• ThePlus Audio
Layer-5-1.png

سبع وصايا للمبلغ الناجح

بسم الله الرحمن الرحيم

الاهتمام بالمستمع وبمتطلباته

من التوصيات المهمة التي لا يستغني عنها الخطيب الناجح أولا: التنوع في الخطاب بما يُناسب جميع المستمعين. والتنوع الذي نجده في روايات أهل البيت (ع) يُمكننا من ذلك، فهي مليئة بالأبحاث المتنوعة التي تشمل جميع مناحي الحياة، وما من رطب ولا يابس إلا وقد ورد في رواياتهم الشريفة. ولابد أن يدعم الخطيب كلامه بالنصوص من أجل تأثير أكبر. فعندما يتحدث عن العلاقات الزوجية يذكر على سبيل المثال رواية هي الأعمق والأدق في هذا المجال وهي ما روي عن النبي الأكرم (ص): (قَوْلُ اَلرَّجُلِ لِلْمَرْأَةِ إِنِّي أُحِبُّكِ لاَ يَذْهَبُ مِنْ قَلْبِهَا أَبَداً.)[١]

ولابد أن تناسب الخطبة الصغار والكبار والنساء والرجال. إن الخطيب الناجح لا يركز في كلامه على فئة دون أخرى ويحاول معالجة مشاكل النساء كما يعالج مشاكل الرجال ويعالج مشاكل الأطفال كما يعالج مشاكل الشباب. إنه يرسم لوحة تناسب الجميع وخطبته أشبه بالفسيفساء. وفي المقابل تجد من الخطباء من يفتخر بنفسه قائلا: إنني أرتقي المنبر من دون تحضير وأستعين بمدد الله عز وجل. وهذا شأنه شأن من يطلب الرزق من سعي وهو كلام مردود بكل تأكيد. إن الخطيب إذا كان له مجلس في عشرة أيام، فلابد أن يتحدث عن المواضيع النافعة ولا يُكرر ما تحدث عنه في الخطب السابقة. ومن أجل ذلك، لابد أن تكون له خطة متكاملة يسير عليها، لكي يستفيد من الصغير والكبيرو المرأة والرجل.

الشيطان يتربص بالمميزين من العلماء

ثانيا: تربص الشيطان به والخوف من ارتكاب المعاصي الموبقة؛ فالشيطان يتربص بالمميزين من العلماء والخطباء وغيرهم. وإنني كنت أعرف خطيبا ناجحا جدا وقد حضرت بعض مجالسه وكان متميزا في ذكر المصيبة وكان يَبكي ويُبكي، إلا أنه دخل بعض المتاهات وقام ببعض المخالفات التي كنت أعلمها – ولعلي حذرته من ذلك – فأدت تلك المخالفات إلى أن يعاقبه الله عز وجل ويحرمه من الخطابة. لقد رأيته ذات يوم في حرم الرضا (ع) وقد حُرم من المنبر، فسألته عن حاله وعن علة حرمانه، فذكر لي: أنه أصيب بمرض في لسانه، حيث كان يتدلى من دون اختيار، فلا يُمكنه الكلام أبدا. إن رب العالمين بيده مقاليد الأمور؛ فيبتلي البعض بالنسيان، فينسى ما حفظه، ويبتلي البعض بمرض في الرجل لا يستطيع معه ارتقاء المنبر أو كما ابتلى صاحبنا آنف الذكر. وكما قيل: تعددت الأسباب والموت واحد. إن من لا يرتضيه المولى من الخطباء، يشطب اسمه ويطرده من الدائرة.

هل تضمن أن تبقى خطيبا موفقا؟

يُقال في الفلسفة: العلة المحدثة لا تغني عن العلة المبقية؛ فإن كنت خطيباً ولازلت خطيباً موفقاً، لا يعني ذلك أنك ستبقى كذلك. فالعاقل لا يأمن العواقب ويعلم أن الأمور بخواتيمها. وينبغي أن يراقب من أجل ذلك سلوكه طوال العام. لقد قال لي أحد العلماء: صل خلفي بارتياح في شهر محرم، فأنا عادل في هذا الشهر وتُعييني على ذلك أجواء العزاء. بالطبع إننا لا نقل هذا الكلام، إذ لابد أن يكون الخطيب عادلا طوال العالم ومستقيما في جميع أيام حياته. هذا ويصلي البعض صلاة الليل في الموسم فقط، خشية من عد التوفيق، والحال أنه ينبغي أن يكون في قمة الالتزام في الموسم أو خارجه.

حرمة الانتساب إلى الحسين (عليه السلام)

ثالثا: رعاية حرمة انتسابه إلى الحسين (ع). وهذا يشمل الرواديد وأصاحب المواكب؛ فهم جميعهم يُنسبون إلى الحسين (ع) وينبغي أن يحترموا هذا الانتساب. ولذا نرى الإمام الصادق (ع) يعظ أحد أصحابه ممن كان يرتكب منكرا، قائلا: (إِنَّ اَلْحَسَنَ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ حَسَنٌ وَإِنَّهُ مِنْكَ أَحْسَنُ لِمَكَانِكَ مِنَّا وَإِنَّ اَلْقَبِيحَ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ قَبِيحٌ وَإِنَّهُ مِنْكَ أَقْبَحُ)[٢]. فالخطيب لا يُقاس بغيره، ولا تقاس زلاته كذلك بزلات الآخرين.

مراقبة الخطيب سلوكه

فإذا راقب الخطيب سلوكه وأصبح من المتمزين، سيكون مصداق قول الله عز وجل: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَٰنُ وُدًّا)[٣]. وهنا ينفذ كلامه إلى قلوب الناس من دون أن يدعو الناس إلى نفسه وأن يروج لمجلسه. فحتى الطفل في ذلك المجلس، يُحب حديثه وإن لم يكن على علم بتفاصيل خطبته. وبالطبع لا يكون ذلك إلا بإفاضة من الله عز وجل. لقد روي عن الإمام الصادق (ع): (تَجِدُ اَلرَّجُلَ لاَ يُخْطِئُ بِلاَمٍ وَلاَ وَاوٍ خَطِيباً مِصْقَعاً وَلَقَلْبُهُ أَشَدُّ ظُلْمَةً مِنَ اَللَّيْلِ اَلْمُظْلِمِ وَتَجِدُ اَلرَّجُلَ لاَ يَسْتَطِيعُ يُعَبِّرُ عَمَّا فِي قَلْبِهِ بِلِسَانِهِ وَقَلْبُهُ يَزْهَرُ كَمَا يَزْهَرُ اَلْمِصْبَاحُ.)[٤]. فكيف إذا اجتمع المصباح مع حسن البيان؟ بالطبع سيكون له أثر كبير في نفوس الآخرين.

رابعا: أن يتحاشى ما تنكره عامة الناس، لما روي عن الإمام زين العابدين: (إِيَّاكَ وَمَا يَسْبِقُ إِلَى اَلْقُلُوبِ إِنْكَارُهُ.)[٥] وقد ورد في وصف الصالحين عنهم (ع): (لَيْسُوا بِالْبُذُرِ اَلْمَذَايِيعِ)[٦]. فلا ينبغي أن يقول ما لا تتقبله العقول وينبغي أن يتحدث بما يُمكنه فهمه واستعيابه ولا يُكثر مثلا من ذكر المنامات التي ليست حجة يُعول عليها. كيف ينقل الخطيب كرامة لأحدهم وهو لا يعلم صدقه من كذبه؟ ولا بأس أن ينقل ما يكون بمقدار ملح الطعام. لابد وأن يكون القول مستندا إلى ركن وثيق من آية محكمة أو رواية صحيحة أو ما شابه ذلك، ولا يجعل المعصوم في مقابل من رأى مناما، ولا يقول: قال الإمام (ع) وهو يعلم أن أصل ما يقوله مكاشفة من أخدهم، فهذا خلط للأوراق ينبغي الحذر منه.

ربط الناس بإمامهم (عجل الله فرجه)

خامسا: الارتباط بالحجة (عج) والتوسل به. إن منابر الحسين (ع) لا تخلو من رعاية ولده الحجة (عج). إن عين الإمام (عج) على المنابر وعلى الخطيب المبكي. فلطالما أبكى الخطيب إمام زمانه (عج) وهو لا يدري. ولذا ينبغي أن يكون الخطيب على صلة وثيقة به وأن يذكر الإمام (عج) في خطبه وربط الناس به ويرفع من مستوى الأمل ويمتص اليأس من قلوبهم، خاصة في زماننا الذي يكاد يغلب اليأس على قلوب النفوس. إنني سمعت من أحد الخطباء يقول: دعيت للمنبر في شهر رمضان المبارك في أحد المشاهد، فآليت على نفسي ألا أترك الحديث عن الإمام (عج) طوال ليالي الشهر المباركة ما عدا ليالي القدر وليلة ضربة وشهادة أمير المؤمنين (ع). وكان له من الكلام ما يُغطي شهرا كاملا. ولو قرأت كتاب مكيال المكارم وما ورد فيه حول وظائفنا في زمن الغيبة، لعلمت أن كل وظيفة منها تستغرق منبرا من المنابر.

الالتزام بما ورد في المقاتل

سادسا: الاكتفاء بما ورد في المقاتل ومراثي شعراء الطف، فلا داعي لاختراع المقاتل المزيفة. لا ينبغي أن ننقل بيتا لشاعر بلسان الحال ونحوله إلى لسان مقال ونقول: ورد عن المعصوم أو فعل المعصوم كذا. من أجاز لك ذلك؟ قل: إنه لسان الحال ومقتضى الطبع، وما نتصور، لا أن تنسب ذلك إلى المعصوم. ولا ينبغي كذلك نقل مصيبة لا سند لها، فذلك من موجبات ضعف التأثير.

لقد ذكر لي أحد العلماء؛ أن الكثير بعض مصائب الحسين (ع) لم تذكر لا في الكتب ولا على ألسنة الخطباء. فقلت له: عن أي المصائب تتحدث؟ فقل: كثيرة هي المصائب. فقلت له: أريد مثالا، فقال لي بانكسار: لا يُمكن ذكر بعض المصائب العظيمة.

طلب من الحسين (عليه السلام) أن يكون ناعياً، فأصبح من كبار النعاة

لقد نقل لي أحد الخطباء أنه كان ناعيا عاديا، فذهب إلى الحسين (ع) وقال له: يا أبا عبدلله، أريد منك حسا ولحنا وتوفيقا، حتى أتمكن من إبكاء كل من تحت المنبر حتى لو كان فيهم الشمر. إنه كان يطلب قدرة كبيرة على الإبكاء وذكر الشمر من باب المبالغة، فكان له ما أراد. إنني حضرت مجالسه، وقد كان في المجالس التي يحضر فيها جماعة متخصصة في إنعاس المغمى عليهم من كثرة البكاء. وذهبت معه إلى العمرة ذات يوم ودخلنا إلى البقيع، ووقفنا على قبور الأئمة (ع)، فأبكى كل من كان في البقيع، واكتفى بالصمت حتى المراقبون هناك وتوقفوا عن النهي.

اغتنام فرصة الدعاء بعد المجلس

سابعا: استثمار اللحظات الأخيرة من المجلس بعد البكاء. إن من أفضل ساعات الاستجابة، هي ساعة بعد المنبر وأنت على المنبر لم تنشف الدموع على الخدود، فحاول أن تدعو دعاء بليغاً. قد يستعجل البعض النزول من المنبر ويكتفي بذكر يا الله وأمن يجيب. والأجدر بالخطيب في هذه الساعة، اغتنام الفرصة وتغيير الجو الحسيني إلى جو توحيدي من خلال ذكر مقاطع من مناجيات الإمام زين العابدين (ع) كمنجاة التائبين أو المريدين أو الشاكرين.فليس هناك أفضل من اجتماع دمعتين: توحيدية وولائية. ألسنا نزور الحسين (ع) من جانب ونصلي لله ركعتين من جانب آخر؟ وبما أن هذه الساعة من أفضل ساعات الاستجابة؛ فتفنن وفصل في الدعاء.

أنت مغموس في رحمة الله عز وجل

أحدهم كان يصعد المنبر، ويقول: السلام عليك يا أبا عبدالله، ثم يسكت هنيئة، ثم يشرع في الكلام، فقيل له: ما سر هذا السكوت؟ فقال: إنني أتوقع أن يرد الإمام (ع) علي السلام وأشعر بارتياح في قلبي بعد السلام، لاعتقادي بأنه يرد سلامي وأسمعه بمسامع قلبي لا أذني. ولا ينبغي التعجب من ذلك، فنحن نخاطب الإمام (ع) قائلين: أشهد أنك تسمع كلامي وترد سلامي وترى مقامي. إنني لا أستبعد أن يرد الإمام (ع) السلام على الخطيب الموفق. وليعلم الخطيب أنه مرحوم بدعوة الإمام الصادق (ع): (اِجْتَمِعُوا وَتَذَاكَرُوا تَحُفَّ بِكُمُ اَلْمَلاَئِكَةُ رَحِمَ اَللَّهُ مَنْ أَحْيَا أَمْرَنَا.)[٧]. ورحم في اللغة العربية لمحقق الوقوع، كقول الله عز وجل: (إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ)[٨]. فإذا قال الصادق (ع): رحمك الله، فاعلم أنك مغموس في رحمة الله الواسعة. ويجدر بالخطيب أن يلتزم بزيارة عاشوراء في شهري محرم وصفر ويلهج بذكره صباحا ومساء بالسلام واللعن.

[١] الکافي  ج٥ ص٥٦٩.
[٢] بحار الأنوار  ج٤٧ ص٣٤٩.
[٣] سورة مريم: ٩٦.
[٤] الکافي  ج٢ ص٤٢٢.
[٥] أعلام الدین  ج١ ص٤٢٨.
[٦] الکافي  ج٢ ص٢٢٥.
[٧] وسائل الشیعة  ج١٢ ص٢٢.
[٨] سورة الواقعة: ١.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • إن الخطيب الحسيني منسوب إلى الحسين (ع) ولهذا الانتساب احترامه. ينبغي أن يراعي الخطيب حرمة هذا الانتساب ويبتعد عن كل قبيح وكل ما من شأنه الإساءة إلى هذا الانتساب. وقد روي عن الصادق (ع) أن قال معاتبا أحد الأصحاب: (وإِنَّ اَلْقَبِيح مِن كُلِّ أَحَدٍ قَبِيحٌ وإِنَّهُ مِنكَ أَقبحُ.)
Layer-5.png