- ThePlus Audio
ست طوائف يُحبهم الله عز وجل وقد ذكرهم في القرآن الكريم؛ هل نحن منهم؟
بسم الله الرحمن الرحيم
التدبر في القرآن الكريم في شهر رمضان ضرورة ملحة
من الأمور التي ينبغي أن يهتم بها المؤمن بصورة عامة وفي شهر رمضان المبارك بصورة خاصة؛ التدبر في القرآن الكريم. هناك اختبار جيد نستطيع من خلاله أن نعرف المتدبر من غير المتدبر. وذلك أن نطلب من الذي يقرأ القرآن الكريم أن يتوقف قليلا، ثم نسأله عن الآية السابقة؛ فإن استطاع الإجابة، نفهم أنه ملتفت إجمالا وإلا فليس في تلاوته تدبر، وإن كان فيها أجرٌ. إلا أن الأجر شيء والتدبر الذي يفضي إلى اتخاذ خطوات عملية على أساس القرآن شيء آخر.
كيف أعلم أن الله يحبني؟
إن الكثير من المؤمنين يختمون القرآن الكريم أكثر من مرة في شهر رمضان المبارك، وأظن أن من لا يختم القرآن في هذا الشهر مرة – أي بمعدل جزء يوميا – فقد جفا القرآن الكريم. ومن الأمور التي يجدر بالمؤمن التأمل فيها، هي الآيات التي تبين من يحبه الله عز وجل ممن لا يحبه. ألا تحب أن تعلم أنك محبوب عند الله عز وجل أو مبغوض عنده؟ قد تُلاحظ أن الزوجة بين وقت وآخر تقول لزوجها: أتحبني؟ إنها تقول ذلك لأمرين: أولا: لمعرفة الجانب العاطفي عند الزوج. ثانيا: لأن حياتها مرتبطة به، فإذا انفصلت أين تجد الإنفاق؟ وكيف تكون تربية الأولاد؟
فهي تخاف من أمرين؛ إما من الإعراض القلبي، وذلك بالتفكير في غيرها، وإما من الإعراض الجسدي، وذلك من خلال تركه المنزل. وبالتالي هذه المرأة تُصبح معلقة بين السماء والأرض. هذا وأثر هذا الانفصال أثر بسيط فكما قال سبحانه: (وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغۡنِ ٱللَّهُ كُلّٗا مِّن سَعَتِهِ)[١]. ولكن ماذا لو لم يُحبك رب العالمين؟ كيف تستطيع أن تعيش على وجه الأرض ورب العالمين لا يُحبك؟
الصلاة على أرض الله المغصوبة…!
لقد ورد في الرسالة العملية أن الصلاة على الأرض المغصوبة باطلة، وإباحة المكان شرط في صحة الصلاة. وهنا قد يقول لك رب العالمين يوم القيامة: يا فلان، لم صليت على أرضي من دون رضاي؟ فقهيا كانت صلاتك صحيحة ولكن لي ملك السماوات والأرض وقد صليت على أرضي وأنا أبغضك. إن رب العالمين هو أجل من ذلك، ولكن قد يقول لك ذلك من باب العتاب.
لقد أخذت جولة سريعة في كتاب الله عز وجل؛ فرأيت أنه سبحانه يحب ست طوائف، وذكر كلمة لا يُحب في القرآن في عشرين موضع، منها كل معتد أثيم، ومنها المسرفين، ومنها الظالمين وإلى آخره. وهذه المقاييس الستة تُبين لكل واحد منا مكانته التي يحظى بها عند ربه، وهل هو ممن يُحبهم الله عز وجل أم لا.
هؤلاء من يُحبهم الله عز وجل
وهذه الآيات هي: (وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلصَّـٰبِرِينَ)[٢]، و(وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ)[٣]، و(فَإِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُتَّقِينَ)[٤] و(إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ)[٥]، و(إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّـٰبِينَ)[٦]، و(إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُتَوَكِّلِينَ)[٧]. ومن أراد أن يحفظها يستطيع أن يختصرها في كلمة صمت. فصاد الصمت تعني الصابرين، والميم تعني المحسنين والمتقين والمقسطين والمتوكلين، والتاء تعني التوابين. والصمت هو أيضا طريق إلى جلب محبة الله سبحانه وإلى الكمال.
ويجدر الإشارة إلى أن التوكل مثلا لا يكون بمجرد قولنا: توكلت على الله، ولا يكون الاستغفار فقط في قولنا: استغفرالله. إنها ألفاظ لا تنم عن واقع. ما فائدة أن ينظر المرء إلى الحرام ثم يقول: استغفر الله ثم يعاود الذنب مرة أخرى؟ لو أعطاك أحدهم صكاً بمليون دولار مثلا، وليس عليه توقيع وأعطاك منديلاً ورقياً تمسح به وجهك، لقلت له: خذ صكك هذا وأعطني منديلا أنتفع به، فما قيمة صك لا توقيع عليه؟ إنها ورقة أدنى من هذه الورقة التي نمسح بها وجوهنا. والكلام الذي لا رصيد له، ولا توقيع إلهي عليه، لا قيمة له. ولهذا لابد أن نسعى بكل جهدنا لتطبيق بعض المفاهيم وتحقيقها في الخارج.
التوكل غير التواكل
إن الله سبحانه يحبه المتوكل، والتوكل غير التواكل. إننا عادة نتواكل بدل أن نتوكل. فعلى سبيل المثال: إن الطالب لا يدرس طوال السنة يرتع ويلعب ويلهو، ثم يريد بعد ذلك أن يكون من الناجحين. أو تجد إنسانا كسولا في العمل أو في التجارة، ولكنه يُريد مالاً وفيرا، أو يريد المقامات العالية عند الله عز وجل ولا يُجاهد بمقدار طلباته، ويدعي هؤلاء أنهم متوكلون على الله والحال أنه متواكلون. إننا عند نتشرف إلى الزيارة يطلب منا بعض الشباب الدعاء لهم، كأن يقول لنا الشاب: نسألك الدعاء، لأنني أصبحت أسير شهوتي، وعيني تزيغ إلى الحرام، أو يأتيني من يقول: إنني إنسان عصبي ومزاجي مزاج ضيق، وأنا سريع الغضب، فأسألكم الدعاء. هل ينفع أمثال هؤلاء دعائي إن لم يكونوا من أهل المجاهدة.
لا يستجيب الله سبحانه لهؤلاء
ومثل الذي لا يُستجاب دعائه، كمثال الذي له قارب على البحر مثقوب، ويقول: ادع لي أن أصل بهذا القارب إلى الجزيرة الفلانية. تقول له: يا رجل، إن قاربك مثقوب، ودعائي هذا لا ينفعك. أو لا يكون القارب مثقوبا، ولكن لا تكون للسفينة شراع وهنا تقول له: اذهب واشتر شراعاً. فإذا كانت سفينتك سليمة وشراعها مشرع، عندها تقول: يا رب، هب لي ريحاً طيبة تدفعني إلى الأمام، وهذا هو عمل رب العالمين. إن عملك القارب والشراع والتجديف، وعمله إرسال الرياح التي تزجي[٨] لك الفلك في البحر. إن عمل الزارع هو إلقاء البذور وجعلها في التراب، وعمله إرسال السحاب الممطرة. وهذا هو المتوكل. أما من لا أرض له، ولا زرع له، ولا بذر له، ولا ماء له، لا يستطيع أن يقول: اللهم ارزقني من الثمرات.
خرق القوانين الإلهية
ليس بناء الرب أن يعامل البشر كلهم معاملة إبراهيم الخليل (ع) الذي جعل الله سبحانه له النار برداً وسلاماً. لا تستطيع أن تضع يدك في النار وتقول: يا رب، اجعلها بردا وسلاما. إنك إن فعلت ذلك، قالوا لك: هل تضحك على نفسك؟ وسوف يأخذونك إلى المستشفى وأنت محترق. إن القانون الإلهي يقتضي أن يكون الماء مغرقا، ولكن الله سبحانه مرة واحدة في الدهر استثني موسى (ع)، وقال له: (ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡحَجَرَ)[٩]. فهل تلقي نفسك في الماء وتقول: يا رب، اجعله كالطود العظيم؟ إن ما حدث لموسى (ع) خرق القانون وهذا لا يكون إلا للأولياء وللأنبياء (ع).
لو أن أحدهم عند ضريح الحسين (ع) قال: يا أبا عبدالله، اجعل لي من اليوم فصاعداً النار برداً وسلاما. هل يستجيب الإمام (ع) له؟ وإذا احترق بعدها، هل يستطيع أن يعتب على الحسين (ع) ويقول: يا مولاي، أين الاستجابة؟ لا تكون الاستجابة هكذا.
إحدهما تريد المطر والأخرى لا تريد المطر
يُقال أن أحد الصالحين في الأزمنة القديمة من بني اسرائيل كان له صهران، أحدهما مزارع ينتظر المطر والآخر يصنع الفخار ويتمنى أن لا ينزل المطر، كيما يذوب الفخار. فذهب إلى بيت أحدهما يزور ابنته، فقال له: يا أبتاه، ادع لنا أن ينزل الله المطر، وذهب إلى منزل ابنته الأخرى فقالت له: ادع الله أن لا ينزل المطر، لكيلا يذوب هذا الفخار، فتحير الرجل في أمرهما، ودعا بدعاء جامع قائلا: اللهم كن لهما. ولهذا نجد هذا المضمون في أدعية شهر رمضان حيث نقول: كن لي فيما تقضي وتقدر.
أثر الدعاء في اختصار الطريق إلى الله عز وجل
إن من يريد المقامات العليا يجاهد نفسه، ويراقبها ثم يتوكل بعد ذلك على الله سبحانه ويدعوه أن يسهل له إلى ما يريد سبيلا. قد يسأل سائل فيقول: لم الدعاء، ما دمت أجاهد وأقوم بما يجب علي؟ ماذا تعمل مع إبليس الذي يوسوس لك؟ ماذا تعمل مع النفس الأمارة بالسوء؟ ماذا تعمل مع شياطين الإنس حواليك؟ أنت محاط بالأعداء، وبيدك سلاح بسيط لا تستطيع إلا أن تُقاتل به من أمامك؛ فماذا تصنع بالخلف؟ ماذا تصنع باليمين والشمال؟ أنت مغلوب، فقل: رب إني مغلوب فانتصر. جاهد وائت الحسين (ع)، وقل: خذ بيدي، كما أخذت بيد الحر، ونظرت إليه فصار حراً كما سمته أمه بنظرة ولائية منك.
خلاصة المحاضرة
- إن من يريد المقامات العليا يجاهد نفسه، ويراقبها ثم يتوكل بعد ذلك على الله سبحانه ويدعوه أن يسهل له إلى ما يريد سبيلا. قد يسأل سائل فيقول: لم الدعاء، ما دمت أجاهد وأقوم بما يجب علي؟ ماذا تعمل مع إبليس الذي يوسوس لك؟ ماذا تعمل مع النفس الأمارة؟ ماذا تعمل مع شياطين الإنس حواليك؟