- ThePlus Audio
سر توفيق النجاشي في احتضان المسلمين
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
وأفضل الصلاة وأتم السلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين محمد المصطفى وآله الطيبين الطاهرين.
كانت للمسلمين هجرتان؛ هجرة إلى المدينة المنورة وهجرة إلى الحبشة، وقد سجل التاريخ لنا هاتين الهجرتين، وسوف نبحث عن سبب توفيق النجاشي في احتضان المسلمين المظلومين المستضعفين وعلى رأسهم جعفر بن أبي طالب (رض)، ولماذا جعله الله عز وجل وسيلة لحماية المسلمين؟ وسيتبين من خلال الحديث؛ عاقبة التواضع ودوره في الخاتمة الحسنة.
عندما اشتد أذى قريش بالمسلمين أمر النبي (ص) جعفر بن أبي طالب أن يهاجر بالمسلمين وكانت عدتهم ثمانين إلى الحبشة؛ أن بها حاكماً لا يظلم عنده أحد وكان ذلك السبب الرئيسي في اختيار النجاشي دون غيره، وكان اسمه أصحمة بن بحر وكان يلقب بالنجاشي ولم يكن الرجل مسلماً إلا أنه كان عادلاً لا يظلم عنده أحدا.
ويقول الإمام الصادق (ع) الناقل لهذا الخبر وهو الصادق المصدق: (أَرْسَلَ اَلنَّجَاشِيُّ إِلَى جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَأَصْحَابِهِ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ وَهُوَ فِي بَيْتٍ لَهُ جَالِسٌ عَلَى اَلتُّرَابِ وَعَلَيْهِ خُلْقَانُ اَلثِّيَابِ قَالَ فَقَالَ جَعْفَرٌ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَأَشْفَقْنَا مِنْهُ حِينَ رَأَيْنَاهُ عَلَى تِلْكَ اَلْحَالِ – وقد ظنوا أنه قد أصيب في عقله إذ كيف يمكن لملك وسلطان أن يجلس على التراب – فَلَمَّا رَأَى مَا بِنَا وَتَغَيُّرَ وُجُوهِنَا قَالَ اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلَّذِي نَصَرَ مُحَمَّداً وَأَقَرَّ عَيْنَهُ أَ لاَ أُبَشِّرُكُمْ فَقُلْتُ بَلَى أَيُّهَا اَلْمَلِكُ فَقَالَ إِنَّهُ جَاءَنِي اَلسَّاعَةَ مِنْ نَحْوِ أَرْضِكُمْ عَيْنٌ مِنْ عُيُونِي هُنَاكَ فَأَخْبَرَنِي أَنَّ اَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ نَصَرَ نَبِيَّهُ مُحَمَّداً صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَأَهْلَكَ عَدُوَّهُ وَأُسِرَ فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ وَفُلاَنٌ.. فَقَالَ لَهُ جَعْفَرٌ أَيُّهَا اَلْمَلِكُ فَمَا لِي أَرَاكَ جَالِساً عَلَى اَلتُّرَابِ وَ عَلَيْكَ هَذِهِ اَلْخُلْقَانُ – وهنا يكمن سر نجاح النجاشي وهذا توفيق من الله عز وجل – فَقَالَ لَهُ يَا جَعْفَرُ إِنَّا نَجِدُ فِيمَا أَنْزَلَ اَللَّهُ عَلَى عِيسَى عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أَنَّ مِنْ حَقِّ اَللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يُحْدِثُوا لَهُ تَوَاضُعاً عِنْدَ مَا يُحْدِثُ لَهُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَلَمَّا أَحْدَثَ اَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِي نِعْمَةً بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ أَحْدَثْتُ لِلَّهِ هَذَا اَلتَّوَاضُعَ – أي من نعم الله علي نعمة محمد (ص) وهذا التواضع من نعم الله علي وأنه سبحانه قد نصر نبياً بعد النبي عيسى (ع) – فَلَمَّا بَلَغَ اَلنَّبِيَّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ قَالَ لِأَصْحَابِهِ – ومن الطبيعي أن يفرح النبي (ص) بهذا الخبر – إِنَّ اَلصَّدَقَةَ تَزِيدُ صَاحِبَهَا كَثْرَةً فَتَصَدَّقُوا يَرْحَمْكُمُ اَللَّهُ وَإِنَّ اَلتَّوَاضُعَ يَزِيدُ صَاحِبَهُ رِفْعَةً فَتَوَاضَعُوا يَرْفَعْكُمُ اَللَّهُ وَإِنَّ اَلْعَفْوَ يَزِيدُ صَاحِبَهُ عِزّاً فَاعْفُوا يُعِزَّكُمُ اَللَّهُ)[١]
ونحن نعلم أن طبيعة الملوك قاظمة على الظلم والتعسف ولكن الله عز وجل جعله ملجأ لعباده المؤمنين بسبب تواضعه وهذا درس عملي لنا.