليه، فلما وصلت إليه مدحَتْ له أخلاق رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتعامله، ودعته للإسلام فجاءا للمدينة مسلمين وافدين مع أهلهما على رسول الله.
– وبالتالي، فإن من يريد أن يصل إلى درجة من درجات التكامل، عليه أن يقدم قرباناً في سبيل الله، وأفضل قربان يقدمه الإنسان لربه، هو أن يجعل ذاته مُندكة في إرادة الله -عز وجل- أي أن يصل إلى درجة لا يرى لنفسه اختياراً في هذه الحياة أمراً ونهياً، وأن يحقق الفناء لله وفي الله وبالله، وألا يكون له منهج في الحياة إلا المنهج الرباني: لا يريد إلا ما يريده رب العالمين، ولا يتمنى إلا ما يتمناه له. فهو يترك الحرام، لأن الأداة التي يستعملها للحرام، هي ملك لله عز وجل.. فرب العالمين خلق العين وهو صاحبها، وسمح للإنسان باستعمالها فيما أحل فقط.. فالإنسان كعبد، ليس مالكاً لهذه العين، {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.. والذي خلق الجهاز الهضمي، قال: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا..}.. فالذي يلتفت إلى مالكية الله -عز وجل- وإلى كونه عبداً، ليس له أن يأكلأ و ينظر أو يذهب إلى أين يشاء، إنما عليه أن يتلقى الأوامر من مولاه!..
– لو أن الإنسان في تعامله مع الله -عز وجل- يكون كتعامل الجنود في المعسكر مع قائدهم، لكان بألف خير.. حيث أن الجندي في جبهة القتال لا يناقش قائده!.. لأنه إذا لم يمتثل الأوامر؛ فإنه يحاكم أو يعدم.. والإنسان بمثابة الجندي، عليه أن يقتحم الميدان ولا يسأل، فهو مع البشر يعيش هذه الحالة من التعبد.. أما عندما يصل الأمر إلى رب العالمين، فإنه يظهر ربوبيته.. فهذا فرعون ادعى الربوبية، فخاطب الناس قائلا: {فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى}.. نحن كلنا نعيش هذه الحالة الربوبية في مقام العمل، فالذي لا يطيع ربه فهو رب في ذلك المقام.. مثلا: إذا كان هناك شابان يمشيان في الطريق: أحدهم يرى امرأة، فيغض بصره والآخر لا يغض بصره.. فالذي يغض بصره عبد، أما الآخر فقد جعل نفسه رباً.. ولكن وما قيمة هذه الربوبية التي مآلها النار؟.. فإذاً، على الإنسان أن يعيش حقيقة العبودية، فالذي يرى نفسه عبداً، تنتظم أموره.. والذي لا يعيش العبودية، لا قوام له، ولا هدفية له، ولا استقرارية له في الحياة!..
– {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ}.. إن هذه الصفات تنسب إلى عباد الرحمن، فلم تقل الآية: (عباد الله) مع أن الله هو الاسم الجامع لكل الصفات، فلماذا قالت: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ}؟.. لأن أوسع الأبواب للوصول إلى العبودية والرحمة الإلهية، هو باب الرحمة.. (ارحموا من في الأرض، يرحمكم من في السماء)، وهذه الصفات لا يمكن أن تتجلى في حياة أي إنسان، إلا إذا انطلقت من مبدأ الرحمانية في نفسه، وبذلك يكون قد تخلق بأخلاق الله سبحانه وتعالى.. فتكون تصرفاته منطلقة من هذا المبدأ.
– فإذن، إن صفة العفو والرحمة، والابتعاد عن الصراعات التي تورثها الأنانية والعصبية، هي من تجليات عبادة الله. فالقلب العامر بحبّ الله، لا يكره الناس، ولا يدخل معهم في صراعات.. قال أبو عبد الله (عليه السلام): (الغضب ممحقة لقلب الحكيم). وقال (عليه السلام): (من لم يملك غضبه، لم يملك عقله).. فعلماء الأخلاق يقولون: أن المؤمن الذي لا يملك غضبه، والذي لا يعيش الرقة الروحية، والذي لا رحمة له، والذي لا يعيش الرفق بالعباد.. هذا الإنسان منكشف العورة، فبمجرد أن يغضب، يكشف عوراته.. لأن الإنسان الوقور، المعروف بالتقوى والصلاح، عندما يغضب لا يتفوه بالمنكر من القول، ولا يمد يده، وخاصة في الخلوات مع من لا ناصر له إلا الله.
– إذ أن هناك بعض الرجال، إذا خلي بالمنزل، يتحول بعض الأوقات إلى وحش كاسر، وكأن لا أحدا يراه أو يسمعه.. بينما عليه أن يتأمل هذه الآية من سورة المجادلة: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ}.. فهذه الأيام الكاميرات تسجل كل شيء، فكيف بالعين الإلهية التي لا تغفل عن العبد أبداً؟.. {لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ}!..
– إن الإنسان الذي لا يعيش الرحمة تجاه المخلوقين، يسقط من أعلى عليين إلى أسفل سافلين.. (إنّ الرجل يتكلّم بالكلمة يُضحك بها الناس، يهوي بها أبعد من الثريا).. فالإنسان قد وصل إلى الثريا من خلال عبادته: ختمةً، وزيارةً، وبورعه وتقواه، وبالمواظبة على حضور المآتم في محرم وصفر.. -يقول الإمام الرضا -عليه السلام-: (فعلى مثل الحسين (عليه السلام) فليبك الباكون، فإن البكاء عليه يحط الذنوب العظام).. لو بكى الإنسان على الحسين -عليه السلام- في السنة مرة واحدة، ألا يحقق حديث الإمام الرضا (عليه السلام)!.. فكيف بإنسان يبكي عليه كل ليلة؟.. وكيف بإنسان هو صاحب العزاء، فالأئمة -عليهم السلام- هم أصحاب المجلس، وإذا بالإنسان يصبح شريكاً لولي عصره، قال الشيخ بهجت نقلاً عن مصدر موثق: أنه ما من مجلس يعقد لذكر أهل البيت، إلا وتحضره أرواح جميع الأئمة أو أحدهم. فالإمام صاحب الأمر -عليه السلام- يقول: (لأندبنك صباحاً ومساءً).. وهذه مجالس منتسبة إلى جده، فكيف لا يحضرها؟.. ولا عجب في البين، إذ كيف يحضر الإمام أمير المؤمنين كل الشيعة المتوفين في كل ليلة؟.. (يا حار همدان من يمت يرني *** من مؤمن أو منافق قبلا)!..- هو وصل إلى الثريا، ولكن لزلة من الزلات يهوي بها أبعد من الثريا.
– إن الإنسان إذا أراد أن يصل إلى درجات التكامل، عليه أن لا يبحث عن المقتضيات، وإنما عليه البحث عن الموانع.. لأن مقتضيات الفوز عنده كثيرة، فطوال السنة هناك محطات أنس بالله وبرسوله: رجب، وشعبان، وشهر رمضان، وموسم الحج، ومحرم، وصفر، والأيام الفاطمية.. ولكن المشكلة في الموانع، فالموانع كثيرة؛ أي الدخل جيد، ولكن الصرف أيضاً كثير.. والمعاصي والذنوب، بمثابة الصرف. فالبعض من رواد المآتم لمدة عشرين أو ثلاثين سنة، ولكنه لا يرى في نفسه تغيراً جوهرياً. فمثلا: ما هو الفرق بين صلاة الإنسان في سن الخامسة عشر، وبين صلاته في سن الثلاثين أو الأربعين؟..
– إذا أراد أن يعلم الإنسان ما له عند الله، فلينظر إلى صلاته!.. لو أن إنسانا ادعى أنه على صلة بالوزير، ودخل على الوزير، ولم يرد عليه السلام، فإنه سيقال له: أنت إنسان مدع، إذ لو كنت صديقه لاستقبلك وقضى حاجتك.. وكذلك فإن الذي يدعي أنه على صلة بالله -عز وجل- فليكشف نفسه في الصلوات.
– كان السجاد (عليه السلام) قائما يصلي حتى وقف ابنه محمد (عليه السلام) -وهو طفل- إلى بئر في داره بالمدينة بعيدة القعر، فسقط فيها، فنظرتْ إليه أمّه فصرختْ وأقبلتْ نحو البئر، تضرب بنفسها حذاء البئر وتستغيث وتقول: يا بن رسول الله!.. غرق ولدك محمد، وهو لا ينثني عن صلاته، وهو يسمع اضطراب ابنه في قعر البئر، فلما طال عليها ذلك قالت -حزنا على ولدها-: ما أقسى قلوبكم يا أهل بيت رسول الله؟.. فأقبل على صلاته ولم يخرج عنها إلا عن كمالها وإتمامها، ثم أقبل عليها وجلس على أرجاء البئر ومد يده إلى قعرها، وكانت لا تنُال إلا برشاء (أي حبل) طويل، فأخرج ابنه محمدا (عليه السلام) على يديه يناغي ويضحك، لم يبتل له ثوب ولا جسد بالماء، فقال: هاكِ يا ضعيفة اليقين بالله!.. فضحكت لسلامة ولدها، وبكت لقوله (عليه السلام): يا ضعيفة اليقين بالله.. فقال (عليه السلام): لا تثريب عليك اليوم!.. لو علمتِ أني كنت بين يديّ جبار، لو ملتُ بوجهي عنه لمال بوجهه عني.. أفمن يُرى راحما بعده!.. فإذاً، إن الذي يصلي، ويصرف وجهه عن الله رب العالمين، فإن رب العالمين يصرف وجهه عنه.. فالمعاملة بالمثل. وعندها فإن هذه الصلاة لا قيمة لها.
– وبالتالي، فأين أثر هذه المحطات الروحية؟.. الجواب هو في هذه الآية الكريمة: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ}.. ولكن هذه الأموال والأولاد والزوجة حده للقبر، {يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} حتى الصالح منهم.
– إن الإنسان في سفر، فعليٌ (عليه السلام) يصيح ويقول: (آه!.. من قلة الزاد، وبعد السفر، ووحشة الطريق)!.. أي أن زاد الدنيا مهما عظم وكبر؛ فإنه يظل قليلا بالنسبة لعطاء الله للإنسان في الآخرة.. فلينظر للخلف ولينظر للأمام: أين كان هذه السنوات، وما الذي قطعه، وما الذي بقي؟.. كان ذلك اللص ينتقل من بيت إلي بيت، وإذا به يسمع صوت أحدهم يتلو الآية الكريمة: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ}، قال: بلى، قد آن.. وإذا بهذا اللص يتحول إلى أعبد العابدين!.. فهذه تسمى عزمة من عزمات الملوك.. فليلة القدر ليست ليلة في السنة، إذ بإمكان الإنسان أن يجعل ليلة قدره، عندما يترك معصية أو حراماً عكف عليه.
– قبل سنوات كان هنالك بعض الأشقياء متسلطين على قرية، والناس يخافون منهم.. فتم تزويج أحدهم من امرأة شابة، وفي ليلة الزفاف دخل عليها فوجدها تبكي، فسألها عن السبب؟.. فأخبرته أنها تزوجته رغما عنها، وخوفا منه.. وعلم أنها تحب ابن عمها، فطلقها وتزوجت ابن عمها.. فدع العروسان له بحسن العاقبة، وإذا به يتحول من فاسق فاجر إلى صالح!.. وكذلك ما الذي جعل السحرة يتحولون إلى نموذج للاستقامة في تاريخ البشرية، ففي المناجاة نقرأ: (يا قابل السحرة إقبلني)؛ هؤلاء السحرة يُضرب بهم المثل، لأنهم ندموا، وآمنوا وتحملوا عذاب فرعون الذي قال لهم {لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ}، فـ {قَالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ * إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَن كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ}.
– في آخر آية في سورة الفرقان يقول تعالى: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ}.. لو أن أبا دخل المنزل -والعائلة كلها تعيش على مصروف الأب- وقال: أنا من اليوم لا أعبأ بكم. ما الذي سيحصل في المنزل؟.. لا بد وأن يصبح هناك انقلاب، لأن العائلة كلها معتمدة عليه في المصروف!.. فرب العالمين يقول: ما دمتم تدعونني، فأنا أهتم بكم.. ولكن هل ما نقوم به نحن دعاء، أم قراءة للدعاء؟.. إن الدعاء حركة في القلب لا حركة على اللسان.
– إن هناك محطتين للدعاء في حياة الإنسان اليومية: محطة في القنوت، إذ على المصلي أن لا يكتف بما هو متعارف، بل عليه أن يتفنن في الدعاء؛ كأن يقرأ فقرات من دعاء أبي حمزة، أو فقرات من دعاء كميل.. وذلك لأن الدعاء يجوز بغير العربية، فمن الممكن أن يتكلم الإنسان بلغته الطبيعية، دون تكلف.
– والمحطة الثانية: عند السجود، بعد الفراغ من الصلاة.. فلو أن الإنسان صلى صلاة غير خاشعة، فليحاول أن يعيش الخجل من الله عز وجل.. وعندما يريد أن يقوم عن سجادة الصلاة، أيضاً فليقل: (إلهي!.. هذه صلاتي صليتها، لا لحاجة منك إليها، ولا رغبة منك فيها؛ إلا تعظيما وطاعة وإجابة لك إلى ما أمرتني.. إلهي!.. إن كان فيها خلل، أو نقص من ركوعها أو سجودها، فلا تؤاخذني، وتفضل على بالقبول والغفران، برحمتك يا أرحم الراحمين).. فليكن السجود بعد الصلاة الواجبة، سجود اعتذار بين يدي الله.. إذ أنه بالإمكان من خلال هذه السجدة، أن ينفخ الروح والحياة في الصلاة الميتة.
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.