- ThePlus Audio
سكرات الموت وتخفيف شدتها
بسم الله الرحمن الرحيم
سكرات الموت والاستعداد لها
كما يتم الحديث عن الدنيا ومسائلها وهي الأمور التي تتعلق بالإنسان من بلوغه لحين موته، لا بد وأن يعطى للحديث عن الآخرة والفراق الذي ينتظر كل واحد منا وقته الذي يتناسب وأهميته.
إن قضية الموت من القضايا التي تحاط بهالة من الخوف والفزع والقلق والإبهام وعدم الوضوح. ولذلك فإن أبناء الدنيا يوفرون على أنفسهم عناء البحث والتحقيق ويتخلصون من هذه القضية بالنسيان أو قل التناسي، وهو أمر خاطئ لأن الإنسان سيواجه الموت وهو قضاء محتوم لا مفر منه، ولكن عليه أن يتبع الخطوات التالية للتعامل الصحيح مع هذه القضية المهمة.
أولا: ذكر الموت كما تؤكد على ذلك الروايات. ولا يعني ذكر الموت؛ قراءة كتابة حول الموت أو الذهاب إلى المقابر في عصر جمعة وقراءة فاتحة ثم الرجوع من ذلك المكان فحسب. بل إن ذكر الموت يعني: أن نعلم أن هناك برنامجا عمليا وطريقا لا بد أن نسلكه وأن لهذا البرنامج عنوان وهو السفر إلى الله عز وجل. إن أبا ذر لم يكن من المعصومين ولكن الأئمة (ع) كانوا يستشهدون ببعض أقواله وهو أمر غريب، وقد قيل لأبي ذر رضوان الله عليه: (كَيْفَ تَرَى قُدُومَنَا عَلَى اَللَّهِ؟ قَالَ: أَمَّا اَلْمُحْسِنُ فَكَالْغَائِبِ يَقْدَمُ عَلَى أَهْلِهِ، وَأَمَّا اَلْمُسِيءُ فَكَالْآبِقِ يَقْدَمُ عَلَى مَوْلاَهُ)[١].
ضرورة الاستعداد للموت ولقاء الله عز وجل
ولقاء الله عز وجل يحتاج إلى تخطيط وبرمجة، فينبغي للمؤمن بدل التناسي أن يقوم بعمل جاد للوصول إلى هذه الغاية. ويمكن القول أن هذا الحديث موجه إلى الشباب أكثر من غيرهم لأنهم في فسحة من العمر والله سبحانه يبارك في خطواتهم التعبدية. فالشاب الذي يجاهد هواه ويتقدم إلى الله عز وجل هو مصداق الحديث القدسي الشريف: (مَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبْراً تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعاً وَمَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعاً تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعاً…)[٢]. وزبدة المقال في هذا المجال؛ أن نلقى الله سبحانه قبل أن نلقاه وهو كما قال رسول الله (ص): (موتوا قبل أن تموتوا)[٣]، وقد قال سبحانه: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا)[٤].
وقد يسأل البعض عن كيفية لقاء الله عز وجل في هذه الدنيا، ونقول: إن إتقان الصلاة اليومية هو لقاء مصغر برب العالمين، والذي يشتاق إلى لقاء ربه في صلاته لا ريب أنه للقائه في يوم القيامة أشوق، والذي يستمتع في صلاته ويأنس فيها بربه فهو كذلك سيكون في اللقاء الأبدي.
تمحيص الذنوب
ومن المسائل المرتبطة بالموت؛ اللحظات الأخيرة من الحياة التي سيمر بها الجميع وهي ساعات الاحتضار. وهناك أمور يمكنها أن تخفف على الإنسان ثقل هذه الساعات وثقل الموت. الالتزام بالتكاليف في دار الدنيا والاهتمام بالواجبات وترك المحرمات.
وإذا بقيت من ذنوب الإنسان وآثامه شيئا لا بد وأن يمحص. فقد أتى أحدهم الإمام الصادق (ع) وذكر له انهماك جماعة من مواليه وشيعته في المعاصي وسأل عن حالهم يوم القيامة؟ فبين له الإمام أن على هؤلاء أن يتوبوا من فورهم. وهو حل سريع قدمه لهم الإمام (ع)، ومن الطبيعي أن يغفر الله لهم إن تابوا. فقال الرجل: ربما لم يتوبوا؟ فقال له الإمام (ع): أن الله يبتليهم بالأوجاع والأمراض تمحيصا لهم، وقد تكون بعض الأمراض مما تشغل الإنسان عن الآخرة وهي خسارة كبيرة أجارنا الله من ذلك. ثم يضيف الإمام (ع) إلى جانب الأمراض والأوجاع؛ نقص الأموال والأولاد. فقال الرجل: فإذا لم يبتلوا بكل ما ذكرت؟ قال (ع) يبتليهم الله سبحانه بسلطان جائر يؤذيهم فيكون ذلك لذنوبهم كفارة. فقال الرجل وإن لم يبتلوا بالسلطان الجائر؟ قال: يبتليهم الله سبحانه بامرأة سوء تؤذيهم لتكون كفارة لذنوبهم. وكما يبتلى الرجل بامرأة سوء فقد تبتلى المرأة برجل سوء كذلك.
ونلاحظ في الرواية الشرية الآنفة الذكر أن الإمام (ع) يتدرج في مسألة التمحيص، وقد يعفى المؤمن من البلاء إن لم يتحمل من العباد التبعات، فما المانع من أن يجمع الله سبحانه للبعض سعادة الدارين؟
حضور الأئمة (عليهم السلام) عند رأس الموالي عند الموت
من الأمور التي تخفف على الإنسان سكرات الموت ومرارة الاحتضار وشدة وطئته ما روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (إِنَّ وَلِيَّ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَرَاهُ فِي ثَلاَثَةِ مَوَاطِنَ حَيْثُ يَسُرُّهُ عِنْدَ اَلْمَوْتِ وَعِنْدَ اَلصِّرَاطِ وَعِنْدَ اَلْحَوْضِ وَمَلَكُ اَلْمَوْتِ يَدْفَعُ اَلشَّيْطَانَ عَنِ اَلْمُحَافِظِ عَلَى اَلصَّلاَةِ ويُلَقِّنُهُ شَهَادَةَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اَللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فِي تِلْكَ اَلْحَالَةِ اَلْعَظِيمَةِ)[٥]. وسيحضر الأئمة (ع) الذين كان يبكي في أحزانهم الموالي لهم ويفرح في أفراحهم ويتبع نهجهم عند رأسه فيسر برؤيتهم.
وقد روي عن أحد أصحاب الإمام الصادق (ع) أنه قال: (سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ يَقُولُ: فِي اَلْمَيِّتِ تَدْمَعُ عَيْنُهُ عِنْدَ اَلْمَوْتِ فَقَالَ ذَلِكَ عِنْدَ مُعَايَنَةِ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فَيَرَى مَا يَسُرُّهُ ثُمَّ قَالَ أَ مَا تَرَى اَلرَّجُلَ يَرَى مَا يَسُرُّهُ وَمَا يُحِبُّ فَتَدْمَعُ عَيْنُهُ لِذَلِكَ وَيَضْحَكُ)[٦]. ويروى عن بعض العلماء أنهم كانوا يقومون عند الاحتضار وعندما كانوا يسألون عن ذلك كانوا يقولون: نقوم إجلالا لمجيئ رسول الله (ص). ويجدر بالمؤمن عنج زيارة أئمته من بعيد أن يطلب منهم زيارته في تلك الساعات الموحشة.
راحة الموت
من الأطاف الإلهية أن يعطي عباده الصالحين فرصة قبل الموت للوصية أو ما شابه ذلك، وكما أن هناك ما يسمى بسكرات الموت؛ هناك أيضا ما يسمى براحة الموت، فقد روي عن الإمام الصادق (ع) أمه قال: (مَا مِنْ مَيِّتٍ تَحْضُرُهُ اَلْوَفَاةُ إِلاَّ رَدَّ اَللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وَعَقْلِهِ لِلْوَصِيَّةِ أَخَذَ اَلْوَصِيَّةَ أَوْ تَرَكَ وَهِيَ اَلرَّاحَةُ اَلَّتِي يُقَالُ لَهَا رَاحَةُ اَلْمَوْتِ فَهِيَ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ)[٧].
وقد يعطى الإنسان هذه الراحة ثم لا يستثمرها، والحال أن المؤمن يبادر إلى الوصية قبل نزول الموت وغمراته في وقت فراغه ونشاطه. فيؤدي حقوق العباد وحقوق الله عز وجل. وينبغي للمؤمن أن يرغب في الدفن عند المعصومين (ع) فقد لا يهتم الكثير لهذه المسألة والحال أنه روي عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: (ادفنوا موتاكم وسط قوم صالحين، فإن الميت يتأذى بجار السوء كما يتأذى الحي بجار السوء)[٨]. فكيف إذا دفن إلى جانب أمير المؤمنين (ع) في ذلك الوادي المقدس؟ وقد نقل لي من يوثق بنقله: أن أحد الشهداء ممن دفن في إحدى المقابر جاء في حلم أحدهم وقال: لماذا دفنتموني إلى جانب فتاة قد انتحرت بالسم وهي تصرخ وتبكي وأنا متألم من ذلك.
زيارة الحسين (عليه السلام) وسكرات الموت
وزيارة الحسين (ع) من موجبات تخفيف سكرات الموت، ويقول الإمام الصادق (ع) عن زوار الحسين (ع): (فَارْحَمْ تِلْكَ اَلْوُجُوهَ اَلَّتِي غَيَّرَتْهَا اَلشَّمْسُ واِرْحَمْ تِلْكَ اَلْخُدُودَ اَلَّتِي تَقَلَّبُ عَلَى قَبْرِ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، وَاِرْحَمْ تِلْكَ اَلْأَعْيُنَ اَلَّتِي جَرَتْ دُمُوعُهَا رَحْمَةً لَنَا، وَاِرْحَمْ تِلْكَ اَلْقُلُوبَ اَلَّتِي جَزِعَتْ وَاِحْتَرَقَتْ لَنَا، وَاِرْحَمْ تِلْكَ اَلصَّرْخَةَ اَلَّتِي كَانَتْ لَنَا)[٩]، وكان الإمام (ع) يدعو بذلك وهو ساجد. ويقول (ع) لأحد اصحابه: (يَا مُعَاوِيَةُ وَمَنْ يَدْعُو لِزُوَّارِهِ فِي اَلسَّمَاءِ أَكْثَرُ مِمَّنْ يَدْعُو لَهُمْ فِي اَلْأَرْضِ؟! لاَ تَدَعْهُ لِخَوْفٍ مِنْ أَحَدٍ، فَمَنْ تَرَكَهُ لِخَوْفٍ رَأَى مِنَ اَلْحَسْرَةِ مَا يَتَمَنَّى أَنَّ قَبْرَهُ عنده)[١٠].
إن المؤمن يبحث عن الأمور التي تختم له بالعاقبة الحسنة وتكون نهايته في هذه الدنيا نهاية سعيدة، وقد يقترن الموت بإكرام من الله عز وجل كرامة ما فوقها كرامة حتى أن البعض لا يرى حسابا ولا كتابا ولا ما يخيفه ويحزنه، فقد روي عن الصادق (ع) أنه قال: (بَيْنَا رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فِي مَلَأٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَإِذَا أَسْوَدُ تَحْمِلُهُ أَرْبَعَةٌ مِنَ اَلزُّنُوجِ مَلْفُوفٌ فِي كِسَاءٍ يَمْضُونَ بِهِ إِلَى قَبْرِهِ فَقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ عَلَيَّ بِالْأَسْوَدِ فَوُضِعَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَكُشِفَ عَنْ وَجْهِهِ ثُمَّ قَالَ لِعَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَا عَلِيُّ هَذَا رَبَاحٌ غُلاَمُ آلِ اَلنَّجَّارِ فَقَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَاَللَّهِ مَا رَآنِي قَطُّ إِلاَّ وَحُجِلَ فِي قُيُودِهِ وَقَالَ يَا عَلِيُّ إِنِّي أُحِبُّكَ قَالَ فَأَمَرَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ بِغُسْلِهِ وَكَفَّنَهُ فِي ثَوْبٍ مِنْ ثِيَابِهِ وَصَلَّى عَلَيْهِ وَشَيَّعَهُ وَاَلْمُسْلِمُونَ إِلَى قَبْرِهِ وَسَمِعَ اَلنَّاسُ دَوِيّاً شَدِيداً فِي اَلسَّمَاءِ فَقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ إِنَّهُ قَدْ شَيَّعَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ قَبِيلٍ مِنَ اَلْمَلاَئِكَةِ كُلُّ قَبِيلٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ وَاَللَّهِ مَا نَالَ ذَلِكَ إِلاَّ بِحُبِّكَ يَا عَلِيُّ قَالَ وَنَزَلَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فِي لَحْدِهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهُ ثُمَّ سَوَّى عَلَيْهِ اَللَّبِنَ فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ يَا رَسُولَ اَللَّهِ رَأَيْنَاكَ قَدْ أَعْرَضْتَ عَنِ اَلْأَسْوَدِ سَاعَةَ سَوَّيْتَ عَلَيْهِ اَللَّبِنَ فَقَالَ نَعَمْ إِنَّ وَلِيَّ اَللَّهِ خَرَجَ مِنَ اَلدُّنْيَا عَطْشَاناً فَتَبَادَرَ إِلَيْهِ أَزْوَاجُهُ مِنَ اَلْحُورِ اَلْعِينِ بِشَرَابٍ مِنَ اَلْجَنَّةِ وَوَلِيُّ اَللَّهِ غَيُورٌ فَكَرِهْتُ أَنْ أَحْزُنَهُ بِالنَّظَرِ إِلَى أَزْوَاجِهِ فَأَعْرَضْتُ عَنْهُ)[١١].
وقد يصفى حساب البعض في عالم البرزخ ويقال له نم نومة العروس، أو يبشر بالنار فيتقلقل في العذاب حتى تقوم الساعة أو يبهم أمره فيترك إلى يوم القيامة وهو ينتظر الإجابة هل هو من أصحاب النعيم أو من أصحاب النار، وتخيل أن المرء قد ينتظر عشرات الآلاف من السنين وهو ينتظر تحديد مصيره هل هو من أهل اليمين أو من أهل الشمال؟
خلاصة المحاضرة
- لا يعني ذكر الموت؛ قراءة كتابة حول الموت أو الذهاب إلى المقابر في عصر جمعة وقراءة فاتحة ثم الرجوع من ذلك المكان فحسب. بل إن ذكر الموت يعني: أن نعلم أن هناك برنامجا عمليا وطريقا لا بد أن نسلكه وأمورا لا بد أن نهيئها استعدادا للسفر الأبدي إلى الله عز وجل.